ردود ومناقشات: المكر الصهيوني وغفلة أهل الحق
1989/04/05م
المقالات
2,029 زيارة
من وحي الاحتفال الحاشد الذي أقامته جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت بحضور ورعاية رئيسها تكريمهاً لأحد تلامذتها الذي مَنَحهُ «نادي الليونز» الجائزة الأولى لأفْضَل لوحة في مباراة السلام العالمي بواسطة الرسم التي أجْرها النادي.
سلام الإسلام أسمى
بقلم القارئ: ع.م.س.
لقد جاء في كتاب الله العزيز المجيد:
]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا @ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[ (الأحزاب: 45 ـ 46).
]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (المائدة: 57).
]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا[ (الأحزاب: 36).
إنّ تحيّة الإسلام هي: السلام عليكم، وليلةُ القَدْرِ التي يُفرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم: ]سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ[. والإسلام في جوهره دعوةٌ إلى السلام الشامل، سلام الدنيا والآخرة: سلام الإنسان تجاه رَبَّهِ الخالقِ البارئ وسَلام الإنسان في تعامله مع أخيه الإنسان وسلام الإنسان مع نفسه. وجوهرُ هذا السَّلام هو تقوى الله الواحِد الأحَد الحيِّ القَيّومِ الذي لا تأخُذُه سِنَةٌ ولا نَوم، الذي وَسَعَ عِلْمُهُ وَوَسعَتْ رَحْمَتُهُ كلَّ شيء. وإذا كانَ الإيمان هو الإحسان، أيْ «أن تَعْبُدَ الله كأنك تراه فإنْ لم تكُنْ تراه فإنَّه يراك» كما جاءَ على لسان الرحمة المهداة ﷺ، «فإن التقوى هي الخوفُ مِن الجليل والإيمان بالتنزيل والرضى بالقليل والعملُ ليوم الرحيل» كما جاء على لسان الخليفة الرابع عليّ بن أَبي طالب كَرَّمَ الله وجْهَه.
بعد هذا أسْعى لإلْقاء الضَّوء على ظاهرة مأساويّة في مُجْتَمَعنا وهي لُجوءُ مؤسّسات وأندية مَشْبوهَةِ المرْتكزَاتِ والأهْدافِ إلى احتِضان مُثَقَّفين مسلمين، أو قُلْ محسوبين على المسلمين، مِمَّن جَعَلوا من الإسلام ديكوراً فارِهاً لتتخذ منهم وسلة للحصول على براءة ذمة لدى المجتمع ولتبدأ بعد ذلك بتشويه المفاهيم الدينية من خلال إظهار أ، التساهل والتهاون في مفاهيم الحلال والحرام هو مظهر حضاري متطور يجاري العصر ويواكب القفزات التكنولوجية وما أوجدته من عادات وتقاليد قائمة على مجاراة الغرائز البهيمية ورغبات النفس في التفلّت من قيود خالقها جلَّ جَلالُه… فينشأ عن ذلك جيل يستحل المعاصي باسم التطور ويحرف المفاهيم الدينية باسم مجاراة العصر… وكأن الله جلَّ جَلالُه قد أعطانا دستوراً عفا عليه الزمن أو قصر عن مواكبة الأزمنة المتعاقبة، معاذ الله! وفي هذا إلباس للحق بالباطل ينبع من عجز فكري في فهم ماهية الدين ومن نوايا مبطنة تلبس ثوب الشعارات الفضفاض من مساواة وإخاء وعدالة جواز مرور لبذر البذور الشيطانية التي هي في الواقع الهدف الاستراتيجي لمثل هذه المؤسسات والأندية المشبوهة التي عادة ما تلجأ إلى كسب أعضاء من ذوي المراكز العالية أو النفوذ ليستدرجوا إلى شباكهم من خلال هؤلاء من يستطيعون استدراجهم من أبناء جلدتهم البسطاء السذج والجهلة… والغافلين.
والمؤسف أن مؤسسات إسلامية ضخمة وفاعلة قد سقطت في مثل هذه التجارب فباتت أجهزة دعائية لمثل تلك الجهات المشبوهة. أليس من المؤشرات الخطيرة جداً أن تقف شخصيات محسوبة على المسلمين لتفتخر باتجاهها إلى السلام «ليونزيا»؟! وهل نحن بحاجة إلى «الليونز» و«الروتاري» وغيرها لتحديد وجهة السلام الذي نريده ونسعى إليه؟ هل هي ثغرة في تراثنا جاءت هذه الأندية المشبوهة لتردمها؟ أليس ديننا الحنيف معيناً لا ينضب لما يوصلنا ويوصل العالم معنا إلى أفضل سلام وأنبل سلام؟ لماذا لا نكون رسل سلام إلى العالم حسب المفاهيم السامية لديننا التي هي شريعة الله تعالى لإدارة شؤون خلقه؟ لماذا هذا اللهاث وراء بريق المراكز مثل حاكم مقاطعة… أو ما شابه للحصول على لمعان عالمي بأي ثمن… بل على حساب ديننا الحنيف وما أوجده من مفاهيم راقية للسلام هي أرقى مما يأتي به هؤلاء المرجفون؟ لماذا ولماذا ولماذا… أم أن على قلوب أقفالها؟
إن اختيار إنسان مسلم ينتسب إلى مؤسسة إسلامية فاعلة لإعطائه جائزة الفائر الأول في مباراة الليونز العالمية للسلام عن طريق الرسم هو اختيار مشبوه ومقصود. قد يكون ذلك الفائز فناناً موهوباً (حين يلتزم الرسم المشروع)، وهذا ليس بكثير على شبابنا النجباء الذين تشهد لهم الدنيا بالتفوق والنبوغ، ولكن اختياره من قبل نادي الليونز بالذات هو عملية شيطانية مشبوهة تهدف إلى إدخال مثل هذه الأندية والمؤسسات المشبوهة الركائز والأهداف مدخل قلوب المسلمين وعقولهم. وهم يستخدمون الألقاب الجذابة والمباريات «العالمية» والضجيج الإعلامي لدغدغة طموحات السذج وضعاف النفوس والوصوليين… والفاشلين المنتمين إلى عائلات عريقة أو ما شابه ممن هم على استعداد لأي شيء في سبيل الوصول.
إنه لمن المؤسف ولمما يدعو إلى الدهشة أن يقف مسؤولون مسلمون (…) يشغلون مراكز عالية في مؤسسات إسلامية مرموقة أو غيرها لينعقوا بالتمجيد والتهليل للسلام الليونزي العالمي الذي هم من رواده! ألهاذا التحد يمكن أن مثقفون وإعلام مسلمون في مسخ المفاهيم الدينية وتفصيلها من ثم حسب مقاييس أقل ما يقال فيها أنها ضيقة ورديئة وعابثة؟ وهل من الجائز شرعاً أن تسخر أجهزة إعلامية، شيدتها أموال إسلامية لرفعة شأن المسلمين، لتصبح أبواقاً تنعق أثيرياً بأمجاد السلام الليونزي العالمي مع ما ينشأ عن ذلك من آثار سلبية في تركيبة مجتمعنا الإسلامي على صعد الممارسات والمفاهيم الإسلامية؟ هل ما حديث هو «غلطة الشاطر» أو هو «زلة» عن سابق تصميم وتصور؟ فأما إذا كانت الأولى فإني أتوجه للقيمين على مثل تلك المؤسسة الإعلامية الضخمة، وهم أخوة وآباء وأحبة، بما قاله رسول الله المصطفى الأمين ﷺ: «كل بَني آدم خطّاء، وخيرُ الخطائين التوابون». وأما إذا كانت الثانية، فإني أتوجه إلى المسلمين المؤمنين ذوي الغيرة على إسلامهم وأمنهم للعمل على أن تكون مثل تلك المؤسسات الإعلامية والثقافية وغيرها، مما أنشئ أصلاً بأموال إسلامية دعماً للمسيرة الإسلامية، تحت رقابة وإرشاد شرعيين حتى لا تكون زَلاّت وأخطاء… وخطايا، وحتى لا يتوهمن أحد أن هذه المؤسسة أو تلك هي ملك لفرد أو لعائلة. فالملك لله والغاية نصر الدين ونشره.
أما بالنسبة لاخوتي وأحبائي من المسلمين الذين زلت بهم الأقدام وزاغت منهم الأبصار فأخطأوا في التوجه وأرجفوا في القول فإني أردّهم إلى حيث يجب، إلى دين الله الحنيف، كتاب الله وسنة عبده ورسوله ﷺ ففيه الخير كل الخير وهو زاخر بمفاهيم السلام والعدل والإخاء والمساواة بمقاييسها الإلهية الأسمى والأرقى. كما وأني أوجه إلى الله العلي الأعلى الوهاب أن يفرغ علينا صبراً ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين وأن يقينا من شراك أبالسة الحضارة العصرية الذين تجلببوا بجلابيب الأفكار والأيديولوجيات والزعامات والفلسفات يزينون الباطل ويوهمون أتباعهم أنهم على حق.
إن الذين يحملون الإسلام في قلوبهم ثم يتجهون إلى السلام «ليونزيا» هم ممن ينؤون بحمل الرسالة وممن يخرّون على آيات الله صماً وعمياناً. ألا يعلم هؤلاء بأن الله معهم يسمع ويرى؟ بل ران على قلوبهم ما يكسبون من متاع الدنيا وهو قليل. ألا إن ما عند الله خير وأبقى. إلا إن الهدى هدي الله ]قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ[ (البقرة: 256)، ]فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ[ (الكهف: 29)، ]إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[ (النحل: 128). وفي الحديث الشريف أن رسول الله ﷺ قال: «كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى. قالوا: ومَن يأبى يا رسول الله؟! قال ﷺ: من أطاعني دَخَلَ الجنَّة ومَنْ عصاني فَقَدْ أبى».
إخوتي وأحبائي، إن باب الرحمة والغفران والأوْب إلى الله الخالق البارئ مفتوح لمن أخطأ وضل ثم تبا وآمن واهتدي. قال تعالى: ]قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ (الزمر: 53). وقال جل جلاله: ]رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا[ (الإسراء: 25). صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم ﷺ.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، أما من أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر. آمين.
1989-04-05