سؤال وجواب
1990/05/07م
المقالات
2,648 زيارة
ورد إلى «الوعي»نص السؤال ونص الجواب التاليين. ولما رأت «الوعي» أن هذا الموضوع يتفق مع خطها في توعية المسلمين على قضاياهم الهامة رأت أن تنشره إسهاماً في حمل الرسالة.
السؤال:-
إذا كنت تعتقد بإمكانية قيام وحدة وتعاون بين التنظيمات الإسلامية الحركية (كالإخوان المسلمين، حزب التحرير الإسلامي، الجماعة الإسلامية في الهند والباكستان، جماعة التبليغ، السلفيين.. الخ) فما هو في نظرك التصور العملي لهذه الوحدة؟ وما هي أوجه التعاون والتنسيق التي يمكن أن تكون مظهراً لهذه الوحدة أو صورة للتعبير عنها؟
الجواب: بقلم د. توفيق مصطفى ـ ألمانيا
لا بد قبل الحديث عن وحدة الحركات الإسلامية من الحديث عن المجالات التي تجب فيها الوحدة، والمجالات التي لا تكون فيها الوحدة واجبة، ثم الحديث عن الحركات الإسلامية، ثم الحديث عن العلاقة بين هذه الحركات من أجل أن يكون الحديث متكاملاً.
بالرجوع إلى الأدلة الشرعية نجد أن الإسلام قد أوجب وحدة الأمة الإسلامية لقوله تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا[ ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم. إنهم أمّة واحدة من دون الناس، … وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، … وأن سلم المؤمنين واحدة…». وغير ذلك من الأدلة المستفيضة، كذلك نجد أن الإسلام قد أوجب وحدة الدولة والخلافة لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». رواه مسلم، وقوله عليه السلام: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمره قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه». وغير ذلك من الأحاديث. كما أن إجماع الصحابة قد انعقد على وحدة الخلافة والدولة. وبذلك يكون الشرع قد أوجب وحدة القيادة، والجيش الإسلامي أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده هم قادته الفعليين.
مما تقدم نستطيع بأن وحدة الأمة والدولة والقيادة والجيش أمر فرضه الشرع ويأثم المسلمون بمخالفته، ونستطيع القول بأن الوحدة هي الأصل أما الانفصال فإنه استثناء فتجب معالجته لإرجاع الأمر إلى أصله ووضع الطبيعي. وبالرجوع إلى النصوص التشريعية نجد أنها نصوص منها ما هو قطعي الثبوت كالقرآن الكريم كله والأحاديث المتواترة من السنة، ومنها ما هو ظني الثبوت كالأحاديث غير المتواترة. وهذه النصوص، أعني القرآن الكريم والسنة، منها ما هو قطعي الدلالة لا يحتمل معنى ثانياً ومنها ما هو ظني الدلالة يحتمل أكثر من معنى حسب القواعد الأصولية واللغوية. كما أن الله تعالى خلق البشر متفاوتين في عقلياتهم وقدراتهم وفهمهم للنصوص بالإضافة إلى أن المجتهدين (وهم بشر يتفاوتون لذلك في عقلياتهم وقدراتهم وفهمهم) قد اختلفوا في بعض القواعد الأصولية، وكذلك اختلفوا في الحكم على صحة بعض الأحاديث. كما أن الأحاديث التي وصلت إلى بعضهم لم تصل إلى بعضهم الآخر، وهذا كله يعني الاختلاف في الاستنباط، ولقد فصّل كثير من العلماء أسباب اختلاف الفقهاء، وكل من لديه اطلاع على آراء الصحابة رضوان الله عليهم يجد أنهم اختلفوا في كثر من الأحكام الشرعية، وكل هذا أمر مباح لم يحرمه الشرع، فلا يجب على المسلمين جميعاً النزول عند فهم واحد معين في كل المسائل الفقهية، بل إن هذا يعني عدم إدراك واقع النصوص التشريعية وعدم إدراك واقع البشر والجهل بالوقائع العديدة التي اختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم، وبعد الصحابة جاء التابعون وتابعوا التابعين وظهر الأئمة الأعلام واختلفوا في أصول الفقه والفقه وكانت اختلافاتهم مضبوطة بقواعد ذهبية حافظوا عليها حالت بينهم وبين التعصب أو ادعاء العصمة في الفهم، فقد كان لسان حال كل مجتهد منهم (رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب). وهذا ما أثرى الفقه الإسلامي وأوجد الحيوية عند الأمة والإبداع عند المجتهدين، ولم يرو أن أحد حاول حمل الناس على رأي واحد.
وحين بدأ الانحطاط يدب في الناس ظهر التعصب ووصل إلى أن يعتبر أحدهم أن كل آية أو حديث تخالف رأي مذهبه إما مؤولة أو منسوخة. ثم ازداد الأمر استفحالاً لدرجة أن ظهر من أبناء المسلمين من ينادي بنبذ الإسلام وراء ظهره والأخذ بالاشتراكية أو الرأسمالية مع أنهما أنظمة كفر، فهذه الاختلافات وما شاكلها ليست محل البحث هنا وهي أمور محرمة إذ يجب أن يظل الاختلاف محصوراً في الاختلاف في فهم النصوص وقواعد الاستنباط دون تعصب أو ادعاء عصمة الرأي والفهم. وفي حالة تعدد الآراء والإفهام فإن الإسلام قد أعطى الإمام صلاحية تبني رأي معين من هذه الآراء فيما يتعلق بكيان الأمة والدولة، وإلزام الناس بالعمل بالرأي دون إلزامهم باتخاذه رأيهاً لهم. فلقد تبنى أبو بكر الصديق بعض الأحكام الشرعية وإلزام الناس بها، وتبنى عمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب أحكاماً وألزموا الناس بها. وقد حدث هذا على مسمع من الصحابة ولم يسمع عن أحد منهم إنكار مما يعتبر إجماعاً من الصحابة على أن للخليفة أن يتبنى أحكاماً معينة يلزم الناس بها.. ولذلك وضعت القواعد الشرعية المعروفة (أمر الإمام يرفع الخلاف) (أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً) (للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات)، والتبني هنا إنما يكون لما هو من شؤون الحكم والسلطان وما يتعلق برعاية الشؤون وما يتعلق بوحدة الأمة وكيان الدولة، أما ما عدا ذلك مما يتعلق بأحكام الفرد فالأصل ألاّ يحمل الخليفة الأفراد على رأي معين.
وإذا نظرنا إلى الجماعات الإسلامية نجد أن الجماعات إنما تعددت لسببين:
أولهما:
إن الشرع أباح تعدد الجماعات والحركات والمذاهب وقد عاش المسلمون هذا الأمر فظهر الأحناف والشافعية والحنابلة والمالكية والظاهرية والجعفرية والزيدية وكل هذه المذاهب بمثابة جماعات أو حركات. ومستند هذه الإباحة قول الله تعالى: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ[ ذلك لأن لفظ أمة ورد في الآية الكريمة لا سبيل القيد، فإن الآية تعني أن من الواجب إيجاد جماعة فلو وجدت جماعة واحدة سقط فرض إيجاد الجماعة. ولا يجب إيجاد جماعتين فإذا وجدت جماعة واحدة فقد تحقق الفرض وأصبح وجود جماعة ثانية مباحاً. وكذلك فإن قوله تعالى: ]وأولئك[ إسم إشارة للجمع إلى أمة أي أن هذه الجماعات أو الأمم التي توجد هي مفلحة، فالإشارة إلى أمة بصيغة الجميع يفيد جواز الجمع والتعدد للجماعات.
الأمر الثاني:
إن كل حركة قد قامت بناء على فهم معين لطريقة العمل وفهم معين لتحديد الأولويات. وطريقة العمل قابلة لأكثر من فهم لأن النصوص المتعلقة بها نصوص ظنية الدلالة. فهناك من يقيس الواقع الحالي على واقع عمل الرسول الكريم في مكة وبالتالي لا يرى استخدام الأعمال المادية وهناك من ينظر إلى أحاديث المنابذة بالسيف على أنها هي الملزمة وهناك من يشخص المشكلة بأنها عدم وجود الدولة وهناك من يشخصها بأنها ضعف في الناحية الإيمانية لدى أفراد المسلمين ومن جراء هذا الاختلاف في الفهم تعددت الحركات.
للأمرين السابقين كان من الطبيعي أن تتعدد الحركات وبالتالي لا ينظر إلى تعدد الجماعات وكأنه أمر محرم بل يجب النظر إليه كأنه أمر طبيعي مباح.
وفيما نعلم لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يوجب وحدة الجماعات الإسلامية بمعنى اندماجها في حركة واحدة تمت إمرة أمير واحد تسير بفهم واحد بطريقة واحدة. ذلك أن هذا هو معنى وحدة الحركات الإسلامية. نعم لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يوجب هذه الوحدة وبالتالي فإن منع التعدد الحركي هو أيضاً جهل بطبيعة النصوص التشريعية وبطبيعة البشر وبطبيعة التكتلات وطريقة تكتلها.
وإذا كانت وحدة الحركات في حركة واحدة ليس غاية يسعى لها، لإباحة التعدد من جهة ولأن من الطبيعي أن تلتزم كل حركة بفهمها للطريقة، إلا أن هذا لا يعني أن يكون اختلاف الحركات الإسلامية إخلاف تدابر وتقاطع، فإن هذا محرم لا يجوز فإذا كان من الطبيعي أن تتعدد هذه الحركات فإن تقاطعها وتدابرها وانشغالها ببعضها البعض أمر ليس بالطبيعي بل يجب منعه والحيلولة دون وجوده.
وإذا كانت الوحدة الحركية ليست غاية، فإن الغاية يجب أن تكون جعل هذه الحركات والأحزاب تسير أعمالها حسب الشرع. أي أن تكون أفكارها وأعمالها مستنبطة من الأدلة الشرعية، وأن تكون غايتها جميعها استئناف الحياة الإسلامية، أي جعل المسلمين يحيون حياة إسلامية في تصرفاتهم وأعمالهم اليومية، وجعلهم يحكمون الشرع في كل صغيرة وكبيرة والعمل على إيجاد الإسلام في واقع الحياة والأفراد والمجتمع والدولة، وجعل هذه الجماعات لا تنشغل ببعضها مما يشغلها عن غايتها. فإذا وصلنا إلى هذا فقد تحققت الغاية التي نريد. والذي نريده أيضاً أن تلتقي هذه الجماعات للتدارس والتفاهم للعمل على تحقيق الغاية التي وجدنا من أجلها وهي استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية وهداية البشر ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[. لذلك يجب على هذه الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية جعل الأمة تأخذ مقاييس ومفاهيم وأفكار الإسلام لتصبح قناعات لديها ولا بد من التعاون في هذا المضمار وجعل الغاية لدى هذه الحركات ولدى الأمة هي علاج القضية الأولى للأمة وهي استئناف الحياة الإسلامية بإيجاد الخلافة. ولذلك لا بد أن تعمل كل هذه الحركات لحل هذه المشكلة (كل حسب فهمه وطريقته التي تبناها) لأن هذه المشكلة هي أم المشاكل. ولا يجوز الانشغال بالأمور الجانبية التي تصرف الجماعة عن هذه الغاية كأن يصبح جل همّها الوعظ والإرشاد أو التعليم أو التأليف العملي الذي يحول الحركة إلى أكاديمية علمية أو يحول الدعاة إلى مؤلفين أو وعاظ أو قضاة. لا يجوز الانشغال بهذا أو ما شاكله لأن هذا يصرف الجماعات عن عملها الأساسي.
والناحية العملية في هذا المجال تتحقق باللقاء بين الحركات على المستوى القيادي أولاً حتى يمكنها أن تفهم بعضها البعض وأن تبتعد عن مهاجمة بعضها البعض وتهجمها على بعضها البعض. وحتى يمكنها بحث مواطن الاتفاق ومواضع الاختلاف. فإن كان الاختلاف في نطاق الشرع أي كانت الآراء شرعية فلا ضير في ذلك ولا يكون الاختلاف هنا مدعاة للفرقة أو التشاحن، وإن كان الاختلاف نتيجة مخالفة الشرع فلا بد من الرجوع للحق.
ولا بد لهذه الجماعات أن تعتبر نفسها جماعات إسلامية ضمن جماعة المسلمين، ولا يجوز لواحدة منها أن تعتبر نفسها أنها هي الصف، أو أنها وحدها جماعة المسلمين، ومن يخالفها في الفهم أو الطريقة يعتبر وكأنه خارج على الجماعة أو مفرق للصف. صحيح أن كل حركة تعتبر فهمها وطريقتها صواباً وإلا لما اتبعته، ولكن فرق بين أن تعتبر جماعة ما أنها صواب وبين أن تعتبر جماعة ما أنها هي جماعة المسلمين، وأن ما عداها من الحركات يخرج عن كونه من جماعة المسلمين. فإن هذا أمر لا يجوز شرعاً. وهذا ما حصل مع حزب التحرير حتى الآن. إذ هاجمته كثير من الحركات الإسلامية هجوماً متقصداً جائزاً لا يقره الشرع ووصل الهجوم حد الافتراء في بعض الأحيان وتم تأليف كتب عديدة من اتجاهات عديدة ضد الحزب وجرى نشر هذه الكتب في أنحاء المعمورة وجرت ترجمة بعضها إلى لغات أخرى غير العربية، ولقد حدث هذا بشكل مستمر متواصل. سواء في مقالات نشرت في بعض المجلات أو كتب جرى تأليفها من قبل العديد من المؤلفين الذين ينتمون للحركات الإسلامية وتضمنت هذه المقالات والكتب هجوماً على الحزب افتراءً وكذباً دون أن يراعى الصدق أو الشرق أو الموضوعية. ولقد آثر الحزب ألاّ يرد على كل ما نشر لا لشيء إلا لإدراك الحزب بأن هذا يشغل الحزب عن غايته، وإدراك الحزب بأن الرد يعني الرد على الرد ومن ثم تبادل الردود بحيث ينشغل الجميع في دوامة الردود.
حدث كل هذا مع أن حزب التحرير لا يهاجم الحركات الأخرى ذلك لأن الحزب يتعامل مع الآراء الإسلامية التي تخالف رأيه بطريقة تختلف عن تعامله مع الأفكار والآراء غير الإسلامية.
يقول حزب التحرير في كتاب (دخول المجتمع) وهو نشرة صدرت في السنين الأولى لتأسيس الحزب ما نصه:
[أما الأفكار الإسلامية التي تخالف ما يتبناه الحزب فإنه يبين خطأ الفهم ولكن لا يهاجم بل يصرح بأنها رأي إسلامي ولكنها ضعيفة الدليل فهي آراء إسلامية ولا تمنع من دخول المجتمع لأنها لا تحدث فيه ميوعة. إذ هي إسلام كالآراء التي يتبناها الحزب تستند إلى دليل أو شبهة دليل].
وعلى سبيل المثال نضرب مثالاً واحداً من أمثلة عديدة احتوتها هذه الكتب والمقالات المشار إليها وهو موضوع الاستدلال بخبر الواحد في العقيدة. فإن كل الكتب المشار إليها تهاجم الحزب على هذا الرأي وتقيم الدنيا ولا تقعدها على الحزب دون النظر إلى أن كبار أئمة المسلمين وعلماء الأصول يقولون بهذا الرأي. وكل من لديه اطلاع على كتب أصول الفقه يرى أن جمهور علماء الأصول ذكروا أن الحديث المتواتر يفيد العلم والعمل في حين أن خبر الواحد يفيد العمل لا العلم. ثم مع كل هذا نجد أن كثيراً من العلماء المعاصرين أمثال سيد قطب والدكتور محمد أديب الصالح والدكتور عبد الله عزام يقولون بأن خبر الواحد ليس حجة في العقيدة، ومع ذلك يفرد الحزب وحده بالمهاجمة.
لقد سقنا هذا المثال للدلالة على أن الحركات الأخرى عاملت التحرير على صعيد يختلف عن الصعيد الذي حدده الحزب للتعامل مع الحركات الإسلامية الأخرى.
لذا فإن اللقاء مستوى القيادات أمر ضروري لإزالة مثل هذه الأمور والبحث الجاد والجدّي للوصول إلى وسائل وأساليب تدفع بالدعوة قدماً إلى الأمام.
ثم لا بد من اللقاء على مستوى أفراد الحركات أنفسهم وأن يفهم الأفراد أنهم مسلمون قبل كل شيء. فحامل الدعوة مسلم قبل أن يكون في حزب أو جماعة، وعلاقة هؤلاء الأفراد يجب أن تكون علاقة الأخ بأخيه، ويجب أن يضع الجميع نصب أعينهم قوله تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا[ فإذا جعلوا هذا نصب أعينهم يبقى عليهم الإدراك أنهم أخوة وإن اختلفوا، ذلك لأن اختلافهم هو اختلاف الأخ مع أخيه، فلا يجوز أن يتخذ بعضهم بعضاً عدواً. لذلك لا بد من أن يجتمع الأفراد في المساجد والمدارس والجامعات والبيوت وفي كل مكان يوجدون فيه. ولا بد من أن يتحدثوا مع بعضهم البعض بأفكار الإسلام ويعملوا جميعاً لإيجاد الإسلام في واقع الحياة، ولا بد أن يدرك الجميع أن دعوتهم جميعاً يجب أن تكون للإسلام وليست للحزب أو الجماعة أو الأشخاص، وأن الولاء للإسلام وليس للحزب أو الجماعة أو الأفراد. وينبغي أن يدرك كل فرد أنه مع أخيه في خندق واحد ضد الكفر والكفار. فإذا حصل هذا الإدراك يزول التعصب للحزب أو الجماعة أو الأشخاص، ذلك لأن الاتباع إنما يكون للإسلام، والطاعة إنما تكون طاعة واعية.
فإذا حصل اللقاء بين القيادات والأفراد فقد حصل اللقاء والتعاون بما فيه فائدة الدعوة الإسلامية ودفعها إلى الأمام بمشيئة الله تعالى.
ثم أن على جميع الحركات الإسلامية أن تدرك أن الخلافة إنما هي خلافة إسلامية وليست خلافة تحريرية أو اخوانية أو تبليغية أو غير ذلك. وأن الخليفة الذي يبايع إنما هو إمام للمسلمين ونائب عن المسلمين، ولا يجوز أن يكون الخليفة نائباً عن حزب أو جماعة، ولا يجوز للخليفة أن يقدم مصلحة الحزب الذي كان ينتمي إليه أو ما زال ينتمي إليه على مصلحة المسلمين، إذ بمجرد انعقاد البيعة له يكون نائباً عن المسلمين في تطبيق أحكام الشرع يرعى شؤون المسلمين جميعاً بوصف المسلمين رعية وهو راع لهم.
وهذا يعني أن كل حركة يجب أن تعتبر أن إقامة الخلافة الإسلامية من قبل أي جماعة أخرى إنما يعني عند ئذ العمل على مبايعة الخليفة، وأن تعمل كل حركة على ضم القطر الذي تعمل فيه إلى الخلافة بغض النظر عن الحركة التي توصلت إلى إقامة الخلافة. فلو تمكنت الجماعة الإسلامية مثلاً في باكستان من إقامة دولة الإسلام وانطبقت على القطر الباكستاني شروط دار الإسلام بأن أصبح أمان الناس وسلطانهم هناك بأمان الإسلام وسلطانه وبادر الخليفة بتطبيق أحكام الإسلام كاملاً غير منقوص وأعطى البيعة على أنه خليفة للمسلمين جميعاً لا للباكستانيين، وبادرت الدولة بحمل الإسلام إلى الخارج، عند ئذ يجب على الحركات الأخرى التي تعمل في غير الباكستان مثل حزب التحرير أو الإخوان أو التبليغ أو غيرهم أن تبادر بمبايعة الخليفة والعمل لضم الأقطار الأخرى للخلافة. فليس المهم على من يتنزل نصر الله أولاً بل المهم أن يتنزل النصر من الله على أية حركة إسلامية، فالخلافة للمسلمين جميعاً والنصر للحركات جميعها لا لواحدة منها.
بهذا نستطيع القول بأن التعدد الحركي عامل إيجابي يثير في الأمة الحيوية ويقرّب الجميع من نصر الله الذي نرجو أن يكون قريباً.
هذه هي بعض الخطوط العريضة للإجابة عن السؤال المذكور ولعّل النقاش الحيّ والبعيد عن المراسلات يفتح آفاقاً واسعة للعمل.
وأخيراً ندعو الله أن يوفقنا جميعاً للعمل لما يرضيه سبحانه وتعالى وندعو الله تعالى أن يثبتنا جميعاً على الحق والعمل لإقامة دولة الإسلام. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يحقق ما نصبو جميعاً إليه من إقامة الخلافة الإسلامية وجمع شمل المسلمين الذين دبّت فيهم أحاسيس النهضة. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يمكننا جميعاً من تحقيق هذا كله للانطلاق بعد ئذ لإخراج الناس جميعاً من الظلمات إلى النور، ولإنقاذ البشرية مما تتردى فيه من ظلم وفساد وشقاء وبؤس ونكد وقلق واضطراب. وما ذلك على الله بعزيز.
1990-05-07