خطبة جمعة: أيها المسلمون: أعلنوها صراحة: إما أن نحكم بخلافة راشدة على منهاج النبوة وإما أن نموت لأجلها
2013/02/28م
المقالات
2,147 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة:
أيها المسلمون: أعلنوها صراحة:
إما أن نحكم بخلافة راشدة على منهاج النبوة وإما أن نموت لأجلها
هذه خطبة ألقاها أحد شباب حزب التحرير في سوريا أبو عبيدة، تناول فيها موضوع الصبر على أمر الله، وعدم التنازل عن أي أمر من أمور الدين في هذه الظروف غير الطبيعية، وذلك أسوة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه الذين حوصروا في الشعب لثلاث سنوات. وختم خطبته بذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الإسلام حيث دار… لموتة في طاعة الله خير من حياة في معصيته». ومما جاء في خطبته الأولى:
الحمد لله الذي قهر الجبابرة وأعز جنده وأذل القياصرة، الحمد لله الذي أخرج عباده من متاهات الكفر والظلم إلى نور الإسلام وعز الأمم، وأشهد أن لا إله إلا الله لا يرد أي سائل، ولا يخيِّب من دعاه عند النوازل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، يامن فتح الله بك أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فكنتَ بحق خير الأنام والمرسلين
أما بعد، فيا حماةَ الإسلام، وحراسَ العقيدة ….أيها الثائرون في الشام الأبية:
يقول نبينا الكريم معلماً ومرشداً حكيماً، فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عباس: «لما كانت الليلة التي أسري بي فيها، أتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنها؟ قال بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقط من يدها المشط فقالت: بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك؟ قالت: نعم، فأخبرتْه، فدعاها، فقال: يافلانة، وإن لك رباً غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله. فأمر بإناءٍ من نحاس فأحمي، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيه، فقالت: إن لي إليك حاجة، قال: وماحاجتك؟ قالت أحب أن تجمع عظامي وعظام أولادي في ثوب واحد وتدفننا، قال: ذلك لك علينا من الحق. قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها رضيع، وكأنها تقاعست من أجله، قال: يا أماه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فاقتحمت…» إنها الحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا
أيها المسلمون:تعالوا نقف وقفة صدق فنسأل أنفسنا: ألسنا عبيداً لله عزَّ وجلَّ؟ أترانا خلقنا في هذه الدنيا عبثاً وهملاً بلا غاية؟ ألم يقل الله عزَّ وجلَّ ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ). فأين نحن من العبودية لخالقنا عزَّ وجلَّ؟ لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم معنى العبودية الحقة لله تعالى فهماً دقيقاً؛ فأخضعوا رقابهم لله، وأسلموا قلوبهم لأمره، وقيدوا أفعالهم بشريعته. كانوا يفهمون كيف تكون علاقة العبد بخالقه، فإذا قال أحدهم: أنا عبد لله، أدرك أنه انقاد لخالقه رب العباد انقياداً تاماً في كل ما يأمره به، فليس له أمام خالقه رأي ولا قرار، ولا يتصرف تصرفاً صغيراً ولا كبيراً إلا بإذن خالقه. فالعبودية يا إخواني أن نستسلم لأمر الله استسلاماً تاماً ليس لنا مع أمر الله أمر، ولا مع حكمه حكم، وإنما وظيفتنا السمع والطاعة والانقياد الخالص لله عزَّ وجلَّ، فاطر السموات والأرض، تماماً كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ). إن سعادتنا تكمن في مدى إرضائنا لخالقنا رب العباد، وبمدى استعدادنا للتضحية بأرواحنا وأموالنا من أجل إعلاء كلمته، وما عيشنا في هذه الدنيا أصلاً إلا لنحيا بالإسلام ونموت لأجله، يقول الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
أيها المسلمون، إن همنا الأول في الدنيا ليس الحصول على الطعام والشراب وإن كان حاجة ضرورية لنا، وإنما همنا الأول هو إعلاء كلمة الله وإرضائه من خلال العمل بدينه والحكم بشريعته في كل مناحي الحياة حتى تكون كلمة الله هي العليا فوق كل الدول والنظم، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو في أشد لحظات الدعوة من الأذى يوم أهانه أهل الطائف وآذوه يقول رغم ذلك كله: «إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي».
إن ثمن الجنة غالٍ جداً، فلن تُنال جنات الفردوس إلا بالتضحية. يقول الحبيب المصطفى: «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» ألا تشتاقون لريح الجنة؟ ألا تشتاقون لنعيمها؟ ألاتشتاقون لأنهارها وأثمارها؟. واهاً لريح الجنة، واهاً لنعيمها، وشوقاً للقاء الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه. والذي نفسي بيده، لا خير في هذه الحياة إن لم تكن معمورة بشرع الله، ولا خير فينا إن لم نحكم بحكم الرحمن من فوق سبع سموات، وسحقاً للدنيا إن عشنا لها بمعصية الله عزوجل.
إن الله لن يسوي بين من قدَّم وضحَّى بكل غالٍ ورخيص لأجل دينه، وبين من ركن إلى الدنيا ورضي بنعيمها وقعد عن العمل لشرع الله وإعلاء كلمته، والله سوف نُسأل عن هذه الأيام، بل عن هذه الساعات التي تخاذلنا فيها عن العمل لدين الله ونصرة إخواننا في بقاع الأرض. يقول الله سبحانه محذراً لنا: ( قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ). فالله عز وجل لم يترك لأي متقاعس أو متخاذل شبهةً في تقاعسه، فبعض الناس يقولون: إن الله لم يأمرنا أن نخسر عملنا، أو نضحي بمساكننا، أو نصاب في أهلنا وأولادنا، فكان هذا التفصيل من الله رداً واضحاً وقطعاً للطريق على كل متقاعس
إخوتي الكرام، لن تكون تضحياتنا مهما بلغت تعدل شيئاً من التضحية التي أمر بها نبينا إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام. وهل يوجد عند الإنسان أغلى من ولده الذي يحبه وتقر عيناه برؤيته؟! لقد كان لنا في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة في التضحية والاستسلام لأمر الله عزَّ وجلَّ، وهاهو سيدنا موسى عليه السلام، هذا الإنسان الذي ترعرع في قصور فرعون وحدائقه يسير إلى مدين حافي القدمين فقيراً يتطلع إلى السماء ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ). وما حاله هذه إلا بسبب موقفه من فرعون وعمله وإنكاره عليه وتحديه له، فلن نكون أعز على الله من أنبيائه الكرام، ولو كانت السلامة من الأذى في دين الله علامة على كرامة الإنسان عند ربه لكانت الأنبياء بها أولى.
إخوتي الكرام، إن منزلتنا في الجنة تحدد على قدر تضحياتنا لدين الله عزَّ وجلَّ، وما قدمناه لإعلاء كلمته. وبقدر ما تكون شدة الألم الذي نتحمله بسبب دين الله نكون قريبين من الله عزَّ وجلَّ، ومنعمين بجنانه يوم القيامة. فالله عزَّ وجلَّ يقول: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) تأملوا معي إخوتي قوله تعالى: ( وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ) تلك الديار التي تؤويك وتستقر فيها مع أهلك وتجد فيها الراحة والسلوان.
( وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي ) إيذاء بسبب ما قاموا به من الدعوة لدين الله والصراع مع الكفر. ( وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ) قدموا أغلى ما عندهم لله عزَّ وجلَّ، زهرة شبابهم رخيصة لله عزَّ وجلَّ، فما هي النتيجة وماهو الجزاء لتلك التضحية العظيمة؟ إنه القسم من الله أن يمحوا لهم الذنوب التي ارتكبوها في حياتهم الدنيا، وأن يكرمهم بدخول جناته الناضرة، وما أحسن هذا من جزاء !!
إخوتي في الله، إن كل ما نحن فيه من الشدة والبلاء، وقطع للأعناق، وسفك للدماء، وقتل للأهل والأبناء، ما هو إلا بسبب تقاعسنا عن الإنكار على الحكام الطغاة سنوات طويلة، وسكوتنا عن الحكم بغير ما أنزل الله والقبول بحكم الجاهلية التي قال الله جلَّ في علاه فيها: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). ولأننا ركنا إلى الدنيا ونعميها، وصار همنا الأول هو الطعام والشراب، فقد سلط الله علينا حكامنا فتجرؤوا علينا وأهانونا وداسوا على كرامتنا وأمعنوا في قتلنا وتشريدنا تماماً كما فعل فرعون مع قومه من قبل إذ قال الله فيه: (اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ). ولايقل أحدكم: ألا ترى حالنا، ومانحن عليه من الجوع والعطش؟ ألاترى قتل أبنائنا وأهالينا؟ أليس هذا التشريد والتنكيل ضريبة الإنكار على الطاغية بشار أسدوالثورة عليه؟ ألا يكفينا مانحن فيه؟ ياإخوتي في الله، اسمعوني جيداً:
لقد سبق أن حوصر المسلمون في شعب بني طالب والنبي بين أظهرهم، وكانت مقاطعتهم تقوم على أنهم لايؤاكلون، ولايشارَبون، ولاتُنكح نساؤهم، ولايعطى لهم الطعام والشراب، واستمرت مقاطعتهم ثلاث سنوات (لم تكن أزمة سنة ونصف) حتى أكلوا ورق الشجر، بل إن الرجل كان يمر قريباً من الشُعَب فيسمع الأنين والبكاء من الأطفال والنساء جوعاً وعطشاً، كل هذا يحدث وهم ثابتون على دين الله، ولم يقدموا أي تنازل لمشركي قريش، مع أنهم لو قدموا هذا التنازل لهم لخرجوا من مأزقهم، فهم ارتضوا أن يموتوا جوعاً في طاعة الله على أن يقدموا أي تنازل لمشركي قريش، فيعيشوا بهذا التنازل عيشة الترف والأمان، فأين نحن منهم؟ وأين ثباتنا على عقيدة الإسلام؟
أيها المسلمون: أعود فأقول: إن العبودية لله تقتضي الانصياع التام إلى أمر الله عزَّ وجلَّ، والاحتكام لشريعته والحكم بها كنظام شامل للحياة، فالحكم بما أنزل الله هو من ضمن عبادة الله، يقول الله عزَّ وجلَّ: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) وقال جلَّ من قائل (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
ولن تكون شريعة الله مطبقة تطبيقاً صحيحاً شاملاً إلا بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وببيعة لخليفة راشد يجمع شمل المسلمين ويوحد صفوفهم ويحفظ هيبتهم وكرامتهم، فغياب الخلافة الإسلامية، وغياب الحكم بشرع الله، هو سبب شقائنا وضياعنا وضعفنا وتفرقنا. ولقد كنا نُحكم بالكفر قهراً وإكراهاً في عهد الطاغية، وكنا لا نُحكم بالكفر اختياراً منا، فأعلنوها صراحة ودون مجاملة، ودون تردد، إما أن نحكم بشرع الله، بخلافة راشدة على منهاج النبوة، وإما أن نموت لأجلها، واحذروا أن تأخذوا الرشوة على دينكم لتتنازلوا عن بعض أحكامه إرضاء للغرب وطمعاً في دعمه لكم بالغذاء والسلاح. يقول عليه الصلاة والسلام «خذوا العطاء مادام عطاء، فإذا كان رشوة على الدين فلا تأخذوه تحملكم عليه الحاجة والفقر، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا وإنه سيُولَّى عليكم أمراءُ يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم، إن اتبعتموهم أضلوكم، وإن خالفتموهم قتلوكم، قالوا : ماذا نصنع يا رسول الله؟ قال:كونوا كأصحاب عيسى، حملوا على الخشب، ونشروا بالمناشير، فوالله لموتة في سبيل الله خير من حياة في معصية»
نعم .. ضعوها نصب أعينكم ليل نهار «لموتة في سبيل الله خير من حياة في معصية»
اللهم أحينا سعداء، وأمتنا شهداء، واحشرنا مع الأنبياء، إنك أنت السميع العليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.q
2013-02-28