سؤال وجواب
1990/02/07م
المقالات
2,068 زيارة
السؤال:
هل يمكن إقامة دولة إسلامية والمسلمون متخلفون في حقل العلم والتكنولوجيا، وإذا أقيمت هل تستطيع الصمود أمام الدول الكبرى مثل أميركا وروسيا التي تملك الأسلحة النووية والأجهزة المتطورة؟
أليست إقامة دولة إسلامية في مثل هذه الأحوال تعريضاً للمسلمين للهلاك؟
الجواب:
هناك أمور أربعة: أولاً: إقامة الدولة الإسلامية.
ثانياً: استمرار الدولة الإسلامية.
ثالثاً: أن تصبح الدولة الإسلامية قوية مؤثرة في الموقف الدولي.
رابعاً: أن تصبح الدولة الإسلامية الدولة الأولى في العالم.
الأمر الأول، أي إقامة الدولة الإسلامية، ليس بحاجة إلى حقول العلوم والتكنولوجيا، بل إلى وعي المسلمين على عقيدتهم وعلى شريعتهم وعلى الواقع السياسي المفروض عليهم والمحيط بهم. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة كان المسلمون وسائر العرب في مستوى من العلوم والصناعة متواضع جداً بالنسبة لغيرهم في ذلك العصر. وكانوا يعتمدون في أسلحتهم وأكثر أدواتهم على غيرهم. وكانت دولتا الفرس والروم بالنسبة إليهم كدولتي روسيا وأميركا بالنسبة إلينا الآن.
ولا يكفي مجرد الوعي على العقيدة والشريعة والواقع السياسي، بل لا بد أن تنهض من المسلمين كتلة تتبنى فهماً واضحاً محدداً للإسلام في فكرته وطريقته بالقدر الذي يكفيها لهذه المهمة، وتعمل على هذا الأساس في الأمة الإسلامية لجعلها تلتف حول هذه الكتلة بناء على ما تتبنى من مفاهيم، من أجل إقامة الدولة الإسلامية. كل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً يمكن إقامة دولة إسلامية من المسلمين وهم في مستواهم الحالي من العلم والتكنولوجيا، إذا هيأوا الأسباب الأخرى التي يتطلبها هذا الأمر.
أما الأمر الثاني، وهو استمرار الدولة الإسلامية، فإن مسألة العلوم والتكنولوجيا شيء جيد بالنسبة لها ولكنها ليست أمراً حتمياً، إذ يمكن أن تستمر الدولة معتمدة على شراء ما هو ضروري لها من الخارج، سواء كان سلاحاً أو غيره. الأمر الحتمي لاستمرار الدولة الإسلامية هو التصميم الذي لا يتزعزع عند المسلمين على المحافظة على دولتهم ورفض أي شيء يهددها.
هذا التصميم هو السلام الأمضى. لا يكفي أن يتجلّى هذا التصميم في الفئة الحاكمة، بل لا بد أن يكون مترسخاً عند الحكام وعند المحكومين، عند الرجال وعند النساء، عند الصغار وعند الكبار. هذا التصميم يمكن أن يوجد عند عامة الناس حين يرون أن الدولة هي دولتهم حقيقة، وليست مفروضة عليهم فرضاً، حين يرون أنهم هم الذين أقاموها، وأنها تقوم على عقيدتهم وتنفذ شريعتهم، وأنها ترعى شؤونهم وتحافظ عليهم.
المسلمون لا يتعاطفون الآن مع الأنظمة القائمة في بلادهم، لأنها فرضت عليهم دون إرادتهم، وهي تناقض عقيدتهم وشريعتهم. وهي بدل أن ترعى شؤونهم تأكلهم، وبدل أن تحافظ عليهم تظلمهم وتذلهم وتكمّ أفواههم.
فلا يصح أن نقيس موقف المسلمين من دولتهم الإسلامية على موقفهم من دول الكفر والظلم القائمة الآن. وإذا كان الموقف هو هو فلا تكون الدولة دولة إسلامية ولو تسمّتْ بهذا الإسلام. وعندئذ سنكون دولة بوليسية تحتاج إلى حماية من شعبها وليس فقط من الدول الخارجية.
الدولة التي يحتضنها شعبها لا يمكن إسقاطها بمجرد إسقاط حاكمها، لأن كل فرد فيها يشعر بالمسؤولية ويدافع عنها من الموقف الذي هو فيه تحقيقاً لقول المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام: «أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك» وذلك كالجند في المعركة إذا سقط حامل الراية فسرعان ما يخف غيره لرفعها كي تستمر مرفوعة.
هذا الالتفاف من الأمة حول دولتها، وهذا الشعور بالمسؤولية تجاهها، وهذا التصميم الرائع الراسخ على الدفاع عنها الذي يصل إلى جعلها قضية مصيرية تحيا وتموت من أجلها: هذا هو الذي يجعل الدولة الإسلامية تستمر رغم أنف الخصوم.
وأما الأمر الثالث، أي أن تصبح الدولة الإسلامية مؤثرة في الموقف الدولي، هنا تصبح مسألة العلوم والتكنولوجيا أكثر إلحاحاً. ولكن ما هو أكثر أهمية من العلوم والتكنولوجيا أن تكون الدولة حاملةً رسالةً إلى العالم. الدولة الإسلامية، من حمد الله، تتمثل فيها هذه المزيّة خير تمثيل بل أن شطر عملها هو حمل الرسالة إلى العالم، وشطرها الأول هو تطبيق الرسالة على رعاياها.
وحمل الرسالة إلى العالم يحتاج إلى القوة: قوة السلاح لحماية قوة الحجة في تبليغ الرسالة. وقوة السلاح مضافاً إليها قوة الثروة الاقتصادية تتطلب أن تكون الدولة غنية بالعلماء في شتى الحقول، وأن تكون غنية بالمصانع والفنيين والخبراء في جميع الحقول وليس في حقل السلاح فقط.
الآن يوجد حشد ضخم من العلماء المسلمين في شتى حقول العلم: الفضاء، الذرة، الطب، الكيمياء، الإلكترونيات، الميكانيك، التربة، الأحياء…الخ. وهؤلاء العلماء موزعون في دول أوروبا وأميركا وتذهب ثمر جهودهم لتنتفع بها دول الكفر، لأن الدول القائمة الآن في البلاد الإسلامية، لا تهتم بالعلم والتكنولوجيا لأنها لا يوجد لديها رسالة، ولا تطمح أن تكون دولاً كبرى. ومع ذلك فإن هذه الدلو فيها الآن أنواع لا بأس بها من الصناعات. ويمكن إرشاد بعض الحكام الحاليين وإقناعهم من أجل تطوير ما لديهم من مصانع لتصبح أحسن حالاً. ويوجد في البلاد الإسلامية ثروة ضخمة بمكن استخدامها لشراء المصانع ويمكن استئجار بعض الخبراء من غير المسلمين إذا دعت الحاجة.
وأما الأمر الرابع، هو أن تصبح الدولة الإسلامية الدولة الأولى في العالم، فهو خطوة طبيعية تنتقل إليها الدولة الإسلامية بعد أن ترسخ أقدامها كدولة قوية مؤثرة في الموقف الدولي. وهذا يستلزم بالتأكيد أن تكون رائدة في حقول العلم والصناعات على أعلى المستويات. وهذا وإن كان يحتاج رعاية ضخمة من الدولة وحوافز حادة عند العلماء المسلمين وإلى وقت ليس بالقصير، ولكنه سيتحقق بتوفيق الله، لأن الظروف التي ستمر بها الدولة الإسلامية، دولة الخلافة الراشدة، ستدفعها وتدفع العلماء المسلمين في أصقاع الأرض ليبذلوا ليس جهودهم فقط، بل أرواحهم وحبات عيونهم وقلوبهم من أجل رؤية دولتهم الدولة الأولى في العالم وأمتهم: ]خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ[.
الدولة الإسلامية على عهد رسول الله r أصبحت الدولة الأولى في العالم بعد قيامها بعشر سنوات. واستمرت الدولة الإسلامية الأولى في العالم ما يزيد عن ألف سنة، تخللتها فترات كانت تكبو فيها الدولة تبعاً لكبوة الأمة.
فالأمة الإسلامية أمة عريقة بالمجد وهي أمة كريمة عزيزة، فليس غريباً عليها أن تعود سيرتها الأولى، الغريب هو أن تستمر في كبوتها التي طالت أكثر مما كان منتظراً لها. ولكن بوارق الأمل تلوح، والأمة مع إشراقة النصر على موعد من رب العالمين: ]إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[.
فلا تجزع يا أخي أيها السائل الكريم من إقامة الدولة الإسلامية في هذه الأحوال وفي هذه الأيام فليس في قيامها خطر على المسلمين أو تعريضهم للهلاك. وهذه الهواجس إن هي إلاّ أوهام أو هي اختراعات أعداء الدولة الإسلامية ليصرفوا البسطاء عنها عن طريق التضليل والتهويل.
قيام الدولة الإسلامية فيه الحياة للامة الإسلامية وليس الهلاك، حياة العزة في الدنيا وحياة النعيم في الآخر.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[
1990-02-07