حركات السلام اليهودية؛ وجهٌ آخر للصهيونية (8)
حمد طبيب-بيت المقدس
لقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن حركات السلام اليهودية بشكل عام، وعن حركة السلام الآن بشكل خاص. وفي هذه الحلقة نكمل الحديث عن هذه الحركة المضلِّلة؛ عن أفكارها ونشاطاتها وأهدافها…
ويمكن إجمال أفكار ومبادئ (حركة السلام الآن) المعلنة وغير المعلنة، ضمن النقاط التالية:
1- تعارض حركة السلام وبشدة الدعوات من أجل المقاطعة لـ (إسرائيل)، وتعتبر أن المقاطعة هي عكس ما تصبو إليه من مشاركة وتعاون.
2- تشترط حركة السلام الآن، قبل أي مفاوضات، أن ينبذ الطرف الآخر العنف، ويعترف بحق (إسرائيل) بالوجود. بمعنى آخر، تدعو إلى مصادرة 90 % من أرض فلسطين لصالح يهود.
3- تطالب الحركة بضمانات أمنية للكيان اليهودي على أي دولة فلسطينية بأن نقدمها لهذا الكيان، ومن ضمنها تسهيلات للجيش الصهيوني، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية المزمعة.
4- بالنسبة لحق العودة فهو بالنسبة (لحركة السلام الآن) محصور بالعودة إلى داخل الدولة الفلسطينية؛ أي إنها ترفض عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتكتفى بطرح التعويض، ويتنازل كل الأطراف بعد التعويض عن المطالبة بالعودة؛ أي بحقه الشرعي الذي فرضه الله تعالى؛ والتنازل عن هذا الحق حتى ضمن المواثيق الدولية، أي إنها تتجاوز القانون الدولي في هذه الناحية ضمن قرارات هيئة الأمم المتحدة، مع أنها تدعي –كذبًا – أنها تريد إقامة دولة فلسطينية ضمن المواثيق الدولية.
6- إن هذه الحركة (حركة السلام الآن) تنظر ابتداء إلى التشكيلة الهيكلية لنظامها الداخلي (نظرة عنصرية بحتة)؛ فهي ترفض وجود غير اليهودي بين أعضائها، خلافًا لبعض الأحزاب اليسارية في الكيان اليهودي؛ فلا تقبل في عضويتها غير اليهودي؛ فهي أكثر عنصرية تجاه العرب من باقي الحركات.
7- بالنسبة لنظرتها لمدينة القدس؛ فإنها تنظر إلى تقسيم القدس إلى قسمين حسب النظرة اليهودية أولا، وتغطي هذا الأمر بالقانون الدولي بشأن القدس.
-
النشاطات التي تقوم بها هذه الحركة (الخطيرة)؛ لتحقيق أهدافها، والتي من أجلها أنشئت:
الحقيقة، إن هذه الحركة لها نشاطات كثيرة؛ داخل الوسط اليهودي، وداخل الوسط العربي (كما يسمونه) داخل الأراضي المغتصبة سنة 48، والأراضي سنة 67. أما داخل الوسط العربي سنة 48؛ فإن هذه الحركة لا تركز كثيرًا في أعمالها؛ لأن الهدف الذي تسعى له مجال عمله هو داخل الوسط اليهودي والوسط العربي (المغتصب سنة 67).
أما بالنسبة للنشاطات العملية التي تقوم بها هذه الحركة، خاصة داخل أوساط المسلمين من أهل فلسطين، لتحقيق هذه الغاية الخبيثة والأهداف الإجرامية فيمكن أن نجملها كذلك بما يلي:
1- النشاطات الاجتماعية والإنسانية: وهذه النشاطات تُظهر هذه الحركة بأنها حركة إنسانية، تريد إقامة علاقات الود والوئام بين الشعبين، ووصل وإقامة جسور للتواصل، حتى يكون ذلك مقدمات من أجل دعم فكرة السلام التي تدعو لها الحركة؛ لذلك تقوم هذه الحركة تحت مسميات شتى بمساعدات طبية، وتحويلات طبية إلى الخارج؛ لمساعدة بعض المرضى، وتوزع الأدوية والمساعدات الطبية على جمعيات معينة داخل فلسطين، وتقوم كذلك بعقد أيام طبية في مناطق الأرياف خاصة…
2- نشاطات ضد الجدار (ما يسمونه جدار الفصل العنصري )؛ حيث تقوم هذه الحركة بمشاركة منظمات أخرى أجنبية ومحلية بالتظاهر ضد النشاطات الاستيطانية أو توسعة المستوطنات، ولا تتعدى هذه الناحية. وغالبًا ما تكون هذه الأعمال موجهة من قبل المخابرات اليهودية؛ لامتصاص نقمة الشعب الفلسطيني ضمن أعمال مسيطر عليها، وضمن نطاق فكري، أو احتجاجات لا تسمن ولا تغني من جوع…
3- لقاءات وندوات لخدمة فكرة السلام بين الشعبين ( العربي واليهودي). وهذه الناحية لها بعدان، الأول: ترسيخ فكرة التطبيع مع الكيان المغتصب. والثانية: إرساء فكرة التنازل عن الحق ضمن الأطروحات اليهودية، أو الدولية (الإمبريالية) في مسالة حل الدولتين… وقد قامت هذه الحركة بالفعل بتنظيم عدة لقاءات بين مثقفين عرب ويهود، في عدة مناطق تحت عنوان (التطبيع والتعايش السلمي)، وقد لاقت هذه اللقاءات رفضًا واستنكارًا عريضًا من قبل شرائح الشعب الفلسطيني؛ داخل الأراضي المغتصبة سنة 67، ومنها مدينة القدس، ومن ذلك ما جرى من حركة احتجاج واسعة من قبل المثقفين من أهل فلسطين ضد لقاءات يهودية عربية في مدينة القدس بتاريخ 8-1-2012م.
-
جاء ذلك في بيان لـ (هيئة العمل الأهلي الوطني وكافة أطر ومؤسسات ولجان وفعاليات مدينة القدس)، وجاء في هذا البيان: “إننا في هيئة العمل الأهلي الوطني في القدس، وكافة أطر ومؤسسات ولجان وفعاليات المدينة، وفي ظل ما نشهده من حالة “تسونامي” تطبيعي في المدينة، وفي وقت يشتد فيه الهجوم على قدسنا من قبل الاحتلال على كافة الصعد والمستويات، هجوم يطال كل مناحي حياة ووجود المقدسيين في المدينة… وأكدت المؤسسات والأطر على موقفها الثابت في رفض كل أشكال التطبيع وصيغه وأشكاله ومسمياته؛ التي تجري مع الاحتلال الصهيوني، ومؤسساته الرسمية، ورموزه”.
-
يقول الدكتور (محمد علي الفرا) في كتاب (السلام الخادع): “لا شك في أن أخطر طروحات حركات السلام؛ ومنها حركة السلام الآن، والمؤرخين الجدد اليهود… دعوتهم لنا بإعادة كتابة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ومحو ما لا يرضى عنه اليهود… فبدلًا من قولنا غزو واغتصاب اليهود لبلادنا… نقول: عودة بني إسرائيل إلى وطنهم، أو ما يسمونه بأرض الميعاد”.
4- ومن ضمن أخطر الأعمال الخفية التي تقوم بها هذه الحركة، وبتوجيه من المخابرات اليهودية (الرحلات الخارجية للشبان من أهل فلسطين)؛ وغالبًا ما تنتهي هذه الرحلات بالتنازل عن الوثيقة الفلسطينية ( الهوية) مقابل عروضات مغرية في الدول الإسكندينافية أو كندا. وقد وقع كثير من الشباب في هذه الحبال، وتنازل عن أرضه وعن حقه داخل فلسطين. وهذه تعتبر أخطر من عملية بيع الأرض لليهود؛ لأنها تشمل أمرين، الأول: التنازل عن الهوية، وبالتالي عن حق السكنى داخل فلسطين. والثاني: التنازل عن الأرض والعقار الذي يملكه هذا الشخص.
5- تنظيم شباب عن طريق العروضات والإغراءات في الخارج؛ كالتعليم أو توفير فرص للعمل؛ وذلك كمقدمة لإيقاعهم في حبال المخابرات اليهودية، أو الأميركية في الخارج…
-
وقد حدثت حوادث عدة من هذا النوع، منها على سبيل المثال ما جرى مع الشاب (ع) من مدينة دير الغصون، ونشرته جريدة الحياة الجديدة عدد 60862، والقصة بتفصيلاتها موجودة في هذا العدد لمن أراد الاستزادة؛ حيث عرضت الجريدة صفحة كاملة؛ تبين معاناة هذا الشاب، وكيف عملت (السي أي إي) بمشاركة منظمات الدفاع عن الجدار، وضد الاستيطان على هذا الأمر، وكيف كان قد رفض هذا الشاب كل العروضات والتهديدات والسجون… وقد قام هذا الشاب – بعد عودته من رحلة المعاناة هذه – بفضح هذه الحركات وأعمالها المشبوهة، والموجهة من قبل المخابرات اليهودية… وهناك أعمال خبيثة أخرى لهذه الحركات تصب في خدمة الشاباك والموساد؛ وتغطيها بشعارات كاذبة مضللة، ولا نستطيع أن نفصل فيها لأنها بحاجة إلى بحث منفصل… رابط الموضوع في جريدة الحياة :
-
http://www.alhaya.ps/arch_page.php?nid=60862
-
والحقيقة أن كل الأعمال التي تقوم بها هذه الحركة تصب في دائرة واحدة، سواء أكان ذلك بين الأوساط اليهودية أم العربية، والهدف هو إيجاد القناعة عند الوسطين أن فكرة السلام هي التي يجب أن تسود، وأن تكون هي الحكَم في إنهاء الصراع بين اليهود والعرب داخل فلسطين، وبمعنى آخر حسب فهمنا وتقديرنا: هو تطويع الفكر والرأي عند أهل فلسطين – من خلال العمل داخل أوساطه المختلفة – للتنازل عن حقه الشرعي في أرض فلسطين وخاصة مدينة القدس، ولا تلتفت هذه الحركة إلى الظلم الحاصل من قبل هذا الكيان على أهل فلسطين؛ من اغتصاب أرضهم وحقهم، وطردهم منها سنة ثمان وأربعين، ولا تختلف هذه النظرة كثيرًا عن السياسة العامة للكيان اليهودي، ولا لأحزابه السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ومع هذه الأعمال السياسية المقصودة، هناك أعمال أخرى ونشاطات تقوم بها هذه الحركة، عن طريق عملاء معتمَدين داخل فلسطين، وبتسهيل من مسؤولي الأمن الداخلي والخارجي (الشاباك والموساد)؛ ومن هذه الأعمال تسهيل موضوع التهجير للخارج، ويبدأ هذا الأمر بداية عن طريق الزج بمئات بل آلاف من الشباب الفلسطيني عبر رحلات منظمة ومدفوعة التكاليف إلى الخارج؛ من أجل تفتيح أذهان الشباب للهجرة للخارج، ثم يتبع هذا الأمر تسهيلات أخرى تقوم بها هذه الحركة عن طريق عملاء في الخارج وخاصة في الدول (الإسكندنافية)، وكندا وغيرها من بلاد غربية، من أجل جلب هؤلاء الشباب للاستقرار والتفكير بالهجرة نهائيًا إلى خارج البلاد، والتنازل عن الهوية الفلسطينية، وعن الأملاك، وغير ذلك مما يربطهم بأرض فلسطين وحقهم فيه.
ويمكن إجمال أهداف هذه النشاطات التي تقوم بها هذه الحركة، داخل فلسطين وخارجها، في النقاط التالية:
1- نشر الفساد الأخلاقي والرذيلة؛ وذلك عن طريق الاختلاط بين شابات يهوديات وبين شباب عرب، أو عن طريق الرحلات المختلطة في الداخل وفي الخارج. وقد حدثت بالفعل عدة حالات من الأمور الأخلاقية في بعض القرى العربية داخل فلسطين؛ وكان سببه تلك الشابات اليهوديات العاملات في صفوف هذه الحركة…
2- إرساء فكرة قبول الآخر وإرساء فكرة التطبيع مع الكيان اليهودي… وتعتبر هذه الحركات من أكثر الفئات اليهودية الداعية للتطبيع واحترام الآخر…
3- ترويض الشعب في فلسطين لنسيان ما اغتصب من أرض سنة 48؛ وذلك بإيجاد القناعة لدى المثقفين الفلسطينيين بأن الحل يجب أن يكون فقط على أراضٍ اغتصبت سنة 67 بدون القدس…
4– التركيز على موضوع التهجير للخارج، والتنازل عن الحق… وهذه من ضمن الأهداف الخفية كما ذكرنا، ولا تصرح بها هذه الحركات؛ بل تغطيها بغطاءات كاذبة عديدة؛ منها التبادل الثقافي واللقاءات المتبادلة… وغير ذلك من أكاذيب…
5- التغطية على جرائم الكيان اليهودي، وعلى اليهود بشكل عام؛ من خلال نشر فكرة أن هناك من اليهود من يرفض العنف، مع أن جميع الحركات تخدم في صفوف الجيش، وتفضل العنصر اليهودي على العربي…
6- إرساء فكرة خبيثة من خلال التظاهر بالدفاع عن حق الشعب الفلسطيني (هذه الفكرة هي السلام)؛ حتى تصبح هذه الفكرة هي السائدة وليس التحرير؛ وبالتالي إسقاط فكرة مقاومة المحتل المغتصب…
7- الإسقاطات الأمنية من خلال الاحتكاك والاختلاط بين أوساط اليهود وأوساط العرب، ثم ما يتبع ذلك من تعارف، ثم إفساد أخلاقي وإسقاط أمني…
يقول الدكتور أحمد بهاء الدين في كتاب (أكذوبة حركة السلام في إسرائيل): “حركة السلام الإسرائيلية بالذات، أو ما يسمى بحركة السلام الإسرائيلية، لم تكن هذه السمات هي السمات الأساسية فيها، على سبيل المثال، أنا تقييمي لحركة السلام في إسرائيل أنها جزء من التقاسم الوظيفي للحركة السياسية في إسرائيل، إسرائيل منذ خلقت نجحت نجاحًا عظيمًا في أن تتقاسم الأدوار، وتلعب على كل الحبال، ورأينا في فترة من الفترات حينما كان الاتحاد السوفياتي قائمًا، وكان هناك صراع بين العملاقين الكبيرين انقسم الإسرائيليون –أو قسّموا أنفسهم- جزء يلعب على المجتمع الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وجزء يلعب على المجتمع الاشتراكي؛ بقيادة الاتحاد السوفياتي، ويمثل دور أنه تجمعات يسارية تقدمية… إلى آخر هذه الادعاءات، لكن في حقيقة الأمر ما كان يحركهم وما كان يدفعهم هو مصلحة الكيان الصهيوني أولًا وأخيرًا”. [يتبع]