كلمة (الوعي): مؤتمر القمة في الجزائر
1988/07/04م
المقالات, كلمات الأعداد
2,140 زيارة
وأخيراً انعقد مؤتمر القمة العربي في الجزائر من 7 إلى 9 حزيران 1988. وكانت الدعوة لعقده قد انطلقت قبل أكثر من أربعة أشهر. وهو مؤتمر طارئ، والهدف المعلن منه هو دعم الانتفاضة في الضفة والقطاع.
ولكن لماذا تأخر انعقاده إلى هذا الوقت؟ إن المراقب يلاحظ أن توقيته جاء بعد مؤتمر القمة في موسكو بين ريغان وغورباتشوف. وليس صعباً أن نفهم أن هذا التوقيت لمؤتمر الجزائر جاء بناء على رغبة أميركا. وقد جاء شولتز من مؤتمر موسكو وأعطى التعليمات للحكام العرب قبل ذهابهم إلى الجزائر.
لقد أطلقوا عليه (مؤتمر قمة الانتفاضة)، وهذا زور، لأن الهدف منه ليس دعم الانتفاضة، بل الهدف منه هو أن يتخذ حكام العرب قراراً بتأييد المؤتمر الدولي للمفاوضات بين العرب واليهود طبقاً لورقة شولتز.
وقد اتخذ حكام العرب هذا القرار بالإجماع. وكان الملك حسين قد هدد بأن ينفض يده من موضوع فلسطين وموضوع المؤتمر الدولي إذا لم يوافقوا على شروطه، والظاهر أنهم وافقوا.
وبذلك يكون هذا المؤتمر قد نجح نجاحاً باهراً من وجهة النظر الأميركية.
أما المسائل الأخرى التي بحثها المؤتمر مثل حرب الخليج ودعم لبنان فهي مسائل هامشية. وأما مسألة دعم الانتفاضة في الضفة والقطاع فإنها وضعت كواجهة فقط. والهدف الأساس لهذا الاجتماع هو أن يتخذوا قراراً محدداً بشأن المؤتمر الدولي.
ذلك أن ريغان يريد أن يقوم بعمل في مسألة الشرق الأوسط يسجله له التاريخ وذلك قبل انتهاء ولايته. وهذا العمل هو أن يرسي الأساس للمؤتمر الدولي. ولذلك تفاهم مع غورباتشوف على هذا الأمر، وحمل شولتز الورقة المحددة للحكام العرب. وهم الآن (أي حكام أميركا) يمارسون الضغط على شامير ليأخذوا موافقته، فإن نجحوا في ضغطهم تكون أميركا قد أخذت موافقة الطرفين، ونجح ريغان في إرساء الأساس للمؤتمر الدولي.
وأما ما أعلنوا من دعم مالي وإعلامي وسياسي للانتفاضة فهو من الضغوط على إسرائيل كي توافق من جهتها على المؤتمر الدولي الذي ما زال شامير يرفضه.
الواقع أن حكام العرب المتهالكين على مفاوضة إسرائيل، والمستعجلين على المؤتمر الدولي هم الذين يستمدون الدعم من الانتفاضة، وليس العكس. لقد صرح غير واحد من هؤلاء الحكام أن الانتفاضة خير وسيلة للضغط على اليهود كي يوافقوا على المؤتمر الدولي. وصرح غير واحد منهم أنه لا بد من الإسراع في تثمير ثورة الحجارة في عمل سياسي تفاوضي مع إسرائيل.
إذاً فإن ثورة الحجارة هي التي تدعم الحكام. وإذا قرر هؤلاء الحكام أن يدعموا ثورة الحجارة بمال أو إعلام فما ذلك إلا من أجل تسخيرها كأداة ضغط على إسرائيل حسب الخطة التي رسمها لهم شولتز.
إنهم يتاجرون بالانتفاضة، ويتملقون لأهل الانتفاضة، كما تاجروا من قبل بفلسطين والقدس والمقدسات، فهل يعي أهل الانتفاضة حقيقة الأمور.
كان مفروضا في أهل الانتفاضة أن يرسلوا مذكرة إلى مؤتمر القمة في الجزائر الذي انعقد باسمهم، يطلبون فيها من الحكام العرب أن يتراجعون عن المناداة بالمؤتمر الدولي للصلح مع اليهود، وان يتراجعون عن مقررات فاس وان يرفضوا قراري مجلس الأمن 242و338 وكل مقررات الأمم المتحدة التي تشكل اعترافاً بدولة إسرائيل، ولو على شبر من أرض فلسطين، فالمشكلة هي مشكلة وجود وليست مشكلة حدود، ويطلبون من الحكام العرب أن يعدوا جيوشهم وقوتهم للقضاء على دولة إسرائيل.
وفي الحقيقة فإن هذا الموقف يجب أن يقفه ليس أهل الانتفاضة وحدهم، وليس أهل فلسطين وحدهم، وليس العرب وحدهم، بل جميع المسلمين، لأن فلسطين أرض إسلامية.
إن الحكام العرب ومعهم قيادة منظمة التحرير ينادون بالأرض مقابل السلام. أي أن تعطيهم إسرائيل قطعة أرض ويعطوها قطعة سلام. وكأن إسرائيل صارت في نظرهم صاحبة الأرض، أو كأنها تتباكى على سلامهم. إنها تعتدي وتدمر وتقتل كل يوم في لبنان، وأنها تعتدي وتغتال في تونس، وتضرب في العراق، وتهدد السعودية والباكستان، وطيرانها يخترق الأجواء كل يوم فوق العرب وقواتهم. فمن هو الذي يحتاج إلى السلام وإلى الحماية إسرائيل أو العرب؟!
والمؤلم أن الانتفاضة في الضفة والقطاع قد سيطر عليها أتباع منظمة التحرير، هذه المنظمة التي تتهالك قيادتها على الصلح مع اليهود. إن ما يسمونه القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة تضم عناصر من فتح عرفات والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية والحزب الشيوعي، وهؤلاء كلهم مع خط عرفات، وأما القيادات الأخرى الإسلامية في الانتفاضة فقد خَفَتَ صوتها، وفقدت تأثيره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه الناس عن ثورة الحجارة ضد اليهود، وينعقد مؤتمر في الجزائر من أجل دعم ثورة الحجارة (حسب الظاهر) في فلسطين نرى التذابح بين فصائل فتح في مخيمات بيروت.
إن القتال في المخيمات ليس خلافاً محلياً بين مؤيدي عرفات ومؤيدي أبي موسى.انه خلاف بين القادة أنفسهم. هذا يريد أن يسيطر على مكتب داخل المخيم وذاك يريد أن يسيطر على المكتب نفسه. وتدور المعارك الطاحنة، وتزهق الأرواح، وتدمر البيوت، ويتشرد السكان.
في فلسطين هناك تعليمات أن لا يستعملوا ضد اليهود اكثر من الحجارة، أما في مخيم برج البراجنة ومخيم شاتيلا فالتعليمات أن يستعملوا المدفعية والصواريخ وأثقل الأسلحة التي يملكونها. لقد بدأت هذه المعارك من رمضان ومازالت تزداد استعاراً.
فهل مثل هؤلاء القادة يؤتمنون على شعب وعلى أرض وعلى قضية؟!
لا تتحزبوا إلى فئة من هؤلاء المتقاتلين فهم فسقه وخونة، بل تبرأوا منهم وابصقوا عليهم واضربوهم بالنعال لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
اللهم إنا نسألك أن لا تجعل بأسنا بيننا، وأن تولي علينا خيارنا ولا تولي علينا شرارناq
أسرة (الوعي)
1988-07-04