بسم الله الرحمن الرحيم
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ(29)).
سورة المائدة
صدق الله العظيم
يقول الإمام الشوكاني في معرض تفسيره لهذه الآيات لقد اختلف أهل العلم في ابني آدم المذكورين هل هما لصلبه أم لا؟ فذهب الجمهور إلى الأول… وقال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم: واسمهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل، لأنه كان صاحب زرع واختارها من أردأ زرعه، حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها، وكان قربان هابيل كبشاً لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه، فتقبل قربان هابيل فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام، كذا قال جماعة من السلف، ولم يتقبل قربان قابيل، فحسده وقال لأقتنلك… وقوله: (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ).. أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم، وكأنه يقول لأخيه: إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك.
قوله: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) أي لأن قصدت قتلي، واللام هي الموطئة، (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ) جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط، وهذا استسلام للقتل من هابيل، كما ورد في الحديث «إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم، وتلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية» قال مجاهد: كان الفرض حينئذ أن لا يسل أحد سيفاً وأن لا يمتنع ممن يريد قتله قال القرطبي: «قال علماؤنا: وذلك مما يجوز ورود التعبد به، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعاً، وفي وجوب ذلك عليه خلاف. الأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر. وفي الحشوية قوم لا يجوّزون للحصول عليه الدفع، واحتجوا بحديث أبي ذرّ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة وكفّ اليد عند الشبهة..». وحديث أبي ذرّ المشار إليه هو عند مسلم وأهل السنن إلا النسائي، وفيه «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: يا أبا ذرّ أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً كيف تصنع؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك، قال: فإن لم أترك، قال: فأت من أنت منهم فكن فيهم، قال: فآخذ سلاحي؟ قال: إذن تشاركهم فيما هو فيه، ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك» وفي معناه أحاديث عن جماعة من الصحابة سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وخباب بن الأرتّ وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى. قوله: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) هذا تعليل لامتناعه من المقاتلة بعد التعليل الأوّل وهو (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
وأضاف ابن كثير بأن قوله: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي…) الآية، أي لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) أي من أن أصنع كما تريد أن تصنع بل أصبر واحتسب قال عبد الله بن عمر: وأيم الله إن كان لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج يعني الورع ولهذا ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه» وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث بن سعد عن عياش بن عباس عن بكير بن عبد الله عن بشر بن سعيد أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي» قال أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني فقال: «كن كابن آدم» وكذا رواه الترمذي.