اللهو المنظم وخطره على الأمة
1990/01/06م
المقالات
3,208 زيارة
(الجد أصيل في طبيعة هذا الكون، أصيل في تدبيره، أصيل في العقيدة التي أرادها الله للناس…) [الظلال ـ سيد قطب] فالجدية هي: (وجود القصد، والسعي لتحقيق القصد إلى جانب حسن التصور لواقع ما يفكر به) [التفكير ـ النبهاني] إذن الأصل أن يحدد العاقل الهدف لعمله (وإلا كان لاهياً) والأصل أن يكون في الهدف أكثر من التعب والمشقة [التفسير المنتخب ـ متولي شعراوي] وإلا كان فيه شيء من اللهو أو التلهي.
ولابد للإنسان فرداً كان أو أمة أن يدرك الهدف أهميةً وضخامةً، وأن يفكر ويُدرك الوسائل والأساليب حين السعي لتحقيق الهدف والقصد.
وإلا كان اللهو والتلهي. ولكن الأمة الإسلامية تعيش نوعاً من اللهو لا عهد لها به، إنه اللهو المنظم الخطير.
معنى اللهو من خلال آي القرآن:
اللهو اللعب حديث «عليكم بالرمي فإنه من خير لهوكم» مسلم.
اللهو الغناء قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ…) فسّر بالغناء حديث الباطل.
ومعنى اللهو في قول الله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا…) الطبل والتصفيق.
وفسّر اللهو في (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) بالشرك… الغناء والمزامير واختار ابن جرير أنه كل كلام يصدّ عن آيات الله واتباعه سبيله. وبـ (أنه الطعن بالحق والاستهزاء به كما قال جعفر الصادق) [التفسير الكاشف ـ مغنية].
والذي يجمع معاني اللهو الواردة في آي القرآن الكريم قول الشعراني (اللهو: هو الانشغال بشيء منهي عنه، وكذلك الانشغال بلعب مباح بحيث يصرف عن التكليف).
حكم اللهو
1) من اللهو ما هو حلال مباح كالرياضة الهادفة الرمي ـ السباحة ـ السباق ـ المصارعة.
وإلغاء المجرد عن المحظورات والأناشيد ونحوهما. إذا لم يؤد إلى ترك تكليف. يقول الإمام الشاطبي: (اللهو واللعب والفراغ من كل شغل إذا لم يكن في محظور ولا يلزم عنه محظور فهو مباح…).
ويضيف قائلاً: (ولكنه مذموم ولم يرضه العلماء بل كانوا يكرهون أن لا يُرى الرجل في إصلاح معاش، ولا في إصلاح معاد، لأنه قطع زمان فيما لا يترتب عليه فائدة دنيوية ولا أخروية. «كل لهو باطل إلا ثلاثة… » من حديث صححه الحاكم.
ويعني بكونه «باطلاً» أنه عبث أو كالعبث. ليس له فيه فائدة ولا ثمرة تجنى… [الموافقات].
2) ومن اللهو ما هو حرام مثل اللعب بالقمار والنرد، والغناء الذي فيه محظور شرعي. واللهو المباح إذا أدى إلى حرام أو ترك فرض. من باب القاعدة الشرعية: «كل ما أدى إلى حرام فهو حرام».
اللهو المنظم
هو اللهو الذي حُددت له مواضيعه المبرمجة وأوقاته المحددة، وعُين له موظفون ومسؤولون، حتى صار مهمة من المهمات في نظر المخططين له. وهو أنواع منها:
الرياضة: ولها الرياضيون المنظمون على مستوى القرية ثم المنطقة ثم المدينة ثم على مستوى الدولة ثم على مستوى القارة فالعالم. ثم لها موظفوها على الترتيب المذكور. وقد عين لها ساعات محددة للتدريب وساعات محددة للمباراة على الترتيب المذكور كذلك. وصار لها برامجها الكثيرة في أجهزة الإعلام كلها وفي كل أقطار العالم. هذه الهالة للرياضة جعلتها الشغل الشاغل لشباب الأمة حتى صارت حديثهم الشيق حين التفرج أو عقبه وصار لها عشاقها والمتحمسون لهاز ثم تلعب دون تقيد بحكم شرعي في قول أو لعب أو لباس مما تسهم في نشر الرذيلة والخلق القبيح على مستوى الأمة.
الرقص: له فرقه وموظفوه، وساعاته المحددة والعديدة وأمكنته الضخمة في الفنادق والمسارح، وإعلاناته المزينة والمهيجة تقوم به الفاسقات العاريات أما مئات بل الآلاف من المتفرجين في الأمكنة ووراء شاشة التلفاز، فيستهلك الوقت الثمين لشباب الأمة المسلمة ويستهلك أخلاقهم وحياءهم وإسلامهم وأموالهم.
الغناء: عين له فرقه من الرجال والنساء والولدان، وجهزت لأجله المدارس والكليات والمسارح وصار له مدربوه وموظفوه، وصار لهم برامجه المنظمة في الأمكنة الفاخرة وفي أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية. والفت المجلات الخلاعية تتحدث عن نجوم الغناء والطرب وحددت مواضيعه «الحب ـ المرأة بمفاتنها ـ » والمديح والإطراء للملوك والرؤساء… فهيجت الجنس ونشرت الميوعة والخلاعة في عشاق الغناء والطرب وما أكثرهم.
لهو السياسة
جلسات مرتبة لمجلس الشعب وجلسات منظمة لمجلس الوزراء، ومؤتمرات ثنائية وثلاثية و… ومؤتمرات على مستوى الوطن العربي ثم البلاد الإسلامية على أوسع إلى حيث هيئة الأمم المتحدة، حيث تصدر التوصيات والقرارات والتشريعات والمراسيم لتستلمها وسائل الإعلام كلها تلوك بها طيلة يوم وربما طيلة أسبوع والغريب أن ما يصدر عن هذه الجلسات المتعددة والمتنوعة تأتي بنتائج عكسية شقيّة على الأمة فمثلاً التوصيات القرارات الوحدوية تعطي بعد حين مزيداً من التمزّق والتفرق، والمراسيم الاقتصادية تمنح المزيد من الأزمات والغلاء الاقتصادي، والتوصيات حول الحرية تعطي المزيد من الكبت والتضييق والمزيد من بناء السجون. أما الاحتفالات السياسية فهي كثيرة في لك بلد إسلامي، من احتفال بعيد الاستقلال إلى احتفال بعيد الثورة، إلى احتفال بعيد العمال إلى احتفال بعيد… وهكذا. احتفالات تلتهم المال الكثير، والجهد الوفير والوقت الثمين، عدا ما يقع فيها من المنكرات والمحرمات بما يبعث على الأم في وجدان المسلم دون أن يكون له حول ولا طول.
أهم ما يتميز به اللهو المنظم
فيه قصد وتصميم وليس هو أمراً عفوياً، وفيه التعميم والشمول لجوانب الحياة، وفيه الشمول لكافة قطاعات الأمة أي يشمل كل الأمة، وراء هدف، ويوصل إلى نتائج خطيرة، ولا يراعى فيه المقياس الصحيح من حلال وحرام.
أما خطر اللهو المنظم على الأمة
فإن اللهو المنظم جعل الحياة كلها لهواً، حيث صرف الأمة عن اتخاذها الدين قاعدة حياتها اعتقاداً وعبادةً، وخلقاً وسلوكاً، وشريعة وقانوناً مما أضعف الوقار والاحترام لدينها فصارت تعيش حياتها دون غاية، وتعيشها دون منهج. (والحياة الدنيا لعب ولهو حين لا يكون وراءها غاية أكرم وأبقى. وحين تعاش لذاتها مقطوعة عن منهج الله فيها…) [سيد قطب].
والخطر الأكبر في اللهو المنظم هو صرف الأمة (عن الوعي السياسي الصحيح، الذي يعني أن تتدبر الأمة، وكل فرد فيها شؤون حياتها وشؤون العالم من زاوية الإسلام. فلم تعد تدرك قيمة الإسلام فازدادت حالتها سوءاً. ويوشك أن يسرع الانقراض إليها ويزداد خطر إبادة المسلمين [الفكر الإسلامي ـ محمد إسماعيل].
هذا اللهو المنظم صرف الأمة عن (القضايا المصيرية التي فيها بقاؤها ووجودها، والتي منها إقامة نظام الخلافة، وإزالة الكفر البواح، وتحويل كل قطر إلى دار الإسلام، وصرفها عن إدراك قضاياها المصيرية التي فيها فناؤها وهلاكها والتي فيها الارتداد، وظهور الكفر البواح، والتمزق الذي أحالها إلى دويلات هزيلة مستضعفة وشغلها ـ أي اللهو المنظم ـ عن التفكير في الإجراءات التي يجب أن تتخذ لتحمي نفسها من الفناء والدمار الذي تسرع إليه [كيف هدمت الخلافة ـ عبد القديم زلوم].
واجب الأمة نحو اللهو المنظم
يجب على الأمة أن تدرك واقع اللهو المنظم، وأن تأخذ دورها في مواجهة هذا الخطر المحرق وتدرك أنه مقصود، وأنه ذو أهداف خطيرة جسيمة يستهدف أثمن شيء وأعزه ألا وهو الإسلام، ومن ثم فناء الأمة الإسلامية. وأن تعي قاصديه بدقه وتعي كيف تجابههم.
فالله نسأل أن يعين هذه الأمة على النهوض بواجبها الأكبر هو أن تختار أميراً مخلصاً لدينها الحق كي يقودها به، فتعود دولة الخلافة الراشدة الدولة الأولى في العالم، وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله. والحمد الله رب العالمينo
1990-01-06