»يتبين من استقراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد أن الإسلام إنما يعالج موضوع تمكين الناس من الانتفاع بالثروة، وأن هذه هي المشكلة الاقتصادية للمجتمع في نظره. وهو حين يبحث الاقتصاد إنما يبحث في حيازة الثروة، وفي تصرف الناس بها، وفي توزيعها بينهم وعلى هذا فإن الأحكام المتعلقة بالاقتصاد مبنيّة على ثلاث قواعد هي الملكية، والتصرف في الملكية، وتوزيع الثروة بين الناس».
وسيتطرق المؤلف في هذا البحث القيّم إلى الجانب الأول الذي تبنى عليه الأحكام المتعلقة بالاقتصاد وهي الملكية.
إن الأفكار في أية أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها الأمة في حياتها إن كانت أمة ناشئة، وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة في الفكر المنير والمراد بالأفكار هو وجود عملية التفكير عند الأمة في وقائع حياتها بأن يستعمل أفرادها في جملتهم ما لديهم من معلومات عند الإحساس بالوقائع للحكم على هذه الوقائع. أي أن تكون لديهم أفكار يبدعون باستعمالها في الحياة. فينتج عندهم من تكرار استعمالها بنجاح، طريقة تفكير صحيحة.
الأمة الإسلامية اليوم تعتبر فاقدة للتفكير والأفكار فهي طبيعياً فاقدة لطريقة التفكير المنتجة. فالجيل الحاضر لم يتسلم من سلفه أية أفكار إسلامية ولا غير إسلامية، وبالطبع لم يتسلم طريقة تفكير منتجة. ولم يكسب هو أفكاراً، ولا طريقة تفكير منتجة.
ومن هنا كان لزاماً على حامل الدعوة للإسلام أن يتعرض للأساس التي تقوم عليها الأحكام والمعالجات الرأسمالية، فيبين زيفها ويقوضها، وأن يعمد إلى وقائع الحياة المتجددة المتعددة، فيبين علاج الإسلام لها باعتباره أحكاماً شرعية تكتسب وجوب الأخذ بها من حيث كونها أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة.
وأن من أعظم ما فتن فيه المسلمون، وأشد ما يعانونه من بلاء في واقع حياتهم، الأفكار المتعلقة بالحكم، والأفكار المتعلقة بالاقتصاد. فهي من أكثر الأفكار التي وجدت قبول وترحيب لدى المسلمين، ومن أكثر الأفكار التي يحاول العرب تطبيقها عملياً، ويسهر على تطبيقها في دأب متواصل.
وإذا كانت الأمة الإسلامية تحكم على صورة النظام الديمقراطي شكلياً عن تعمد من الكافر المستعمر ليتمكن من حماية استعماره ونظامه، فإنها تحكم بالنظام الاقتصادي الرأسمالي عملياً في جميع نواحي الحياة الاقتصادية.
ولذلك كانت أفكار الإسلام عن الاقتصاد من أكثر الأفكار التي توجد التأثير على واقع الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي، من حيث أنها ستقلبها رأساً على عقب وسيكون من أكثر الأفكار محاربة من قبل الكافر المستعمر، ومن قبل عملائه والمقترنين بالعرب من العاميين والمضبوعين والحكام.
فمن أجل هذا كله لا بد من إعطاء صوره واضحة عن الملكية في النظام الاقتصادي الرأسمالي وكذلك الشيوعي حتى يلمس عشاق هذين النظامين الاقتصاديين فسادهما وتناقضهما مع الإسلام ثم يروا أفكار الإسلام الاقتصادية وهي تعالج مشاكل الحياة الاقتصادية المعالجة والاقتصادية الصحيحة وتجعلها طرازاً خاصاً من العيش يتناقض مع الحياة الرأسمالية الاشتراكية في الأسس والتفاصيل.
والحقيقة أن أنظمة الملكيات هي أبرز ما في النظام الاقتصادي، فهي العمود الفقري فيه، فإذا صلح نظام الملكيات صلح النظام الاقتصادي وإذا فسد نظام الملكيات فسد النظام الاقتصادي نفسه.
فالملكيات منذ فجر التاريخ وهي تأخذ دوراً أساسياً في حياة الناس الاقتصادية والسياسية، فالأنظمة العبودية والإقطاعية القديمة تعتمد على نظام الملكيات في تصريف شؤون الناس الاقتصادية، وكذلك الأنظمة الإسلامية وما قبلها وما بعدها، كلها كانت ترتكز على الملكيات، وتعطيها أهمية كبيرة في واقع الناس الاقتصادي. ويجب أن يعلم بأن هناك فرقاً بين النظام الاقتصادي وعلم الاقتصاد، فعلم الاقتصاد يبحث في كيفية تنمية وتطوير الثروة وتكثيرها، بينما النظام الاقتصادي يبحث في كيفية توزيع الثروة وكيفية إنفاقها والملكيات تدخل في النظام الاقتصادي لا في علم الاقتصاد.
وعلى الاقتصاد عالمي يؤخذ من أي مصدر، فهو من المدنية، بينما النظام الاقتصادي فكر خاص لا يؤخذ إلا من المبدأ الذي نؤمن به لأنه من الحضارة والحضارة تعني مجموعة المفاهيم عن الحياة من وجهة نظر معينة. والمدنية تعني الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة والتي تنتجها حضارة من الحضارات.
واقع الملكية
الملكية هي الحيازة والانتفاع بالعين، وأصل الملكية في النفس هو وجود طاقة حيوية في الإنسان تتمثل في الغرائز والحاجات العضوية، ومن هذه الغرائز غريزة حب البقاء وهذه الغريزة في الإنسان تتعلق ببقاء نوع الإنسان، ولهذا فالملكية مظهر لغريزة حب البقاء، كما أن الخوف مظهر والأثرة مظهر والإيثار مظهر… وهكذا. وبما أن الغرائز ومظاهرها شيء فطري في الإنسان لا يمكن أن ينتزع، فكان لا بد من تنظيم وإشباع هذه الغرائز ومظاهرها. وكان مجرد كبت الغريزة جريمة في حق الإنسان، ومن هنا كانت الدعوة إلى إلغاء الملكيات دعوة ضد الفطرة وضد طبيعة الإنسان، فحتى الشيوعية التي دعت إلى إلغاء الملكية الفردية لتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع عادت وأقرت شيئاً منها بعد حين كامتلاك البيت الذي يسكنه أو سيارة لاستعماله الخاص فقط لأنها شعرت بعجزها عن تطبيق هذا الإلغاء بحذافيره. إذ أن الملكية شيء غريزي وفطري في الإنسان لا يمكن قلعها، فكما أنك لا تستطيع قلع يد الإنسان من جسمه دون إيذائه نفسياً وجسمياً، فكذلك لا تستطيع قلع الملكية من الإنسان لأنها طاقة حيوية فيه، فهي جزء من ماهيته، هذا من جهة واقع ما عليه الملكية.
أما الإسلام فإنه لم يكبت الملكية ولم يلغها كما أنه لم يطلقها بشكل فوضوي، بل نظمها ونسقها بشكل معتدل.
مفهوم الرأسمالية للملكية
قبل الخوض في الحديث عن الملكية في النظام الاقتصادي الرأسمالي لا بد من معرفة أن الرأسمالية في مبدئها عن الملكية لا تنظر لحق الله، لأنها تقوم على فصل الدين عن الحياة، ولا تعبء باكتساب المال عن أي طريق، وإنفاقه كذلك، وحق الجماعة عندها مهضوم أيضاً، لأن تفكيرهم منصب على الفرد وتلبية رغباته في حب المال والتملك.
من أغرب ما ينص عليه النظام الاقتصادي الرأسمالي جعله الثمن المنظم الوحيد لتوزيع الثروة على أفراد المجتمع، ويقولون أن الثمن الذي يجعل استهلاك كل فرد قاصراً على ما تسمح به موارده فيكون الثمن بذلك منظماً لتوزيع الثروة على المستهلكين، ويكون نصيب كل فرد ثروة البلاد ليس بمقدار حاجاته الأساسية، وإنما هو مقابل لقيمة الخدمات التي ساهم بها في إنتاج السلع والخدمات أي بمقدار ما يحوز من أرض أو رأسمال أو بمقدار ما قام به من عمل أو تنظيم لمشروعات وبهذه القاعدة وهي جعل الثمن هو المنظم لمشروعات وبهذه القاعدة وهي جعل الثمن هو المنظم للتوزيع يكون الرأسماليين قد قرروا أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادراً على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات. أما من كان عاجزاً عن ذلك لأنه خلق ضعيفاً، أو لأن هناك ضعفاً طرأ عليه فلا يستحق الحياة لأنه لا يستحق أن ينال من ثروة البلاد ما يسد حاجته. وكذلك يستحق التخمة والسيادة والسيطرة على الغير بماله كل من كان قادراً على ذلك، لأنه خلق قوياً في جسمه أو في عقله، وكان أقدر من غيره على الحيازة بأي طريقة من الطرق وكذلك يزيد في حيازة الثورة على غيره كل من كانت ميوله للمادة قوية، ويقل عن غيره كل من كانت ميوله الروحية وتعلقه بالصفات المعنوية أقوى لتقييده في كسب المادة بما تفرضه عليه القيود الروحية أو المعنوية التي التزم بأفكارها وهذا يبعد العنصر الروحي والخلفي عن الحياة ويجعلها مادية أساسها النضال المادي لكسب وسائل إشباع الحاجات المادية.
وهذا ما هو واقع فعلاً في البلاد التي تعتنق النظام الرأسمالي والبلاد التي تطبقه، وقد ظهرت في البلاد التي تعتنق الرأسمالية في النظام الاقتصادي ومنها الملكية، سيطرت الاحتكارات الرأسمالية واستبد المنتجون بالمستهلكون وغدا فريق قليل من الناس كأصحاب الشركات الكبرى كشركات البترول والسيارات والمصانع الثقيلة وغيرها يسيطر على جمهرة المستهلكين ويتحكم فيهم ويفرض عليهم أثمان معينة للسلع.
وبهذا نكون قد بينا أن سوء التوزيع الذي قام على أساس حرية الملكية وعلى أساس جعل الثمن جهاز التوزيع الوحيد للثروة، يبقى مسيطراً على كل مجتمع يطبق النظام الاقتصادي الرأسمالي وبالتالي مبدأ حرية الملكية. أما ما يشاهد في أميركا من أن الثورة قد نال منها كل فرد أميركي ما يشبع حاجاته الأخرى، فإن ذلك ناتج عن وفرة غنى تلك البلاد إلى حد يتيح لكل فرد أن يتمتع بإشباع حاجاته الأساسية كلها وبعض حاجاته الأساسية كلها وبعض حاجاته الكمالية، وليس راجعاً لجعل نصيب الفرد معادلاً لقيمة الخدمات التي ساهم بها في الإنتاج ومع ذلك فإن جعل جهاز الثمن هو الذي يقيد التوزيع قد جعل الاحتكارات الرأسمالية في الغرب تخرج إلى خارج بلادها تبحث عن أسواق حتى تحصل منها على المواد الخام وعلى الأسواق لبيع مصنوعاتها وما يعانيه العالم من استعمار ومناطق نفوذ وغزو اقتصادي أن هو إلا نتيجة هذه الشركات الاحتكارية أو نتيجة جعل الثمن هو الذي يوزع الثروة فتجمع ثروات العالم على هذا الأساس لتوضع في أيدي الاحتكارات الرأسمالية وذلك كله من جراء سوء القواعد التي نص عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي في مبدئه عن الملكية.
مفهوم الشيوعية للملكية
حين نلقي نظرة على مفهوم الشيوعية للملكية لا بد أن نستخلص أن الشيوعية لا تنظر لله مطلقاً لأنه اصطلاح معدوم عندهم على قاعدة (لا إله والحياة مادة) وحق الفرد لا وجود له إلا في حدود حاجاته الضيقة. ولذلك فهي تنادي بإلغاء الملكية الخاصة إلغاءاً كلياً أو إلغاء الملكية الخاصة إلغاءاً جزئياً.
تختلف المذاهب الاشتراكية من حيث مقدار ما تقول بإلغائه من الملكية. ففئة تقول بإلغاء الملكية الخاصة على الإطلاق وهذه هي الشيوعية. وفئة تقول بإلغاء الملكية الخاصة بالنسبة لثروات الإنتاج وهي التي يطلق عليها اسم رأس المال. مثل الأرض والمصانع والخطوط الحديدية والمناجم ونحوها، أي تمنع ملكية كل سلعة تنتج شيئاً فلا يملك بيتاً يؤجره، ولا مصنعاً ولا أرضاً ولا ما شابه ذلك. ولكنهم يحتفظون بالملكية للأفراد بالنسبة لثروات الاستهلاك فيصح أن يملكوا كل ما يستهلكونه، فيملكون بيتاً للسكن فقط، ويملكون ما تنتجه الأرض والمصانع. وهذه هي اشتراكية رأس المال. وفئة لا تقول بإلغاء الملكية الخاصة إلا بالنسبة للأرض الزراعية دون غيرها، وهؤلاء هم الاشتراكيون الزراعيون. وفئة تقول: تدرس كل حالة يدعو الصالح العام فيها إلى استبدال الملكية الخاصة بالملكية العامة وبتغيير أصحاب الملكية الخاصة في كثير م المواطن بأن يضع المشرع حداً أقصى للفائدة والإفادة، وحداً أدنى للأجور وأن يمنح العمال نصيباً في رأس المال ونحو ذلك، وهذه يقال لها اشتراكية الدولة.
وأما إلغاء الملكية الخاصة إلغاءاً كلياً فهو يناقض فطرة الإنسان لأن الملكية أو الحيازة مظهر من مظاهر غريزة البقاء وهي حتمية الوجود في الإنسان. لأنها فطرية فيه، فهي جزء من تكوينه ومظهر من مظاهر طاقته الطبيعية فلا يمكن إلغاؤها، لأنها غريزية. وكل ما هو غريزي لا يمكن قلعه من الإنسان ما دامت تنبض فيه الحياة وأي محاولة لإلغائها إنما هي كبت للإنسان يؤدي إلى القلق ولذلك كان الأمر الطبيعي أن يجري تنظيم هذه الغريزة لا إلغاؤها. أما إلغاء الملكية جزئياً فإنه ينظر فيه: فإن كان يحدد مقدار ما يملك من السلع بمقدار معين لا يتعداه، فإنه يكون تحديداً للملكية وهذا لا يجوز لأنه يحد من نشاط الإنسان ويعطل جهوده ويقلل إنتاجه فيحرم من مواصلة النشاط وتحرم الجماعة من الانتفاع بجهود هؤلاء الأفراد لأنه (الإنسان) منع من حيازة ما يزيد عن مقادر ما حاز.
وإن كان يحدد مقدار ما يملك من السلع والخدمات بكيفية معينة من غير تحديد بالكم، فذلك جائز لأنه لا يحد من نشاط الإنسان، لأن ذلك تنظيم لحيازة المال بين الأفراد وهو يساعد على بذل المجهودات وزيادة النشاط وهذا ما ينادي به نظام الملكية في الإسلام.
أما إن كان إلغاء الملكية إلغاءاً جزئياً يحدد أموالاً معينة يمنع الفرد من ملكيتها ويباح له أن يملك ما عداها من غير تحديد بمقدار معين، فإنه ينظر فيه: فإن كان المال ملحقاً بما هو من طبيعته أن لا يتأتى ملكه للأفراد إلا بحرمان مجموعة الناس من مثل الماء والمعادن التي لا تنقطع فإنه لا شيء في منع الفرد من ملكيتها لأنها ملحقة بما من طبيعته أن لا يملكه الفرد إلا بحرمان المجموعة.
أما إن لم يكن المال ملحقاً بذلك كسائر الأموال فإنه لا يجوز أن يمنع الأفراد من ملكيتها لأنه يكون حينئذ تحديداً لملكية الأموال بالسماح بملكية بعضها دون البعض الآخر. فهو كتحديد ملكية المال بمقدار معين ويصدق عليه ما يصدق على تحديد الملكية بالكم وتحصل له نفس النتائج، فإنه يحد من نشاط الإنسان ويعطل جهوده ويقلل إنتاجه ويوقفه عن العمل حين يصل إلى المقدار الذي أبيح له أن يحوزه وحين يمنع مما يزيد عليه.
وإلغاء الملكية إلغاءاً جزئياً في الاشتراكية هو تحديد بالكم وليس تحديداً بالكيف، وهو منع من ملكية بعض الأموال التي من طبيعتها ومن طبيعة أصلها الانفراد في حيازتها، لأنها إما أن تحدد بالكم كتحديد ملكية الأراضي في مساحات معينة، وإما أن تحدد بالملكية بأموال معينة تمنع الأفراد من ملكيتها كتحديد وسائل الإنتاج. مع أن هذه الأموال من طبيعتها أن يستقل بها الأفراد. وتحديدات الملكية في الاشتراكية هي من هذا النوع. فهي منع لملكية أموال من طبيعتها أن تملك فردياً ومنع الملكية من هذه الأموال تحديد للنشاط، سواء أعينت هذه الأموال كمنع حق الميراث أو منع ملكية المناجم والسكك الحديدية والمصانع وما شاكل ذلك.
وكما لا حظنا فإن المبدأين ـ المبدأ الرأسمالي والمبدأ الشيوعي ـ على خطأ وتناقض وعدم توازن بين حق الفرد وحق الجماعة فالشيوعية تقدس الجماعة وتدوس الفرد. والرأسمالية عكس ذلك تماماً. أما الإسلام فإنه يقيم التوازن بين الحقين ويضع من القواعد ما يجعل المال يخدم صاحبه والجماعة معاً كما سنرى.
مفهوم الإسلام للملكية
يتبين من استقراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد أن الإسلام يعالج موضوع تمكين الناس من الانتفاع بالثروة، ويبحث أيضاً في حيازة الثروة وفي تصرف الناس بها وفي توزيعها بينهم، أي أن الأحكام المتعلقة بالاقتصاد مبنية على ثلاث قواعد هي الملكية والتصرف في الملكية وتوزيع الثروة بين الناس.
أما الملكية من حيث ملكية فهي لله باعتباره مالك الملك من جهة، وباعتباره قد نص على أن المال له. قال تعالى: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)، فالمال لله وحده إلا أن الله سبحانه وتعالى استخلف بني الإنسان على المال، فجعل لهم حق ملكيته، قال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ).
ومن هنا نجد أن الله يبين أصل ملكية المال، فيضيف المال له فيقول: (مَالِ اللَّهِ) وحين يبين انتقال الملكية للناس يضيف الملكية لهم فيقول: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ[ ]فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ)، (وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا)، (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ) غير أن حق الملكية هذا الذي جاء بالاستخلاف جاء عاماً لبني الإنسان لجميع أفرادهم فلهم حق الملكية لا الملكية الفعلية. فهم مستخلفون في حق التملك أما الملكية الفعلية للفرد المعين قد شرط الإسلام فيها الإذن من الله للفرد بتملكها، فاستخلاف الفرد المعين في الملكية الفعلية جاء بالإذن الخاص الذي جاء من الشارع للفرد في أن يتملكه.
وقد بين الشرع أن هناك ثلاث أنواع من الملكية.
1- الملكية الفردية: فلكل فرد أن يمتلك المال بسبب من أسباب التملك المشروعة قال عليه الصلاة والسلام: «من أحاط حائطاً على شيء فهو له».
2- الملكية العامة: وهي للأمة كلها قال عليه الصلاة والسلام: «الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ والنار» بوصفها أن وارد ومرافق عامة ضرورية لحياة الجماعة فالانتفاع بها لجماعة كلها.
3- ملكية الدولة: فإن كل من مات من المسلمين ولا وارث له فماله لبيت المال، وما يجبى من خراج وجزية وغير ذلك إنما هو لبيت المال وكل ما هو لبيت المال ملك للدولة ما عدا الزكاة. وللدولة أن تضع المال الذي هو ملكها حيث تشاء بحسب الأحكام الشرعية. وقد بين الشرع الأسباب التي يملك بها الفرد والحالات التي تملك بها الأمة، والأسباب التي تملك بها الدولة ومنع ما عدا ذلك.
وأما التصرف في الملكية فإنه بالنسبة للملكية العامة جعل للدولة لأنها نائبة عن الأمة ولكن الشارع منعها (أي الدولة) من التصرف بالملكية العامة بالمبادلة أو الصلة، وأجاز لها التصرف بها في غير ذلك بحسب الأحكام التي يبينها الشرع.
أما بالنسبة للملكية الفردية وملكية الدولة فالتصنيف واضح في أحكام بيت المال وأحكام المعاملات من بيع أو شراء غير ذلك. وأما توزيع الثروة بين الناس فإنه يجري من أسباب التملك وفي العقود طبيعياً غير أن تفاوت الناس يجعل احتمال الإساءة في هذا التوزيع موجوداً، فيترتب على هذه الإساءة تجمع المال بين فئة وانحساره عن فئة أخرى كما يترتب عليها كنز أداة التبادل الثابتة وهي الذهب والفضة. ولذلك جاء الشارع بمنع تداول الثروة بين الأغنياء فقط ويوجب تداولها بين جميع الناس، وجاء يمنع كنز الذهب والفضة ولو أخرجت زكاة منها (كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ).
قاعدة شرعية
الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي