سؤال وجواب
1990/03/07م
المقالات
2,045 زيارة
السؤال:
في فرنسا وبلجيكا المدارس توجب على الفتيات ارتداء ملابس معينة، ولا تسمح لهن بارتداء اللباس الشرعي الإسلامي، فهل يجوز للفتاة المسلمة أن تنزع خمارها داخل المدارس الخاصة بالفتيات؟
الجواب:
القاعدة العامة هي أن المرء، من ذكر أو أنثى، يجب عليه أن يستر عورته، وأن لا يبديها إلا في الحالات التي سمح بها الشرع، ولا يبديها إلا أمام الأشخاص الذين سمح الشرع بإبدائها أمامهم.
والمرأة جميع جسمها عورة ما عدا الوجه والكفين (مع خلاف عند بعض المذاهب) هذا أمام الرجال غير المحارم وأمام النساء غير المسلمات. وهذا ما دلت عليه الآية الكريمة: ]وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ[.
فمن البديهي أن المرأة (الفتاة إذا بلغت المحيض) لا يجوز لها أن يظهر منها أمام غير محارمها ومن شملتهم هذه الآية وبعض النصوص الأخرى مثل «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، لا يجوز أن يظهر منها غير الوجه والكفين.
أما أمام النساء المسلمات فيجوز أن يظهر منها ما يظهر أمام محارمها. وأما أمام النساء غير المسلمات فلا يجوز أن يظهر منها إلا الوجه والكفان لأن الآية الكريمة قالت: ]أَوْ نِسَائِهِنَّ[ ونساؤهن يعني النساء المسلمات. وهذا النص إخراج النساء غير المسلمات من أن يعاملن معاملة النساء المسلمات بالنسبة إلى نظر عورة المرأة المسلمة.
وهذا يعني أن الفتاة المسلمة لا يجوز لها أن تنزع خمارها أو أن يظهر منها أكثر من الوجه والكفين في المدارس التي يكون فيها فتيات غير مسلمات. (مع وجود خلاف في المذاهب). وننقل هنا عبارة في هذه المسألة من كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» ج1/ ص192 قال: (وحَدُّ العورة من المرأة الحربة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة إذا كانت في خلوة، أو في حضرة محارمها، أو في حضرة نساء مسلمات. فيحل لها كشف ما عدا ذلك من بدنها بحضرة هؤلاء، أو في الخلوة. أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي، أو امرأة غير مسلمة؛ فعورتها جميع بدنها، ما عدا الوجه الكفين، فإنهما ليسا بعورة، فيحل النظر إليهما عند أمن الفتنة). [المالكية والحنابلة واستثنوا فقط: الوجه والرأس والرقبة واليدين والرجلين].
وهذا هو رأي الجمهور من الأئمة. وقد خالف الحنابلة في مسألة العورة أمام المرأة غير المسلمة، فقال في «الفقه على المذاهب الأربعة»:
(الحنابلة لم يفرقوا بين المرأة المسلمة والكافرة، فلا يحرم أن تكشف المرأة المسلمة أمامها بدنها إلا ما بين السرة والركبة، فإنه لا يحل كشفه أمامها).
سؤال 2:
وردت نصوص شرعية تدل على أن طاعة الخليفة ]أولي الأمر منكم[ واجبة مطلقاً ما لم يأمر بمعصية، أي له أن يُلزم ببعض المباحات وله أن يمنع بعضها، وتبقى طاعته واجبة. وقرأنا في بعض الكتب أن الخليفة لا يحل له أن يمنع أي مباح أو يُلْزِم بأي مباح يراه بحجة المصلحة، وإن فَعَلَ فلا تجب طاعته إلا ضمن مباحات معينة.
جواب 2:
من الكتب التي ورد فيها أن الخليفة ليس له صلاحية الإلزام بأي مباح أو منعه (نظام العقوبات) ص 17 لعبد الرحمن المالكي، وكتاب (مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له) ص 158 للإمام تقي الدين النبهاني.
جاء في (نظام العقوبات) ص 17 ما يلي: (وينبغي أن يُعْلَم أن الأوامر التي يصدرها الحاكم من عنده، سواء كانت من نوع المأمورات أم من نوع المنهيات محصورة فيما جعل الشرع له أن يدبره برأيه واجتهاده، وذلك كإدارة بيت المال، وكإقامة المدن، وتنظيم الجيوش، وغير ذلك. فهذه التي جعل الشرع له أن يقوم بها برأيه واجتهاده هي التي له أن يأمر فيها بأشياء، وينهى عن أشياء وهذه هي التي تعتبر مخالفته فيها معصية، عملاً بحديث: «ومن يَعْصِ الأمير فقد عصاني»، وهذه هي التي تدخل تحتها المخالفات، أما غيرها فلا تعتبر من المخالفات ولو أمر بها أمير المؤمنين).
وجاء في مقدمة الدستور في شرح المادة 42 ما يلي: (إلا أن هذا المباح الذي لرعاية الشؤون، أي فيما يجُعِلَ للخليفة أن يتصرف برأيه واجتهاده، مثل تنظيم الإدارات وترتيب الجند وما شاكل ذلك، وليس في كل المباحات، بل فيما هو مباح للخليفة بوصفه خليفة. أما باقي الأحكام من الفرض والمندوب والمكروه والحرام والمباح لجميع الناس فإن الخليفة مقيد فيها بأحكام الشرع، ولا يحل له الخروج عنها مطلقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» وهو عام يشمل الخليفة وغيره) ويضيف: (فمثلاً للناس أن يلبسوا اللباس الذي يرونه بالشكل الذي يرونه فلا يحل له أن يضع قوانين تحدد لهم شكل ألبستهم. ولهم أن يبنوا بيوتهم على أي طراز يرتأونه فليس له أن يَسُنّ قوانين تحدد لهم طراز بيوتهم) ويضيف: (فلا يحل له أن يقول: حرمت بيع الصوف لخارج البلاد بحجة رعاية الشؤون، لأن البيع مباح).
إذاً فالوارد في هذه الكتب هو أن هناك مباحاً لجميع الناس فلا يحل للخليفة أن يوجبه أو يمنعه بحجة رعاية الشؤون إلا إذا اندرج تحت قاعدة الضرر وهي: (أي فرد من أفراد المباح ثبت أنه يسبب ضرراً فإنه يصبح هذا الفرد وحده حراماً). وهناك مباح للخليفة وحده وليس لجميع الناس مثل تنظيم الإدارات العامة وتنظيم الجيش وتنظيم بيت المال ووضع الميزانية وغيرها. فإذا سنّ الخليفة القوانين وأصدر الأوامر ضمن المباحات المختصة به فطاعته واجبه، وإن سن القوانين وأصدر الأوامر ضمن المباحات التي هي لجميع الناس يكون قد خالف الشرع، وتكون طاعته غير واجبة.
إن هذا الكلام وحده لا يكفي لأنه لا يحدد المسألة بشكل منضبط. وكي يكمل البحث نعود إلى أصل الموضوع وهو وجوب طاعة أولي الأمر المسلمين. ونحن ننقل عبارات من الدوسية (معلومات للشباب) للإمام تقي الدين النبهاني ـ رحمه الله ـ من بحث (الطاعة)، قال: (ولذلك كانت طاعة المسلمين للحاكم مطلقة وغير مقيدة بقيد إلا ما استثنى، وقد استثنى من الطاعة شيء واحد وهو الأمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا طاعة له فيها، لأن ذلك جاء استثناؤه بالنص، فعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع وطاعة» والمراد هنا أن يأمرك أن تفعل المعصية لا أن يفعل المعصية، فلو كان يفعل المعصية أمامك ولم يأمرك بها تجب طاعته. عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «… ألا مَنْ وَليَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتيَ من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة…» هذه هي الحالة الوحيدة المستثناة من الطاعة، ألا وهي الأمر بالمعصية. على أن المراد المعصية التي لا توجد شبهة في أنها معصية، أما لو أمر بشيء يراه هو حلالاً وتراه أنت حراماً فتجب طاعته، ولا يعتبر هذا أمراً بمعصية، بل هو أمر بفعل الحلال).
ويضيف: (فالمراد بقوله عليه السلام: «ما لم يؤمر بمعصية» بأن تكون معصية لا شبهة في تحريمها، ولا يوجد دليل أو شبهة تجيزها، أما إن وجد دليل أو شبهة دليل ولو قولاً واحداً من الأقوال للمجتهدين لا تعتبر معصية).
وجاء في (مقدمة الدستور) ص 152: (وأما إن كانت له شبهة الدليل كمن يشرع حكماً ليس له دليل لمصلحة رآها هو، واستند إلى قاعدة المصالح المرسلة، أو قاعدة سد الذرائع، أو مآلات الأفعال، أو ما شاكل ذلك، فإنه إن كان يرى أن هذه قواعد شرعية وأدلة شرعية فلا يحرك عليه ولا يكفر ولكنه مخطئ، ويعتبر ما استنبطه حكماً شرعياً في نظر جميع المسلمين، وتجب طاعته إن تبناه الخليفة لأنه حكم شرعي وله شبهة الدليل، وإن كان مخطئاً في الدليل، لأنه كالمخطئ في الاستنباط من الدليل).
نفهم من هذه العبارات أمرين: الأول أن طاعة الحاكم المسلم في دار الإسلام واجبة إلا إذا أمر بمعصية فإنه لا يطاع فيها ويطاع في غيرها. والثاني أن تكون المعصية لا شبهة فبها، أما إذا كان للحكام دليل أو شبهة دليل فتبقى طاعته واجبة لأنها لا تكون عند ئذ معصية.
وما دمنا قد قررنا أن الخليفة مسؤول عن رعاية شؤون الرعية لقوله صلى الله عليه وسلم: «الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته» فإنه حين يتصدى لسن قانون ما، أو لإصدار أمر ما سيعلل ذلك بأنه لمصلحة البلاد والعباد، وأنه من ضمن الصلاحيات التي منحه إياها الشرع بموجب الحديث المذكور وأمثاله.
بتعبير آخر فإن العبارات التي ذكرناها في أول الجواب والتي خلاصتها أن هناك مباحاً للخليفة وحده ومباحاً لعامة الناس، وأن الخليفة لا يجوز له أن يتدخل في المباحات العامة لا منعاً ولا إلزاماً، هذه العبارات تفقد عملياً كثيراً من قابليتها للتطبيق.
بالنسبة لما هو من صلاحيات الخليفة وحده (المباح للخليفة وحده) يبقى له وحده ولا يفقد شيئاً من فاعليته. أما ما قيل بأنه مباح لجميع الناس ولا يحل للخليفة أن يأمر به أو يمنعه بحجة رعاية الشؤون فهنا تأتي المشكلة. فمثلاً استيراد سلعة معينة أو تصدير سلعة معينة أمر مباح للرعية، فلو جاء الخليفة منع الرعية من استيراد أو تصدير هذه السلعة وعلل ذلك بالمصلحة بناء على قاعدة المصالح المرسلة وبناء على صلاحيته في رعاية الشؤون، هل يجوز للمسلمين أن يعصوه بحجة أنه يمنع مباحاً؟ كلا. بل طاعته واجبة. وكذلك لو سَنَّ قانوناً ينظم البناء بشكل معين وعلل ذلك بالمصلحة ورعاية الشؤون فطاعته واجبه. ولا يعتبر عمل الخليفة عندما يمنع مباحاً أو يلزم به، لا يعتبر عمله معصية إلا إذا كان هذا بناءً على هوىً أو شهوة عند الحاكم وليس بناء على رعاية مصالح الأمة.
وعلى ذلك يحق للخليفة أن يأمر وينهى ويسن القوانين ضمن دائرة المباحات العامة ما دام يقوم بذلك بناء على ما يراه من مصلحة الرعية (ولا يحصل مخالفة للشرع أو ضرر للناس).
أما إذا فعل ذلك بدافع هواه أو شهواته أو شهوات بعض المقربين إليه أو مصالح دول أجنبية، فإن ذلك يعتبر معصية ولا تجب طاعته فيها، ولكن تبقى طاعته مستمرة في غيرها. وهذه هي الحالة التي لا يجوز للحاكم أن يسخّر المباح فيها لنزواته ثم يزعم أنه إنما يعمل المباح، والتي وردت في الفقرات الأولى من هذه الإجابة.
وإذا حصل هذا من الخليفة فإنه لا يحل لأفراد الرعية أن يعصوه مباشرة، بل لهم أن يسألوه ويحاسبوه أولاً، ولهم أن يشكوه إلى محكمة المظالم. ومحكمة المظالم هي التي تَبُتُّ في الأمر. ولبينما تصدر محكمة المظالم حكمها لا بد من استمرار طاعة الرعية للخليفة.
1990-03-07