مع القرآن الكريم
( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)).
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه عطاء بن خليل أبو الرشته أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
في سـيـاق بيـان الله سـبحـانه لعـدد من الأحكام، فإن الله يبـين في هذه الآيات ما يلي:
-
ينهى الله سبحانه عن أن يقسم أحد يمينًا على عدم فعل خير ما، وأن يتخذ التمسك باليمين وعدم الحنث به حجة له في عدم فعل ذلك الخير ظناً منه وجوب البر بالقسم في هذه الحالة وإلا عصى الله.
وهكذا يبين الله – سبحانه وتعالى – أن حلف اليمين لا يصحّ أن يمنعه من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، بل عليه أن يفعل الخير ويكفر عن يمينه كما جاء في الحديث: “من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه ويفعل الذي هو خير“[1].
وروى الكلبي أنها نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف على ختنه بشير بن النعـمـان أن لا يدخل عليه أبدًا، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين امرأته بعد أن كان طلـقـهـا وأراد الرجـوع إليها والصـلح معها. وفي سبب النزول ما يدل على أنه لا ينبغي للمؤمن أن يمنعه يمينه عن فعل الخير الذي حلف أن لا يفعله.
وفي خاتمة الآية الكريمة يبين الله سبحانه أنه سميع لأيمانهم عليم بأحوالهم ومقاصدهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة، وهو سبحانه يعلم سرهم وجهرهم ( اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).
) عُرْضَةً ) على وزن فُعلة مثل (غرفة) من عرض الشيء يعرض أو يعرُض من باب نصر وضرب بمعنى جعله معترضاً أي حاجزاً.
(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ) أي لا تجعلوا الله تعالى حاجزًا، لأجل حلفكم به، عن البر والتقوى والصلاح، بمعنى عدم جعل الحلف بالله مانعًا لأن تفعلوا البر والتقوى والإصلاح بين الناس الذي حلفتم ألا تفعلوه.
فاللام في الآية (لِّأَيْمَانِكُمْ) للتعليل، أي لأجل أيمانكم و( أَن تَبَرُّوا ) في تقدير (لأن تبروا).
-
في الآية الثانية يبين الله فضله على هذه الأمة، فلقد تجاوز لنا عن اللغو في الأيمان أي التي تجري على اللسان دون قصد اليمين كما روي عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “أنزلت هذه الآية (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) من قول الرجل: لا والله، وبلى والله”[2] وقد روي عن أبي قلابة: لا والله، وبلى والله، لغة من لغات العرب لا يراد بها اليمين، وهي من صلة الكلام، ولقد عفا الله سبحانه عن مثل هذا اللغو في اليمين، ولم يؤاخذنا إلا بما كسبت قلوبنا، أي بما قصدته من أيمان؛ حيث يوافق فيها لفظ اليمين ما استقر في القلوب.