أبحاث إسلامية الملكية مفهومها وتوجيهها
1988/07/04م
المقالات
4,806 زيارة
إعداد: مجدي البكري ورزق سعيد
“يتبين من استقراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد أن الإسلام إنما يعالج موضوع تمكين الناس من الانتفاع بالثروة، وان هذه هي المشكلة الاقتصادية للمجتمع في نظره. وهو حين يبحث الاقتصاد إنما يبحث في حيازة الثروة، وفي تصرف الناس بها، وفي توزيعها بينهم. وعلى هذا فإن الأحكام المتعلقة بالاقتصاد مبنيّة على ثلاث قواعد هي الملكية، والتصرف في الملكية، وتوزيع الثروة بين الناس”.
وسيتطرق الكاتب في هذا البحث القيّم إلى الجانب الأول الذي تبنى عليه الأحكام المتعلقة بالاقتصاد وهي الملكية.
معنى الملكية
الملكية:
هي حيازة المال بسبب شرعي أذن به الشارع وقد حدد الشرع أسباب التملك بأحوال معينة في عدد معين ولم يطلقها وجعلها خطوطاً عريضة واضحة تندرج تحتها أجزاء متعددة هي فروع منها ومسائل من أحكامها.
والإسلام حين يحدد الملكية لا يحددها بالكمية وإنما بالكيفية ويظهر هذا التحديد بالكيفية بارزاً في الأمور الآتية:
1- بتحديده رقبة الأرض الخراجية ملكاً للدولة لا للأفراد.
2- بتحديدها من حيث أسباب التملك وتنمية الملك لا في كمية المال المملوك.
3- بتحديد كيفية التصرف.
4- بصيرورة الملكية الفردية ملكاً عاماً جبراً في أحوال معينة.
5- بإعطاء من قصرت به الوسائل عن الحصول على حاجاته ما يفي بتلك الحاجة في حدودها.
الملكية الفردية
من فطرة الإنسان أن يندفع لإشباع حاجاته، ولذلك كان من فطرته أن يحوز المال لإشباع هذه الحاجات، ومن فطرته أن يسعى لهذه الحيازة، ومن هنا كانت حيازة الإنسان للثروة فوق كونها أمراً فطرياً فيه أمر حتمي لا بد منه. ولذلك كانت كل محاولة لمنع الإنسان من حيازة الثروة مخالفة للفطرة أيضاً. وبالطبع أن لا يحال بين الإنسان وبين حيازة الثروة وبينه وبين السعي لهذه الحيازة، إلا أن هذه الحيازة لا يجوز أن تترك للإنسان ينالها كيف يشاء ويسعى لها كيف يشاء، ويتصرف بها كما يشاء، لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والاضطراب ويسبب الشر والفساد.
ولذلك كان لا بد من أن يكون تمكين الناس من حيازة الثروة من السعي لها سائراً على وجه يضمن إشباع الحاجات الأساسية لجميع الناس، ويضمن تمكينهم من إمكانية الوصول إلى إشباع الحاجات الأساسية، ومن أجل ذلك كان لا بد من تحدي هذه الحيازة بكيفية معينة تتحقق فيها البساطة بحيث تكون في متناول الناس جميعاً.
ومن هنا لا بد من الملكية المحددة بالكيف، وكان لا بد من محاربة منع الملكية لأنها تتناقض مع الفطرة، ومحاربة تحديد الملكية بالكم، لأنها تحدد سعي الإنسان لحيازة الثروة وهو يتناقض مع الفطرة ومحاربة حرية التملك، لأنها تؤدي إلى فوضى العلاقات بين الناس وتسبب الشر والفساد.
وقد جاء الإسلام فأباح الملكية الفردية وحددها بالكيف لا بالكم فوافق بذلك الفطرة ونظم العلاقات بين الناس وأتاح للإنسان إشباع جوعاته.
حق الملكية الفردية
يقرر الإسلام حق الملكية الفردية ويقول بأنه حق شرعي للفرد فله أن يتملك أموالاً منقولة وغير منقولة وهذا الحق مصون، ومحدد بالتشريع والتوجيه.
ولا شبهة في تقرير هذا الحق الواضح الصريح في الإسلام: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)، (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ).
فالملكية الفردية هي أن يكون للفرد سلطان على ما يملك للتصرف فيه على كيفية معينة محددة جعلت الملكية حقاً شرعياً للفرد وقد جعل التشريع صيانة حق الملكية الفردية واجباً على الدولة وجعل احترامها وحفظها وعدم الاعتداء عليها أمراً حتمياً، ولذلك وضعت العقوبات الزاجرة لكل من يعبث بهذا الحق سواء بالسرقة أو السلب أو أي طريق من الطرق غير المشروعة، فالمال الحال هو الذي ينطبق عليه معنى الملكية والمال الحرام ليس ملكاً ولا ينطبق عليه معنى الملكية.
وعقوبةُ السرقةِ الصارمةُ دليل على احترام هذا الحق وصيانته، ومنع الاعتداء عليه: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ).
أما الغصب فهو محرم ملعون من يجترمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان».
وكحق الملكية حق الإرث والتوريث: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)، (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ).
تعريف الملكية الفردية
الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه، وذلك كملكية الإنسان للرغيف والدار، فإنه بملكيته للرغيف يمكنه أن يأكله وأن يبيعه ويأخذ ثمنه، ويمكنه بملكيته للدار أن يسكنها وأن يبيعها ويأخذ ثمنها، فالرغيف عين والدار منفعة والحكم الشرعي المقدر فيهما هو إذن الشارع للإنسان بالانتفاع بهما استهلاكاً ومنفعة ومبادلة فبالنسبة للرغيف الحكم الشرعي مقدر بالعين وهو الإذن باستهلاكها وبالنسبة للدار الحكم الشرعي مقدر بالمنفعة وهو الإذن بسكناها، وعلى هذا تكون الملكية هي إذن الشارع بالانتفاع بالعين أو المنفعة وعلى ذلك فلا تثبت الملكية إلا بإثبات الشارع لهما وتقريره لأسبابها.
والتملك المشروع له شروط، كما أن للتصرف في الملك قيوداً بحيث لا تخرج عن مصلحة الجماعة ومصلحة الفرد باعتباره جزءاً منها وباعتباره إنساناً في مجتمع معين. ومن هذا يفهم أن هناك أسباباً مشروعة للتملك وأن هناك قيوداً معينة للتصرف بهذه الملكية وأن هناك كيفية معينة للانتفاع بما يملك ويمكن أن تفهم الحوادث التي تعتبر اعتداء على حق الملكية الفردية.
أسباب تملك المال
المال هو كل ما يتمول مهما كانت عينه، والمقصود من سبب تملكه هو السبب الذي أنشأ ملكية المال للشخص بعد أن لم يكن مملوكاً له. وأما المبادلة بجميع أنواعها فليست من أسباب تملك المال، وإنما هي من أسباب تملك الأعيان، إذ هي تملك عين معينة من المال بعين غيرها من المال. فالمال مملوك أصلاً وإنما جرى تبادل أعيانه. وكذلك لا تدخل تنمية المال كربح التجارة وأجر الدار وغلة الزرع وما شابهها من أسباب تملك المال، فهي من أسباب نماء المال، وليست من أسباب تملك المال.
والفرق بين أسباب التملك وأسباب تنمية المال أن الملك هو الحصول على المال ابتداء، أي الحصول على أصل المال. وتنمية الملك هي تكثير المال الذي ملك، فالمال موجود، وإنما نمي وكثر.
ولتملك المال أسباب شرعية حصرها الشارع في أسباب معينة ولا يجوز تعديها حسب ملكية المال وهي محصورة بما بيّنه الشارع. وتعريف الملكية السابق من أنها حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة يقضي أن يكون من الشارع حتى يحصل الملك.
إذن لا بد من أسباب يأذن الشارع بها ليحصل الملك، فإذا وجد السبب الشرعي وجد الملك للمال، وإذا لم يوجد السبب الشرعي لا يوجد ملك للمال، ولو حازه فعلاً، ونجد أنه لا بد من تحديد الكيفية التي يحصل فيها الإنسان على المال حتى لا يتحكم أفراد قلائل في الأمة عن طريق المال، ولا يحرم الكثيرون من إشباع بعض حاجاتهم، وحتى لا يسعى للمال لأجل المال، فيفقد الإنسان طعم الحياة الهنيئة ويمنع المال من أن يناله الناس ويختفي في الخزائن والمخازن، ولهذا كان لا بد من تحديد أسباب التملك.
وباستقراء الأحكام الشرعية التي تقتضي ملكية الشخص للمال يتبين أن أسباب التملك محصورة في خمسة أسباب هي:-
1- العمل.
2- الإرث.
3- إعطاء الدولة من أموالها للرعية.
4- الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل أو جهد.
5- الحاجة إلى المال لأجل الحياة.
تلك هي الأسباب التي اعترف بها الإسلام سبباً للتملك ابتداء، فأما ما عداها فهو ينكره، ولا يعترف به، فالسلب والنهب والسرقة ووضع اليد لا تسبب ملكاً، وكذلك المقامرة فهي حرام: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
تنمية الملك
تنمية المال مربوطة بالأساليب والوسائل التي تستخدم لإنتاجه. أما تنمية ملكية هذا المال فإنها تتعلق بالكيفية التي يحصل فيها الفرد على ازدياد هذه الملكية.
ولم يتعرض الإسلام لتنمية المال وتركه للإنسان ينميه بالأساليب والوسائل التي يرى أنها تؤدي إلى تنميته، وتعرض لتنمية ملكية هذا المال وبيَّن أحكامها، ومن هنا كانت تنمية الملك مقيدة بالحدود التي وضعها الشارع ولا يجوز تعديها. والشارع قد بين خطوطاً للكيفيات التي تنمى بها الملكية وترك التفصيلات للمجتهدين يستنبطون أحكامها من هذه الخطوط العريضة بحسب فهم الوقائع، ثم نص على كيفيات معينة حرمها ومنعها فبين المعاملات والعقود التي ينمى فيها الملك ومنع الفرد من تنمية الملك بطرق معينة.
ومن هنا كانت الأمور التي يشتغل فيها الإنسان للحصول على المال أو تنميته هي الزراعة والتجارة والصناعة والأحكام المتعلقة بالزراعة والتجارة والصناعة هي التي تبين الكيفية التي ينمي بها الفرد ملكية المال. ولذلك كانت تنمية الملكية مقيدة بالأحكام التي جاء الشرع بها، وقد بين الشرع أحكام الزراعة في بيان أحكام الأرض وما يتعلق بها وبين أحكام التجارة في بيان أحكام البيع والشركة وما يتعلق بها وبين أحكام الصناعة في بيان أحكام الأجير والاستصناع.
حق التصرف
لقد عرفت الملكية بأنها حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه، فيكون التصرف هو ما ترتب على هذا الحكم الشرعي أي على الإذن من تمكين المالك من الانتفاع بالشيء وأخذ العوض عنه. فالتصرف بالملكية مقيد بإذن الشارع لأن الملكية هي إذن الشارع بالانتفاع. ولما كان المال لله، والله قد استخلف العبد فيه بإذن منه، كانت حيازة الفرد للمال أشبه بوظيفة يقوم بها للانتفاع بالمال وتنميته، منها بالامتلاك. لأن الفرد حين يملك المال إنما يملكه للانتفاع به وهو مقيد فيه بحدود الشرع وليس مطلق التصرف فيه. كما أنه ليس مطلق التصرف في نفس الحين ولو ملكها ملكية عينية، بدليل أنه لو تصرف بالانتفاع بهذا المال تصرفاً غير شرعي بالسفه والتبذير كان على الدولة أن تحجر عليه وتمنعه من هذا التصرف وأن تسلبه هذه الصلاحية التي منحته إياها: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ). وعلى ذلك يكون التصرف بالعين والانتفاع بها هو المعنى المراد من ملكيتها أو هو أثر هذه الملكية وحق التصرف في العين المملوكة يشمل حق التصرف في تنمية الملك وحق التصرف الإنفاق صلة ونفقة.
الملكية العامة
الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين. والأعيان التي تحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم. ومنع من أن يحوزها الفرد وحده وهذه تتحقق في ثلاثة أنواع هي:
1- ما هو من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها.
2- المعادن التي لا تنقطع.
3- الأشياء التي من طبيعتها ومن طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها.
أما ما هو من مرافق الجماعة: فهو كل شيء يعتبر من مرافق الجماعة عموماً. وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف من حيث صفتها لا من حيث عددها فعن أبي خراش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار» رواه أنس من حديث ابن عباس وزاد فيه: «وثمنه حرام» وفي هذا دليل على أن الناس شركة في الماء والكلأ والنار وأن الفرد يمنع من ملكيتها.
ولكن ما يمكن أن تتحول هذه الشركة من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة حين الاحتياج إليها. لأن الرسول عليه السلام أباح الماء في الطائف وخيبر للأفراد أن يمتلكوه وامتلكوه بالفعل لسقي زرعهم وبساتينهم فمن قول الرسول: «المسلمون شركاء في ثلاث الماء…الخ» ومن إباحته عليه السلام للأفراد أن يمتلكوا الماء تستنبط علة الشراكة في الماء والكلأ والنار. وهي كونه من مرافق الجماعة التي لا تستغني عنها الجماعة فكل شيء يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة يعتبر ملكاً عاماً سواء أكان الماء والكلأ والنار أم لا، أي ما ذكر وما لم يذكر. وإذا فقد من كونه من مرافق الجماعة ولو كان قد ذكر في الحديث كالماء فإنه لا يكون ملكاً عاماً بل يكون من الأعيان التي تملك ملكاً فردياً.
أما المعادن فهي قسمان قسم محدود المقدار بكمية لا تعتبر كبيرة بالنسبة للفرد، وقسم غير محدود المقدار. أما القسم المحدود المقدار فإنه من الملكية الفردية ويُمْلَك ملكاً فردياً ويُعامل معاملة الركاز وفيه الخُمْس. وأما القسم غير محدود المقدار الذي لا يمكن أن ينفذ فإنه ملكية عامة ولا يجوز أن يملك فردياً لما روي عن أبيض بن حمال أنه: «استقطع رسول الله عليه السلام الملح بمأرب، فلما ولىّ قيل يا رسول الله أتدري ما أقطعته له؟ إنما أقطعت له المال العِد. قال فرجعه منه».
ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عِداً، أي لا ينقطع… الملح هنا اعتبره الرسول عليه السلام من المعادن فيكون الحديث متعلقاً بالمعادن لا بالملح خاصة.
وهذا الحكم وهو كون المعدن الذي لا ينقطع ملكاً عاماً، يشمل المعادن كلها سواء المعادن الظاهرة التي يوصل إليها من غير جهد يقدمه الناس ينتفعون بها كالملح والكحل والياقوت وما شابهها، أو كان من المعادن الباطنة التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والجهد كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص وما شاكلها، سواء أكانت جامدة كالبلور أو سائلة كالنفط، فإنها كلها معادن تدخل تحت الحديث.
أما الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها، فهي الأعيان التي تشمل على المنافع العامة.
وهي وإن كانت تدخل في القسم الأول من مرافق الجماعة ولكنها تختلف من حيث أن طبيعتها أنه لا يتأتى فيها أن يملكها الفرد فعين الماء يمكن أن يملكها الفرد ولكن يمنع من ملكيتها إذا كانت الجماعة لا تستغني عنها بخلاف الطريق لا يمكن أن يملكها الفرد. وبهذا فإن هذا القسم ون كان دليله انطباق العلة الشرعية عليه وهي كونه من مرافق الجماعة فإن حقيقة واقعه تدل على أنه ملكية عامة، وهذا يشمل الطرق والأنهار والبحار والبحيرات والأقنية العامة والخلجان والمضايق ونحوها، كما يشمل المساجد ومدارس الدولة ومستشفياتها والملاعب والملاجئ ونحوها.
ملكية الدولة
هناك أموال لا تدخل في الملكية العامة بل هي داخلة في الملكية الفردية لأنها أعيان تقبل الملك الفردي كالأرض والأشياء المنقولة، ولكنه قد تعلق فيها حق لعامة المسلمين فصارت بذلك ليست من الملكية الفردية وهي لا تدخل في الملكية العامة، فتكون حينئذ ملكاً للدولة. لأن ما كان الحق فيه لعامة المسلمين فالتدبير فيه للخليفة يخص بعضهم بشيء من ذلك حسب ما يرى. وعلى ذلك فكل مال مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده يعتبر ملكاً للدولة. وقد جعل الشارع أموالاً معينة ملكاً للدولة، للخليفة أن يصرفها حسب رأيه واجتهاده مثل الفيء والخراج والجزية وما شابهها لأن الشرع لم يعين الجهة التي تصرف فيها. أما إذا عين الشرع الجهة التي تصرف فيها ولم يتركه لرأيه واجتهاده لا تكون ملكاً للدولة وإنما تكون ملكاً للجهة التي عينها الشرع، ولذلك لا تعتبر الزكاة ملكاً للدولة بل هي ملك للأصناف الثمانية الذي عينهم الشرع، وبيت المال إنما هو محل إحرازها من أجل صرفها على جهاتها، وأنه وإن كانت الدولة هي التي تقوم بتدبير الملكية العامة وملكية الدولة إلا أن هناك فرقاً بينهما، وهو أن ما كان داخلاً في الملكية العامة فلا يجوز للدولة أن تعطي أصله لأحد وإن كان لها أن تبيح للناس أن يأخذوا منه بناء عن تدبير يمكنهم جميعاً من الانتفاع به، بخلاف ملكية الدولة فإن للدولة أن تعطيها كلها لأفراد معينين ولا تعطي الآخرين.
المصانع
المصنع من حيث هو، من الأملاك الفرية. فهو من الأعيان التي تقبل الملك الفردي. وقد ثبت أن الأفراد كانوا يملكون مصانع في أيام الرسول كصناعة الأحذية وصناعة الثياب وصناعة السيوف وغيرها، وقد أقرهم الرسول عليها واستصنع عندهم المنبر، مما يدل على جواز ملكية الأفراد للمصانع. والمصنع قد يأخذ حكم المادة التي يصنعها من حيث كون مواد المصنع حلالاً استعمالها أو حراماً. فمثلاً مصنع الخمر يحرم على المسلم اقتناؤه لأن الله لعن عاصرها ومعتصرها فالنهي عن عصر الخمر ليس نهياً عن العصر وإنما هو نهي عن عصر الخمر فجاءت حرمة مصنع الخمر من حرمة المواد التي يصنعها. وعلى ذلك ينظر في المصانع، فكل مصنع تكون مادة صنعه مما هو داخل في الملكية العامة يعتبر ملكاً عاماً ولا يجوز للأفراد أن يمتلكوه فمصانع استخراج البترول واستخراج الحديد والذهب وما شاكلها من المعادن على شرط أن يكون المنجم من العد الذي لا ينقطع، هي ملك عام وكل مصنع مادة صنعه مما هو داخل في الملكية الفردية يجوز للأفراد أن يمتلكوه لأنه من نوع الملكية الفردية. كمصانع الحلويات ومصانع النسيج ومصانع النجارة وما شاكل ذلك، تكون مواده داخله في الملكية الفردية فإنه يجوز للأفراد أن يمتلكوها لأن المادة التي تصنعها ليست من المواد الداخلة في الملكية العامةq
مصادر البحث:
-
النظام الاقتصادي في الإسلام ـ تقي الدين النبهاني.
-
السياسة الاقتصادية المثلى ـ عبد الرحمن المالكي.
1988-07-04