كتاب «الشهر»
1989/08/06م
المقالات
2,801 زيارة
الكتاب: نظام الشورى في الإسلام.
المؤلف: د. محمود الخالدي.
الناشر: مكتبة الرسالة الحديثة.
«إنَّ الشورى أو أخذ الرأي في الإسلام، مفهوم سياسي من المفاهيم التي رسخت جذورها في المجتمع الإسلامي وأصبحت تميز نظام الحكم في الإسلام، عن بقيّة الأنظمة غير الإسلامية.
وقد حرص الشرع على إيجاد هذه الممارسة في الحياة السياسية الإسلامية للتأكيد على وجود حالة من المراجعة المستمرة بين الحاكم والمحكومين ليتمخض القرار السياسي مستوعباً ما لدى الجماهير من وعي ونضج وإدراك.
وليكون السلطان الأعظم الذي على الناس قريباً من فكر القاعدة العريضة للامة الإسلامية.
وإنه بعد نجاح الاستعمار الأوروبي الغربي في غزوه الفكري للمسلمين، أصبحت مفاهيم الشورى في معزل عن الممارسة السياسية في الحياة العامة، وحلت مكانها مفاهيم الديمقراطية، في الحياة الفكرية، والسياسية.
فَعَلَتْ الأتربة الصورة الشرعية لنظام الشورى الذي انبثق من العقيدة الإسلامية.
وتداخلت الأحكام، فكان لا بد من جلاء فكرة الشورى، لتبقى ناصعة بعيدة عن التلوث الفكري الذي صاحب القضاء على الإسلام كنظام للحكم.
فالشورى عند المسلمين أمرٌ مشهور ومعروف، فالله سبحانه قد خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقد اهتم الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بممارسة الشورى في الحياة العامة.
وقد كانت أول خطورة نحو العمل السياسي، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي اجتماع أهل الحل والعقد من الصحابة لاختيار رئيس الدولة الإسلامية.
وكان أول عمل سياسي يمارسه أول رئيس الدولة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قيام أبي بكر رضي الله عنه بمشاورة المسلمين في قتال من منع الزكاة.
وقد (كان أبو بكر رضي الله عنه، إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن أعياه ذلك، دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم).
فقد (كانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليس عند فيها نص عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله، ثم جعلها شورى بينهم).
وإن من أعظم النوازل في حياة المسلمين، نازلة الخلافة، إذ الإسلام مرتهن بوجودها، وقد جرت الحياة السياسية في عهد الخلفاء الراشدين على أنها شورى، بل إنه (لا خلافة إلا عن مشورة)، «والقول لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه»، بين المسلمين.
فالشورى تمثل ركناً أساسياً من سلطان الأمة الإسلامية، ومجلس الشورى يمثل جهازاً من أجهزة الحكم والدولة.
لذلك فقد نظم الشرع كافة جوانب الشورى تنظيماً يكفل سير الحياة السياسية الراقية، وحث الأمة على التمسك بسلطانها، وأن لا تدع الحاكم يتغافل عن رأيها، ولا يتحقق انضباط الأمة في الحياة السياسية، إلا إذا أدركت الأحكام الشرعية التي نظمت لها ذلك.
وإنه من طغيان النظام الديمقراطي، كان لا بد من بعث الفكر الإسلامي المستنير، حول هذه المسألة بالذات، لأنها إحدى ركائز سلطان الأمة، ولأنها تمثل جانباً مشرقاً من السياسة الإسلامية التي أبعدت عن معترك الحياة في بلاد المسلمين» أ هـ. مقدمة المؤلف.
ينقسم الكتاب إلى ثمانية مباحث وخاتمة:
المبحث الأول: حول معنى الشورى من حيث اللغة والاصطلاح والشرع ويستخلص المؤلف في هذا المبحث أنه «من جملة النصوص التي وردت في القرآن الكريم والسنة يتضح أن المعنى الذي ورد في اللغة والاصطلاح قريبٌ من المعنى الذي تضمنته النصوص الشرعية.
فإنه من واقع استقراء المعاني الشرعيّة لكلمة الشورى، نجد أن الشرع قد فرّق بين الشورى والمشورة، فالشورى هي: أخذ الرأي مطلقاً.
أما المشهورة: فهي أخذ الرأي على سبيل الإلزام.
المبحث الثاني: حول مشروعية الشورى وثبوتها بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وكيف أن الشرع جاء بنظام خاص محدد لكيفية ممارسة هذا الوجه من العمل السياسي.
المبحث الثالث: حول حكم الشورى أهي فرض على الحاكم لا يحل له إبرام أمر من أمور المسلمين إلا بعد أن يعود إلى الأمة يطلب منها الرأي أم أنها مندوبة، فيعرض المؤلف حجيّة الذين قالوا بكل من الرأيين ومن ثمّ يرجِّح المؤلف الرأي الثاني القائل بأن أمر الشورى إنما هو للندب وليس للوجوب.
المبحث الرابع: حول مجال موضوعات الشورى، فهل يجوز لولي الأمر أن يرجع إلى الأمة في جميع شؤونها؟ أم فقط في تدبير الحروب؟ أم في ما كان في النظام الإداري للدولة؟ ويأتي المؤلف بأدلّة كل رأي من هذه الآراء ومن قال بها. ثم يرجّح المؤلف الرأي القائل بأن مجال الشورى عامٌ في جميع الأمور ويدعِّم ترجيحه بأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
المبحث الخامس: حول حجيّة الشورى القوة القانونية لما يصدر عن أهل الشورى من آراء من جهة وجوب التزام رئيس الدولة برأيهم، أو عدم الالتزام.
وينقسم المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول: حول آراء العلماء في حجية الشورى، وأدلة كلٌ منهم وينحصر رأي العلماء برأيين الرأي الأول القائل بأن رأي أهل الشورى ملزم لرئيس الدولة والرأي الثاني القائل بعدم إلزاميته.
المطلب الثاني: وهو ينقسم إلى خمسة فروع وبحث المؤلف فيه الرأي الأصح في حجيّة الشورى، فبحث المسألة بحثاً مستنيراً، فدرس في الفرع الأول واقع الرأي، ثم في الفرع الثاني الأدلة الشرعية التفصيلية في أخذ الرأي ويرجّح المؤلف الرأي التالي: 1- إذا كانت الشورى في الأمور التشريعية، فإن الحجيّة تكون لقوة الدليل فقط، لأنه لا يرجح في الحكم الشرعي، إلا قوة الدليل فقط. 2- إن الرأي الذي يدل على فكر في موضوع، فإن الحجية في الشورى تكون في جانب الصواب. 3- إذا كانت الشورى في الرأي الذي يرشد إلى القيام بعمل من الأعمال، فإن المرجح فيه إنما هو رأي الأغلبية فقط. وذكر المؤلف الأدلة الشرعية على الرأي الذي وصل إليه.
ويتحدث في الفرع الرابع عن جهة الفصل في تحديد الصواب فيقول المؤلف إن الذي يرجح الصواب هو صاحب الصلاحية في هذا الأمر، وهو رئيس الدولة.
أما في الفرع الخامس وهو الأخير في المطلب الثاني من المبحث الخامس، يبين المؤلف الفرق بين الشورى والمشورة، حيث أن الشورى هي أخذ الرأي مطلقاً، ما كان منه ملزماً لرئيس الدولة، وما لا يكون ملزماً. أما المشورة فهي أخذ الرأي الملزم لرئيس الدولة فقط.
المبحث السادس: حول أهل الشورى والمقصود بأهل الشورى فيعرض المؤلف آراء العلماء حول هذا البحث، ويستخلص رأياً حول هذا الموضوع.
المبحث السابع: حول مجلس الشورى ـ أو ـ مجلس الأمة وينقسم المبحث إلى ثلاثة مطالب بحث فيها المؤلف مشروعية مجلس الشورى وعضويته وصلاحياته.
المبحث الثامن: حول حكمة مشروعية الشورى، ويعرض فيه المؤلف أقوال العلماء في حكمة مشروعية الشورى ومنها: 1- إرشاد الحكام لممارسة الشورى في الحياة السياسية. 2- احترام الشخصية السياسية للأمة. 3- استظهار الخليفة برأي المسلمين. 4- لما فيها من الفضل. 5- لرضا الخصم، والحجة عليه. 6- ليتميز الناصح من الغاش.
ثم يختتم المؤلف كتابه بخاتمة يتحدث فيها عن الرأي الذي تبناه في حكمة التشريع.
1989-08-06