هذه الكلمة مأخوذة من كتاب (كيف هدمت الخلافة) لعبد القديم زلوم. وهي تعطي لمحة عن دور الإنجليز في هدم الخلافة ولمحة عن دور عميلهم مصطفى كمال في ذلك، ولمحة عن الأيام الأخيرة من عمر الخلافة والمسلمون الآن في تحرّك وتحرّق لإقامة الخلافة من جديد.
بتاريخ 20 تشرين الثاني 1922 افتتح مؤتمر لوزان وحضره عن الدولة العثمانية وفد حكومة أنقره وحده (كانت هناك حكومة في استانبول بدون سلطة تابعة للخليفة وأخرى في أنقرة لها السلطة تابعة لمصطفى كمال)، واعتبر الممثل للدولة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية، وحضره كرزون وزير خارجية إنجلترا رئيساً للوفد الإنجليزي، إذ كانت وزارة لويد جورج قد استقالت في 19 تشرين الأول 1922. وبدأ المؤتمر جلساته، وأثناء انعقاد المؤتمر وضع كرزون رئيس الوفد الإنجليزي في المؤتمر أربعة شروط للاعتراف باستقلال تركيا وهي: إلغاء الخلافة إلغاءاً تاماً، وطرد الخليفة خارج الحدود، ومصادرة أمواله، وإعلان علمانية الدولة. وعلق نجاح المؤتمر على هذه الشروط الأربعة. ولذلك انفض المؤتمر في 4 شباط سنة 1923 من غير أن يسفر عن نتيجة، وأعلن إخفاقه.
وعاد عصمت إلى تركيان، فهرع مصطفى كمال إلى لقائه في أسكي شهر حيث عرف منه جميع الأمور التي جرت في المؤتمر، وعاد معه إلى أنقره.
وفي محطة أنقرة فوجئ، الاثنان بتخلف رؤوف رئيس الوزراء ونواب المدينة عن استقبالهما، فثارت ثائرة مصطفى كمال واستدعى رؤوفاً إليه وطلب منه إيضاحاً لمسلكه، فأجابه رؤوف محتجاً على إرساله عصمت إلى المؤتمر بغير استشارة الوزارة، وعلى إسراعه لمقابلته في أسكي شهر بغير استشارتها أيضاً، وهذا الأمر يعد عملاً غير دستوري، ثم أردف احتجاجه بالاستقالة من رئاسة الوزارة.
واجتمعت الجمعية الوطنية لتناقش مؤتمر الصلح، ووقفت بجانب رؤوف، وتكتلت لتشد أزره. وكانت أكثريتها ضد مصطفى كمال، وكان النقاش صاخباً، واستمرت المناقشة تسعة أيام. وأثناء المناقشة ندد النواب بقبول مصطفى كمال الهدنة مع الأعداء في (مودانيا)، ووصفوا الهدنة بأنها خدعة انطلت عليه، في حين كان ينبغي أن يتابع زحفه إلى استانبول، ثم إلى أثينا إذا اقتضى الأمر.
ثم حمل النواب على عصمت حملة شعواء، اتهموه فيها بالخرق والغباء في مفاوضات كرزون، وانتقدوا إرساله دون موافقتهم، ثم قرروا التصويت على تنحيته، وإرسال خلف يستأنف المفاوضات في لوزان. فجن جنون مصطفى كمال، وأخذ يحاول بالتهديد، وبتأليب النواب ضد رؤوف حتى أحبط قرار تنحية عصمت، فقد كان عصمت محل أسراره، ورسوله الأمين في اتصالاته مع الإنجليز، والرجل الذي يطيعه بلا مناقشة. فكان إرسال غيره يعني ضرب جميع خطط مصطفى كمال، بل ربما يعني نهايته. لذلك استمات حتى منع اتخاذ قرار بتنحيته وإرسال غيره.
وأرسل أمراً حازماً إلى حاكم استانبول بوجوب إلغاء مظاهر الأبهة التي تحيط بالخليفة أثناء تأدية الصلاة. كما خفض مرتبه إلى الحد الأدنى، وأنذر لأتباعه بوجوب التخلي عنه.
وفي هذا الجو الإرهابي، ووسط هذه الدعايات والإشاعات، دعا المجلس الوطني الكبير إلى عقد جلسة، فاجتمع المجلس في أول آذار سنة 1924. وكانت الخطبة الافتتاحية تدور حول ضرورة القضاء على الخلافة، فقوبل بعاصفة من المعارضة العنيفة.
وتقدم إلى الجمعية بمرسوم يقضي بإلغاء الخلافة، وطرد الخليفة، وفصل الدين عن الدولة. وخاطب النواب المنفعلين قائلاً: (بأي ثمن يجب صون الجمهورية المهددة، وجعلها تقوم على أسس علمية متينة. فالخليفة ومخلفات آل عثمان يجب أن يذهبوا، والمحاكم الدينية العتيقة وقوانينها يجب أن تستبدل بها محاكم وقوانين عصرية، ومدارس رجال الدين يجب أن تخلي مكانها لمدارس حكومية غير دينية). وحصلت مناقشات حادة، ومشادات عنيفة، فلم يصل إلى نتيجة، وفي اليوم الثاني اجتمع المجلس الوطني مرة أخرى للنظر في هذا المرسوم، واستمرت جلسته طوال الليل حتى الساعة السادسة والنصف صباحاً، وهو في جدل عنيف، ونقاش مستمر. وفي صبيحة الثالث من آذار سنة 1924 أعلن أن المجلس الوطني الكبير قد وافق على إلغاء الخلافة، وفصل الدين عن الدولة. وفي الليلة ذاتها أرسل مصطفى كمال أمراً إلى حاكم استانبول يقضي بأن يغادر الخليفة عبد المجيد تركيا قبل فجر اليوم التالي، فذهب تصحبه حامية من رجال البوليس والجيش إلى قصر الخليفة في منتصف الليل، وهنا أجبر الخليفة أن يستقل سيارة حملته عبر الحدود في اتجاه سويسراً، بعد أن زودته بحقيبة فيها بعض الثياب وبضعة جنيهات. وبعد يومين حشد مصطفى كمال جميع أمراء العهد وأميراته ورحلوا إلى خارج البلاد. وألغيت كل الوظائف الدينية، وأصبحت أوقاف المسلمين ملكاً للدولة، كما أن المدارس الدينية تحولت إلى مدنية. وباتت تحت رقابة وزارة المعارف.
وبهذا نفذ مصطفى كمال الشروط الأربعة التي طلبها كرزون وزير خارجية إنجلترا. فلم يعد ما يمنع انعقاد مؤتمر الصلح ونجاحه. في 8 آذار سنة 1924 أرسل عصمت باشا وزير الخارجية التركية ورئيس الوفد التركي إلى المؤتمر رسالة لعقد المؤتمر، فوافق الحلفاء على ذلك. وفي 23 نيسان 1924 أعيد فتح مؤتمر لوزان، واتفق المؤتمرون على شروط الصلح، وتم توقيع معاهدة لوزان في 24 تموز سنة 1924، واعترفت الدول باستقلال تركيان، وانسحب الإنجليز من استانبول والمضايق، وغادر هارنجتون تركيا. وعلى أثر ذلك قام أحد النواب الإنجليز واحتج على كرزون في مجلس العموم لاعترافه باستقلال تركيا، فأجابه كرزون قائلاً: (القضية أن تركيا قد قضي عليها، ولن تقوم لها قائمة، لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها: الخلافة والإسلام).
هكذا تم هدم الخلافة وتم تدميرها تدميراً تاماً وتدمير الإسلام كدستور دولة، وتشريع أمة، ونظام حياة، على أيدي الإنجليز باستخدامهم عميلهم وأجيرهم الخائن مصطفى كمال. ولذلك فإن المخلصين الواعين حين يقولون: أن الإنجليز رأس الكفر بين الدول الكافرة كلها يعنون ما تعنيه هذه الكلمة بكل معنى من معانيها، فهم رأس الكفر حقيقة، وهم أعدى أعداء الإسلام على الإطلاق، ويجب على المسلمين أن يرضعوا أولادهم مع اللبن بغض الإنجليز، والانتقام منهم وبغض جميع الدول الاستعمارية الكافرة.
وقد تم للإنجليز القضاء على الخلافة وعلى المسلمين بواسطة مصطفى كمال رغم أنوف المسلمين في جميع أنحاء الأرض بوحه عام، ورغم أنف المسلمين في تركيا بالذات بوجه خاص. وبذلك غاض الحكم بما أنزل الله من جميع بقاع الأرض، وظل الحكم بغير ما أنزل الله، ظل حكم الكفر، ظل حكم الطاغوت وحده هو الذي يتحكم في الناس جميعاً، ويطبق في جميع العالم.