بسم الله الرحمن الرحيم
هل تدمير سوريا الشام… يمنع عودة الخلافة فيها ؟!
حمد طبيب – فلسطين
هذا السؤال يرد على ألسنة الكثير من الناس هذه الأيام، وخاصة من حملة الدعوة: (كيف ستقوم لأرض الشام، ولأهل الشام قوة ومكنة، قادرة على احتضان دولة إسلامية، لها القدرة على الاستمرارية والتحدي والصمود، بعد كل ما جرى فيها من دمار وخراب؛ عسكري واقتصادي، واستنزاف للطاقة البشرية، وتهجير قسم كبير من أهلها) ؟!
وحتى نقف على حقيقة هذا الموضوع المهمّ، ونجيب عن هذا السؤال الحساس، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة بشكل عام، وحملة الدعوة بشكل خاص سنعالج هذا الأمر من عدة زوايا :
1- لماذا يعمل الغرب وحلفاؤه على تدمير سوريا الشام ؟
2- ما هي مقومات سوريا الشام- العسكرية والاقتصادية- كدولة قادرة على الاستمرارية والصمود؛ في ظل المرحلة الحالية، وبعد نهاية نظام الطاغية ؟!
3- ما هو دور سوريا الشام -بعد سيطرة المخلصين عليها- في بناء دولة إسلامية، وهل هناك احتمالية لسيطرة فئات أخرى عليها لا تريد دولة إسلامية ؟
4- ما هي مقومات أي بقعة في الأرض؛ لتكون نواة لبناء دولة إسلامية، وهل ينطبق ذلك على أرض الشام ؟
5- كيف قامت دولة الإسلام الأولى في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكيف نطبّق تلك الأحكام على واقع المسلمين في أرض الشام ؟
6- الوعد الإلهي وبشرى المصطفى عليه الصلاة والسلام، في خيرية أرض الشام وأهل الشام، وتهيئة هذه البلاد لتحقيق هذا الوعد الرباني!!..
ونبدأ بالزاوية الأولى في هذا الموضوع المهم وهي: لماذا يعمل الغرب وحلفاؤه على تدمير سوريا الشام؟!
فالناظر إلى ما يجري في أرض الشام، وطريقة الغرب في التعامل مع مقدرات سوريا، وقوتها العسكرية، وإلى مؤامراته وشرِّه ومكره بأهل سوريا الشام، يرى أن الغرب، وخاصّة أميركا، يفكر ويعمل جدّياً في درء خطر كبير، يهدد كيانه ونفوذه ووجوده مستقبلاً في أرض الشام، ويدرك يقيناً أن هذا الخطر حاصل لا محالة إن عاجلاً أو آجلاً ..
فقد صدرت عدة تصريحات؛ منها على لسان طاغية الشام، وعلى ألسنة ساسة في دول المنطقة المحيطة بسوريا، وعلى لسان ساسة غربيين كبار؛ تحذّر الغرب والعالم من سيطرة الإسلاميين المتشدّدين، أو (الأصوليين)- كما يذكرون- على أرض الشام، وأن على العالم أن يعمل على حلّ هذه الأزمة بطريقة سريعة؛ على منوال وطريقة ما جرى في تونس ومصر واليمن، لتفادي هذا الخطر العظيم، في حال سقوط نظام (بشار الطاغية)، وسيطرة -من يسميهم الغرب- بالأصوليين على مقدرات الدولة في الشام …
من هذه التصريحات على سبيل المثال: ما ذكره طاغية الشام – 18-4-2013م بمناسبة (عيد الجلاء)، وكرره في مناسبات أخرى عدة؛ حيث قال: «أما على الصعيد الخارجي، فان الرسالة الأكثر صدى لدى الغرب، والمتمثلة بالخطر الذي بات يمثله (تنظيم القاعدة)»، مشيراً إلى أن إرهابه سيرتد لاحقاً على أوروبا والولايات المتحدة» وقد ذكر هذا الأمر في مقابلة مطوَّلة مع صحيفة تايمز اللندنية في 3-3-2013م؛ «حيث حذَّر من زلزال يهز منطقة الشرق الأوسط بأكمله، في حال سقوط سوريا بأيدي الجماعات الإرهابية- حسب زعمه- وحذر الغرب -وخاصة بريطانيا- من العمل على التدخل العسكري لتقويض النظام في سوريا».
وذكرت صحيفة بيديعوت أحرنوت) اليهودية بتاريخ 3-10-2012م على لسان رئيس أركان الجيش اليهودي (بيني جانتز)؛ حيث قال: في المستقبل فإننا لن نواجه التهديدات العسكرية من سوريا وهضبة الجولان فقط، ولكن سيكون علينا أيضًا مواجهة الخطر الإرهابي المتزايد هناك».
وذكر مسؤول أمني يهودي كبير لصحيفة «التايمز اللندنية بتاريخ 18/5/2013م حيث قال: «إن إسرائيل تفضل نجاة الأسد من المتمردين، حيث قال مسؤولو مخابرات إسرائيليون كبار، إن إسرائيل تفضل أن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد على قيد الحياة، وينجح في الحرب الأهلية في سوريا» وقال المسؤولون: «نفضل أن نرى الأسد ينجح وينهي الحرب من استيلاء الجماعات الإسلامية المتطرفة، حيث ستكون إسرائيل في مواجهتها أو مواجهة بعض تشكيلاتها المتطرفة»، وفق ما قالت الصحيفة اللندنية ونقلت عنها ذلك صحيفة (يديعوت أحرونوت اليهودية).
ونشرت صحيفة ( الغلوب أند ميل الكندية) بتاريخ 1/12/2013م مقالاً تحت عنوان: (الخطر الإرهابي في سوريا) تقول الصحيفة: «لقد وصلت الحرب الأهلية في سوريا إلى نقطة بات من واجب المجتمع الدولي، وتحديداً القوى العالمية المسؤولة، أن تتدخل بصورة عملية، بحذر شديد طبعاً، لدعم مجموعات معارضة، غير سلفية وغير منضمة إلى القاعدة، والخطر الكبير على المدى المتوسط هو تفكك سوريا وسقوطها في أيدي ميليشيات أصولية، على غرار الوضع في الصومال ولبنان….).
أما وزيرة خارجية أميركا السابقة (هيلاري كلينتون) فقد ذكرت في مؤتمر صحفي (في بروكسل) بتاريخ 5/12/2012م: «إن المجتمع الدولي كله قلق من أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يزداد يأساً قد يلجأ لاستخدام الأسلحة الكيميائية، أو أن يفقد السيطرة عليها، بحيث تصل إلى أيدي المجموعات الأصولية (المسلحة) الناشطة في سورية، لذلك هناك موقف موحد من أن استخدام السلاح الكيميائي هو خط أحمر..) وكانت قد ذكرت في 30-10-2012م؛ أي قبل ترتيب مؤتمر الدوحة لتوسيع المعارضة السورية: «إن المجلس الوطني السوري يواجه فشلاً ًكبيراً في استقطاب الداخل السوري، ولذلك يجب توسيع المعارضة وإشراك قيادات من الداخل» ثم أضافت: «هناك تزايد ملحوظ لنفوذ الجماعات الإسلامية والجهادية، في التطورات النوعية التي شهدتها سوريا خلال الأسابيع الأخيرة»، ونقلت عنها وسائل الإعلام في 15-11-2012م قالت: «إنها تنتظر من المعارضة السورية أن تقاوم بشكل أقوى محاولات المتطرفين لتحويل مسار الثورة السورية، فالمعلومات حول متطرفين يتوجهون إلى سوريا، ويعملون على تحويل مسار – ما كان يسمى حتى الآن – ثورة مشروعة ضد نظام قمعي لصالحهم، مما يثير قلق الولايات المتحدة، ويحتم إجراء إصلاح جذري للمعارضة السورية…».
والحقيقة، إن المدقق في معاني هذه التصريحات، يدرك أن المعنى المقصود منها ليس مجرد سيطرة كتائب عسكرية على مجريات الأمور، كما جرى ويجري في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، إنما هو سيطرة أناس لهم برنامج حضاري، يريدون إيجاده في أرض الشام كنقطة ارتكاز، يمتد بعد ذلك إلى عدة مناطق مجاورة تكون مؤهلة للانضمام وللّحاق به مستقبلا!ً!.
والغرب -كما نعلم- يدرك ما هو معنى قيام دولة حضارية تقوم على الفكر الإسلامي، في منطقة حساسة في مثل هذا الموقع محاطة بشعوب إسلامية كلها تعشق عودة الإسلام، وعودة حضارته المنيرة إلى بلادهم -كما حصل في العصور الوسطى- أسوة بها… وقد حذر زعماء الغرب عدة مرات في أكثر من مناسبة من خطر قيام دولة إسلامية، في أي بقعة من بلاد المسلمين؛ حيث نقلت مجلة (النيوزويك)، بتاريخ الثامن من نوفمبر عام 2004م، نقلاً ً عن وزير خارجية أميركا الأسبق (هنري كيسنجر- داهية السياسة الأميركية- قوله: «إن العدو الرئيسي هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام، والتي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة، وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقاً أمام إقامة الخلافة»، وقال) بوش الابن) في 9/10/2005م: «عند سيطرتهم على دولة واحدة- يعني الجماعات الإسلامية- سيستقطب هذا جموع المسلمين ما يمكنهم من الإطاحة بجميع الأنظمة في المنطقة وإقامة إمبراطورية أصولية إسلامية من إسبانيا وحتى إندونيسيا»، وقال وزير دفاع أميركا الأسبق (دونالد رامسفيلد)، في حفل توديعه، وانتهاء مدته كوزير للدفاع: «إنهم يريدون إطاحة وزعزعة أنظمة الحكم الإسلامية المعتدلة وإقامة دولة الخلافة».
فإذا كان ساسة الغرب قد عانوا ما عانوا، من مواجهة أناس يحملون الفكر الإسلامي ( على شكل جماعات ليس لها دولة)، ويواجهون سياساته وحضارته في بلاد المسلمين، ويتصدّون لمخططاته وأعماله…، فكيف ستكون هذه المعاناة عندما يرتكز هؤلاء الناس في بقعة من الأرض، يستندون إلى قوة أهلها، وينطلقون إلى الدول التابعة والموالية له؛ مثل الأردن ولبنان وتركيا والعراق لتنضم إليهم وتصبح دولتهم دولة قوية تستند إلى ذاتها ؟!
لذلك فإن الغرب من باب درء الخطر عن نفسه، ومن باب الأخذ بكل الأسباب المادية المتاحة، وحتى لا يتمكن أصحاب هذا الفكر، وهذه القوة الجديدة (من الوصول إلى نقطة الارتكاز هذه)، وحتى لا يتمكنوا من متابعة نشر هذا الخطر- كما يراه ساسة الغرب-، وهذا التحدي الجديد، فإنه يعمل لإضعاف هذا الخطر وتطويقه حتى قبل قيامه، وذلك بتدمير المقدّرات العسكرية والاقتصادية التي ستؤول إليه مستقبلاً… أي تدمير أركان الدولة التي سيضع عليها هؤلاء المفكرون الجدد أقدامهم.
ومن ينظر إلى أعمال الغرب وحلفائه؛ -وخاصة أميركا في أرض الشام- يرى أنها قامت، وما زالت تقوم بعدة أعمال سياسية وعسكرية واقتصادية، من أجل محاربة قيام الدولة الإسلامية في أرض الشام، -وإذا ما قامت- فإنها تستطيع مواجهتها، والسيطرة عليها ومحاربتها، ومن هذه الأعمال الشريرة -التي قامت وما زالت تقوم بها أميركا ودول الكفر- ضد الشام وأهله ومقدراته:
1- محاولة تمزيق سوريا إلى كيانات متعددة، مثل الكيان الكردي، والكيان العلوي في منطقة الساحل، وكيان أهل السنة، والحيلولة دون وجود روابط أو تواصل جغرافي بين هذه الكيانات… وقد بدأت بالفعل بمباشرة تنفيذ هذا الأمر بتشجيع قيام كيان كردي في محافظة الحسكة، والإعداد لتنفيذ باقي مراحله بقيام كيان علوي في منطقة الساحل…
فقد شن وزير الخارجية التركي (أحمد داود أوغلو)، في لقاء صحافي مع «حريات» التركية 2-5-2013م، هجوماً غير مسبوق على نظام الرئيس بشار الأسد، متهماً إياه بالضغط على زر الخطة «ب» القاضية بتطهير الساحل من الطائفة السنية، وتأمين «ممر آمن للنصيريين (العلويين) بين قلب مدينة حمص ولبنان»، معتبراً أن «المجازر الأخيرة التي ارتكبها الأسد في مدينة بانياس ضد السنة، تعتبر مؤشراً خطيراً ومرحلة جديدة في الأزمة السورية، بغية إقامة كيان منفصل على أساس طائفي، أي دولة نصيرية»، على حد قوله، مشيراً إلى أن المؤشرات الآن تدل دلالة واضحة على أن الأسد انتقل إلى تنفيذ الخطة (ب) وهذا الأمر ذكره في موسكو جون كيري وزير الخارجية الأميركي في أيار 2013م في مؤتمر صحفي مع لافروف، حيث قال: «إن البديل عن الحل السياسي للأزمة هو تفكك سورية»،. وفي بيروت، قال النائب اللبناني وليد جنبلاط في بداية أيار 2013م في موقفه الأسبوعي عبر جريدة (الحزب الاشتراكي): «النظام السوري يتمادى في مخططه الواضح لتدمير المدن والأرياف لتهجير الأكثرية السورية داخل سورية وخارجها، كمقدمة للمباشرة -فيما قد يصح وصفه بأنه بمثابة- تطهير عرقي وطائفي، بدأ في منطقة الساحل السوري ومدنه بما لا يقبل الشك. وما معركة القصير إلا لتطهير حمص وتغيير تركيبتها الديموغرافية؛ تمهيداً لتحويلها عاصمة الدولة المنتظرة بعد تقسيم سورية».
وقد نشر موقع العربية نت 30- ديسمبر 2013م خارطة عن (مركز دراسات) يتخذ من مدينة (بون) الألمانية مقراً له، خريطة جغرافية لما سماه بـــــــ«إقليم كردستان سوريا» في المنطقة التي يشكل الكرد أغلبية سكان مدنها شمال سوريا، وتبدأ حدود الإقليم الكردي، حسب الخريطة التي أعدها مركز «ياسا» الكردي للدراسات والاستشارات القانونية، من قرية «عين ديوار» التابعة لمدينة «ديريك» في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا، وتمتد بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند لواء إسكندرون”.
2- العمل على تدمير معدات الجيش السوري من قبل (إسرائيل)، والقضاء على النخبة المخلصة في هذا الجيش من قبل النظام السوري المجرم عن طريق الاغتيالات والسجون… وغير ذلك من طرق تآمرية على هذا الجيش، وقد قامت (إسرائيل) بعدة أعمال لتدمير قدرات هذا الجيش وتدمير معداته، كان آخرها ما قامت به من تدمير في جبل قاسيون…
3- تدمير الاقتصاد السوري؛ عن طريق الطاغية وزبانيته؛ وذلك بضرب أركان هذا الاقتصاد على امتداد الأراضي السورية؛ مثل تدمير محطات الطاقة والتهديد بضرب السدود، كما جرى في شهر شباط 2013م- بعد سيطرة الثوار على سد الفرات في الرقة ومحطات الطاقة عليه، عندما ضربت طائرات الطاغية محطة الكهرباء فيه، ودمرت بعض أجزائه، وأيضاً ما تقوم به عصابات النظام وحزب الله بتدمير وحرق المزارع؛ كما جرى في مناطق درعا والقصير وريف دمشق وغيرها على مدار ثلاث سنوات من الحرب الإجرامية، وتدمير المصانع والأسواق التجارية في المدن الرئيسة؛ وكما جرى عندما دمر سوق حلب التجاري بتاريخ 10-10-2012م ، وما يقوم به زبانية النظام من نهب البنوك المركزية والمدخرات النقدية والعينية التابعة للدولة… وقد أدى هذا العمل المبرمج والممنهج إلى انخفاض قيمة الليرة السورية إلى مستويات كبيرة سجلت في آذار 2013م (125) ليرة سورية لكل دولار وإلى ارتفاع الأسعار، وإلى عجز الدولة عن دفع رواتب معظم الموظفين في القطاع الحكومي والجيش…
وبالإضافة إلى هذا العمل التخريبي الممنهج والمبرمج، فإن أميركا تعدّ عدة أيضاً إلى ما بعد إعلان قيام دولة إسلامية كنقطة ارتكاز في هذه المنطقة، ومن برامجها هذه التي تعد لها؛ تحريض دول المنطقة المحيطة بسوريا، وتشكيل أحلاف عسكرية معها لمواجهة هذه الأزمة مثل الحلف القائم الآن والمناورات المشتركة على الأراضي الأردنية بمحاذاة الحدود السورية، والحلف على الحدود العراقية، وكذلك ما تعد له من عدة عسكرية مشتركة مع تركيا عن طريق حلف الأطلسي، حيث نصبت صواريخ باتريوت على الحدود السورية التركية، وأيضاً ما يقوم به كيان يهود من إعدادات ومناورات مستمرة ومشتركة مع أميركا في منطقة الجولان، كان آخرها بتاريخ 12-12-2012م…
فالغرب إذن لا يهدأ، ولا ترقأ له عين، ويضع المخططات الإجرامية لتدمير الشام وأهله؛ بسبب توجههم نحو الإسلام وقيام دولة الإسلام في أرض الشام… هذا ما يتعلق بالزاوية الأولى في هذا الموضوع.
أما الزاوية الثانية؛ وهي مقومات سوريا الشام، السياسية والعسكرية والاقتصادية، لقيام دولة الخلافة الإسلامية على ثراها في ظل المرحلة الحالية من التخريب والتدمير الممنهج داخل سوريا.
وقبل أن نذكر مقومات سوريا الحالية، في ظل هذه المرحلة الحالية الحرجة، يجب أن ندرك حقيقة مهمة، ويجب أن نعيها جيداً، لتكون ضمن أعمالنا وثقافتنا في مواجهة المراحل، هذه الحقيقة هي أن قيام دولة الإسلام على أي بقعة في الأرض، لن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، ولن يأتي على بساط أحمدي ممهّد، مفروش أمام حملة الدعوة، إنما هو عمل شاق، ومحاط بالمخاطر الجسام العظام، قبل تركّزه، وأثناء تركزه، وبعده، وهذا بالفعل ما يجري في أرض الشام، لكن هذا الأمر لا يمنع قيام الدولة ولا استمراريتها و بقاءها؛ لأن أهم مقومات ذلك هي الأمة أو الشعب الذي يحتضن هذه الفكرة، واستعداده للتضحية من أجلها، بكل ما يملك، تماماً كما ضحى من أجل قيامها قبل هذه المرحلة…
وأهم المقومات اليوم في سوريا الشام؛ هي:
1- الفئة المخلصة الموجودة على أرض الشام، واستعدادها للتضحية والفداء بكل ما تملك، من أجل نصر دين الله، ونصرة حملة الإسلام الساعين لإقامة دولة الإسلام؛ وقد ظهر هذا الأمر في المسيرات والهتافات في كافة المدن السورية، وكذلك ظهر في التوقيع على ميثاق العمل لإقامة الدولة الإسلامية بعد سقوط الطاغية. وهذا الأمر يتوسع، بفضل الله وحده، ويطمع بأن يمتد ليشمل المطالبة بحزب التحرير قائداً له.
2-الأمر الثاني في أرض الشام هو خلو هذه المنطقة والحمد لله من الاحتلال العسكري؛ كما هو الحال في أرض فلسطين على سبيل المثال، أي أن أمان أهل الشام ما زال بيد أهله- بغض النظر عن هذه الفئة المتسلطة، والتي تسخر البعض من أهله لحمايتها، ولكن هذه الفئة عندما تسقط، فإن كل الجيش السوري سيعود إلى الحاضنة الأصلية وهي أمته وشعبه، ولن يقف في وجه أمته وشعبه…
3-الأمر الثالث هو أن بلاد الشام هي بلاد خيرات بكافة أشكالها؛ الزراعية والبترول، ومصادر الطاقة في الأنهار، وفيه طاقات بشرية هائلة بكافة التخصصات العلمية، وهذا من مؤهلات استمرارية الدولة، وبقائها وقدرتها على ذلك..
4-الأمر الرابع هو وجود هذه الدولة في محيط إسلامي باستثناء الكيان اليهودي، وهذا الأمر سوف يمدّ هذه الدولة بشرايين للحياة، جبراً عن الحكومات المحيطة بهذه الدولة، وستنشط الشعوب المحيطة في دعم المسلمين من إخوانهم داخل سوريا، وإذا مارست الحكومات سياسة الكبت والتضييق على الشعوب، فإن هذا الأمر سيولد الانفجار عند هذه الشعوب في داخل البلاد المجاورة؛ بسبب اتِّقاد المشاعر الدينية…
فهذه مقومات كلها تصب (في دائرة استمرارية هذه الدولة وصمودها) عند قيامها بإذنه تعالى…
وهذه الزاوية تقودنا إلى:
الزاوية الثالثة في هذا الموضوع وهي: ما هي مقومات أي بقعة حتى تصلح لقيام دولة إسلامية ؟!
والحقيقة، إن هناك حداً أدنى من الأمور، يجب أن تتوفر في أي بقعة من الأرض، حتى يمكن للجماعة العاملة على التغيير إقامة دولة إسلامية فيها، وهذه الأمور تشكل بمجموعها مقومات إقامة الدولة الإسلامية واستمراريتها، وإمكانية بقائها ..
وهذه المقومات يمكن إجمالها على النحو الآتي:
1-بقعة جغرافية من الأرض، يسكنها مسلمون ويشكلون أغلبية سكانها، أي تكون غلبة الأمر لهم في هذه البقعة الجغرافية ..
2-أن لا تخضع لاحتلال عسكري أجنبي، وإذا كانت كذلك، فيشترط تحريرها قبل قيام الدولة الإسلامية فيها، لأنها ستكون خاضعة لإرادة الدولة المحتلة في كافة شؤونها…
3- أن يكون عند هؤلاء المسلمين في هذه البقعة رأي عام نابع من وعي عام على فكرة الدولة الإسلامية، وضرورة إيجادها في أرض الواقع، والوعي على الفئة المخلصة العاملة، وأن يعوا ألاعيب الكفار ضد الإسلام وضد المخلصين من أبناء الأمة…
4- أن تكون في هذه البقعة الجغرافية إمكانات الاستمرارية، والاستغناء عن الغير في حال حصول حصار اقتصادي، أو ما شابه ذلك من ألوان الحرب على هذه البقعة… وإمكانات الاستمرارية هذه تكمن في النواحي الاقتصادية والعسكرية، وكذلك في القناعات التابعة من إيمان الأفراد بضرورة التصدي والتحدي لأي محاولة لهدمها؛ (أي القوة الإيمانية المعنوية والقناعات)..
5- أن تعتمد اعتماداً كلياً غير منقوص على نفسها في الحماية، وأن لا يكون أمانها أبداً بيد أي دولة عدوة لها، لأن الأمان هو من ضرورات الاستمرارية والبقاء ..
فإذا وجدت بقعة بهذه المواصفات، فإنه يمكن للجماعة العاملة في هذه البقعة أن تعلن عن قيام دولة إسلامية، وأن تباشر العملية الانقلابية الشاملة في تطبيق الإسلام داخل هذه الدولة، معتمدةً على قدرات وطاقات هذه البقعة الجغرافية ..
أما إذا اختل أي شرط أو بند من هذه البنود فإن عملية الاستمرارية والبقاء لهذه الدولة تصبح مهددة في أية لحظة؛ لأنها فقدت ركناً مهماً من أركان قيام الدولة واستمراريتها ..
ونصل إلى الزاوية الرابعة وهي النظرة المستقبلية لسوريا الشام بعد سقوط الطاغية، من سيخلف هذا الطاغية على أرض الشام ؟
وقبل أن نجيب على السؤال من سيخلف الطاغية على أرض الشام، نذكر أمراً مهماً وهو: هل يمكن لهذا الطاغية ومن يسانده ويؤازره، ويقف بجانبه أن يبقوا مسيطرين على سوريا الشام؟!، والحقيقة، إنه من المحال أن يبقى حاكم أو قوة عسكرية مغتصبة لبقعة من الأرض، يرفض أهلها القبول به، ويقابلونه بالثورات العسكرية، وهذا الأمر قد ثبت تاريخياً واقعياً في جميع الدول التي ثارت في وجه حاكمها، أو مغتصبها… وقد ذكر هذا الأمر قادة الدول الكبرى بمن فيهم القادة الروس. ففي مقابلة مع شبكة CNN التلفزيونية بتاريخ 27/1/2013م، أعلن رئيس الوزراء الروسي( ديمتري مدفيديف) على هامش منتدى دافوس الاقتصادي (سويسرا) فقال: «إن فرص بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة تتضاءل يوماً بعد يوم، وإنه ارتكب خطأ فادحاً، قد يكون قاضياً لأنه تأخر كثيراً في تطبيق الإصلاحات السياسية»، وقال مدفيديف: «إنه كان عليه (الأسد) التحرك بسرعة أكبر، ودعوة المعارضة السلمية التي كانت مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات معه، إنه خطأ فادح من قبله، قد يكون قاضياً…ورداً على سؤال أحد الصحافيين في المؤتمر عما إذا كان الأسد يمكن أن ينجو؟!، أجاب( مدفيديف): «لست أدري… يبدو لي أن فرصه في البقاء في السلطة تتضاءل يوماً بعد يوم..»
فالبلاد العربية- على سبيل المثال- التي استعمرت في بدايات القرن الماضي وأواسطه- في عهد الاستعمار الأول بعد هدم دولة الإسلام سنة 1924م -قد طُردت قوى الاستعمار منها مجبرة مكرهة، بعد ثورة الشعوب في وجهها، وبعد الأعداد الكبيرة من القتلى الذي تكبدته هذه الدول الاستعمارية؛ مثل فرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا، وبريطانيا في العراق…
والحكام في بعض البلاد العربية أُجبروا على التنحّي، بسبب ثورة الناس في تلك الدول، وتصميمهم على إزالة هؤلاء الحكام من أرضهم، كما جرى في تونس ومصر واليمن، بغض النظر عن كون هذا التنحي قد أثمر ثمرة صحيحة أم لا…
وكذلك المستقبل في سوريا الشام .. سيكون مصير هذا البلد الانعتاق من تبعية هذا الطاغية وظلمه وغطرسته، مهما حاولت دول الغرب وخاصة أميركا دعمه وتثبيته، وإطالة عمر نظامه، فإنه حتماً سيجبر في نهاية المطاف على الهروب، أو الخضوع لأمر التنحي بطريفة أو بأخرى، وإلا فإنه سيسقط سقوطاً مدوياً؛ تماماً كما تتساقط أركان حكمه هذه الأيام واحدة تلو الأخرى، وكما سقط سلفه القذافي من قبل!!
والسؤال الذي يرد هنا: هل يقف الأمر في سوريا الشام عند حد سقوط الطاغية فقط، واستبداله بطاغية آخر كما جرى في بلاد أخرى ؟!
إن الأمر الذي يميز الشام هو أن الرأي العام عند المجاهدين القائمين على إسقاط الطاغية قد أصبح كاسحاً لصالح الإسلام، وتطبيق حكم الإسلام، رغم كل عمليات التضليل والتحريف والخداع، ومحاولات بناء العملاء السياسيين والعسكريين داخل سوريا، وحتى العملاء ممن بنتهم أميركا، وعملاؤها الإقليميون، من الدول المجاورة كالائتلاف السوري، لم يستطيعوا مناهضة المشروع الإسلامي صراحةً، وإنما حاولوا نشر ضلالاتهم وذلك بالمناداة بالدولة المدنية القائمة على حرية الاختيار في أرض الشام، ويضللون الناس أنها لا تخالف الإسلام ..
لذلك نقول بأن عملية سقوط الطاغية في أرض الشام هي أمر مفروغ منه حتماً إن عاجلاً أو آجلاً، وأنه لا يستطيع أن يملأ الفراغ في أرض الشام إلا أصحاب الفكر الإسلامي الصحيح، ممن قاموا وساندوا ووجهوا هذه الثورة المباركة، ووقفوا معها في كل مراحلها ..
فالمستقبل في أرض الشام هو فقط لأصحاب المشروع الإسلامي الصحيح، وهذا الأمر يدركه الكفار تماماً، وقد عبروا عنه في أكثر من مناسبة وبأكثر من أسلوب، منها ما صدر عن مسؤول في البنتاعون بأن أميركا قد وضعت خططاً جاهزة لكل الاحتمالات في سوريا. وكذلك ما ذكره أوباما باحتمالية التدخل العسكري بحجة الأسلحة الكيماوية واستخدامها .. وقد استخدمت الأسلحة الكيماوية من قبل النظام ولم يتدخل، فمن يقصد بهذا التهديد؟، إنه يقصد المجاهدين في حال سيطرتهم على سوريا!!….وهذا الأمر حذر منه الطاغية بشار وملك الأردن والرئيس العراقي في أكثر من مناسبة ذكرنا قسماً منها آنفاً…
وقد يقول قائل: وماذا تختلف الشام عن الأماكن الأخرى في العالم الإسلامي، ممن حصل فيها التضليل وحرف المسار، وما هو الضامن لهذه الثورة حتى لا تحرف كما حرف من سبقها من ثورات؟!
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن الفارق كبير، وكبير جداً بين ثورة الشام، وباقي الثورات؛ من حيث الواقع ومن حيث مجريات الأحداث، وأسلوب الثورة فيها .. فباقي الثورات قد وقفت عند حدّ التغيير الشكلي، دون الوصول إلى جذور النظام وأركان فساده؛ في المؤسسة العسكرية، والمؤسسات المدنية الرئيسة في الدولة .. فالمؤسسة العسكرية بقيت متنفذة في كل من مصر وتونس واليمن، رغم المسرحية الشكلية التي جرت في مصر؛ من تغير البعض من القادة أمثال الطنطاوي والمجيء بالسيسي، وما جرى في اليمن كذلك من تغيير علي عبد الله صالح لخلفه (عبد ربه منصور هادي) كما نصت المبادرة الخليجية في 3/4/2011م.
أما ما يجري في الشام فهي عملية قلع لكل مقومات النظام وجذوره؛ من سياسيين وعسكريين، وتحاول أميركا مستميتة أن تبقي على هيكل النظام كي لا تفقد سوريا بغير رجعة .. وهذا ما طرحته الجامعة العربية وحكام الغرب في محاكاة الحل اليمني حيث صرح أكثر من مسؤول في الجامعة العربية، والمبعوث الدولي الإبراهيمي، وروسيا. فقد ذكرت صحيفة (الشرق الوسط) بتاريخ 30-5-2012م نقلاً عن صحيفة (نيويورك تايمز): «إن الرئيس الأميركي باراك أوباما أوفد أحد مساعديه للأمن القومي للاطلاع والتشاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كيفية تنحية الأسد، وأن الفكرة المسربة تقوم على ما يسمى بــــــــ«الحل اليمني»، وهو حل يقضي بإقصاء الأسد عن السلطة ، ويحافظ على مؤسسات الدولة، ويجنب المنطقة ظهور جماعات إرهابية، قد تتولد وسط الفوضى والفراغ السياسي… وقد جربته دول مجلس التعاون الخليجي، ونجح في إقصاء الرئيس اليمني، وجنب الشعب اليمني الحرب الأهلية».
وهذا الأمر -أي الإبقاء على هيكلية الجيش والدولة، يتوقف على نجاح أميركا وحلفائها سياسياً وعسكرياً في تطويق الثورة المخلصة في أرض الشام، ولكن جميع المؤشرات تشير أنها فاشلة في كل أعمالها داخل الشام وخارجه، رغم الأعمال الجبارة التي قامت وما زالت تقوم بها. وقبل أن نصل إلى الزاوية الأخيرة، وهي الوعد الإلهي لأرض الشام، نريد أن نعرج على السيرة النبوية لنرى كيف قامت الدولة الإسلامية الأولى رغم وجودها في بحر من الكفر، وكيف استمرت، وكيف وقفت إرادة المولى عز وجل مع المخلصين من أبناء هذه الدولة، رغم المحاولات المستميتة من قبل أهل مكة وقبائل العرب لوأدها، ورغم مكر اليهود، ومكر الدول الكافرة الكبرى كفارس والروم لإزالتها عن الوجود.
فالرسول عليه الصلاة والسلام قد وصل بالفئة المخلصة حوله إلى بقعة من الأرض، هي المدينة المنورة، حيث وجدت فيها مقومات الدولة للارتكاز والانطلاق، وهي عبارة عن بقعة من الأرض في جزيرة العرب، اقتنع أصحابها بالدعوة الجديدة، وكانوا أكثر أهلها أي الرأي العام للإسلام، واستعدوا لمؤازرتها والالتفاف حولها، وكانت هذه البقعة رغم صغرها وضعف إمكاناتها قادرة على حماية الرسول عليه السلام، وقادرة على الاستمرارية بنفسها.
وفعلاً قام الرسول عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى هذه البقعة الطيبة، بعد طمأنينته بأنها ستسانده وتؤازره وتقف إلى جانبه؛ فقد روى ابن كثير في سيرته أن الرسول عليه السلام قد أخذ البيعة على النصرة والمؤازرة والحماية: (ذكر ابن إسحاق في سيرته عن عاصم بن عمرو قال: لما اجتمع القوم لبيعة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال العباس ابن نضلة الأنصاري: (يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا :نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبةً وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟، قال: الجنة، قالوا: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه).
وفعلاً صدق هؤلاء القوم في بيعتهم هذه، وساندوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأسود والأحمر من الناس، فكانت أولى تجاربهم في معركة بدر، ثم تلتها أحد، ثم جاء حصار المدينة في الخندق، ليبلغ تهديد الدولة أوجه، ولكنهم ثبتوا وصبروا واستمروا، رغم حقد المنافقين وتآمر اليهود على هذه الدولة، ثم استمر الرسول عليه الصلاة والسلام في الانطلاق خارج حدود المدينة، حتى صار دولة عظمى تتحدى فارس والروم خلال سبعة أو ثمانية أعوام من قيامها!.
والحقيقة، إن هذه الأحكام، وهذه الطريقة، وهذا الخط في السير للرسول عليه الصلاة والسلام هو أحكام شرعية، وهو دليل للمجاهدين اليوم في أرض الشام، وفي كل مكان يراد إقامة الدولة الإسلامية فيه.
وقد يتصور البعض من حملة الدعوة أن الدولة يشترط لها أن تملك ما تملكه الدول الكبرى؛ من أسلحة نووية وحرب النجوم وغير ذلك حتى تستطيع أن تقف على أقدامها، سواء أكان ذلك في أرض الشام أو في مكان آخر. والحقيقة إن هذا الأمر هو من عوامل الإحباط عند البعض، سواء أكان ذلك عن جهل أم عن علم ومعرفة. وهذا الأمر أو هذا الشرط لم يتوفر لأي ثورة أو حركة في العالم تريد أو أرادت التغيير. ولو كان شرطاً لما استطاعت أي حركة تغييرية في الأرض أن تصل إلى هدفها… فالثورات الغربية في فرنسا وبريطانيا قد بدأت بالإيمان بالفكرة ، والاستعداد للتضحية والسير، ثم انتصرت على الكنيسة وأسست نواة الدول الجديدة، واستطاعت أن تبلور أفكاراً جديدة تسير عليها، ثم أصبحت دولاً عظمى بعد ذلك، والحركة الشيوعية في روسيا أيضاً سارت بنفس الطريقة على القياصرة.. وهكذا تسير معظم حركات التغيير الجذري في الأرض…
فأرض الشام اليوم فيها المقومات الشرعية التي يمكن أن تستند عليها الحركة المخلصة، ويمكن أن تصمد في وجه دول الأرض قاطبة، وليس فقط أمام جند بشار الطاغية وحزب إيران وإيران عملاء أميركا .. لأن فيها رجال باعوا أنفسهم لله، وأصبح عندهم الرأي العام لصالح فكرة الخلافة وتطبيق الإسلام، وأصبح عندهم التصميم على النصر أو الشهادة، وإن مما يبشر بالخير كذلك -تأسياً لما جرى في المدينة- هو الرأي العام عند أهل الشام للوقوف بجانب الثورة، والمضي قدماً معها نحو العزة والرفعة والارتقاء !! ..
ونصل إلى الزاوية الأخيرة في هذا الموضوع وهي: المبشرات من الواقع، ومن التاريخ، ومن عقيدتنا النيرة، بأرض الشام. نسأل الله تعالى أن يكون أهل الشام هم نواة الخير لهذه الأمة الكريمة، وشرارة النور الإلهي المبشر بالفرج والخير لهذه الأمة الكريمة جمعاء.
ونبدأ أولاً ببعض المبشرات من النصوص الشرعية في أهل الشام وأرض الشام: قال تعالى مبشراً بهذه البلاد وأهلها: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ )، ذكر ابن كثير في تفسيره قال: قال قتادة والحسن البصري: «هي أرض الشام». وقال تعالى: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ذكر القرطبي في تفسيره أنها أرض الشام قال: روى معاذ بن جبل عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يقول الله تعالى: يا شام أنت صفوتي من بلادي، وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي».
وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشام فقال: «طوبى للشام. قلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها» رواه أحمد والترمذي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا ًمجندة، جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق. فقال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله، إن أدركتُ ذلك، فقال: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال عليه الصلاة والسلام: «بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام» رواه أحمد والطبراني. وقال: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة»رواه أبو يعلى وقال الهيثمي رجاله ثقات. وقال عليه الصلاة والسلام: «الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلاً؛ كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً: يُسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب» رواه أحمد بإسناد حسن .
أما ما يتعلق بجانب التاريخ؛ فإن الناظر إلى تاريخ الإسلام في أرض الشام، فإنه يرى أنه حافل بالخير والعطاء، ويرى أيضاً أن بداية نهوض الأمة من نكباتها وغفلاتها كانت تبدأ من أرض الشام، ثم تمتد إلى أرض الكنانة في مصر، ثم تستعيد الأمة عافيتها وقوتها وتقف على أقدامها مرة أخرى .. وهذا ما جرى بالفعل في عهد الغزو الصليبي لأرض الشام، حيث استطاع نور الدين آل زنكي، وقائده العظيم صلاح الدين الأيوبي أن يعيد للشام مكانتها الصحيحة، وأن يوحدها مع مصر، وأن يهزم عبَّاد الصليب بعد ذلك هزيمة منكرة في حطين1187م، كانت بداية النهاية لهذا الغزو المقيت لبلاد المسلمين أكثر من مائتي عام متواصلة، عانت فيها الأمة الضعف والذل والهوان والفرقة… ثم تكرر نفس المشهد في فترة الغزو المغولي، حيث عانت الأمة الإسلامية من الذل والتشرذم في تلك الحقبة السوداء، فجاء الخير من أرض مصر الكنانة على يد المماليك، فوحدوا الشام معها، ثم انقضّوا على بقايا المغول في أرض فلسطين، وهزموهم هزيمة منكرة بعد فترة طويلة من الذل والهوان امتدت واستمرت من سقوط بغداد سنة 656 هـ – إلى معركة عين جالوت 658هـ.
وهكذا هو الحال هذه الأيام بالنسبة للشام وأهل الشام، فقد انبرت من أرض الشام رجالات عظيمة حملت مشعل التغيير في بلاد المسلمين وصارت تدعو إلى نهضة الأمة الإسلامية، وتركزت في بيت المقدس وما حوله من أرض الشام، وها هي أيضاً ثورة الشام تضرب مثلاً عظيماً في الوقوف في وجه الظلم العاتي في أرض الشام، وتتميز هذه الثورة عن كل الثورات في العالم العربي بطريقتها في التصدي للظلم، وطريقتها في طلب التغيير على أساس الإسلام في أرض الشام… حيث تميزت هذه الثورة عن ثورة ليبيا وتونس ومصر واليمن؛ بوعيها ومطالبها العظيمة التي لا تقف عند حد خلع النظام فقط أو تغييره شكلياً، إنما تنادي بتغيير شامل على أساس فكري صحيح هو الإسلام بإقامة دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة…
وهناك مبشرات عظيمة في (أرض الشام وثورة الشام) هذه الأيام تبشر بإذنه تعالى بعودة الخير من أرض الشام منها :
1- هذا الرأي العام الكاسح بين أبناء الشام لصالح دعوة الإسلام، وعودة الحكم بما أنزل الله تعالى، والوعي على ذلك عند مفاتيح التغيير والقوى العسكرية الفاعلة في ثورة الشام… حيث استجابوا لنداء الوعي وميثاق العمل لدولة الإسلام، على أساس دستور الإسلام المستنبط من الأدلة الشرعية بعد زوال النظام…
2- صمود هذه الثورة وثباتها رغم مرور ما يقارب ثلاث سنين من الحرب العاتية، والتي تشترك فيها دول العالم الكافرة خلف شعار أميركا ودول التحالف معها ( الحرب على الإرهاب ) -وفي نفس الوقت ثباتها على فكرها، وازدياد تبلور هذا الفكر يوماً بعد يوم في أرض الشام ..
3- تهاوي أركان النظام في كل يوم، وتهاوي مشاريع أميركا وفشلها أمام تصميم ووعي الشعب المسلم في سوريا الشام، ووعي الكتائب المجاهدة، وتفكيك وضعف المنظومة الإقليمية المساندة لأميركا نتيجة اشتداد الصراع وانكشافه بأنه ضد الإسلام، وبالتالي خوف الدول الإقليمية من نقمة الشعوب ضدها…
4- زيادة وعي أبناء الأمة الإسلامية خارج سوريا الشام على ما يجري لأهل الشام بأن الحرب ليست حرب بشار وزبانيته إنما هي حرب صليبية صهيونية ضد الإسلام، تشترك فيها دول العالم، وبمساندة الأنظمة العميلة داخل الدول المحيطة بسوريا مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق… وهذا الوعي على هذه المؤامرة زاد من نقمة الأمة على مشاريع الكفار وقربهم من مشروع الأمة نحو الدولة الإسلامية، ونحو نصرة أهل الشام داخل أرض الشام…
وفي الختام نقول: بأن هذه الحرب على الشام وأهله ليست حرباً على سوريا فقط، إنما هي على أمة الإسلام -على الله ورسوله – فهي معركة الإسلام ضد الكفر، وقد بدأت صورة هذا الصراع ضد الإسلام وعودة الإسلام تتضح شيئاً فشيئاً للجميع، وسوف تكون أكثر وضوحاً وصراحة كلما اشتد عود الثورة والمخلصين فيها، حتى يتميز الصراع في النهاية إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه… وأن نهايتها بإذنه تعالى انتصار الإسلام ومن يناصره من أهل الحق والإيمان بإذنه تعالى… فالله سبحانه وعد بعودة دين الإسلام وبعودة دولة الإسلام بإذنه تعالى، وبشر بأن بذرة الخير هي في الشام كما بيَّنا في الأحاديث السابقة!! ..
يقول الحق مبشراً أمة الإسلام بانتصار هذا الدين مرة أخرى على أهل الكفر والضلال والشر، في كل الأرض رغم الكيد والمكر الكبير، والحرب الضروس وشدة الصراع وضراوته، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [، وقال تعالى:] يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [، وقال تعالى: ] وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [
نسأل الله تعالى أن يكرم أهل الشام وثورة الشام بالنصر المؤزر القريب، ليعم بعدها كل بلاد الإسلام، ثم يحمل رسالة خير وهدى إلى كل أهل الأرض… آمين يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين