مع القرآن الكريم
1991/10/06م
المقالات
1,805 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). سورة النصر.
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: «هل تزوجت يا فلان؟» قال: لا والله يا رسول الله ولا عندي ما أتزوج. قال: «أليسَ معك قل هو الله أحد». قال: بلى. قال: «ثلث القرآن. أليسَ معك إذا جاء نصر الله والفتح»؟ قال: بلى. قال: «ربع القرآن. أليس معك قل يا أيها الكافرون؟» قال: بلى. قال: «ربع القرآن. أليس معك إذا زلزلت الأرض»؟ قال: بلى. قال: «ربع القرآن تزوّجْ». رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن.
فهذه السورة فضلها كبير وهي تعدل ربع القرآن. وهذه السورة هي آخر سورة نزلت من القرآن الكريم. نزلت بعدها آيات الربا من سورة البقرة. أما كسورة تامة فهي آخر سورة نزولاً. روى النسائي عن ابن عتبة: «قال لي ابن عباس يا ابن عتبة أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت؟ قلت: نعم، (إذا جاء نصر الله والفتح) قال: صدقت». روى البزار والبيهقي عن ابن عمر قال: أُنزلتْ هذه السورة (إذا جاء نصر الله والفتح) عل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة».
وروى البخاري عن ابن عباس قال: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لِمَ يُدْخِلُ هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم. فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم. فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً. فقال لي: أكذلك تقول ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول».
وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: «الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله والفتح جاء أهل اليمن» قيل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال: «قوم رقيقة قلوبهم لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية».
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أنه قال: لما نزلت هذه السورة (إذا جاء نصر الله والفتح) قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها فقال: «الناس خير وأنا أصحابي خير» وقال: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونيّة» فقال له مروان: كذبت. وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير. فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه الدرة ليضرربه، فلما رأيا ذلك قالا: صدق.
قال ابن كثير: (وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين من أنه قد امرنا. إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه يعني نصلي له ونستغفره، معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة).
ونقل ابن كثير أيضاً (والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولاً واحداً فإن احياء العرب كانت تتلوم باسلامها فتح مكة يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً فلم تمض صنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للاسلام ولله الحمد والمنة).
ونحن حين نختار هذه السورة الآن في باب (مع القرآن الكريم) فلأن عندنا شعوراً بأن نصر الله قريب. في هذا الوقع الذي يعربد فيه الغرب ويعرض عضلاته، شعورنا قوي بأن الغرب وحضارته سينهار من الداخل قريبا إن شاء الله كما انهارت اشتراكية ماركس، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ويدخل الناس في دين الله أفواجاً □
1991-10-06