بعد احتلال العراق للكويت (02/08/90) حصلت ارتباكات عند علماء السعودية. حكومتهم تطلب منهم إصدار الفتاوى بالاستعانة بالجيوش الأجنبية (الأميركية)، وهم يروْن أن هذا حرام. وقد خضعت أكثرية العلماء لأوامر الملك. ولكن نفراً من هؤلاء العلماء التزموا بالشرع وخضعوا لأوامر الله وليس لأوامر الملك التي يتلقاها من بوش.
من هؤلاء النفر فضيلة الشيخ سفر عبد الرحمن الحوالي الذي صار يلقي الخطب محذراً الناس والحكام والعلماء من المكائد الفظيعة. ولكن جاء تحذير من الحكومة بأن يلزم جانب الصمت. فقام فضيلته بكتابة رسالة مطولة (115 صفحة) وقدمها إلى العلماء (قبل 15/10/90) يبيّن لهم فيها واقع الخطر المحدق. إنه يشرح لهم الأحكام الشرعية لأنهم يعرفونها، ولكنه يشرح لهم الواقع، أي مناط الأحكام الشرعية، ويبيّن لهم أن الأمر ليس استعانة من السعودية بأميركا وحلفائها بل هو احتلال أميركي للسعودية والخليج شاءت السعودية أو لم تشأ.
وكان المفروض أن تبقي هذه الرسالة – النصيحة متداولة بشكل سري بين العلماء بناءً على أمر الحكومة. ولكن شاءت حكمة الله أن تنتشر هذه الرسالة وأن يتداولها الشباب والطلاب والأساتذة بشكل كبير.
ولما رأت «الوعي» أن هذه الرسالة قيّمة جداً وتلقي الضوء بشكل واعٍ وواضح على واقع ما جرى وما يجري نحو الخليج والنفط والإسلام والعالم، لما رأت «الوعي» ما في الرسالة من خير رأت أن تنشر بعض الفصول منها خدمة للإسلام والمسلمين. وفيما يلي كلام فضيلة الشيخ سفر – حفظة الله -.
هيمنة الغرب
لا ريب أن أساس هيمنة الغرب على العالم المعاصر هو تفوقه الصناعي واحتكاره للقوى وتطفيفه في التعامل، ولا ريب أن النفط هو السلعة الضرورية الحيوية للصناعة والحياة الغربيتين، ليس لأنه مصدر الطاقة الرئيس في العالم بعد انتهاء عصر الفحم الحجري فحسب بل لأن استخدام النفط في لطاقة على أهميته أصبح هدفاً من جملة أهداف أخرى مهمة كثيرة فلا يكاد يخلو مجال من مجالات الصناعة الحديثة من استخدام النفط حتى الأدوية والعطور والملابس والأواني والصناعات الحربية… الخ.
ومع هذه الأهمية العظمى فإن العالم الغربي (وأميركا خاصة) الذي يخطط إلى ما بعد 500 سنة من الآن بالنسبة لبدائل الطاقة واحتياطي المعادن وجد نفسه أمام تراجع كبير في احتياطيه من النفط كما أن توابعه (اليابان مثلاً) لا تنتج النفط أصلاً.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أن احتياطي الولايات المتحدة الأميركية سينفذ سنة 2000 وسينفذ احتياطي الاتحاد السوفييتي سنة 2003.
أما أكبر مخزون للنفط في العالم فهو منطقة الخليج عامة والمملكة العربية السعودية خاصة حيث لا يقل هذا الاحتياطي عن 60% من الاحتياطي العالمي كله. وإذا استمر الإنتاج في معدله الحالي فإن المخزون السعودي سوف يستمر 125 سنة والكويتي 144 سنة والعراقي 98 سنة والإمارات 120 سنة (أنظر مجلة الأسبوع العربي عدد 22/10/1990).
يضاف إلى ذلك الفرق الهائل جداً في تكاليف الإنتاج وكميته فالبئر الأميركية تنتج 18 برميلاً في اليوم الواحد في حين أن البئر السعودية قد تنتج 18000 برميل لمدة تزيد على 40 سنة!!
ومن هنا برز الخليج العربي باعتباره أهم منطقة في العالم على الإطلاق وأصبح محط شراهة القوى الطامعة، وبذلك تكون القوة المسيطرة على الخليج هي القوة المتحكمة في شرايين الحياة في العالم الغربي ويمكن لها أن تخنق الغرب إلى أن يموت.
يقول الرئيس نيكسون «أصبحت الآن… مسألة من يسيطر على ما في الخليج العربي والشرق الأوسط تشكل مفتاحاً بيد من يسيطر على ما في العالم» المذكرات ص 105.
وقال: «إن منطقةً كانت ذات يوم تنعم إلى حد كبير بخيال رومانتيكي أصبحت الآن تمسك مصير العالم بذارعيها أو برمالها بتعبير أدق» ص 100.
أما الرئيس كارتر فقد عبر أحد مستشاريه عن مشاعره قائلاً: «لو أن الله أبعد النفط العربي قليلاً نحو الغرب لكانت مشكلتنا أسهل» (التدخل العسكري في منابع النفط ص 12).
فهو يتمنى لو أن الله جعل النفط في محيط سيطرة الدولة اليهودية التي هي جزء من الغرب دينياً وعرقياً. وهذه العبارة الصليبية ليس أسوأ منها إلا ما قاله أكثر من مسؤول أميركي ومنهم السفير السابق في السعودية «إننا ذهبنا لتصحيح خطأ الرب حيث جعل الثروة هنا بينما العالم المتحضر في مكان آخر» (قاتله الله وأخزاه).
ومع هذه الأهمية الحيوية البالغة فإن لهذه المنطقة أهمية من جوانب أخرى فهي مهد الحضارات وملتقى الطرق العالمية (كما أن لها حساسيتها الدينية والتاريخية التي لا يتجاهلها أحد) ومن هنا كانت محط التنافس الحضاري طوال القرون (البيزنطيون، التتار، الصفويين، العثمانيون، البرتغاليون، الإنجليز) كما أن تركيبتها العرقية والطائفية تجعلها منطقة قابلة للالتهاب بسرة (عرب، فرس، أكراد، ترك، بلوش، سنة، شيعة، خوارج، يهود في إيران، نصارى في العراق… الخ).
ولهذا ظلت هذه المنطقة بؤرة للتناقضات والحروب والصراع الفكري. وبعبارة أصح: للفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تأتي من قِبَل تلك الجهة. وأصبح لزاماً على كل من يتعامل معها أن يراعي هذه الحساسيات البالغة والأوضاع المعقدة.
وفي ظل هذه الأوضاع ظهرت دعوات قوية في أميركا تنقد ضعف بلادها وتنذر أمتها بالخطر المحدق إن لم تعد العدة كاملة لاحتلال الخليج كما صرح بعضهم أو لحماية أمن الخليج كما يُغَلّفُها الأكثرون.
ونشير هنا إلى بعض التراجم المتداول في الأوساط العربية منها، ونوجز ما احتوت عليه مما لا تخفى دلالته على مثلكم:
1- دراسة عسكرية استراتيجية نشرتها مجلة فورتشون الأميركية في مايو 1979 بعنوان: «التدخل العسكري في منابع النفط – الاحتمالات والخطط» ومما ورد فيها ص 4 «إن نزاعاً بين العراق والكويت أو السعودية نابعاً من الخلافات القائمة منذ زمن حول الأراضي هو خطر حقيقي».
ثم تقول الدراسة: «لقد أوضح كل من براون وبريجينسكي – مساعد الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي – مؤخراً أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات بينها استخدام القوات العسكرية لحماية مصالحنا في العربية السعودية».
وتجمل الدراسة الاستراتيجية الأميركية العسكرية في شقين قائلة:
«الشق الأول: تعزيز الأمن الداخلي في دول الخليج ضد ما تشعر إدارة كارتر أنه مدّ مُتنامٍ من عدم الاستقرار السياسي، ويرى المسؤولون في واشنطن أن عدم الاستقرار هذا يتفاقم من خلال الفساد المنتشر والتفاوت الكبير في الثروات، ووجود أعدادٍ هائلة من العمال الفلسطينيين واليمنيين والأجانب الآخرين… ويتمتع العمال المهاجرون بقليل فقط من الامتيازات التي يتمتع بها المواطنون»!!
أما الشق الثاني من تلك الاستراتيجية.. فيقضي بإيجاد طرق من أجل زيادة حجم الوجود الأميركي في الخليج أو على الأقل التحرك بسرعة أكبر في أوقات الأزمات» ص6.
وبعد أن تشير الدراسة إلى الصعوبات الامتدادية وعدم تملك أميركا لقواعد في أراضي الخليج تقول: «أحد الاحتمالات هو محاولة التوصل إلى اتفاق مع السعودية من أجل توسيع القواعد العسكرية القائمة حالياً في تلك البلاد حتى تستطيع استيعاب قوات أميركية. وهناك خيار آخر هو الحصول على إذن للسماح بإيداع مسبق للمعدات والإمدادات في السعودية للاستخدامات الطارئة» ص7 وبالفعل أنشئت قواعد عسكرية لا نظير لها في أكثر دول العالم، وفوجئ الأميركيون عند نزولهم فيها بتطورها واستيعابها ومضاهاتها لأكبر القواعد في بلادهم، والمؤلم أن أحد خبراء البنتاجون قال: «يجب أن تكون هذه القواعد مناسبة لنزول قواتنا وأنه ينظر إليها كقواعد أميركية لأننا سننـزل فيها إن بطلب من السعودية وإن بغير طلب»!
وتقول الدراسة: «أظهر استفتاء للرأي، أجري مؤخراً بين سفراء الولايات المتحدة في المنطقة، أن هناك إجماعاً على القول بأن تمركز قوات برية، أو زيادة القوات البحرية (الأميركية) في المنطقة قد يؤدي إلى إضعاف الدول التي ستتمركز فيها هذه القوات، بدلاً من أن تقويها. فمن شأن المجموعات المتطرفة أن تستغل العواطف «المعادية للاستعمار» المتبقية منذ الأيام التي كانت فيها الأراضي العربية مستعمرات أو محميات لبريطانيا وللدول الأوروبية».
(التدخل العسكري في منابع النفط ص 7).
وأذكر سماحتكم وأصحاب الفضيلة أن هذا الكلام نشر قبل 11 سنة وأحيلكم إلى الخرائط العسكرية التي اشتملت عليها الدراسة عن الاحتمالات والخطط.
2- دراسة استراتيجية بعنوان: «تحديات الأمن القومي في العربية السعودية في العقد المقبل» (أي الثمانينيات الميلادية) كُتِبت سنة 1978 قبل نجاح الثورة الإيرانية: وحين تحدثت الدراسة عن النـزاعات المحتملة قالت: «من المحتمل أن تصبح العراق وإيران أعداء للسعودية في منطقة الخليج فالرياض قلقة بشأن المطالبة القديمة بالكويت وبشأن حوادث إطلاق النار على طول الحدود المبهمة بين هاتين الدولتين.
ويعود الصراع بين العراق والكويت إلى ما قبل حصول الكويت على استقلالها التام في العام 1961. وتدعي العراق أن لها الحق في المناطق التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التي تدعي أنها وريثها القانونية، ولو قبلنا هذا المنطق لأصبحت الكويت جزءاً لا يتجزأ من العراق.
أما الكويتيون فيقولون أنهم كانوا دوماً محافظين على وضعهم ككيان مستقل…!!
وقد تقرر العراق أن تحل مشاكل الحدود عسكرياً فتلجأ إلى الاستيلاء على البلاد بأسرها وهو أمر يمكن إنجازه بسرعة إلا إذا تدخلت دول أخرى لتساند الكويت.
والسعودية لا تستطيع أن تفعل الكثير من وجهة النظر العسكرية لإيقاف أي غزو عراقي للكويت ويتم الآن إنشاء مركز عسكري سعودي قرب الحدود العراقية العسكرية (يقصد مدينة حفر الباطن العسكرية).
لكن السعوديين قد لا يستطيعون أن يتحدَّوا قوة بغداد العسكرية» ص6، 7.
في موضع آخر تتحدث عن الخطر العراقي أيضاً واحتمال إقدام العراق على اتخاذ بعض الإجراءات الجوية لمعاقبة المملكة لأسباب ذكرت منها «دعمها للأنظمة التقليدية، أو لأنها تُنتج النفط أكثر مما ينبغي أو لأنها تعرقل الحصول على أسعار أعلى للنفط، أو من جرّاء دعم السعودية المحدود للكويتيين في نزاعهم الإقليمي مع العراق… ». (يلاحظ أيضاً هذا الكلام كتب قبل 12 سنة ومع ذلك فإن الأسباب الأولى الواردة هنا هي ما تضمنته مذكرة الاحتجاج العراقية ضد الكويت والإمارات المقدمة لجامعة الدول العربية والتي أعقبها الغزو العراقي).
ثم تقول: «أما احتياط النفط السعودي فمن المحتمل أن لا يلعب دوراً في أي هجوم تشنه العراق، إذ أنَّ احتياط النفط العراقي قد لا يفوقه سوى احتياط النفط السعودي، والصراع العراقي الكويتي يرجع على الأرجح إلى رغبة العراق في تسهيل الوصول إلى البصرة وهي مرفأ العراق الرئيس على الخليج لا إلى الحصول على موارد الكويت النفطية الكبيرة» ص 22 – 23.
(أقول يعطي هذا التفسير لسرعة الصلح مع إيران، وقد تؤكد مبادرات السلام بين العراق والكويت إن قدر لها النجاح والله أعلم).
3- دراسة استراتيجية بعنوان «خيارات السياسة الأميركية في إيران والخليج» نشرت أيضاً في أوائل عام 1979 وهي تشمل المساحة الزمنية التي أشرنا إليها أي فترة إدارة كارتر الضعيفة وتخبط الآراء الأميركية حينئذ قبيل سقوط الشاه – وقد وضعت ثماني خيارات للسياسة الأميركية. واهتمت جداً بموضوع الخليج كالعادة ومما أوردته بشأنه (عقب الحديث عن مشكلة شط العرب).
«يمكن لإيران أن تتورط في عداوة ضد الكويت وقد وقعت حوادث على الحدود العراقية الكويتية، وإذا ألحّت العراق في مطالبتها بتلك الدولة الغنية بالنفط بأساليب عسكرية سيكون من المدهش بعض الشيء أن تتخذ إيران موقف المتفرج، وحتى مع خروج الشاة عن السلطة قد لا يتغير تصور إيران لأمنها القومي بشكل ملحوظ على الأقل في الخليج الفارسي إلا إذا تغيرت الحكومة الإيرانية بدرجة متطرفة إما إلى اليمين أو إلى اليسار.
وعلى افتراض أن توجهات إيران العسكرية الحالية ستظل ثابتة في الخليج حتى مع رحيل الشاه فقد تترك إيران عسكرياً إذا هدَّد الاضطراب المحلي في الكويت بتولي السلطة نظام متطرف، ومن الصعب التكهن بما يمكن أن تفعل بغداد أو موسكو ولكن يجب عدم استبعاد احتمال القيام برد عسكري، وربما تم تدخل أميركي لدعم إيران بشكل مباشر سواء رداً على تدخل خارجي أو بدونه» ص 18 – 19.
(من الدلالات المهمة لهذا الكلام استعداد أميركا للنزول في إيران أيضاً لو حكم الكويت نظام متطرف وعجزت إيران عن القضاء عليه بسبب تدخل العراق أو غيرها لدعمه – وذلك لأن إيران هي شرطي الخليج آنذاك – والمهم أن التدخل العسكري المباشر وارد وأن الكويت هي الطُّعم في أي سيناريو قد يتم تنفيذه).
وتقول الدراسة: «أن بعض الأدلة على أن السياسة الأميركية كانت تتحرك بدقة نحو وقف تدخل عسكري مباشر في الخليج الفارسي ظهرت في التقرير السنوي المقدم إلى الكونغرس من وزير الدفاع هارولد براون يوم 02/02/1978 وهو يعتبر «حالة طوارئ» ترتبط بالعمل العسكري الأميركي في الخليج الفارسي حالة ملائمة للتخطيط الأميركي لاستخدام القوة».
ويستمر قائلاً: «إن هذه الطوارئ ليست مجرد أوضاع ملائمة منهجية نستخدمها قاعدة لتطوير موقف دفاعي غير نووي إنها حالات طوارئ جديّة حقيقية يجب أن نستعد لها بشكل محدد».
وأهم ما في الدراسة هو الخيارات المشار إليها وقبل عرض ما يهمنا منها نذكر ما جاء في ديباجتها بشأن المملكة: «مالت الولايات المتحدة إلى الربط بين مصالحها في إيران وعلاقاتها مع السعودية وهو ما وُصف أحياناً بسياسة «العمودين» رغم أنه اسم لا ينطبق على الحقيقية، إن أقدم حليف لأميركا في الخليج الفارسي هو السعودية، ففي السعودية وليس في إيران قامت شركات النفط الأميركية بزعامة أرامكو بعمل رائد في إرساء القوة الاقتصادية الأميركية في الشرق الأوسط… ومن الواضح أنه مع اعتماد الولايات المتحدة والغرب عموماً بهذا القدر على النفط السعودي يصبح من الضروري بحث الدور المحتمل للمملكة السعودية فيما يتعلق بأمن أميركا القومي في الخليج الفارسي، خاصة في إطار المصاعب الإيرانية (يعني قلاقل الثورة الإيرانية حينئذ) أن جميع الخيارات الثمانية المقدمة هنا للسياسة الأميركية في إيران لها علاقة بالسعودية أيضاً، وهي تتراوح من علاقات عسكرية وثيقة بين واشنطن والرياض إلى انسحاب عسكري كامل من الخليج واستخدام إسرائيل كقوتنا الوكيلة في هذه المنطقة» ص 25.
وهذا موجز للخيارات – مع الاقتضاب فيما أسقطه الواقع منها:-
الخيار الأول: موجزه استمرار السياسة الأميركية في الخليج كما هي – أي الاعتماد على إيران – حتى بدون نظام الشاه، واستمرار العلاقة مع النظام البديل أيّاً كان نوعه «ويعني هذا الخيار أيضاً عدم تغير العلاقة الأميركية السعودية القائمة وسيستمر برنامج التحديث العسكري في المملكة بنفس السرعة المعتمدة الحالية، ولن تكون ثمة خطة لاستخدام التسهيلات العسكرية السعودية من جانب أميركا» ص 52 – 53.
الخيار الثاني: موجزه التحول من الاعتماد على إيران إلى الاعتماد على السعودية، وتقول الدراسة «وتحت هذا الخيار ستغيّرُ الولايات المتحدة علاقتها العسكرية بالسعودية من المساعدة غير المباشرة إلى نوع من الوجود المباشر، وبكلمة أخرى ستقوم واشنطن بأكثر من التركيز على الدفاع عن المنطقة الأساسية المنتجة للنفط (الشرقية) وعن العاصمة ومجمع جدة – مكة – المدينة كما تفعل سياستنا الحالية…
وقد تقوم الولايات المتحدة ببناء تسهيلات للسعودية بدعم مالي من الأخيرة ويمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تستخدم هذه التسهيلات للحفاظ على إمكانات عسكرية غير متوفرة الآن في المنطقة بصدد استعمالها في وقت الأزمات، وسيتطلب هذا مطارات متسعة كثيراً وتسهيلات أكثر في الموانئ ومناطق تخزين عسكرية أكثر اتساعاً كما سيؤدي إلى وجود المزيد من المستخدمين العسكريين الأميركيين»…
الخيار الثالث: «بإمكان الولايات المتحدة مضاعفة وجودها العسكري المباشر في السعودية بدون إقامة علاقات أوثق بالضرورة وقد يكون هناك المزيد من الزيارات من قبل القوات البحرية الأميركية والقوات الأخرى». «ويمكن أيضاً بذل جهود لزيارة دول أخرى في الخليج كالعراق وستكون الفكرة الأساسية هي وجود عسكري أميركي ثابت ولكن غير مخيف وبَحْري بصورة أساسية وهذا الاستعراض المتزايد للعلم الأميركي في الخليج الفارسي يمكن توسيعه ليشمل الشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة العربية حتى البحر الأحمر غرباً وحتى قناة السويس شمالاً…».
«ويتطلب هذا الخيار تسهيلات في الموانئ خارج تلك التي نستخدمها في إيران والبحرين. ومرة أخرى تظهر أهمية السعودية بوضوح من حيث الفوائد والتكاليف. فالتسهيلات الجديدة في جدة على البحر كتلك التي في جبيل على الخليج الفارسي سيكون بمقدورها في النهاية استقبال السفن البحرية حتى حجم الفرقاطة» ص 95.
وهنا تلتفت الدراسة إلى موضوع في غاية الأهمية فتقول: «وسيؤدي الوجود المتزايد تحت هذا الخيار إلى جمع معلومات استخبارية أفضل نتيجة لتحسن نشاطات جمع المعلومات من قِبَل الولايات المتحدة ونتيجة للاتصالات المكثّفة من القوى المحلية بشأن التهديدات الخارجية. بل أن الولايات المتحدة قد تقرر أن التسهيلات المشتركة في جمع المعلومات الاستخبارية في غيران قد يصبح من الضروري إيجاد مكان جديد لها وإعادة النظر فيها وإذا حدث ذلك فسيكون للسعودية أهمية كبرى من جديد أو من المحتمل أن يكون نظامها أكثر استقراراً في المستقبل من الأنظمة الأخرى في منطقة الخليج» ص 55 – 56.
ثم ترجع الدراسة لتواصل الحديث «ويمكن دمج الخيار الثالث مع الثاني طالما أن أية زيادة للوجود العسكري الأميركي في المنطقة ستعتمد على التعاون السعودي».
ونترك الخيارات الرابع والخامس والسادس لأنها نظرية.
الخيار الثامن: موجزه الاحتلال المباشر الصريح لحقول النفط والإطاحة بأنظمة الخليج الفارسي بمساعدة الخليفة إسرائيل!
وفي النهاية توصي الدراسة بأن مزيجاً من الخيارين الثاني والثالث هو أحكم سياسة تتبعها الولايات المتحدة مع إعادة التأكيد على أهمية الدور السعودي ص 58.
4- دراسة للدكتور بيتر تيزجر حول خطط التدخل العسكري الأميركي في منابع النفط، نشرها الأستاذ أحمد المصري في شؤون فلسطينية العدد 112 آذار (مارس) 1981 ذكر فيها «أنه في بداية السبعينات وخاصة بعد حرب رمضان «بدأت المصادر العسكرية الأميركية تتحدث بوضوح عن أنه إذا تعاظم اعتمادنا على النفط الخارجي أو تدهورت سيطرتنا في السياسة الخارجية والنفوذ الدولي فإن البديل قد يكون إرسال حملة عسكرية إلى الشرق الأوسط تجعل فيتنام تبدو بالمقارنة كنـزهة» الفكر الاستراتيجي 3/ 76 (يناير) 1982م.
5- مذكرات الرئيس نيسكون أو «الحرب الحقيقية» وهو كتاب ألفه الرئيس نيكسون الذي يتميز بمقدرته التنظيرية وترجم للعربية سنة 1403 هت 1983م.
تحدث نيكسون عن أهمية النفط والخليج وعن قضية الفراغ الأمني وخطر النفط العربي عام 1973م وخطر الزحف اليساري الموالي للسوفييت ومما قال: «وبدلاً من أن تُبَدِّل الوجود البريطاني بوجود أميركي مباشر عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى الاعتماد على قوى محلية وهي إيران والعربية السعودية بالدرجة الأولى لتوفر أمناً للخليج وذلك عندما قمنا بتقديم المساعدات والعون العسكري، وقد سارت سياسية العمودين بشكل معقول إلى أن انهار أحدهما وهو إيران عام 1979م» ص 113.
وتتخلص نظرة نيكسون إلى المستقبل (أي في الثمانينات) لضمان مصالح أميركا والغرب المتسترة بغلاف أمن الخليج في أمرين:
الأول: استمرار سياسة العمودين مع إحلال العراق محل إيران وهذا ما سيأتي تفصيل الحديث عنه.
الثاني: الوجود العسكري المباشر حيث يقول: «وبما أن النفط ضرورة وليست حاجة كمالية للغرب فإن على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان أن يجعلوا تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لحكومات المنطقة أفضيلة ويولوا هذا الأمر أولوية في اهتمامهم وذلك لصد أي عدوان عليها داخلياً كان أو خارجياً وينبغي علينا أن نكون على استعداد وراغبين اتخاذ أية إجراءات بما في ذلك الوجود العسكري القوي وحتى العمل العسكري – من شأنها أن تحمي مصالحنا وينبغي علينا أن نكون على استعداد لتأييد أقوالنا بالأفعال.
وإعلان مبدأ العظمة بأن الولايات المتحدة ستقاوم أي تهديد للمنطقة بالرد العسكري لن يعدو أكثر من كونه مدفعاً فارغاً ما لم يكن لدينا قوات في موقعها لكي تجعل تعهدنا محلاً للثقة به… وأنه لمن الضرورة بمكان أن يكون للولايات المتحدة وسائل أساسية وقاعدة متواضعة (يعني في الموضع) بحيث تساعدنا على عرض قوتنا بشكل مقنع في المنطقة وأن ترد بشكل سريع على أية تهديدات مفاجئة» ص 131 إلى أن يقول: «وفوق كل شيء يجب أن نؤكد بشكل واضح لا غموض فيه لزعماء العربية السعودية وعمان والكويت والدول الرئيسية الأخرى في المنطقة بأنه في حال تهديدها من قبل القوات الثورية سواءاً كانت تهديداً من الداخل أو الخارج فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبهم بكل حزم وهكذا لن يعانوا المصير الذي لقيه الشاه…
وعلينا أيضاً أن تكون لدينا القوات التي يمكننا أن نستخدمها، فقد نركب المخاطر في الدفاع عن مصالحنا في الخليج العربي لكننا سنعرض أنفسنا لركب المخاطر أكثر جسامة إذا ما أخفقنا في الدفاع عن تلك المصالح» ص 132… وهذه الخطة من نيكسون التي كانت عماد سياسته هي ما يسميه البعض «مبدأ نيكسون» القائم على الجمع بين المشاركة الإقليمية المدعومة، والاستعداد للتدخل المباشر.
(أنظر الوجود العسكري الغربي في الشرق الأوسط ص 30).
ومن المؤلم المثال الذي ضربه نيكسون للمملكة نقلاً عن مسؤول أميركي كبير وهو قوله: (والخطاب موجّه لإحدى الصحفيات) «افترضي انَّك امرأة ثرية تعيشين لوحدك في بلدة صغيرة محاطة بالمداخن وكل واحد يدري أن تحت وساتدك مجوهرات بالملايين وليس من شرطة تحميك فلا بد أن يأتي «الشريف» من حين لآخر ويعطيك قبلة كبيرة ويولي أدباره أفهل يُشعرك هذا بالأمان» ص 119 ويعني بالشريف الولايات المتحدة والكلمة تطلق في الأصل على السيد أو المالك الإقطاعي.
إن ما ذكرناه آنفاً بإجمال قد دفع مخططي السياسة الأميركية إلى اتخاذ إجراءات متعددة لضمان الأهداف الاستراتيجية ومن هنا شرعت أميركا في إنشاء قوة عسكرية خاصة مهمتها الانتقال السريع إلى الخليج والانتشار فيها سبْقاً لأي حدث. وفي الوقت نفسه استمرت سياسة العمودين المتساندين كأمر واقع في المنطقة¨
يتبع