مع القرآن الكريم
1990/05/07م
المقالات
1,805 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون 52)
(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء 92)
درج كثير من أهل العلم هذه الأيام على الاستدلال بهاتين الآيتين الكريمتين على وحدة الإسلام الإسلامية. ونريد أن نلفت النظر أن هذا الاستدلال في غير محله.
الخطاب موجه للأنبياء ويشمل اتباع الأنبياء بالتبعية. والمقصود بالأمة هنا هو الدين أو الملة. وليس المقصود بالأمة هنا مجموعة الناس الذين اتبعوا هذا الدين. وهذا المعنى يكاد يجمع عليه أهل التفسير.
قال صاحب الجلالين: (وَإِنَّ هَذِهِ) أي ملة الإسلام (أُمَّتُكُمْ) دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها (أُمَّةً وَاحِدَةً) حال لازمة.
وقال الشوكاني في فتح القدير: ثم لما ذكر سبحانه الأنبياء بيّن أنهم كلهم مجمعون على التوحيد فقال: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) أي على دين، ومنه (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) كأنه قال: إن هذا دينكم واحد لا خلاف في الأمم المختلفة في التوحيد. وقيل المعنى: إن هذه ملتكم ملة واحدة وهي ملة الإسلام وقيل المعنى: إن هذه الشريعة التي بيّنا لكم في كتابكم شريعة واحدة.
ونحن لا نوافق على المعنى الأخير الذي أورده الشوكاني، لأن الأنبياء لهم دين واحد بمعنى الملة الواحدة أو بمعنى العقيدة الواحدة التي هي عقيدة التوحيد، أما الشرائع فيوجد فيها اختلاف بين الأنبياء لقوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).
وقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) لمّا ذكر الأنبياء قال: هؤلاء كلهم مجتمعون على التوحيد؛ فالأمة هنا بمعنى الدين الذي هو الإسلام؛ قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما. ومنه قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ). وقال النابغة:
حَلَفْتُ فلمْ أتركْ لنفْسِكَ ريبَةٍ
وهلْ يَأْثَمَنْ ذو أمةٍ وهو طائُع
وقد استشهد الطبرسي على كون معنى الأمة هنا هو الدين بقوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) أي هذا دينكم دين واحد عن ابن عباس ومجاهد والحسن. وأصل الأمة الجماعة التي على واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماعهم بها على مقصد واحد.
وقد استشهد الطبرسي على كون معنى الأمة هنا هو الدين بقوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) واستشهد ببيت النابغة المذكور أعلاه.
وقال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) يقول دينكم دين واحد.
أما من رام الاستدلال على أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يشكلون أمة واحدة فهناك أدلة كثيرة تنطبق على هذا المعنى. فقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقوله تعالى: (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يَحْقرُه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحُمِهم وتعاطُفهم مَثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى» وما كتبه صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم. إنهم أُمّة واحدة من دون الناس… وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم… وإن أَيْدِيَهُمْ عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم… وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس… وإنَّ سِلْمَ المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمنٍ في قتال في سبيل الله…».
هذه النصوص من آيات وأحاديث تدل على المعنى المقصود. وإذا أضفنا إليها النصوص التي توجب على المسلمين في الدنيا (الذين هم أخو وأمة واحدة) أن تكون لهم دولة واحدة، خليفة واحد، ظهر لنا المعنى بأجلى مظاهره.
1990-05-07