أمة العزة والخيرية ترتقي نحو مشروعها الحضاري العظيم: (الخلافة على منهاج النبوة)
2017/05/14م
المقالات
3,788 زيارة
أمة العزة والخيرية ترتقي نحو مشروعها
الحضاري العظيم: (الخلافة على منهاج النبوة)
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد مدح الحق تبارك وتعالى هذه الأمة الكريمة فقال: (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ).. وقال جلَّ من قائل: ( وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ)… ومدحها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: «مِثْل أُمَّتِي كَمَثَلِ الْغَيْث، لَا يدرِي أَوَّله خَيْر أَوْ آخِره «رَوَاهُ أَحْمَد في مسند… فبماذا نالت هذه الأمة هذه الصفات العالية الرفيعة؟!. هل نالتها بلونها أو بعرقها؟! هل نالتها بمكان سكناها (وطنها)؟! أم هل نالتها بتعدادها وكثرتها؟! أم بتاريخها قبل الرسالة؟!… إنها لم تنل هذه الصفة السامية بهذا ولا بذاك؛ إنما نالتها بشيء واحد فقط هو دينها العظيم (دين الإسلام)؛ ومنه مشروعها الحضاري العظيم الفريد (الخلافة) والتي تُظهر هذا الدين عمليًا على أرض الواقع… فما هي حقيقة هذا المشروع العظيم؟ وما هي أهميته في حياة أمة الإسلام؟ وكيف أضحت في ظله؟ وكيف صارت أحوالها في غيابه؟ وما هو واجبها اليوم تجاه هذا الواجب العظيم؟ وأين وصلت في طريقها نحو هذا المشروع؟ وما هو واجبها – اليوم – تجاه هذه البشرية الضائعة التائهة؟ وكيف يمكنها إنقاذ هذه البشرية بدون مشروعها الحضاري العظيم (الخلافة)؟..
وقبل أن نجيب عن هذه الأسئلة نقول: بأن الأمم والشعوب جميعًا على وجه الأرض؛ – الناهضة منها والمنحطة – لها أهدافٌ وغاياتٌ في حياتها، ترنو لتحقيقها في أرض الواقع، ولا توجد أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب بدون أهداف وغايات. فالشعوب المنحطة الهابطة مثلًا أهدافها وغاياتها غرائزية بهيمية تتعلق بالإشباع المنحط، ولا تأبه بأية طريقة حققت غايتها وهدفها في هذا الإشباع، حتى ولو أفنى بعضها بعضًا، أو كانت تبعًا لشعب آخر ذليلة صاغرة من أجل تحقيق هذه الأهداف الغريزية البهيمية؛ فأهدافها لا تتعدى إشباع غرائزها من الطعام والشراب والتناسل وأمثالها… أما الشعوب الناهضة المبدئية، فإن لها غايات وأهدافًا ومشاريع، ترتبط بمبدئها وفكرها الذي تحمله في عقولها وقلوبها، وهي تسعى لتحقيقه في أرض الواقع. فإن كانت نهضتها صحيحة كان مشروعها مستقيمًا راقيًا، وكانت كذلك طريقة تحقيقه في أرض الواقع راقية صحيحة مستقيمة، وكان هذا المشروع طريقًا إلى السعادة والطمأنينة لكافة البشر على وجه الأرض. أما إن كانت هذه النهضة خاطئة – كما هو حال دول العالم اليوم – فإن المشروع يكون معوجًا غير صحيح، قائمًا على الأنانية وحب الذات، ولا يفكر أصحابه بسعادة البشر وطمأنينتهم، وفي الوقت نفسه فإن هذا المشروع – بسبب اعوجاجه- يجلب على البشرية جميعًا التعاسة والشقاء والحروب القاتلة والفتاكة، والتطاحن على المتع والشهوات والأموال!!…
فمشروع أمة الإسلام الحضاري العظيم؛ نابع من دين عظيم مستقيم، مرتبط بخالق السماوات والأرض – الحكيم الخبير – فهو أحكام نورانية ربانية سامية، يطبقها المؤمنون بها – من أمة الإسلام – في أرض الواقع في ظل الخلافة الراشدة، ويحملونه رسالة خير وهدىً إلى الناس، ويبذلون المهج والأموال رخيصة لإنقاذ الناس من الظلمات إلى النور والهداية والرشاد، قال تعالى: ( وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا ١٢٥ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا ١٢٦) وقال: ( إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩)، وقال عليه الصلاة والسلام: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
لقد طبق المسلمون أحكام هذا الدين العظيم في ظل مشروع حضاري، لم تشهد البشرية مثيلًا له على مدار التاريخ الإنساني، وحملوه إلى البشرية في كل أنحاء الأرض، حتى وصلت فتوحاتهم جبال البرانس غربًا، والصين شرقًا، وأواسط روسيا شمالًا، وأواسط أفريقيا جنوبًا. وبلغت الأمة ذرة المجد والسمو والرقي عندما طبقت هذا الدين تطبيقًا صحيحًا في ظل مشروعها الحضاري العظيم؛ فبلغت من المجد حدًا لدرجة أن معظم الدول الكبرى كانت تؤدي لها الجزية مثل دولة الروم. وكانت الشعوب تطلق على الجيش الإسلامي بأنه الجيش الذي لا يغلب، وكانت السفن الأميركية في البحر المتوسط تؤدي الإتاوة مقابل حمايتها من قبل الأسطول الإسلامي في الجزائر؛ حيث وقَّع جورج واشنطون – أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية – معاهدة صلح مع (بكلر حسن) والي الجزائر، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، يدفع بمقتضاها إلى الجزائر على الفور ( 642 ألف دولار ذهبي) و(1200 ) ليرة عثمانية، وذلك مقابل أن تطلق الجزائر سراح الأسرى الأميركيين؛ الموجودين لديها، وألا تتعرض لأي سفينة أميركية، تبحر في البحر المتوسط أو في المحيط الأطلسي، ومن مظاهر العزة والمجد كذلك أن الدول الكبرى مثل(فرنسا) كانت تطلب من الخلافة أن تتدخل لحل قضاياها الدولية – كما تطلب الدول اليوم من الأمم المتحدة، أو من مجلس الأمن- ؛ حيث طلبت فرنسا (بواسطة رسالة عاجلة، بعث بها ملكها الأسير لدى الإسبان (فرانسيس الأول) 1526م إلى السلطان العثماني (سليمان القانوني)، طلب فيها من السلطان التدخل لدى الإسبان لفكاك أسره، وفعلًا تدخل السلطان وفك أسره!!
أما في الجانب العلمي والصناعي، فإن المسلمين قد سبقوا الحضارات والشعوب على وجه الأرض عشرات السنين إلى الأمام، فعرف المسلمون الجامعات والمستشفيات في وقت كانت باقي الشعوب لا تعرف من ذلك شيئًا.. وتوصلوا إلى كثير من المخترعات العلمية الجديدة. تقول البروفسور الألمانية (زغريد هونكة) في كتابها المشهور (شمس العرب تسطع على الغرب): «لم تكد أوروبا تنهل من ينابيع العلوم العربية ومن فنون العرب ووسائل العناية الصحية والإدارية حتى استيقظ الوعي الأوروبي، بعد أن ظل جامدًا قرونًا عديدة.. وأخذت أوروبا بعدها تنهض وترتقي». (ص453)… وفي الجانب الاقتصادي فقد عاش المسلمون أغلب فترات التاريخ، وخاصة عندما طبقوا أحكام دينهم تطبيقًا صحيحًا في ظل مشروعهم الحضاري – عاشوا حياة آمنة مطمئنة، في رفاه وبحبوحة من العيش؛ لدرجة أن الزكاة لم تجد من يأخذها في حاضرة الإسلام (الخلافة) في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كما ذكر المؤرخون؛ حيث ذكر صاحب كتاب (العقد الفريد) ابن عبد ربه الأندلسي: «لقد ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفًا، فذلك ثلاثون شهرًا، فما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيـم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس» لقد ظل المسلمون كذلك في رقي وارتفاع وعزة حتى تخلّوا شيئًا فشيئًا عن هذا المشروع العظيم، وكانت الطأمة الكبرى والكارثة المهول عندما سقط هذا المشروع الحضاري، وغاب من ساحة المسلمين سنة 1342هـ في الثامن والعشرين من رجب، الموافق للثالث من آذار 1924م. في مثل هذه الأيام السود، وبعد ضياع هذا المشروع العظيم حلت بالأمة الويلات والفتن – ما ظهر منها وما بطن- فقد مزقت الأمة، وتفرقت إلى دول وأعراق وشعوب (متناحرة متنافرة) – كما كانت في عهد الجاهلية الأولى- وعادت سيرة (المناذرة والغساسنة)؛ فصارت دول العالم الإسلامي ذيلًا لليهود والنصارى والروس وغيرهم.. فانحطت أمة الإسلام بعد الرقي والسمو، وصارت تغزى في عقر دارها بدل أن تغزو هي بلاد العالم مبشرة برسالتها العظيمة!، وصارت شعوبها أفقر الشعوب مع أن بلادها خير البلاد وأكثرها وفرة في الثروات.. وضاعت مقدساتها في بيت المقدس بيد اليهود … فهل تبقى الأمة على هذا الحال من الذل والهوان.. وماذا عليها إذا أرادت أن تنهض من هذا الواقع السيئ المتردي؟!.. ماذا عليها وما هو واجبها إذا أرادت أن تعود كما أراد لها ربها عز وجل: خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض؟.. هل تعود هذه الأمة خير أمة على وجه الأرض بالنظام الديمقراطي الغربي الذي يحمله شرذمة من أبناء المسلمين ويروجون له في بلاد الإسلام؟!.. هل تعود هذه الأمة إلى عزتها ورفعتها في ظل حكام رويبضات لا يتقون الله، ولا يقيمون وزنًا لدينهم ولا لأمتهم؟!، هل تعود هذه الأمة لأصالتها وتاريخها إذا بقيت على ما هي عليه من فرقة وتشرذمٍ بعيدًا عن مشروع الإسلام العظيم الخلافة؟!…
لقد جرَّبت الأمة – بعد ضياع الخلافة – كل الطرق المعوجة وتسلقت إلى قوارب كثيرة للنجاة، ولكنها كانت في كل مرة تنتكس وترتكس، وتغرق في لجة عميقة وتوشك على الموت… جرَّبت القومية العربية فجرّت عليها الهزائم والتمزق والتخلف والتبعية الاستعمارية… وجرَّبت شعار الوطنية الضيقة فجرَّت عليها النزاع والتطاحن حتى داخل القطر الواحد… وجرَّبت الاشتراكية الفاشلة، وجرَّبت النظام الديمقراطي في قوانينها وحياتها!! فهل نهضت من كبوتها وعادت كما كانت أمة عزيزة؟. لقد حكم رب العزة جل جلاله أن عزة هذه الأمة هي فقط في دينها، وأنه مهما جرَّبت من طرق أخرى فلن تنال العزة ولا الرفعة، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ٢٩)، وقال: ( إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١٦٠)، وقال جل ثناؤه: ( وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ )، وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها» ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله». فطريق أمة الإسلام إلى باب العزة والمجد لا يكون إلا بالإسلام. وقد فرض عليها رب العزة – جل جلاله – أن تعيد عزتها بالإسلام، وبالخلافة الراشدة تحديدًا.. وإذا بقيت بعيدة من هذا الواجب ظلت في دائرة الإثم، عدا عن الذل والهوان والضعف والتخلف. فهذا المشروع – دون مبالغة – هو حياة الأمة، وهو سرُّ بقائها أمة قوية ناهضة، متميزة على الأمم والشعوب. وهو واجب شرعي فرضه الله عز وجل عليها، وذلك من أجل تطبيق أحكام الإسلام المعطلة، ومن أجل حمل رسالة الإسلام بالجهاد في سبيل الله إلى الأمم والشعوب. فمن يطبق في الأمة أحكام النظام الاقتصادي والاجتماعي ونظام الحكم؟!. من يقيم الحدود المعطلة حتى في أبسط الأمور؟!. من يرعى أمور العبادات البدنية؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج؟!. من ينقذ أغلب الشعوب من آفات الفقر والأمية والتخلف العلمي في بلاد المسلمين؟!. من يدفع عن الأمة كل معتدٍ أثيم يعتدي على بيضتها من شذاذ الآفاق؟!. من يحرّر أرضها المغتصبة، وعلى رأسها أولى القبلتين (المسجد الأقصى المبارك)؟!… إن كل هذه الأمور هي واجبات شرعية؛ أي هي فروض فرضها الله عز وجل في رقبة الأمة، وإن بقاءها معطلة يُبقي الأمة جميعًا في دائرة الإثم والحرمة والتقصير… فهذه الأمور كلُّها فروضُ كفاية في رقاب الأمة، وإذا لم تُقَمْ في أرض الواقع تصبح جميع الأمة في مشارق الأرض ومغاربها آثمة حتى تقام وتُطبق عمليًا في الدولة والمجتمع…
إن أمة الإسلام اليوم قد أدركت -حقيقةً- إنها دون الإسلام تبقى ميتة لا حراك فيها، وأدركت أن نهضتها ورفعتها تكون فقط بالإسلام؛ وذلك بعد أن جرّبت كل الطرق المعوجة السقيمة، وأخذت هذه الأمة بالفعل تلتفُّ حول قادة مخلصين يريدون نهضتها، ورفضت كل المشاريع الكاذبة الهابطة كالوطنية والقومية وغيرها..لقد أدركت الأمة أن خلاصها ونجاتها هو فقط بالإسلام، وصار هذا الأمر – والحمد لله – رأيًا عامًا في معظم دول العالم الإسلامي، والدليل على ذلك هو مناداتها بالفعل ومطالبتها بتطبيق الإسلام في هذه البلاد. ونجاح من ينادون بتطبيق الإسلام، أو من يرفعون شعار الإسلام في أية انتخابات تجرى في بلاد المسلمين بأعلى الأصوات، فعلى سبيل المثال حصلت انتخابات في مصر الكنانة سنة 2012م، ففاز فيها من يرفعون شعار الإسلام بأعلى الأصوات، وكان الرأي العام كله لصالح هذا الشعار، ولكن الأمور أخرجت عن المسار الصحيح، في خدمة مشاريع أميركا ودول الكفر. وفي تركيا كذلك رفع (حزب العدالة والتنمية) أيضًا شعار الإسلام فأخذ أعلى الأصوات، ونجح نجاحًا منقطع النظير في تركيا في انتخابات سنة 2002م في الانتخابات التشريعية، والرئاسية 2004م… لكن هذا الحزب سخر هذا النجاح في خدمة مشاريع أميركا لا في خدمة المشروع الإسلامي. وعندما حدثت انتخابات الجزائر (سنة 1988م – 1989م) فاز في هذه الانتخابات (جبهة الإنقاذ)؛ التي رفعت شعار الإسلام، وقد أخذت فوق الثمانين بالمائة من أصوات الناخبين، مما دفع فرنسا للتدخل عن طريق عملائها في الجيش، ثم حدث ما حدث بعد ذلك من جرائم وسجون ضد جبهة الإنقاذ، وضد أهل الجزائر بشكل عام… وحدث مثل هذا أيضًا في انتخابات السودان والأردن والمغرب وتونس وفلسطين وغيرها من أقطار في العالم الإسلامي… وهذا دليل بينٌ واضح أن الأمة تريد طريق الإسلام، وتريد حكم الإسلام في كل أقطار العالم الإسلامي. فهل سكت الكفار على هذا الأمر العظيم؟ وماذا فعلت الدول الاستعمارية الكبرى تجاه هذا التوجه العظيم عند الأمة، وماذا فعل عملاؤهم من الحكام في بلاد المسلمين تجاه هذه الصحوة الإسلامية المباركة، تجاه مشروع الأمة الحضاري (الخلافة الراشدة)؟!. لقد جُنّ جنون الغرب وعملاؤه من الحكام، وصاروا يحاربون هذا التوجه بكل ما أوتوا من قوة بالتضليل والتحريف، وبالبطش والتخويف، وبالترغيب والترهيب بالمناصب الدنيوية، وبالحرب الفكرية الكاذبة الدنيئة (في تشويه صورة الإسلام المخلص) على أنه دين الإرهاب وسفك الدماء. ثم لما لم تفلح كل هذه الأساليب الدنيئة، ولم يفلح البطش والتضليل والكذب، لجأ الكفار إلى طريقة خبيثة مجرمة؛ وهي اللعب بنفس الفكرة التي يدعو لها المخلصون من أبناء الأمة (فكرة الخلافة) – تمامًا كما حصل من المنافقين – المتآمرين مع الروم – في المدينة المنورة عندما تبنوا فكرة (مسجد الضرار) من أجل إذاء دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته؛ قال تعالى: ( وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١٠٧)؛ حيث شرعت أميركا الكافرة المجرمة (عدوة الله ورسوله والمؤمنين) في استغلال الفكرة نفسها (الدولة الإسلامية) بطريقة خبيثة عن طريق أناس يدعون أنهم أقاموا حكم الإسلام أو خلافة الإسلام، أو أنهم يسعون من خلال وصولهم للحكم في بلد ما إلى تطبيق حكم الإسلام مستقبلًا. وقد حدث هذا في مناطق عديدة في العالم الإسلامي، وأخذ من طاقات الأمة وجهودها ودماء أبنائها الكثيرَ الكثير… وما زال هذا التضليل قائمًا حتى اليوم في بعض بلاد المسلمين، وقد انكشف دعاته في بلاد أخرى كإيران والسودان وباكستان وتركيا.. وها هو ينكشف شيئًا فشيئًا في المغرب وتونس ومصر وغيرها. وإن الأمور لتتضح وتتكشف يومًا بعد يوم، وخاصة من يدعون أنهم أقاموا بالفعل حكمًا إسلاميًا في بعض المناطق، وليس لهم من ذلك إلا الاسم والرسم فقط، وليس له في الواقع العملي أي شيء يدلل شرعًا على خلافة حقيقية، لا في طريقة أخذ البيعة، ولا في إمكانات المكان وشروطه الواجب توفرها، ولا من حيث تطبيق الأحكام داخل هذا المكان. هذا عدا عن الأعمال البعيدة كل البعد عن ديننا الإسلامي التي يقوم بها أتباع هذه الفكرة المضللة وخاصة في مقاتلتهم لإخوانهم داخل الشام، وتآمرهم مع النظام في المناطق الحساسة حول دمشق والغوطة – وملاحقتهم لإخوانهم ممن يدعون لإقامة شرع الله عز وجل في العالم الإسلامي، وسجنهم والتنكيل بالبعض منهم!…
لقد فشل الكفار فشلًا ذريعًا – في كل العالم الإسلامي – رغم ما بذلوه من أموال كثيرة، وما فعلوه من مؤامرات تلو المؤامرات. وقد انكشف مشروع الغرب الإجرامي التضليلي، في الصد عن دين الله للحيلولة دون بلوغ الأمة غايتها لإقامة مشروعها الإسلامي العظيم… وفي المقابل ارتقى مشروع الأمة الحضاري يومًا بعد يوم في بلاد المسلمين وما زال يرتقي. وكلما زاد إجرام الغرب وصده ورده تجاه هذا المشروع، زاد تمسك الأمة به؛ تمامًا كمثل المعدن الأصيل، الذي يزداد لمعانًا كلما فتنته بلهيب النار، وكلما اشتدت عليه الفتن والمحن. والحقيقة أنه قد اجتمعت عوامل كثيرة، جعلت الأمة تزداد تمسكًا بمشروعها الحضاري (الخلافة ) (في العالم الإسلامي)، ومن هذه العوامل :
1- فشل كل الأفكار الأخرى – غير الإسلام – في نهضة الأمة الإسلامية، أو حتى إصلاح أمرها في بعض الجزئيات؛ مثل تحرير المغتصَب من أرضها، أو دفع شرور الفقر والتخلف عن بلادها، أو إزالة الاستعمار السياسي والعسكري من أرضها؛ وذلك مثل الحركات القومية والوطنية وبعض دعاة الاشتراكية أو الديمقراطية أو الإسلام المحرّف المخادع… فكل هذه الحركات فشلت فشلًا ذريعًا، وانكشفت أوراقها، وخاصة بعد ضياع فلسطين منذ أكثر من ستين عامًا، وبعد غزو الصهاينة اليهود لأرض لبنان ومصر والشام، وبعد حرب الخليج الأولى والثانية لأرض العراق وتدميرها، وبعد احتلال أفغانستان، وبعد الحرب الدموية المدمرة على أرض الشام- هذه الأيام- من قبل اليهود والنصارى.
2- الواقع السيئ الذي تعيشه الأمة الإسلامية في الفقر والأمية والبطالة والتخلف العلمي والصناعي، رغم غنى بلادها وكثرة ثرواتها وتعددها؛ حيث تبلغ نسبة الفقر – في بعض البلاد – أكثر من ثمانين بالمائة من مجموع السكان، وبعض الدول يحصل فيها الموت بالجوع؛ مثل الصومال والسودان، وتبلغ نسبة الواردات في بعض الدول – وخاصة دول البترول والغاز – أكثر من 98 من مجموع ما يستهلك داخل هذه الدول، رغم أنها تملك كل أدوات الإنتاج والصناعة!!…
3- تجدد الاستعمار العسكري في بعض بلاد المسلمين، وقيامه بالمجازر ضد أبناء المسلمين، وسكوت الدول في العالم الإسلامي على ذلك، بل إن بعض الدول تتحالف مع هذا الاستعمار وتقدم له المطارات وتساعده في الأموال والأحلاف العسكرية، كما هو حاصل في بلد الحرمين من إنشاء القواعد العسكرية العملاقة، وكما هو حاصل في أرض الشام من قيام روسيا وأميركا بإنشاء القواعد العسكرية وإنزال المارينز، وكما هو حاصل كذلك في تركيا من إنشاء القواعد العسكرية والمطارات مثل قاعدة (إنجرلك) وغيرها…
4- انهيار الأفكار والمبادئ العالمية وظهور خطئها وبطلانها، كما حصل مع المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي؛ عندما انهار الفكر الاشتراكي وتحللت منظومته، وكما هو حاصل كذلك هذه الأيام من انهيار الفكر الرأسمالي وتخليهم عن أبرز أفكاره (حرية السوق)؛ وخاصة بعدما حصل في الأزمة الأخيرة (الأزمة المالية 2008م)، وكيف لجأت الحكومة ومؤسساتها لتسخير أموال عامة الناس من الضرائب وسندات الخزينة لإنقاذ الشركات العملاقة. وفي نفس الوقت ظهور الفساد الأخلاقي والاجتماعي داخل الدول التي تتبنى هذا الفكر الوضيع (الفكر الرأسمالي)، وازدياد معدل الجريمة والبطالة والفقر، ووصل الأمر في السقوط الأخلاقي إلى وضع قوانين للمثلين جنسيًا في معظم دول أوروبا وأميركا!!..
5- فشل مشاريع الغرب في تضليل المسلمين لصدهم عن مشروعهم الحضاري (الخلافة) وخاصة أن كل ما بذلوه قد بان على حقيقته؛ سواء أكان من عملاء الحكام، أم ممن تبنى فكرة الإسلام بطريقة مضللة، أم ممن تبنى بعض الأفكار المحرفة، مثل الوسطية، والتقارب بين الأديان، ووحدة الإنسانية، وغير ذلك من الأفكار الخاطئة الكاذبة؛ فكل هذه الأمور قد كشفتها الشمس الوضاءة التي يحملها أصحاب المشروع الصحيح، واقتنعت الأمة أن كل ما سوى الشمس هو ضلال وظلام وكذب وتزوير.
لهذه الأسباب وغيرها فإن مشروع الأمة الحضاري (الخلافة) يندفع بقوة إلى الأمام، فهو مشروعها الذي ينبع من قلبها وعقلها، والمنبثق من عقيدتها المتصلة بخالق الأرض والسماء، والمرتبط بصلب دينها العظيم (دين الإسلام)،… وهو الراعي والحامي والمحافظ على هذا الدين، ولا يكون الدين حيًا في أرض الواقع إلا بهذا المشروع، ولا تكون الأمة الإسلامية حية عظيمة إلا بهذا المشروع كذلك، ولا نبالغ إن قلنا: إن هذا المشروع هو حياة الأمة،… فالدين والعقيدة روحها وسر حياتها، ومشروعها الحضاري هو مظهر هذا الروح الحي في أرض الواقع؛ الذي به تطبق كل أحكام هذا الدين العظيم، والذي بدونه تتعطل معظم الأحكام الشرعية.
وقبل أن نختم نقول:
أولًا: إن هذا الفساد العظيم، والظلم الشديد، والظلام الحالك الذي يسود بلاد المسلمين، إنما مرجعه إلى سبب واحد لا غير، ألا وهو (غياب مشروع الأمة الحضاري من ساحتها) قال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا ٨ فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا ٩ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا١٠)، وقال: (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤)، وإن هذا الواقع السيئ لا يتغير إلا بهذا المشروع، وهذا ما حكم به رب العزة جل جلاله حيث قال: ( إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١٦٠)، وإن أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها قد أدركت هذه الحقيقة وصارت تعمل لها بكل قوة.
ثانيًا: الذي نريد أن نذكره، قبل أن نصل إلى الخاتمة، هو أن البشرية بشكل عام تعاني من الظلم الشديد وضنك العيش في معظم دول العالم، وذلك بسبب هذا النظام الإجرامي الشرير الذي يسود وجه الأرض هذه الأيام؛ فقد ظنت الشعوب أنها قد تحررت من عبودية الكنيسة ورجال الدين في العصور الوسطى عندما تبنت هذا الفكر الوضيع (الفكر الرأسمالي)، وإذا بها تجد نفسها تعيش بين براثن وأنياب عبودية أشد، تستحوذ على جهودها وثرواتها، ومدخراتها وطاقاتها؛ تحت عنوان كاذب (اسمه الحرية). فقد كانت العبودية في العصور الوسطى تطال شريحة من الناس بسبب تسلط الكنيسة ورجال الدين والأباطرة المتنفذين، لكن عبودية اليوم تطال أكثر من ثمانٍ وتسعين بالمائة من شعوب الأرض؛ بسبب المؤسسات والشركات والبنوك وغير ذلك من أساليب النظام الرأسمالي الشرير. بالأمس، كان العبيد على أقل تقدير يأخذون حاجتهم من الطعام والشراب والمأوى؛ لكن عبودية اليوم أنتجت المشردين في الشوارع، وأنتجت الموت والجوع في كثير من دول العالم؛ رغم أن معظم الناس يعملون ساعات طويلة من النهار وجزءًا من الليل، وكانت عبودية الكنيسة تحافظ على بعض الأخلاق، أما عبودية الرأسمالية فأنتجت الإباحية في كل شيء، حتى وصل أمر الإباحية إلى تزاوج الشواذ من الرجال والنساء بشكل معترف به في قوانينهم، ونتج عن هذه الرأسمالية الشريرة حروب طاحنة أهلكت الشجر والحجر وحتى الدواب العجماء.. وسفكت الدماء البريئة من أجل الطين والتراب والثروات، والمتع الهابطة الحيوانية، ونتج عنها الجرائم المنظمة والقتل اليومي في أرقى دول العالم بلا سبب، لدرجة أن الإنسان لم يعد آمنًا على نفسه أو ماله في أرقى عواصم الغرب ومدنه؛ مثل واشنطن ونيويورك!. أما بلاد المسلمين على وجه الخصوص، والأرض قاطبة على وجه العموم، تعاني الضنك، وشظف العيش، وانعدام الطمأنينة وغياب السعادة من حياة الناس؛ وهي كمثل الأرض العطشى المشققة التي تنتظر المطر من السماء. إنها عطشى ولكن ليس للماء الذي يحيي نبات الأرض.. بل إلى الحياة الحقيقية التي تحيي البشر جميعًا، وتنقذهم من الموت الزؤام والآفات العظام؛ قال تعالى: (١٢١ أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٢٢)، وقال جل ثناؤه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤)… إن البشرية عطشى إلى نظام رباني يأخذ بيدها وينقذها مما هي فيه من آفات وشرور وضنك العيش، ويرفعها من مستوى البهيمية الوضيعة المتطاحنة على متع الحياة الدنيا، إلى مصاف الكرامة التي أرادها الله عز وجل لبني البشر جميعًا… إن البشرية عطشى وتنتظر من يخلصها ويأخذ بيدها وينتشلها من هذا التيه في وسط بحر هائج مائج متلاطم الأمواج مظلم، ظلمات بعضها فوق بعض. نعم إن البشرية بحاجة إلى مركب الإسلام، إلى دين الله الحق، إلى النور الإلهي العظيم الوضاء… إنها بحاجة إلى مشروع الأمة الحضاري (الخلافة) التي تطبق نظام العدل والحق كما طبقته من قبل عبر سنوات وقرون مضت، ولتحمله رسالة نور وهداية إلى العالم أجمع كما كانت تحمله من قبله.
وفي الختام نقول: إن هذا الأمر لكائن قريبًا.. وقريبًا جدًا بإذنه تعالى. فكل الأجواء والظروف والأحوال قد تهيأت لهذا الميلاد العظيم. وقد هيأ الله عز وجل لهذا الميلاد العظيم الجلل حزبًا إسلاميًا مخلصًا، هو (حزب التحرير) أخلص نفسه ودينه لله عز وجل، وسار معه ثلة ربانية خالصة مخلصة لله عز وجل، ثلة صبرت سنوات طويلة على الحق، ولم تغير ولم تبدل رغم وعورة الطريق، وشدة الرياح، وكثرة المخاطر، وضراوة الأحداث من حوله. ورغم أن غير هذا الحزب من أحزاب وجماعات أخرى قد أحدث في هذا الدين ما ليس منه، وغيّر وبدل في صميم مبادئه، ومنهم من انحرف كليًا فسار مع الأنظمة العميلة، أو صار جزءًا من تركيبتها الفاسدة من برلمانات أو وزارات، أو غير ذلك… إن حزب التحرير، ومعه المخلصون من هذه الأمة الكريمة العزيزة، على موعد ووعد من الله عز وجل بعد أن تخطى كل العقبات ومر بجميع المراحل من حمل الدعوة، وبعد أن كشف الله عز وجل – بفضله ومنته – كل القوى الكاذبة المنافقة المضللة من إسلامية وغير إسلامية، وبعد أن وصل حال الأمة – في مشارق الأرض ومغاربها – إلى ما وصل إليه… إننا على موعد مع نصر الله عز وجل الناصر المنتصر، القادر المقتدر، الذي بيده مفاتح كل شيء… إننا على موعد مع المشروع العظيم الذي ستشرق له وجه الأرض، وتهلل له كل الكائنات حتى الحجر والشجر والدواب… إننا على موعد مع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة (مشروع الأمة الحضاري العظيم) فلم يبقَ شيء في طريق هذا المشروع سوى إذن المولى عز وجل ونصره ونصرته، وإنه لكائن بإذنه تعالى. فالله سبحانه قد بشر هذه الأمة الكريمة بأن دينها سيظهر على الدين كله رغم حرب الكفار واجتماعهم عليها، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣) التوبة 33، وقال عليه الصلاة والسلام : «إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» رواه الإمام مسلم، وقال: صلى الله عليه وسلم «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل به الكفر) رواه ابن حبان في صحيحه.
نعم، سيظهر دين الله على الدين كله؛ تمامًا كما أظهره الله عز وجل في أرض المدينة المنورة، سيظهر هذا الدين مرة أخرى في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الصريح الذي ذكر هذه المرحلة التي نمر بها حيث قال بعد أن ذكر مراحل النبوة والخلافة: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت» رواه الإمام أحمد في مسنده، وستكون هذه الخلافة – بإذنه تعالى – المنقذ لأمة الإسلام أولًا، ولجميع البشر على وجه الأرض بعد ذلك؛ ليقوم العدل والاستقامة، وليتحقق معنى الشهادة والوسطية من قِبَلِ هذه الأمة العظيمة مصداقًا لقوله عز وجل: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٤٣).
نسأل الله – العلي العظيم، القادر المقتدر، الرحمن الرحيم، الخافض الرافع، المعز المذل،ـ صاحب السلطان والقوة والجبروت، الذي بيده مفاتح كل شيء… أن يفتح علينا فتحًا مبينًا، وأن ينصرنا نصرًا عزيزًا بـ (خلافة راشدة على مهناج النبوة) نعيش في ظلها أمناء سعداء، ويجعلنا بها شهودًا على الناس حتى تقوم الساعة، ويكون الرسول علينا شهيدًا يوم القيامة .. آمين يا رب العالمين .
2017-05-14