سؤال وجواب؟؟
1989/02/05م
المقالات
2,448 زيارة
سؤال:
أ- وردت في بعض الكتب عبارة: «إن حمل الدعوة من الفكرة» ووردت عبارة: «أن كيفية حمل الدعوة من الطريقة». فما الفرق بينهما؟
ب- ووردت عبارة: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفكرة» ووردت عبارة : «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الطريقة» فلماذا هذا التضارب؟
ج- أوردتم في مجلتكم قاعدة: «إن ما طلبه الشرع من أجل غيره فهو من الطريقة، وما طلبه من أجل ذاته فهو من الفكرة» هل هذه القاعدة جامعة مانعة؟
د- يُخيّل إليّ أن أحكام الطريقة أغلبها قطعي، أما أحكام الطريقة المتعلقة بعمل التكتل فهي اجتهادية ظنية. هل هذا صحيح؟
هـ- هل يجب على الفرد المسلم أن يعمل بجميع الأحكام الشرعية؟ وهل يجب على التكتل الإسلامي أن يعمل بجميع الأحكام الشرعية؟
و- هناك قول بأن التكتل يأخذ من الفكرة ما يلزمه، أما بالنسبة للطريقة فيجب عليه أن يأخذ جميع أحكامها. هل هذا صحيح؟
ز- هناك قول بأن أحكام الطريقة قسمان: قسم يتعلق بالدولة وقسم يتعلق بالكتلة، ولا يوجد شيء من أحكام الطريقة يتعلق بالأفراد. فهل هذا صحيح؟
هذه الأسئلة جاءت مفرقة، ومع شروحات كثيرة. وقد قمنا باختصارها وتنسيقها. ونسأل الله أن يلهمنا الرشاد.
وقبل أن نجيب عن هذه الأسئلة واحد واحداً نود أن نعطي ملاحظات عامة تتعلق بهذه الأسئلة كلها، إذ أن هذه الأسئلة تدور حول موضوع واحد هو «مفهوم الفكرة ومفهوم الطريقة».
إن عبارة «الفكرة والطريقة» هي اصطلاح فقهي حديث الاستعمال، فإذا رجع الباحث إلى كتب الفقه السابقة لا يعثر عليه. وكذلك فإن هذه العبارة ليست عبارة قاموسية بحيث يجدها الباحث في القواميس أو كتب اللغة. ومن ثمَّ فإن واضع هذا الاصطلاح لا يلزم غيره باستعماله، فمن رضي به استعمله ومن لم يرض به فليس لنا عليه حق.
أما مدلول هذا الاصطلاح فإنه جزء من الشريعة الإسلامية وهو ملزم للجميع. فالعبرة بالمسمّى الذي تلحقه الأحكام وليس بالاسم الذي يصطلح عليه.
والغرض من وضع الاصطلاح هو الدقة والضبط في التعبير عن المعاني المقصودة مع سهولة التوضيح. أما إذا كان الاصطلاح سيزيد الأمور تعقيداً أو إبهاماً فالأولى تجنبه.
والأسئلة الكثيرة الواردة أعلاه حول «الفكرة والطريقة» تُري أن الاصطلاح زاد الأمور تشويشاً، عند السائل، بدل أن يزيدها دقة وضبطاً.
في الحقيقة ليس من المهم أن يصيب المرء أو يخطئ في التصنيف بين الفكرة والطريقة. فلو قال قائل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفكرة، وقال آخر: بل هو من الطريقة، فإنه لا يترتب على هذا أي إثم أو نقص. وكذلك تصنيف حمل الدعوة أن تصنيف كيفية حمل الدعوة، فإن الاختلاف في التصنيف لا ضير فيه.
والتصنيف المهم هو معرفة حكم الفعل، هل هو فرض أو حرام أو مندوب أو مكروه أو مباح.
فإذا عرف المسلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عليه فقد حصل المطلوب من حيث التصنيف، ولا ضير عليه بعد ذلك إن قال إنه من الفكرة أو من الطريقة. وكذلك إذا عرف أن حمل الدعوة الإسلامية فرض عليه فليس مهما إن وضعه في خانة الفكرة أو خانة الطريقة. وهكذا سائر الأمور.
إن الغرض من إضافة هذا الاصطلاح أي «الفكرة والطريقة» إلى البحث الفقهي ليس للتفريق بين الفكرة والطريقة بل للتفريق بين الطريقة والأسلوب. ولا بأس من إضافة اصطلاح «الطريقة والأسلوب» أيضاً وهو مستعمل بالفعل.
لقد لوحظ أن غالبية فقهاء المسلمين المحدثين يخلطون بين ما أنزله الله كحكم شرعي ثابت لا يتغير ولا يتطور بل يبقى هو هو إلى قيام الساعة وبين الأعمال المباحة التي يجوز للمسلم أن يتركها أو يفعلها حسب ظروفه ومصلحته. هذا القسم الأخير هو ما اصطلحنا على تسميته بالأسلوب من أجل الضبط والاختصار.
فمثلاً صار بعضهم (أي الذين يُسمَّوْن بالعلماء) يقول: إن مقصد الشارع هو منع السرقة وحفظ المال. وهذا المقصد يمكن تحقيقه بقطع يد السارق ويمكن بسجنه ويمكن بتغريمه مبلغاً كبيراً أو بتأنيبه أو بغير ذلك من الأعمال. فأي عمل نراه حسب ظروفنا محققاً لقصد الشارع فنحن نختاره ولسنا مقيدين بالقطع، ولو ورد بالنص لأنه ورد كمثل وليس للحصر به. وكذلك قالوا عن سائر الحدود. وعن الجهاد قالوا بأن مقصد الشارع هو نشر الإسلام وليس القتال. وقد كان القتال هو العمل المناسب لنشر الإسلام في فترة معينة، فإذا وجدنا الآن عملاً أفضل من القتال لنشر الإسلام وهو الدعوة بالفكر والتبشير به مثل المبشرين النصارى نكون قد حققنا قصد الشارع. وكذلك قالوا عن نظام الحكم. قالوا إن قصد الشارع هو وجود راع ينظم أمور الناس ويعدل بينهم ويحميهم. فإذا كان هذا يتحقق بتقسيم البلاد إلى دول كثيرة أو بجعل النظام وراثياً أو ديمقراطياً فلا بأس.
هذا الخلط من هؤلاء بين ما خيرنا الشرع فيه وما جعله لازماً إلى يوم القيامة جعل بعض العلماء الحريصين على الشريعة الغراء يقولون بأن هذه الأعمال الشرعية الثابتة من إقامة الحدود، والجهاد في سبيل الله، وإقامة خليفة واحد يلتزم بنظام الخلافة وغيرها، هي أحكام شرعية ثابتة فهي كالمقاصد تماماً. فمقاصد الشارع هي الفكرة وهذه الأحكام التي تنفذ بها هذه المقاصد هي الطريقة، والإسلام هو فكرة وطريقة من جنس الفكرة، وكما تجب المحافظة على الفكرة تجب المحافظة على الطريقة سواء بسواء.
وكمثال على الأسلوب فإن الله سبحانه يقول: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ[، فنصت الآية على إعداد الخيل، وفهم الفقهاء أن عِلّة الإعداد هي الإرهاب لأن الآية نصت عليه: ]تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ[ ومقصد الشارع هنا هو الإرهاب ولسنا ملزمين برباط الخيل إذا كان لا يحقق العلة. في هذه المسألة نحن نختار السلاح الذي يناسب العصر ويحقق الغرض ونقوم بالمناورات والأساليب المناسبة.
ونعود الآن للإجابة عن سؤال بمفرده:
أ- إن كيفية حمل الدعوة هي من أحكام الطريقة (وفيها أيضاً أساليب كثيرة) وليست من أحكام الفكرة. إن الكيفيات هي من أحكام الطريقة، فكيفية تنفيذ الفكرة، وكيفية حمل الدعوة، وكيفية حماية الدين كل أحكامها من الطريقة. وكيفية حمل الدعوة الإسلامية سواء أكانت من الكتلة أو من الأفراد أو من الدولة هي من أحكام الطريقة.
أما حمل الدعوة الإسلامية فهو من الفكرة وليس من الطريقة. وحمل الدعوة هو فكرة، وهذه الفكرة تنفذ بموجب أحكام شرعية معينة وهذه الأحكام من الطريقة.
ب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أحكام الطريقة وليس من أحكام الفكرة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من كيفية حمل الدعوة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل فكري من أعمال الطريقة، أما إزالة المنكر باليد فهي عمل مادي من أعمال الطريقة أيضاً. وإذا وردت فعلاً عبارة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفكرة، يكون المقصود بها أنها عمل فكري ولكن من أعمال الطريقة.
ج- كلا هذه القاعدة ليست جامعة مانعة، فهي ليست تعريفاً لكل من الفكرة والطريقة، وليست تعريفاً للفرق بينهما، ولكنها توضح جانباً من جوانب الفرق بينهما. فحين نقول: إن ما طلبه الشرع وطلب القيام به لذاته كان من الفكرة فهذا يشمل العقائد وسائر ما طلب التصديق به، ويشمل العبادات (ما عدا الجهاد) ويشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات والمعاملات، وسواء من ذلك ما كان فرضاً أو مندوباً أو مباحاً. فالبيع مباح وهو من الفكرة والزكاة فرض وهي من الفكرة وصدقة التطوع مندوبة وهي من الفكرة. وقد ظن بعضهم أن الصلاة كفرض من الفكرة، وكيفية القيام بها هي من الطريقة، وكذلك ظنوا أن الحج كفريضة هي الفكرة وكيفية أداء المناسك هي من الطريقة. وهذا خطأ فالصلاة كلها من الفكرة، فأحكام الطهارة وأحكام القيام والركوع والسجود والقعود والقراءة وغيرها كلها من الفكرة. وكذلك جميع مناسك الحج من الفكرة. أما الجهاد كفريضة فإنه من الفكرة وأما كيفية القيام به، أي أحكام الجهاد الأخرى فإنها من الفكرة.
د- أحكام الطريقة أغلبها ظني وليس قطعياً. أحكام الطريقة تندرج بشكل عام تحت العناوين التالية: نظام الحكم، نظام العقوبات من حدود وتعزير، أحكام كيفية حمل الدعوة، أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحكام القتال، أحكام السياسة الخارجية. وهذه الأحكام غالبيتها اجتهادية ظنية، وقليل منها قطعي. وهي في ذلك مثل أحكام الفكرة المندرجة تحت: النظام الاجتماعي، النظام الاقتصادي ومنه المعاملات والإرث، والعبادات (عدا الجهاد) والمطعومات والملبوسات والأخلاق، والأفكار التصديقية.
هـ- الفرد المسلم يعمل بالأحكام الشرعية التي تلزمه، أما ما لا يلزمه فعلاً فلا يعمل به. فمن كان مقتدراً على الحج مثلاً وجب عليه أن يتعلم أحكام الحج وأن يقوم بالحج، ومن كان غير مستطيع فلا يجب عليه أن يتعلم تفصيلات أحكام الحج ولا يجب عليه الذهاب إلى الحج.
والتكتل يقوم كذلك بالأعمال الشرعية التي تلزمه. فما كان واجباً عليه فلا بد أن يقوم به، وحين يقوم به لا بد أن يقوم به على الوجه المشروع، فيجب عليه أن يدرس الوجه الشرعي للعمل.
و- التكتل يأخذ من الفكرة ما يلزمه، ويترك ما لا يلزمه حتى يلزمه. وكذلك يأخذ من أحكام الطريقة ما يلزمه ويترك ما لا يلزمه. والدولة لها نفس الوصف. وكذلك الأفراد لهم الوصف نفسه. أي كل يأخذ ما يتعلق بعمله سواء كان من أحكام الفكرة أو أحكام الطريقة.
ز- كلا ليس هذا صحيحاً. إزالة المنكر مثلاً باليد واجبة على الفرد وهي من أحكام الطريقة، وكيفية حمل الدعوة بالنسبة للفرد هي واجبة عليه وهي من أحكام الطريقة.
1989-02-05