سؤال وجواب
1989/01/05م
المقالات
2,504 زيارة
سؤال 1:
العاصي كتارك الصلاة أو المتعامل بالربا أو شارب الخمر أو المنتسب إلى حزب غير إسلامي أو… هل تجوز مجالسته ومعاملته؟
جواب 1:
جاء في سورة الأنعام، وهي مكية، قوله تعالى: ]وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ @ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[.
إن هذا الخطاب هو للرسول ﷺ ولكل فرد من آحاد الأمة لأن الخطاب له خطاب لأمته. والآية تفيد أن المسلم لا يجلس في مجلس فيه تكذيب بآيات الله أو استهزاء بها. فإذا حصل ذلك فعلى المسلم ذلك فعلى المسلم أن يترك المجلس ما دامت ترتكب فيه المعصية. وإذا نسي المسلم وجلس ثم تذكر أنه في جلسة يعصي فيها الله فعليه أن ينسحب حين يتذكر. والآية تقول بأن الغرض من انسحابه من جلسة الظالمين هو رفض لموقفهم واعتراض عليهم لعلهم يتقون.
كان هذا في مكة ولم يكن المسلمون قد أمروا بعد بإزالة المنكر باليد.
ثم نزل قوله تعالى: ]وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ[ وهذه الآية من سورة البقرة وهي من أول ما نزل في المدينة. أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها وأقررتموهم فقد شاركتموهم في الذي هم فيه فلهذا قال تعالى: ]إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ[ في المأثم.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في المدينة، في حين كان للمسلمين دولة، ولكنها لا تتضمن الأمر بإزالة المنكر باليد، وهي لا تزيد من هذه الجهة على ما تضمنته آية سورة الأنعام المكية. وقد وضع ابن كثير، رحمه الله، عنواناً لمضمون الآية هو (مَنْ لم يُزِل المنكر فلْيَزُلْ عنه). وهذا ما يفيده قول الرسول ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر». وحتى هذا الحين لم تكن مجالسة العاصي ومؤاكلته ومشاربته منهياً عنها إلا في وقت ارتكابه للمعصية. ثم نزل قوله تعالى: ]لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ @ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[ وهذه الآية في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل من القرآن.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه» وفي رواية «وشريبه» «فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» ثم قال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض أو ليلعنكم كما لعنهم».
آية سورة المائدة هذه لم تنسخ آية سورة الأنعام ولا آية سورة البقرة وإنما تضمنت أحكاماً جديدة بينتها أحاديث الرسول ﷺ المرافقة.
الأحكام الجديدة هي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب إزالة المنكر باليد عند الاستطاعة، بينما كان المطلوب قبل ذلك اعتزال المجلس الذي فيه المنكر أثناء ارتكاب المنكر.
وهنا يأتي السؤال: هل تجوز مجالسة العاصي (والفاسق) ومؤاكلته ومشاربته في الأوقات التي لا يكون فيها يرتكب المعصية، أو أن هذه الأمور محرمة حتى يتوب؟ هناك من العلماء من قال: العاصي (والفاسق من باب أولى لأن الفاسق هو العاصي المجاهر بمعصيته) لا تحل مجالسته ولا مؤاكلته ولا مشاربته، لا في أثناء ارتكابه للمعصية ولا في غير ذلك حتى يتوب.
وهذا الرأي يقتضي أن تكون آية سورة الأنعام وآية سورة البقرة المذكورتين سابقاً منسوختين، وليس الأمر كذلك لأنهما آيتان محكمتان. إذ أن سورة المائدة لا تتضمن نسخاً لهما. والأحاديث لا تنسخ القرآن. فصار لا بد من الجمع بين الآيات والأحاديث.
والجمع يكون بأن تحمل أحاديث المجالسة والمؤاكلة والمشاربة على الحالات التي يكون العاصي متلبِساً فيها بالمعصية، أو الحالات والمواقف التي يمكن أن يُفْهَم منها الرضا أو عدم الاكتراث بارتكاب المعاصي.
فمثلاً آية سورة الأنعام وآية سورة البقرة ذكرتا حالة الخوض بآيات الله والاستهزاء بها، وحديث الرسول ذكر المائدة التي تدار عليها الخمرة.ومثل ذلك إذا كان المسلم في جلسته فيها غيبة ونميمة وكذب وغش الخ…
أما إذا كان شخص تاركاً للصلاة أو يتعامل بالربا مثلاً، فهذا لا يحل للمسلم أن يتخذه صديقاً حميماً، لأن اتخاذه صديقاً حميماً وهو على حاله من المعصية يعتبر قرينة على رضاه عن حاله.
وأما بقية المعاملات فإنه يجوز للمسلم أن يتعامل مع العاصي (والفاسق) ما دامت هذه المعاملات لا تشكل قرينة على رضاه عن العاصي.
سؤال 2:
في العدد 6 السنة الثانية من مجلة «الوعي» جاء في كلمة «الوعي» عند الحديث عن مشكلة لبنان استشهاد بالآية الكريمة: ]وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى[ ويفهم من سياق الكلام أن مودتهم قريبة للمؤمنين ولو ظلوا على نصرانيتهم، مع أن سياق الآية يصفهم بذلك لأنهم خرجوا من نصرانيتهم وصاروا مؤمنين. نرجو الإيضاح؟
جواب 2:
إن المدقق في سياق الآيات يجد أن صدر الآيات يتكلم عن النصارى في الجملة فيم ينتقل السياق ليتكلم عن نصارى معينين دخلوا في الإسلام. وأنا أنقل. هنا عبارة تفسير ابن كثير يقول: [وقوله تعالى: ]وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى[ أي الذين زعموا أنهم نصارى من اتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة كما قال تعالى: ]وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً[ فذِكرَ النصارى جاء في مقابلة ذكر اليهود والمشركين، ولما ذكرت الآية في أولها شدة عداوة اليهود والمشركين، في جملتهم للمسلمين، ذكرت بعد ذلك المودة النسبية عند النصارى، في جملتهم للمسلمين. وتعلل الآية الكريمة سبب هذه المودة النسبية: ]ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ[ كما ذكر ابن كثير. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك من الحديث عن النصارى جملة إلى الحديث عن نصارى معينين دخلوا في الإسلام، فالآيات تتابع: ]وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ[ إلى قوله تعالى: ]فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ[.
فالاستشهاد الوارد في مجلة «الوعي» هو في محله، لأنه استشهاد بالجزء من الآية الذي يتكلم عن النصارى جملة.
وهذا لا يعني أن جميع النصارى عندهم الرأفة والرحمة، ولا يعني أن جميعهم قريبو المودة للمسلمين، لأننا نرى منهم اليوم كثيراً يشذون عن الأخلاق الواردة في أناجيلهم.
1989-01-05