مع القرآن الكريم
1989/08/06م
المقالات
1,961 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
جاء في مجمع البيان ـ أبو علي الفضل بن حسن الطبرسي. في أسباب النزول قوله: «صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال يا صباحاه، فأقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك، فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن العد مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني، قالوا: بلى، قال: فإني نذيركم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك لهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله تعالى هذه السورة» أورده البخاري. بمثل المعنى.
كما ذكر الحديث في تفسير بن كثير منسوباً إلى البخاري كذلك.
أبو لهب. أحد أعمام رسول الله واسمه عبد العزى.
امرأته أم جميل ـ أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره، وجحودك وعناده.
وعن ابن عباس، وعطية الجدلي، والضحاك، وابن زيد كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[ خسرت يداه وخسر ]مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ[ أي ماله وولده لن يغنياه شيئاً وذلك لأنه قال حين أنذره رسول الله بالنار، إن كان حقاً ما تقول فإني افتدي نفسي بمالي وولدي. ثم أنذره سبحانه وتعالى فقال: ]سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ[ أي سيدخل ناراً ذات قوة واشتعال. وكذلك امرأته أم جميل حمالة الحطب التي تضع الشوك في طريق رسول الله. سيكون في جيدها حبل من مسد، حبل من ليف أو سلسلة من حديد في جهنم طولها سبعون ذراعاً كما جاء في تفسير ابن كثير، ومجمع البيان.
أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد مع أبي بكر، فلما رآها أبو بكر، قال: يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: ]وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا[ فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر، إني أخبرت بأن صاحبك هجاني، قال ولا ورب هذا البيت، ما هجاك.
فولت وهي تقول، قد علمت قريش أني ابنة سيدها.
قال العلماء وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة فإنه منذ نزل قوله تعالى تبت يدا أبي لهب إلى آخر السورة فقد أخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، ولم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما، لا باطناً ولا ظاهراً، لا مسراً ولا معلناً. فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة والظاهرة على النبوة. إذ كان من الممكن أن يعلن أبو لهب أو زوجته إسلامهما وفي هذا حرج لرسول الله، ولكن العالم ما بين أيدينا ومستقبلنا ويعلم أنه لن يقدم أي منهما على ذلك.
ومثل هذا ما جاء في القرآن الكريم بحق الوليد بن المغيرة بقوله تعالى: ]ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا[ إلى قوله تعالى: ]سَأُصْلِيهِ سَقَرَ[ فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه سيصليه سق، فكان هذا ناشئاً عن علمه تعالى أن هذا الإنسان لن يؤمن، ولن يدخل الإيمان قلبه، وسيكون في سقر ـ جهنم. ولن يقدم على الإسلام ولو نفاقاً لإحراج رسول الله.
أما العبرة في هذه السورة. فهي من أوائل ما نزل من القرآن الكريم فهي السادسة من حيث النزول وهذا يعني أنها في السنة الأولى من البعثة. فهي خلافاً لما يقال أن المرحلة الأولى من الدعوة كانت سريّة، وكان الرسول وصحابته لا يدعون إلا من يأنسون منهم رشداً. فالملاحظ في أسباب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقف على الصفا وصاح بأعلى صوته وا صباحاه، حتى إذا اجتمعت قريش قال لهم إني رسول الله إليكم بين يدي عذاب شديد، هل هذا يعين السريّة. غفر الله للقائلين بذلك.
وهناك ملاحظة أخرى، وهي ذكر حمالة الحطب. من حيث أنها كانت تلقي الشوك في طريق رسول الله. وهذا يعني أن التصدي للدعوة والدعاة منذ أيامها الأولى. ولم يكن بعد مرحلة الجهر كما يقولون. خصوصاً وأن الذين هاجروا إلى الحبشة. هاجروا إليها قبل السنة الثالثة أي قبل بدء المرحلة الجهرية، وقوله تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[.
ومن هذا نستطيع أن نفهم أن الدعوة لم تكن سريّة في يوم من الأيام بل كانت علنية. والسريّة كانت في عملية التكتل والتنظيم، وأفراد هذا التنظيم، فلما أسلم عمر بن الخطاب، والحمزة بن عبد المطلب، واصبح في الدعوة أشخاص عندهم الاستعداد والقوة للظهور بها، خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفين من بيت الأرقم بن أبي الأرقم حتى طاف بالكعبة. فكانت المرحلة الجديدة مرحلة الإعلان عن هذه الكتلة، فأصبح التنظيم علنياً والدعوة علنية، بعد أن كان التنظيم سرياً والدعوة علنية.
1989-08-06