الشورى وقواعد نظام الحكم
1988/08/05م
المقالات
2,656 زيارة
لا يزال التأثر بالتيارات الغربية ظاهراً في الكثير من الدراسات الإسلامية المعاصرة. وتلك مشكلة يجب وضع حد لها وذلك بالتصدي للآراء التي تحاول تقريب المذاهب الوضعية السياسية، من الإسلام بغية السماح بنفاذ هذه المذاهب إلى النظام الإسلامي.
إن مثل هذه الدراسات تُفرض على طلبة الجامعات ضمن مادة (النظم الإسلامية). من ذلك إحدى المحاضرات التي ألقاها أستاذ جامعي (في 4/88) وموضوعها (الشورى في الإسلام). وقد جاء فيها بعض الشوائب نوردها ونعالجها لسببين:
الأول: أنها تمس أمراً مهماً من أمور الحكم في الإسلام.
الثاني: أنها تُغذي ـ أو يراد لها أن تغذي ـ نفوس الشباب المسلم، بأفكار غريبة عن دينهم.
مما جاء في المحاضرة:
أولاً:-
قوله: «يقوم نظام الحكم في الإسلام على النحو الذي أراده الله ورسوله على ستة مبادئ هي: الحرية ـ العدالة ـ المساواة ـ الشورى ـ المعارضة ـ النقد الذاتي». وفي هذا الكلام خلل من عدة وجوه:
أ- المبدأ: المبدأ من الاصطلاحات الشائعة، ولا بدّ عند استعمال أي اصطلاح أن يُنظر فإذا كان معناه موجوداً في الإسلام فلا مانع شرعاً من جواز استعماله، وإلا فلا. ودليل (عبد العزيز البدري) على ذلك أن القرآن نهى المسلمين عن استعمال لفظة (راعنا) بعد أن اصطلح عليها اليهود في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم محرفين معناها، فقالوا عنها مصطلحين بأنها تعني الرعونة، فأمر القرآن المسلمين أن يقولوا بد لفظة (راعنا) لفظة (انظرنا)، وذلك في الآية 104 من سورة البقرة: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا[. والمبدأ: اصطلاح يعني الفكر الأساس الذي تُبنى عليه الأفكار، أو هو عقيدة انبثق عنها نظام. فجاز استعمال لفظ المبدأ وأن يوصف الإسلام بالمبدأ فيقال: مبدأ الإسلام أو المبدأ الإسلام كما يقال في المقابل: المبدأ الرأسمالي والمبدأ الشيوعي.
أما أن يقال المبادئ الإسلامي ويراد بها القواعد الأساسية، فهذا إطلاق خاطئ ينافي مضمون الاصطلاح.
2- إذا سَلّمنا أن المراد بالمبادئ المذكورة قواعد نظام الحكم في الإسلام. فلننظر: هل هذه فعلاً هي القواعد الصحيحة؟
إذا عُرضت هذه القواعد على أي شخص لديه اليسير من الثقافة فإنه لن يستشف منها أنها قواعد نظام الحكم الإسلام إلا إذا قيل له ذلك. فالمعتبر لدى المسلمين أن من قواعد نظامها (السيادة للشرع)، (السلطان للأمة) ومثل ذلك.
ومعنى غيابها من محاضرة الأستاذ الجامعي أن الحاكم غير مُلزم باتباع الشرع وإنما هو ملزم بتحقيق الحرية والعدالة والمساواة والشورى وفتح الباب للمعارضة والنقد الذاتي. فإذا حكم بلاد المسلمين بالنظام الوضعي وكان هذا النظام مبنياً على القواعد الست الذي ذكرها، هل يكون حكما إسلامياً؟ والسؤال موجه إلى الأستاذ الجامعي.
ربما أراد في كلامه أن هذه صفات النظام الإسلام لا قواعده. فلننظر هي صفات النظام الإسلام حقاً؟
لا ريب أن العدالة والمساواة قد كفلهما الإسلام وجعل الأفراد في الدولة متساوين في الحقوق والواجبات، كلن ذلك يشمل المسلمين أما أفراد الرعية من غير المسلمين فحقوقهم تتضاءل ـ فالبيعة مثلاً حق للمسلمين ـ وكذلك واجباتهم تتضاءل فلا يدعَوْن إلى الجهاد مثلاً.
حتى المسلمون ليسوا بسواء في نظام الحكم فالمرأة لا تَحكُم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» [أخرجه البخاري وأحمد والنسائي]. والعبد المملوك لا يُبايع للخلافة…الخ. كل ذلك لا يمنعنا أن نقول إن المساواة لم تتحقق في أي نظام كما تحققت في نظام الإسلام، لكنها ليست مساواة مطلقة. وحيث إن الأستاذ المذكور لم يقيدها فإنه اعتبرها مطلقة وهذا خطأ.
أما الحرية فمفهومها في الإسلام أن يراد بها (أن لا يكون الإنسان عبداً لإنسان آخر)، وهذا يتعلق بالزاوية الإنسانية. أما الحديث عن الحرية من الزاوية الدستورية فإن المقصود بها هو: حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية التملك والحرية الشخصية.
(1) حرية العقيدة: ليس للمسلم أن حراً في اختيار عقيدته، فإن خالف عقيدة الإسلام مصراً إرتدّ ووجب قتله.
(2) حرية الرأي: إن قال المسلم رأياً ينكر فيه حكماً شرعياً معلوماً بالضرورة فهو مرتد.
(3) حرية التملك: أساسها في الأنظمة الوضعية أن تتم بدون إكراه الآخرين، فإذا تاجر المحرمات من خمر وغيره فهو متقيد بحرية التملك وهذا ينافي الإسلام إذ يحرّم على المسلم أن يمتلك عن طريق غير شرعي.
(4) الحرية الشخصية: إذا زنى المسلم برضى واختيار من المزنيّ بها، فهذا لا ينافي الحرية الشخصية ولكنه يُنافي في الإسلام فأيهما أولى أن يُتبع!.
وأقول للأستاذ: إذا أردت أن تضع قواعد نظام الحكم في الإسلام فيحسن استقراء الأدلة الشرعية أولاً، لا أن تتأمل بريق الأنظمة الوضعية ثم تجعل منها يثاباً تزّين بها الإسلام وتقول إنه (النحو الذي أراده الله ورسوله) كما ورد في محاضرتك.
وللإفادة، قواعد الحكم في الإسلام أربعة:
(1) السيادة للشرع لا للشعب.
(2) السلطان للأمة.
(3) نصب رئيس دولة واحد فرض على المسلمين.
(4) لرئيس الدولة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فهو وحده الذي يسن الدستور وسائر القوانين فكيف غفلْتَ عنها والنصوص الشرعية واضحة وتعرفها أكثر مني!
ثانياً:
قسّم الشورى في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قسمين اثنين:
1- شورى وقعت بناء على طلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أي شورى إيجابية بلغة العصر، كما قال. وضرب مثلاً غزوة أحد حين استشار الصحابة في الخروج لملاقاة قريش. وسماها أيضاً بـ (المَشْوَرَة).
2- شورى جاءته من الصحابة ابتداء من غير طلب وسماها بـ (شورى السلبية!). وضرب مثلاً غزوة بدر حين أشار الحباب بن المنذر على الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينـزل قرب الماء.
وألحق بهما نوعاً ثالثاً (كأن يعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور ويبدأ المفاوضة فيه، حتى إذا حان إبرامه رأى أن يستشير فيشار عليه، وبعد ذلك إما يبرم هذا الاتفاق وإما يلغيه وسماه ـ أي هذا النوع ـ (أمر بين بين) أي بين النوعين السابقين وضرب مثلاً ما فعله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق).
وفي هذا التقسيم خلل من عدة أوجه:
أ- أنه جعل العبر في كون الشورى رغبة من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من الصحابة. وهذا لفرق ليس بذي بال. ثم إن استعماله كلمة «شورى سلبية» توصي بالانتفاض منها، فعندما يقال فلان قام بدور سلبي في محيطه فهذا يعني أنه يعرقل سير المجموعة، وهل كانت شورى الحباب بن المنذر تنضوي تحت هذه التسمية؟
فلنترك (لغة العصر) ما دامت فيها شبهة ولننظر إلى الأمر من زاوية شرعية.
ب- لم يشر الأستاذ إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم في (أحد) أخذ برأي الأكثرية بينما نزل في بدر على رأيٍ واحدٍ من المسلمين لأنه رأى في نظريته صواباً. وهذا هو ما يجب أن يراعى عند ملاحظة أنواع الشورى. فالشورى تؤخذ في رأيين:
(1) الرأي الذي يدل على فكر في موضوع، والرأي الفني. وهنا يلاحظ في الشورى أخذ الرأي الصواب كما في غزوة بدر.
(2) الرأي لذي يرشد إلى القيام بعمل من الأعمال أو الإحجام عنه. وهنا يلاحظ رأي الأكثرية كما في غزوة أحد. ورغم أن الرسول كان يرى الصواب خلاف رأي الأكثرية فإنه سار على رأيهم.
والفرق بينهما كما في الجزء الأول من كتاب (الشخصية الإسلامية) للنبهاني: “إن الرأي الذي يؤدي إلى فكر يبحث في الموضوع فقط دون النظر إلى العمل فيكون صعيد البحث هو الموضوع لا العمل، ويكون المراد من البحث هو الوصول إلى فكرة عن الموضوع الذي يبحث دون ملاحظة العمل وبغض النظر عما يترتب على هذه الفكرة من أعمال”.
ج- أمّا ما ذكره من صنيع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، فإنه يجدر بنا أن نراجع الحادثة: عند محاصرة الأحزاب للمدينة، فاوض الرسول صلى الله عليه وسلم غطفان وأطمعهم في ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا عن الحرب فقبل قائداً غطفان. وكُتِبَ نص المُحالفة خِلواً من أسماء الشهود إذ لم يتم الصلح. ثم تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة سيدي الأوس والخزرج وذكر لهما ما وصل إليه مع غطفان فلم يرضيا إلا أن يكون أمراً من الله. فأخبرهما الرسول أن هذه فكرة عرضت له للخروج من هذا المأزق الذي كان يحيد بالمدينة ثم أعطاهما الكتاب ليَمْحُوَا ما به ففعلا.
فاستعراض الحادثة يدل على أنها تنضوي تحت الرأي الذي يرشد إلى القيام بعمل من الأعمال لأن الدليل هذا واضح.
فالرسول ـ عندما ألغى المحالفة ـ لم يأخذ بالرأي لأنه صواب، وإنما أخذ به لأن سيدي الأوس والخزرج رأيا ذلك، فقدّر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الأوس والخزرج سيقفان مع سيديهما وتتحقق الأكثرية. فالرسول أخذ برأي الأكثرية (وهو في الواقع كان صواباً لأن غطفان حين رأت إلغاء المحالفة ظنت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تغير موقفه وتعزّز وازداد قوة فعدل عن المفاوضة).
ولا يقال إن الرسول أخذ الرأي الذي رآه سيد الأوس والخزرج لأنه رآه صواباً ـ أي أن العلة هي أنه صواب ـ لا يقال هذا، لأن الرجلين اعترضا على فكرة الرسول دون إبداء سبب فني أو إشارتهم إلى أن الصواب في فكرتهم.
لذلك فحادثة الخندق ليست نوعاً ثالثاً من الشورى.
وبعد، فهذا أهم ما ورد في المحاضرة من خلل نرجو أن يتفاداه في المرات القادمة وأن يتحرى النصوص بدقة، فإنه دين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. q
البقاع ـ خاص ـ بـ (الوعي)
المراجع:
(1) (الشخصية الإسلامية) ـ الجزء الأول ـ تقي الدين النبهاني.
(2) (حكم الإسلام في الاشتراكية) ـ عبد العزيز البدري.
1988-08-05