صرخة في أعماق المسلمين
1990/05/07م
المقالات
2,174 زيارة
في قرارة نفسي كلمة صغيرة تداهمني يومياً، كلمة لا جدال فيها تقف عند: (غيبة الضمير المسلم). لست أدري بأي أسلوب أصيغ هذه الكلمة إلى عامة المسلمين ـ إلى من شغلتهم الدنيا عن الدين ـ إلى الذي أغمض عينيه عن الأحداث التي تعيشها أمته الإسلامية اليوم. ألم يأن أن يستيقظوا من نومهم الذي دال… متى يتعظون بما حذرهم الله سبحانه به عن مكر اليهود وغيظ الكافرين ـ متى يستيقظ هذا الضمير ويأخذ بزمام أمر أمته!!..
وقفت كثيراً وتأملت كثيراً عندما قرأت مقولة لأحد الحاقدين على الإسلام وقد صرّح بها قائلاً: (إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم، فلما سأله أحد الصحفيين: لكن المسلمين مشغولون بخلافاتهم ونزاعاتهم. أجابه: أخشى أن يخرج منهم من يوجه خلافهم إلينا).. نعم لا يصلح حال أمتنا اليوم إلا بما صلح به أولها، فطريقها واضح وسهل العبور إذا ما جددنا التوبة مع الله وأيقنا يقيناً كاملاً بأن الله ينصرنا إذا أجهدنا أنفسنا بإخلاص وصدق في إعلاء كلمة الحق. قد أخبرنا بها الله سبحانه في كتابه: ]وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ[ فمؤخراً زحف الجيش الأحمر لإحدى عواصم الجمهوريات الإسلامية «أذربيجان» ويطرح السؤال نفسه لماذا فرح العالم بأسره بتخطي الألمان الشرقيين لحائط برلين للقاء إخوانهم واستقبلوا بالورود بينما يحزن هذا العالم عندما يتخطى مسلمو «أذربيجان» نهر «أراكس» في الشتاء البارد لكي يتمكنوا من الصلاة مع إخوانهم في الضفة الأخرى واستقبلهم بالرصاص؟.. والأمر الثاني هجرة اليهود السوفيات لتقوية إسرائيل والقضاء على المد الإسلامي المتزايد. إن الجراح الجديدة حرّ:ت الجراح القديمة حتى نكاد نصيح: أما تنتهي هذه الآلام التي يتعرض هلا إخوان لنا في العقيدة في كل مكان.
والحقيقة التي لا بد منها أن العمل للوحدة الإسلامية شرف باذخ ومجد شامخ وضرورة حياة، فيجب على العرب قبل غيرهم من الأجناس التي تكون الأمة الإسلامية الكبرى أن يدركوا هذه الحقيقة وأن يربطوا ولاءهم بدينهم لا يجنسيتهم وأن يستضيئوا في نهضتهم بشرائع الإسلام وشعائره لا بالفضلات التي يلتقطونها من موائد الغرب أو الشرق، وأن يحققوا شروط التمكين الذي ذكرها الله سبحانه في كتابه الكريم ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ[.
إن الوحدة الإسلامية المنشودة هي وحدها الكفيلة بمواجهة التحديات المعاصرة، واستئناف الوظيفة الحضارية هو إسمنت هذه الوحدة يقرب البعيد ويلين القاسي ويقضي على الحواجز النفسية والاجتماعية والسياسية بين الشعوب ويجعلها أمة واحدة ]وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ[. لقد أشار أحد المستشرقين إلى مقومات القوة في العالم الإسلامي وحصرها في ثلاثة عوامل وأنذر وحذر والغرب منها:
1- قوة الإسلام كدين روعة الاعتقاد به والاستمساك بمثله وفي مؤاخاته بين أتباعه على اختلاف أجناسهم وألوانهم ومشارب ثقافاتهم.
2- وقوة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة العالم الإسلامي تمثل وحدة اقتصادية من المحيط الأطلسي على حدود مراكش غرباً إلى المحيط الهادي على حدود إندونيسيا سليمة قوية تحقق الاكتفاء الذاتي للعالم الإسلامي.
3- خطورة النسل البشري لدى المسلمين مما يجعل قوتهم العددية متزايدة نامية.
وهذا ما يخشاه الأعداء؛ فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة ووحدة المنهج وغطت ثروتهم الطبيعية عددهم المتزايد كان الخطر الإسلامي خطراً معلناً بفناء أوروبا وبسيادة دعوة عالمية في المنطقة هي مركز العالم كله.
ونحن نقول لهذا الحاقد وأمثاله: لماذا هذا الخوف كله من الإسلام، ما عرفت البشرية أرأف ولا أرحم منه ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[. إن الناس من حولنا يتجمّعون على عقائدهم ويتنادون بشعاراتها، وإذا سمحنا لأسباب الفرقة أن تنال منّا فلا مستقبل لنا لأننا لن نكون: ]وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ..[ ]قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ @ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ[.
إن الإسلام تمر به أيام عجاف وإذا كانت كلاب الأرض وذئابها تنهشنا فإنّ السبب ليس من غيرنا بل من أنفسنا قال الله سبحانه: ]أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ..[ وقال: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[ وهذا ما يخشاه الكفار ويحسبون له ألف حساب. فالتشتت والفرقة بين المسلمين حقيقة واقعة وستبقى موجودة حتى يعود المسلمون إلى الإسلام، وحتى تكون للقرآن مكانته العملية، وحتى تعود للسنة مكانتها العملية والتطبيقية.
أمتي ماذا تريدين بعد هذا؟!.. آن لك يا أمتي أن تستفيقي وتنهضي!.. أمتي قدوتك محمد صلى الله عليه وسلم وحسبك شرفاً بهذا النبي العظيم. وحسبك شرفاً وكرامة برسالة الإسلام. وحسبك شرفاً وتكريماً بالمعجزة الخالدة القرآن العظيم.. وأختم قولي بمقولة قالها أحد الدعاة والمجاهدين عبد رب الرسول سيّاف قال يوماً جزاه الله خيراً: [أخشى يوماً أن يقول فيه المسلمون أُ:ِلنا يوم أُكِلت أفغانستان].
والحقيقة أننا أُكلنا يوم هدمت الخلافة الإسلامية، وقَبْلها يوم أهملنا تمسكنا بالإسلام. اللهم أنصر الإسلام والمسلمين. وحكّم دولة القرآن واضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين. وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم..
من العبدة الضعيفة التي تخشى ضياع أمتها
الآنسة بن حمو رحمونة ـ الجزائر
1990-05-07