قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أخاف عليكم ستاً»
ست مصائب كانت أكبر ما كان يخافه صلى الله عليه وسلم علينا: لطالما حذرَنا من الوقوع فيها، وها نحن اليوم نشهدها يا رسول الله…
عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أخاف عليكم ستاً: إمارة السفهاء، وسفك الدم، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، ونشواً يتخذون القرآن مزامير، وكثرة الشُّرَط» أخرجه الطبراني.
1) إمارة السفهاء: لعلها هي أكبر المخاوف وأهمها، بل لعل بقية المخاوف تندرج تحتها، وما ذلك إلا لتصدير النبي صلى الله عليه وسلم لها لتكون هي رأس مخاوفه ومقدمتها كلها. فمن هم السفهاء؟
هم الجهال أهل الخفة وناقصو العقل والأهلية، أهل الهوى والطيش وسوء التصرف والتقدير، السفهاء هم الذين لم يأتمنهم الإسلام على تسلم أموالهم التي هي حقهم «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم….» وأمر بتولية الأوصياء فوقهم كما أمر بالحجر عليهم. فإذا كان السفهاء لا يؤتمنون على أموالهم فكيف بهم إن تولوا رقاب الناس؟!!
أما تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم لإمرة السفهاء، فيرويها حديثه لكعب بن عجرة عندما قال له: «أعاذك الله من إمارة السفهاء» قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: «أمراء يكونون من بعدي، لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليَّ حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون عليَّ حوضي…» رواه أحمد واللفظ له والبزار. عندما يستن الحاكم بسنن الغرب ويتخذ شرائع الطغيان هدى له… عندها تأكد بأنك تخضع لإمرة السفهاء… عندما يفاخر الرئيس بحكمه العلماني، ويجاهر بعلاقاته المتميزة مع أكفر خلق الله وأشدهم حربًا على الإسلام، أنت تعيش في ظل إمرة السفهاء…
كيف المخرج من إمرة السفهاء؟
يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم الشرعي في عنق كل مسلم تجاه هؤلاء السفهاء فيقول: «فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليَّ حوضي» لا شك أن التصديق هو دون الطاعة، فإذا كان تصديقهم هو بمنزل الإعانة لظلمهم، فكيف بطاعتهم؟ أنت بذلك تطيل عمرهم، وتمد ظلمهم.. وإذا كان الرسول يحرِّم علينا طاعة السفهاء فكيف بمن يبرر لهم؟!! كيف بمن يروِّج لهم ويعينهم ويدعو لانتخابهم وانتخاب أحزابهم وتياراتهم؟! «أولئك ليسوا مني ولست منهم…» ما أشد أن يتبرأ الرسول منك يوم يهرع الناس كلهم إليه وتطرد أنت!!
ما أقسى أن تتوجه أصابع أعظم أنبياء الله يوم القيامة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم «…اذهبوا إلى محمد..» وتكون أنت من أمته ثم تمنع من الاقتراب!!
ترى تزاحم المؤمنين على حوضه، فتبقى بعيدًا يقتلك ظمؤك!! لا يرتوي من حوض النبي يوم القيامة من لم يرتوٍ من هدي شريعته في الدنيا.. كل هذا بسبب سكوتك عن إمارة السفهاء!
أما باقي المخاوف فهي نتائج متوقعة تمامًا في ظل دولة السفهاء…
2) بيع الحكم: يصبح الحكم صفقة يشتريها من يملك المؤهلات اللازمة لينتخب أميرًا برتبة سفيه! وبالطبع لن يكون من ضمن هذه المؤهلات من يستنون بالسنة ويهتدون بالكتاب، وثمن الحكم غالبًا ما يكون رشوة يدفعها المشتري من دينه، وإذا وسد الحكم إلى غير أهله فانتظر الساعة
3) سفك الدم: عندما يغيب رادع التقوى تغيب معه وسائل الحجة والبرهان ولا يتبقى للأمراء غير الأسلوب الفرعوني «سنقتل أبناءهم…لأقطعن أيديكم وأرجلكم…»، ولا تسأل في دولة السفهاء عن الانفلات الأمني ولا تستغرب كثرة الهرج.
4) كثرة الشُّرَط: نظام الحكم البوليسي، حيث تحصى أنفاس الأتقياء، أمراء السفه يخافون من أمتهم، يرتعدون من أدنى حراك، لأجل ذلك ترى بلادهم تعج بأعوان الولاة، الذين يحملون السياط كاذناب البقر يرهبون بها الناس ويضربون ظهورهم، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه.
5) قطيعة الرحم: إن كانت إمرة السفهاء تمثل الفساد السياسي، وبيع الحكم يمثل الفساد الإداري والحياتي، وسفك الدم يندرج تحت الانفلات الأمني، وكثرة الشرط تمثل القمع العسكري، فإن قطيعة الرحم تختصر الفساد الاجتماعي في أجهزة حكم دولة السفهاء، فمن ينطفئ عنده وازع تقوى الله لن يحجزه عن معاصيه وازع خوف الأب أو الأم
6) ونشواً يتخذون القرآن مزامير: عندما لا يغدو القرآن دستورًا، عندما يباع حكمه وتنبذ أحكامه وشرائعه، وتصبح محاذيره هي القوانين الرسمية في البلاد، عند ذلك يتحول القرآن على ألسنة مقرئي السفهاء ومشايخ بلاطهم إلى ما يشبه الأغنية، ويصبح أهله عند سلطان السفهاء مغنين ومطربي مجالس، ويكون المقدم في برامج الإعلام هو صاحب الصوت الجميل لا صاحب الفقه الأصيل «يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناءه» في بعض الروايات.
بدأت المخاوف بفساد أئمة البلاد، وانتهت بفساد أئمة الصلاة! هكذا هي خطورة الحكم السفيه وأثره المدمرعلى البلاد والعباد… أي بيان أبلغ، وأي نصح أشفق من نصحك لنا يا رسول الله!! قد شهدنا والله مخاوفك الست وذقنا مرارتها واكتوينا ولمَّا نزل بنارها، وكأني بك كنت تخاطبنا نحن وأنت تتكلم مع كعب بن عجرة وتدعو الله أن يعيذه منها.
اللهم يا من جعلت محمدًا إمام الأنبياء، نسألك أن تهدم بنا إمارة السفهاء، وتجدد بنا عهد الخلفاء، اللهم إن السفهاء قد ملؤوا الأرض فسادًا والبلاد ضلالًا، مكِّن لنا يا رب أن نواجه ظلمهم ونفضح كذبهم، حتى نلقى الحبيب يوم القيامة على حوضه الشريف مستبشرة وجوهنا بأنوار وجهه الباسم، مرفوعة رؤوسنا بشهادة أننا منه وهو منا، مرتوية أفئدتنا بالشربة الهنية من يده الطاهرة، شربة تذوب معها مرارة ما ذقناه في إمرة السفهاء طوال كل تلك السنين، وتنجز لنا موعود المتقين، وينادى أن سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين
أبو نزار الشامي