ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام لسلطان العلماء العز بن عبد السلام
2013/07/29م
المقالات
3,837 زيارة
ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام
لسلطان العلماء العز بن عبد السلام
قال سلطان العلماء عزُّ الملة والدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام، رحمه الله:
«الحمد لله ذي الجود والإحسان، والفضل والامتنان، والعز والسلطان، ومكوِّن الأكوان، ومدبِّر الأزمان، وعالم السر والإعلان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الدَّيَّان، العظيم الشان، الذي لا يناله الوهم، ولا يدركه العيان.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالنور والبيان، والهدى والفرقان، والحجج والبرهان، ليظهره على الأديان، فدعا إلى الرحمن، وكسر الأوثان، وأباد أهل الكفر والطغيان، صلى الله عليه وعلى آله في كل حين وأوان، ووقت وزمان، ما ارتفع النسران، واصطحب الفرقدان.
وبعد حمد الله على أن حبب إلينا الإيمان، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان: فإن الله تعالى جعلنا من أهل الشام الذي بارك فيه للعالمين، وأسكنه الأنبياء والمرسلين، والأولياء والمخلصين، والعباد الصالحين، وحفَّه بملائكته المقرَّبين، وجعله في كفالة رب العالمين، وجعل أهله على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم إلى يوم الدين، وجعله معقل المؤمنين، وملجأ الهاربين، (ولا سيما دمشق المحروسة) الموصوفة بالقرآن المبين، بأنها ربوة ذات قرارٍ ومعين، كذلك روي عن سيد المرسلين، وجماعة من المفسرين، وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام لإعزاز الدين، ونصرة الموحدين، وقتل الكافرين، وإبادة الملحدين، وبغوطتها عند الملاحم فسطاط المسلمين.
فما يدل على بركة الشام:
قوله تعالى: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
وقوله تعالى: بْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) واختلف العلماء في هذه البركة:
فقيل: هي بالرسل والأنبياء.
وقيل: بما بارك فيه من الثمار والمياه.
وقد وفَّر سبحانه وتعالى حظ دمشق بما أجرى فيها من العيون والأنهار، وسلكه من مياهها خلال المنازل والديار، وأنبته بظاهرها من الحبوب والثمار، وجعله موطناً لعباده الأخيار، وساق إليها صفوته من الأبرار.
ومما ذكره علماء السلف في تفسير آي من القرآن :
فمن ذلك: ما رواه قراء القرآن عن الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، وما رواه معمر عن قتادة بن دعامة السدوسي في قوله تعالى ((وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)) قالا: مشارق الشام ومغاربه.
وهذا موافق لقوله تعالى:(( بَارَكْنَا حَوْلَهُ))
ومنه ما رواه معمر، عن قتادة في قوله تعالى: ((وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ)) قال: بوَّأهم الله تعالى، الشام وبيت المقدس، مبوَّأ صدق، فالصدق يعبر به عن الحسن استعارةً، وتجوزاً، كقوله تعالى: ((فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ )) أي مقعد حسن.
وقد يكون المبوَّأ حسناً لما فيه من البركات الدينية، وذلك موجود وافر بالشام وبيت المقدس. أو يكون حسنه لبركاته العاجلة بسعة الرزق والثمار والأشجار.
ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فمنه:
ما رواه أبو إدريس (عائذ) بن عبد الله الخولاني عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستجندون أجناداً: جنداً في الشام، وجنداً في العراق، وجنداً في اليمن» قال: قلت: يا رسول الله، خِرْ لي، قال: «عليك بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفَّل لي بالشام وأهله» أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود في الجهاد: باب في سكنى الشام. والطبراني من طريقين، وقال الهيثمي: ورجال أحدهما رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.
قال سعيد بن عبد العزيز أحد رواة هذا الحديث، وكان ابن حوالة من الأزد، وكان مسكنه الأردن، وكان إذا حدَّث بهذا الحديث قال: ومن تكفَّل الله تعالى به فلا ضيعة عليه.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته: حفظه وحياطته، ومن حاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة عليه، كما قال ابن حوالة .
ومنه ما رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج من حضرموت – أو بحر حضرموت – نار تسوق الناس، قلنا: يا رسول الله، ما تأمرنا ؟ قال: عليكم بالشام» . أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
أشار صلى الله عليه وسلم بالشام عند خروج النار لعلمه بأنها خير للمؤمنين (حينئذ) من غيرها ، والمستشار مؤتمن .
وقد درج العلماء على الإشارة بسكناه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عطاء الخراساني: لما هممت بالنقلة، شاورت من بمكة والمدينة والكوفة والبصرة وخُراسان من أهل العلم، فقلت: أين ترون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقولون: عليك بالشام .
ومما رواه عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة، تحمله الملائكة، فقلت: ما تحملون؟ فقالوا: عمود الإسلام، أُمرنا أن نضعه بالشام. وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختُلس من تحت رأسي، فظننت أن الله تعالى قد تخلَّى من أهل الأرض، فأتبعته بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام». فقال ابن حوالة: يا رسول الله خِرْ لي، قال: «عليك بالشام» .
ورواه عبد الله بن عمرو بن العاص دون قول ابن حوالة: «رأيت ليلة أُسري بي»، وزاد فيه بعد قوله: «حتى وضع بالشام»: «ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام». أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط بأسانيد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد في أحدها ابن لهيعة وهو حسن الحديث. وقد توبع على هذا، وبقية رجاله رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرطهما وأقره الذهبي، وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق وحسَّنه.
أخبر صلى الله عليه وسلم أن عمود الإسلام الذي هو الإيمان يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى : أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام براء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان. وأي مدح أتم من ذلك.
والمعني بعمود الإسلام: ما تعتمد أهل الإسلام عليه ويلتجئون إليه، والعيان شاهد لذلك، فإنا رأينا أهل الشام على الاستقامة التامة، والتمسك بالكتاب والسنة عند ظهور الأهواء واختلاف الآراء .
وقد قال عبد الله بن شوذب: تذاكرنا بالشام، فقلت لأبي سهل: أما بلغك أنه يكون بها كذا؟ فقال: بلى، ولكن ما كان بها فهو أيسر مما يكون بغيرها.
والذي ذكره معلوم بالتجربة، معروف بالمشاهدة، أن الفتن من القحط والغلاء، وغير ذلك من أنواع البلاء، إذا نزلت بأرض كانت بالشام أخف منها في غيرها.
ومنه ما رواه سلمة بن نُفيل الحضرمي، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سمنت الخيل، وألقيت السلاح، ووضعت الحرب أوزارها، قلت: لا قتال. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن جاء القتال، لا تزال طائفة من أُمتى ظاهرين على الناس، يزيغ الله قلوب أقوام فيقاتلونهم، ويرزقهم الله تعالى منهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة». أخرجه أحمد في المسند، والنسائي في أول كتاب الخيل، والطبراني في المعجم الكبير، قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات. وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالردة التي تقع ممن أراد الله تعالى أن يزيغ قلبه عن الإسلام. فأشار عليه بقتال المرتدين، ثم بسكنى الشام إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن المقام بها رباط في سبيل الله تعالى، وإخباراً بأنها ثغر إلى يوم القيامة، وقد شاهدنا ذلك، فإن أطراف الشام ثغور على الدوام .
ومنه ما رواه عبد الله بن حوالة أنه قال: «يا رسول الله خِرْ لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك شيئاً. قال: «عليك بالشام»، فلما رأى كراهيتي للشام قال: «أتدري ما يقول الله تعالى في الشام؟ إن الله تعالى يقول: يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أُدخل فيك خيرتي من عبادي، إن الله تعالى تكفَّل لي بالشام وأهله». أخرجه الطبراني وبنحوه أبو داود، والربعي في فضائل الشام.
وهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الشام، وتفضيلها، وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا ذلك بالمشاهدة، فإن من رأى صالحي أهل الشام، ونسبهم إلى غيرهم، رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم .
ومنه ما رواه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّفُ القرآن في الرقاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لأهل الشام». فقلت: وبمَ ذاك؟ فقال: «إن ملائكة الرحمة – وفي رواية ملائكة الرحمن – باسطة أجنحتها عليها». أخرجه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب، وابن حبان والطبراني، والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي.
أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الله سبحانه وتعالى وكل بها الملائكة يحرسونها ويحفظونها ، وهذا موافق لحديث عبد الله بن حوالة في أنهم في كفالة الله تعالى ورعايته .
ومنه ما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا» مرتين، فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «من هناك يطلع قرن الشيطان ، وبها تسعة أعشار الشر». أخرجه أحمد في المسند واللفظ له. والطبراني في المعجم الكبير، وفي الأوسط. وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح. وأخرجه البخاري في الاستسقاء.
لما بدأ بالدعاء للشام بالبركة وثنَّى باليمن، دل على تفضيل الشام على اليمن مع ما أثنى به على أهل اليمن في غير هذا الحديث، فإن البداية إنما تقع بالأهم فالأهم.
ومنه ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام، وواحد في سائر البلدان. والشر عشرة أعشار، واحد بالشام، وتسعة في سائر البلدان، وإذا فسد أهل الشام، فلا خير فيكم». أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وهذا مما يحث على سكنى الشام، ويدل على الثناء على أهله لاتصافهم بتسعة أعشار الخير، واتصاف سائر الأقاليم بالمعشار.
ومنه ما رواه عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرب الأرض قبل الشام بأربعين سنة».
ومنه ما رواه عمير بن هاني قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما على هذا المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أُمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس»، فقام مالك بن يخامر السكسكي، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت معاذ بن جبل يقول: «وهم أهل الشام» فقال معاوية، ورفع صوته: هذا مالك، يزعم أنه سمع معاذاً : «وهم أهل الشام» . ( أخرجه البخاري ومسلم )
ومنه ما رواه معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولن تزال طائفة من أُمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة». (أخرجه الطيالسي والترمذي وأحمد)
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: «ليأتين على الناس زمان لا يبقى على الأرض مؤمن إلا لحق بالشام « ومثل هذا لا يقوله إلا توقيفاً. أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي.
ولما علم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين تفضيل الشام على غيره، دخل إليه منهم عشرة آلاف عين رأت النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكره الوليد بن مسلم .
ومما ذكره كعب الأحبار عن التوراة قال:
« في السطر الأول : محمد بن عبد الله (عبدي) المختار، لا فظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر. مولده مكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام .
وفي السطر الثاني: محمد رسول الله: أُمته الحمادون، يحمدون الله تعالى في السراء والضراء، ويحمدون الله تعالى في كل منزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كُناسة ( قمامة )، ويأتزرون على أوساطهم، ويوضئون أطرافهم، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل» .
والذي ذكره كعب موافق للمشاهدة والعيان، فإن قوة ملك الإسلام، ومعظم أجناده من أهل البسالة والشجاعة بالشام.
وقال كعب الأحبار: إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش .
وقد أشار كعب إلى أن البركة بالشام، وأن قوله ((الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) لا يختص بمكان منه دون مكان، وإنما هو عام مستوعب بحدود الشام.
* * *
فصل في تفضيل دمشق على الخصوص، فمن ذلك ، ما جاء في تفسير آي من القرآن منها قوله تعالى: ((وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ))
روى أبو أُمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية:(( وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ )) قال: «أتدرون أين هي؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هي بالشام، بأرض يقال لها الغوطة، مدينة يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشام». أخرجه الربعي وابن عساكر وقال السيوطي سنده ضعيف.
كذاك قال عبد الله بن عباس، وعبد الله بن سلام، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري رضي الله عنهم .
وعن بشر بن الحرث الحافي قال: ((إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)) قال هي دمشق.
ومن ذلك ، أنها مهبط عيسى بن مريم عليه السلام، لنصرة الدين عند خروج الأعور الكذاب على ما رواه النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل عيسى بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق». أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجة والحاكم والربعي.
ومن ذلك ، ما رواه عبد الرحمن بن جبير بن نُفير، عن أبيه قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم الشام، إذا خيرتم المنازل فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنها معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاطهم منها بأرض يقال لها الغوطة». أخرجه أحمد والحاكم وصححه وأقره الذهبي.
فثبت بما ذكرنا تفضيل دمشق على سائر بقاع الشام، ما عدا بيت المقدس. ومما يدل على بركتها، وفضيلة أهلها، كثرة ما فيها من الأوقاف، على أنواع القربات ، ومصارف الخيرات. وأن مسجدها الأعظم لا يخلو في معظم الليل والنهار عن تالٍ لكتاب الله تعالى، أو مصلٍّ، أو ذاكر، أو عالم، أو متعلم.
ومن ذلك ما حكي عن صيانة أهلها ودينهم، ما رواه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: باعت امرأة طشتاً في سوق الصفر بدمشق، فوجده المشتري ذهباً، فقال لها: أما إني لم اشتره إلا على أنه صفر، وهو ذهب، فهو لك. فقالت: ما ورثناه إلا على أنه صفر، فإن كان ذهباً فهو لك. فاختصما إلى الوليد بن عبد الملك، فأحضر رجاء بن حيوة، فقال: انظر فيما بينهما. فعرضه رجاء على المرأة، فأبت أن تقبله، وعرضه على الرجل، فأبى أن يقبله، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطها ثمنه، واطرحه في بيت مال المسلمين.
وقال زيد بن جابر : رأيت سواراً من ذهب، وزنه ثلاثون مثقالاً، معلقاً في قنديل من قناديل مسجد دمشق، أكثر من شهر، لا يأتيه أحدٌ فيأخذه.
فإذا كان الشام وأهله عند الله بهذه المنزلة، وكانوا في حراسته وكفالته.
ودلت الأدلة على أن دمشق خير بلاد الشام؛ فلذلك أخبر السلف، وشاهد الخلف أن من ملك دمشق من ملوك الإسلام، فبسط على أهلها الفضل، ونشر فيهم العدل، فإن النصر ينزل عليه من السماء، مع ما يحصل له من الود في قلوب الأبرار، والأولياء والأخيار والعلماء، ومع ما يلقيه الله تعالى من الرعب في قلوب الأضداد والأعداء.
ومن عاملهم من ملوك الإسلام بخلاف ذلك، فأحل به شيئاً من الضراء، وأنزل بهم نوعاً من البأساء، أو أخذهم بالجبروت والكبرياء، فإن الله تعالى لا يمهله ولا يهمله، بل يعاجله باستلاب ملكه في حياته، أو بإلقائه في أنواع البلاء، وأبواب الشقاء؛ وذلك أنهم في كفالة رب الأرض والسماء، كما أخبر به خاتم الأنبياء، وكيف لا يكون كذلك، وقد اتصلت أذيته بالأبدال، وهم أكابر الأولياء، لقول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «لا تسبوا أهل الشام، وسبوا ظلمتهم. أخرجه الحاكم في المستدرك وأقره الذهبي.
وقال عبد الله بن صفوان ، أو صفوان بن عبد الله: قال رجل يوم صفين: اللهم العن أهل الشام. فقال أمير المؤمنين علي: لا تسبَّ أهل الشام جماً غفيراً، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال .
وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: «لا تسبوا أهل الشام، فإنهم جند الله المقدم».
وقد قال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه عز وجل: «من آذى لي ولياً، فقد بارزني بالمحاربة» ومن بارز الله بالمحاربة كان جديراً أن يأخذه أخذ القرى وهي ظالمة ، إن أخذه أليم شديد .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أُمتي شيئاً فرفق بهم، فأرفق به. ومن ولي من أمرهم شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه» وقال: «فالمقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما وُلُّوا».
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله عز وجل، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
فبدأ منهم بالإمام العادل، لأن ما يجري على يديه من المصالح العامة شامل لجميع عباد الله تعالى، والخلق عباد الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعباده .
وقد قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل ((وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ))
فيجب على ولاة الأمر أن يستحيوا من نظر الله تعالى إليهم، وأن يشكروا إنعامه عليهم، وقد قال تعالى: ((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ))
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للتمسك بكتابك، والتخلق بآدابك، والوقوف ببابك، والعكوف على جنابك، واجعلهم سلماً لأوليائك، حرباً لأعدائك، وأعنهم على أتباع الحق، واجتناب الباطل بحولك وقوتك يا رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
2013-07-29