محاسبة الحكام فرض على المسلمين وحق لهم
1990/06/07م
المقالات
2,618 زيارة
الحاكم المسلم تختاره الرعية ليحكمها ويرعى شؤونها، وإذا قصّر في هذه الرعاية وجبت محاسبته، وهذه المحاسبة غير حسبا الله له يوم الحساب جزاء تقصيره وتفريطه، فإن الله سبحانه قد جعل للمسلمين الحق في محاسبته وفرض هذه المحاسبة عليهم فرضاً على الكفاية. إذ جعل الأمة قوامة على قيام الحاكم بمسؤولياته، وألزمها بالإنكار عليه إذا قصر في هذه المسؤوليات، أو ساء في تصرفاته، فقد روى مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر فقد سَلم، ولكن من رَضَيَ وتابَع» أي من عرف المنكر فليغيره، ومن لم يقدر على تغييره فأنكر ذلك بقلبه فقد سَلم.
فالمسلمون من أفراد الرعية يجب عليهم أن يحاسبوا الحاكم للتغيير عليه، ويكونون آثمين إذا رضوا بأعمال الحاكم التي تُنكرْ وتابعوه عليها.
ومحاسبة الحكام تتم من خلال الأحزاب الاسلامية التي أرمها الله بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال سبحانه: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ[ ومعنى الآية: أوجدوا أيها المسلمون جماعة تقوم بعملين أحدهما أن تدعو إلى الخير والثاني أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والذي يبقيها جماعة وهي تعملُ وجودُ أمير لها تجب طاعته، لأن الشرعَ أمرَ كل جماعة بلغتْ ثلاثةُ فصاعداً بإقامة أمير قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا عليهم أحدهم» ولأن ترك الطاعة يُخرج من الجماعة.
إن رسوخ هذه المفاهيم عند الأمة الاسلامية يشكل حصانه لهم الآن قبل قيام دولتهم ومستقبلاً بعد قيامها، لأن أُمة تعي واجباتها ومسؤولياتها وتمارس المحاسبة للحاكم وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أمة هذه صفاتها يصعب تضليلها وخداعها مهما تحايل المتحايلون عليها، لأنه لو حاول الحاكم وصف الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر بالتطرف والتعصب والإرهاب فلن تصدقه الأمة لأنها هي التي أفرزت هذه الجماعة أو الجماعات وكلّفتها بالعمل. وإذا حاول الحاكم محاربة هذه الكتلة (الجماعة) التي تدعو إلى الخير، أو حاول تصفيتها وحلّها، فسوف تقوم الأمة بتكوين جماعة أو جماعات أخرى مكان الأولى لتتولى القيام بالفرض ولن تقف إلى جانب الحاكم مطلقاً لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»كما أمرنا صلى الله عليه وسلم. لذلك نقول بكل ثقة: إن الحكام وأعوانهم أُسقط في أيديهم منذ عرفت الأمة هذه الأحكام الشرعية وعملت بموجبها، وهي (أي الأمة) الآن أكثر حصانة من ذي قبل، وحتى لو أقام الحكام أنظمة تخدع البعض ببريقها الإسلامي وقالوا للعاملين لاستئناف الحياة الاسلامية: ارتاحوا، ها قد تحقق ما كنتم تسعون إليه، فإنهم لن يفلحوا بإذن الله، لأنهم سيجدون المحاسبة لهم بالمرصاد تكل التي لن تتوقف في كل زمان ومكان، وستشكّل لهم القلق والأرق وما يقض المضاجع. من هنا يتأكد لنا أن محاسبة الحكام هي الحصانة وصمَامُ الأمان للامة الاسلامية.
1990-06-07