كلمة «الوعي» مشكلة لبنان ومسؤولية المسلمين
1989/04/05م
المقالات, كلمات الأعداد
2,123 زيارة
قادة المسلمين في لبنان يتحملون الوزر الأكبر في هذه المشكلة المزمنة. قادة النصارى يتحملون قسطهم أيضاً.
أصل المشكلة وحقيقتها هي محاولة إيجاد كيان مستقل في لبنان من مجموعات غير متجانسة وغير مؤتلفة ضمن محيط لا يقبل باستقلال هذا الكيان.
إن من يُجرب المجرَّب فعقله مُجربّ. وقد ثبت أن قادة لبنان من مسلمين ونصارى عقولهم خَرِبة وهم يجرّون لبنان بشراً وحجراً إلى الخراب.
إنهم يطلبون من الأشياء عكس طبائعها، وينتظرون أن تغيّر الحياة لهم قوانينها، ويتوقعون من فاقد الشيء أن يعطيهم إياه.
ظلّوا مدة يقولون: قوة لبنان من ضعفه. ويقولون: لبنان بلد تمازح الحضارات لأن فيه سبع عشرة طائفة.ويقول بعضهم: نستعين باليهود.
الحقيقة التي لا يجوز أن تغيب عن البال لحظة هي: أن لبنان لا توجد فيه مقومات الدولة ولا القدرة على الاستقلال. لقد كان طيلة التاريخ جزءاً من محيطه، أي من بلاد الشام، وأهله هم جزء من أهل بلاد الشام. ميشال عون قال هذا اليوم: «يجب ألا نفكر أنه كان لدينا استقلال. بل نحن لم نستقل. والاستقلال كان كذبة. والبرهان على ذلك أنه لم ينتخب لنا رئيس ولا مرة بإرادتنا».
وكلمة (لبنان) هي اسم لجبل وليست لدولة. وقد حاول البعض أن يزوّر التاريخ، فاخترعوا تاريخاً لفقوه تلفيقاً سموه: تاريخ لبنان، وتكلموا عن الأمير فخر الدين وعن الأمير بشير فجعلوا من كل منهما رئيس دولة، ولم يكن في الحقيقة أي منهما أكثر من أمير تابع للدولة العثمانية. وتكلموا عن الاستقلال وشهداء الاستقلال ولم يكن أولئك إلا عملاء للإنجليز أو الفرنسيين.
أول مرة في التاريخ صار هناك كيان كان سنة 1861 وكان وما زال جزءاً من الدولة العثمانية وتدخلت الدولة الأجنبية لحماية الطوائف.
والآن ألا تكفي فترة أربع عشرة سنة من الألم لِيُدركوا أنَّهم ضالّون. يقول الله تعالى: ]أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ[. الفتنة في لبنان ليست مرة أو مرتين فقط في العام، بل أنها مراتٌ كثيرة، ولكنّ العقولَ خربة والقلوبَ رانَ عليها الضلال.
النصارى يطمعون الآن أن تتدخل الدول الكبرى كما تدخلت سنة 1861، أو أن تتدخل إحدى الدول كما تدخلت فرنسا سنة 1920 وأوجدت بقوتها (وليس بإرادة أهل لبنان) ما يسمى بلبنان الكبير.
ميشال عون يعرف أن ما يملكه من قوة لا يعادله عُشْر القوة التي تملكها سوريا في لبنان، ومع ذلك هو يناطح سوريا على أمل أن تعدل أميركا موقفها أو أن تتدخل دول السوق الأوروبية. وأركان الجبهة اللبنانية وريمون اده وكل الذين يدعمونه ينتظرون تدخلاً أجنبياً. وميشال عون لمّح إلى طلب العون الإسرائيلي حيث قال: «نحن مستعدون للاستعانة بأي كان».
ولو فكّر أركان الجبهة اللبنانية واتعظوا من الواقع لأدركوا أن إسرائيل لا يمكن أن تساعدهم إلا إذا كان لها هي مصلحة. واليهودي معروف عبر التاريخ أنه لا يحب أحداً إلا نفسه، فكيف ورّط الموارنة أنفسهم سنة 1982 مع اليهود، وكيف ما زالوا يراهنون على اليهود؟ حقاً إنها غفلة ما بعدها غفلة.
وإذا كانوا يراهنون على أميركا فقد أجابتهم بوضوح: «إذا كان وضع لبنان الآن سيئاً فإن خروج القوات السورية منه سيزيده سوءاً».
وإذا كان يراهنون على دول السوق الأوروبية، فإن أقربها لهم وهي فرنسا قالت، عند زيارة فاروق الشرع لها: «إن الحضور السوري في لبنان أمر ضروري».
وإذا كانوا يراهنون على دعم العراق فالعراق يحتاج إلى من يدعمه، فوق أن موقف العراق هو (تكتيك) عارض. شارل حلو يقول لميشال عون: «إنها المرة الأولى يشعر فيها اللبنانيون منذ 15 قرناً بأنهم وحدهم» أي أن العالم تخلى عنهم.
ولقد لاحظنا أن موقف بطريك الأرثوذكس هزيم في الكويت، وموقف بطرك الكاثوليك حكيم كانا مشابهين لموقف الشيخ حسن خالد والشيخ شمس الدين وممثل الشيخ أبو شقرا، أي كلهم قالوا بالتزامن بين انتخابات رئيس الجمهورية والإصلاحات الدستورية، ولم يعارض ذلك إلا البطرك صفير بطرك الموارنة، فقد أصرّ على انتخاب رئيس الجمهورية، وبعد ذلك يتولى هذا الرئيس وحكومته شؤون الإصلاحات الدستورية. أي أن الموارنة وحدهم في لبنان يحملون السلم بالعرض. (نحن نصف الواقع، فقط، ولسنا مع الانتخابات أو هذه الإصلاحات).
ميشال عون أثبت أنه لا يعرف كيف يتصرف ولا كيف يتكلم. فهو حين قال: «حرب التحرير ضد سوريا قد بدأت» جاء إليه اللوم من غالبية زعماء الموارنة. قالوا له: «ليس من المناسب أن تعلن ذلك لأنه يتخذ أداة إعلامية ضدك» فحاول في مؤتمر لاحق أن يرقّع ما افْلَتَ منه. وهو حين قال: «فلتدمّر بيروت مرة ثانية وتاسعة»كرروا عليه اللوم وقالوا له: «مثل هذه الكلمات تدمّرك وتدمرنا».
وهو حين اتخذ قراره بإقفال مرفأ الجية ومرفأ خلدة كان كمن يسعى حتفه بظلفه، وهذا يشبه موقفه حين أقفل معبر المتحف لبضعة أيام لمنع التموين والمحروقات عن بيروت الغربية. ولكن لحسن حظه أنه تراجع بسرعة عند منع التموين المحروقات، أما الآن، فلسوء حظه وسوء الموارنة الذي يدعمونه، فإنه مصرّ على الغرفة البحرية ـ الجوية وكأنه لا ينوي التراجع.
إذا أرغمه زعماء الموارنة على التراجع يكونون قد أنقذوا أنفسهم، وإذا تخاذلوا يكونون على أنفسهم قد جَنَوْا. وقد رأينا أن أحد حكمائهم القابع في باريس (ريمون اده)يشجع ميشال عون على الإصرار، وهو بذلك يريد إغراقه وإغراق الطائفة معه.
يا حكماء الموارنة، الظروف الآن ليست كما كانت سنة 1861 وسنة 1920. ومقولة فؤاد افرام البستاني (التاريخ يعيد نفسه لأن الجغرافيا لا تتغير) هذه المقولة ليست صحيحة فالتاريخ لا يعيد نفسه، بل لكل زمان دولة ورجال، والجغرافيا تتغير، وسبحان الذي لا يتغيّر.
أميركا جاءت سنة 1982 لتسلم أمور بيروت بيدها مباشرة وجاءت معها القوة المتعددة الجنسية (فرنسا، إيطاليا، بريطانيا). ولما صُدمت هذه الدول بضربة رجال البحرية الأميركية (240) ورجال القوة الفرنسية (75) يُصعقون في لحظة واحدة، انسحبوا وغيّروا خططهم، وهم حينما جاءوا لم يأتوا لمساعدة الموارنة، بل جاءوا من أجل ترتيب مصالحهم. فلا يظن أحد أنهم سيهرعون لنجدته، فليطمئن عون الذي يستغيث بأصحاب الديمقراطيات، أنهم أصحاب مصالح وليسوا أصحاب ديمقراطيات.
وهكذا كان الناسُ مُدْ وُجِدوا
فلا يَظُنَّنَ جَهولٌ أنهم فَسَدوا
ونحن نفهم أن يتحرك الموارنة بأيديهم وأرجلهم، وأن يجهدوا أنفسهم للمحافظة على مكاسبهم وامتيازاتهم التي هيأتها لهم فرنسا، لأن طبية البشر أن يتشبثوا المصالح والامتيازات، ولو كانت مسلوبة من غيرهم.
ونفهم أن يؤازر بقيةُ النصارى الموارنة في تشبثهم لأنه يستطيدون شيئاً ولو قليلاً من امتيازات الموارنة.
ولكن ما يصعب علينا أن نفهمه أو نهضمه هو موقف المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
في سنة 1920 رفض المسلمون انفصال لبنان عن بلاد الشام، ولكن فرنسا فرضت هذا الأمر فرضاً. وحين زورت سلطات الانتداب الفرنسي نتيجة الإحصاء سنة 1932، كان أكثر المسلمين قد رفضوا الاشتراك في الإحصاء. وحين أصدرت سلطات الانتداب بطاقات هوية للبنانيين عليها صورة الأرزة رفضها عدد كبير من اللبنانيين المسلمين ومنهم من مزّقها. وما ذلك إلا رفضاً للتجزئة واحتجاجاً على فصل لبنان عن بلاد الشام.
بالأمس كان بإرادتنا (والفرنسيين) مصلحة بفصل لبنان عن سوريا فأقنعوا رياض الصلح ومعه نفر من زعماء المسلمين أن يرضوا بفصل لبنان عن سوريا وسمْوا هذا الانفصال (استقلالاً). وقد صوّروا للناس أن الأمور تمّتْ بين رياض الصلح وبشارة الخوري، وظن كثير من الناس، ولعلهم ما زالوا يظنون حتى الآن، أن بشارة الخوري تعهد بأن لا يتطلع النصارى إلى دول الغرب مقابل تعهُّد رياض الصلح بأن لا يتطلع المسلمون إلى العرب.
ولكن مساكين أصحاب هذا الفهم. كيف يتعهد بشارة الخوري سنة 1943 بعدم التطلع إلى الغرب مع أن الجيش الفرنسي لم ينسحب من لبنان إلا سنة 1946، وكيف يترك لبنان التطلع إلى الغرب ونفوذ الغرب جاثم على صدر المنطقة كلها: الإنجليز لهم انتداب على فلسطين ولهم 80 ألف جندي في السويس وحكم الأردن والعراق بأيديهم. وما معنى أن لا يتطلع مسلمو لبنان في ذلك الحين إلى العرب؟ وهل كان للعرب استقلال؟
إن التجزئة التي مارستها كل من بريطانيا وفرنسا في المنطقة حسب اتفاقية (سايكس بيكو) هي التي فرضت فصل لبنان عن سورية، وليست التعهدات المتبادلة بين بشارة ورياض إلا تغطية وخداع من أجل تبرير الانفصال.
واليوم صار قادة المسلمين من مفتين إلى وزراء ونواب وغيرهم يزايدون على الموارنة في المحافظة على التجزئة والانفصال، صاروا يقولون: لبنان النهائي، لبنان الأبدي، بحدوده الدولية، بمساحته 10452 كلم2، بطوائفه ال 17، بعلمه ذي الأرزة الخضراء…
مهما تنازلتم ونافقتم وفرطتم يا قادة المسلمين فستبقون مواطنين من الدرجة الثانية أو العاشرة في نظر الموارنة، ولن تكونوا مؤتمنين على لبنان في يوم من الأيام، وقد شاهدتم كيف نزعت رئاسة الحكومة من الحص وسلمت إلى ميشال عون.
وهل تظنون يا قادة المسلمين أنكم تحسنون إلى لبنان أو إلى المسلمين أو إلى النصارى بمناداتكم ببقاء لبنان منفصلاً عن اصله ومنعزلاً عن أهله. إنكم تَجْنون على لبنان وأهله جميعاً.
إنكم تحرجون موقف سوريا، وتشجعون الموارنة على العناد، وتستمر الفتنة في البلاد بسبب وحي منكم. لا تخافوا، ستبقى لكم مراكز تحتلونها ولو اندمج لبنان في سوريا.
أعلنوها واضحة صريحة مِلءَ أفواهكم: لبنان جزء من بلاد الشام وأهله جزء من أهل الشام. شعب واحد في دولة واحدة. لا نريد دولتين. لبنان جزء من محافظة دمشق أو جزء من محافظة حمص. نصارى لبنان يعيشون كما يعيش نصارى دمشق أو نصارى حمس. ولا يخافوا على أموالهم أو حقوقهم أو أعراضهم أو كرامتهم.
29/03/1989
أسرة «الوعي»
1989-04-05