مذكّرة النصيحة
1993/01/08م
المقالات
16,053 زيارة
في أواخر السنة الهجرية 1413 قام أكثر علماء المملكة السعودية بتقديم مذكرة (النصيحة) إلى الملك فهد. وقد وقعها أكثر من مائة من العلماء، وأيدها الباقون الذين خافوا وضع توقيعهم عليها.
وقد قامت «هيئة كبار العلماء» وهي هيئة رسمية شكلتها الدولة سنة 1970م، بإصدار بيان يشجب هذه المذكرة ويتهم الذين قدموها بسوء النية. وقام من بين مقدمي النصيحة من فنّد بيان «هيئة كبار العلماء».
وكان حوالي نصف أعضاء «هيئة كبار العلماء» أيدوا المذكرة (النصيحة) دون أن يوقعوها، ولم يوافقوا على البيان الذي أصدرته «هيئة كبار العلماء». فأرسل الملك فهد رسائل خاصة إلى سبعة منهم في 02/12/92 يبلغهم فيها الإعفاء من عضوية الهيئة. وهؤلاء السبعة هم: الشيخ إبراهيم بن محمد آل شيخ، والشيخ سليمان بن عبيد، والشيخ عبد العزيز بن صالح، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الله خياط، والشيخ عبد المجيد حسن، والشيخ صالح بن غصون. وأعلن الإعلام السعودي أن سبب الإعفاء هو حالتهم الصحية. وقبل إعفاء هؤلاء رسمياً كان الملك قد عين في 30/11/92 عشرة أعضاء جدد في الهيئة ليحلوا محل السبعة المقالين، فصارت الهيئة تضم 21 عضواً برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز.
وقد نشرت وسائل الإعلام الدولية في الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر) 92 أن هناك خلافات بين العلماء من جهة وحكومة السعودية من جهة أخرى، مما دعا الملك فهد إلى عقد مؤتمر في قصره في المدينة المنورة في 19/12/92 حاول أن يظهر فيه أنه لا خلاف بينه وبين العلماء وأنه متمسك بالدين. وحذّر من توجيه نصائح بشكل علني. وحذر من استخدام المنابر في بث الآراء (التي لا توافق سياسة الدولة) وقال الملك فهد «بدأنا نرى من بضع سنوات أو من سنتين أموراً ما كنا نعرفها ولا كانت موجودة عندنا نهائيا».
والذي بدأ يراه الملك من سنتين هو النقمة العارمة على سياسته وسياسة حكومته، خاصة بعد حرب الخليج وظهور السعودية على أنها ملك للأميركان وليس للمسلمين. ومن المستبعد أن يستطيع الملك وحكومته وأميركا من فوقه أن يحولوا دون أن يجرفهم التيار الإسلامي المتعاظم.
والمذكرة (النصيحة) مؤشر واضح على الوجهة التي يسير نحوها شعب الحجاز ونجد وبقية شعوب الأمة الإسلامية. وقد رأت «الوعي» أن تنشر نص المذكرة ـ النصيحة على حلقات لأن فيها شيئاً جيداً من الفقه ينفع الأمة، ولأنها تكشف لبعض المخدوعين أن السعودية تحكم بالطاغوت وليس بالإسلام، ولأنها تسلّط الضوء على ساحة من ساحات الصراع بين الأمة الإسلامية وحكامها العملاء.
و«الوعي» بدورها توجه النصيحة لأصحاب المذكرة ـ النصيحة أنفسهم بأن نصيحتهم كان خجولة وناقصة: نصيحتهم لم تتطرق إلى الحل الجذري وهو إلغاء النظام الملكي وإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة. النظام الملكي هو نظام كفر وليس من الإسلام في شيء.
نصيحتهم لم تتطرق أيضاً إلى الهيمنة الأميركية على البلاد في كل شيء. فالنظام ملكي ولكنه ليس بيد الملك ولا الحكومة ولا أهل البلاد، إنه بيدهم شكلاً فقط أما الحقيقة فهو بيد أميركا. ومهما حصل من ترقيعات أو إصلاحات جزئية وبقي الأمر بيد أميركا فالأمر يبقى ضياعاً وإلهاءاً.
نحن متأكدون والذين قدّموا النصية متأكدون أن من وُجهتْ إليهم النصيحة لا يأخذون بها، وفائدة النصيحة هذه أنها تفتح عيون الأمة على التضليل الإعلامي وعلى بعض مكامن الخطر. أملنا أن هؤلاء العلماء الذين قدّموا النصيحة يعرفون أنهم ما زالوا في أول الطريق وأنهم سيتابعون جهادهم هذا، وانهم سيصبرون على ما يلاقون من شدة لأن الأجر عند الله عظيم.
نحن نلتمس لهم العذر في عدم ذكرهم الصريح للنظام الملكي أو للهيمنة الأميركية لأنهم يعيشون تحت سطوة هذا النظام وهذه الهيمنة. ولكن لا عذر لهم إن اكتفوا بتقديم هذه النصيحة وقبعوا في بيوتهم.
الواجب واقع عليهم وعلينا وعلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، واجب إعادة الإسلام إلى المسلمين والعالم: عقيدةً وشريعةً وخلافة ودعوة وجهاداً، وإعادة المسلمين والعالم إلى الإسلام بعقيدته وشريعته وخلافته وحضارته. وفيما يلي نص المذكرة ـ النصيحة:
مقدمة مذكرة النصيحة
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: (وَالْعَصْرِ @ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ @ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) والقائل تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وعلى آله وصحبه أئمة الهدى والدين وعلى التابعين بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
إن المسلم وهو يشاهد التبدّل والتغيّر في أحوال الأمم والشعوب في ظل العقائد المنحرفة التي تؤمن بها ومناهج الحياة الوضعية التي تقاد بها، وما يتبع ذلك من مآس والآم وظلم وإفساد في الأرض واستعباد الناس بعضهم لبعض، يدرك يقيناً حاجة البشرية أجمع إلى دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى لعباده وأرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور. ولما كان المسلمون بهذه البلاد هم أهل بيت الله تعالى وأهل مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم وشرف الله تعالى بلادهم بأن جعلها مهبط وحيه ومبعث رسوله صلى الله عليه وسلم وجعل لغتهم هي لغة كتابه الكريم المحفوظ، فإن هذا الشرف العظيم يرتب عليهم أمانة كبرى ومسؤولية عظمى أمام ربهم تعالى من قيام بواجب الدعوة إلى دين الله، وتحكيم شرعه عزّ وجلّ والوفاء بميثاقه تعالى من النصح بالحق والتواصي به، وهداية الناس لهذا الدين والعمل على إصلاح أحوالهم به، ونصرة إخوانهم من المسلمين وعونهم، وأن يكون المسلمون بهذه البلاد قبل غيرها كما أراد تعالى لهم خير أمة أخرجت للناس وكما اختر لهم أن يكونوا شهداء على الناس.
كما أن ما منّ الله به على أهل هذه البلاد، لما استجابوا لأمر ربهم بالإيمان بعقيدة التوحيد وتحقيق الشرع، من نعمة الوحدة والتآلف بينهم والتمكين في الأرض، والأمن وجلب الثمرات والخيرات من كل حدب وصوب ـ بعد أن كانوا متفرقين، خائفين وفي ضنك من العيش ـ يحتم عليهم قادة وشعوباً القيام بواجب الشكر لله عزّ وجلّ لحفظ هذه النعم وذلك بإقامة أركان الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال عزّ وجلّ: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأََرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُُمُورِ). وإن تخاذل المسلمين حكاماً أو محكومين بهذه البلاد عن القيام بهذه الواجبات العظيمة وإعراضهم عن الالتزام بشرعه سيؤدي بلا شك إلى أن يكون مآلهم ـ عياذاً بالله ـ إلى ما حذر الله تعالى عباده منه من حصول نقمته وتحول عافيته وتبدل الأمن خوفاً، ورغد العيش كرباً كما قال عزّ وجلَ: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). بل قد يؤدي إلى ما أنذر به عزّ وجلّ المقصرين في جناب حقه من استبدالهم بمن يقوم بحق الله تعالى خير قيام كما قال عزّ وجلّ: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، وإن في تبدل واقع الشعوب بهذا العصر من حال إلى حال وزوال الدول العظيمة ووقوع الحرب بين أبناء الشعب الواحد بأقصر زمن لما أعرضوا عن ذكر ربهم لعبرة لأولى الألباب.
ومن هذه المنطلقات والأصول الشرعية الجلية، وإدراكاً للواجب الشرعي على المسلمين جميعاً من ضرورة المراجعة لما هم عليه من أحوال وإصلاح ما فسد منها وتغيير ما خالف الشرع، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم في ذلك والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى دين الله، ووفاء بميثاق الله تعالى على كل مسلم بإبلاغ العلم الشرعي وعدم كتمانه، جرى تأليف مذكرة هذه النصيحة تبصرة ونصحاً، كي تسترشد بها هذه الأمة في طريق النهوض، وتمارس دورها العظيم الذي أخرجها الله تعالى له وأوجبه عليها، وتحفظ نعمه عزّ وجلّ عليها وتحقق بذلك سعادتها وفلاحها في الدنيا والآخرة.
ولقد اشتملت هذه النصيحة على مختارات من القضايا الكبرى التي إذا عولجت علاجاً صحيحاً شرعياً من ولاة الأمر تيسر بعد ذلك معالجة سائر المسائل دونها في الأهمية والخطورة، وتضمنت عرضاً ونصائح لسبل الإصلاح لهذه القضايا ذات العلاقة بما يلي:
-
دور العلماء والدعاة.
-
الأنظمة واللوائح.
-
القضاء والمحاكم.
-
الحقوق والكرامة الإنسانية.
-
الوضع الإداري.
-
المال والاقتصاد.
-
المرافق الاجتماعية.
-
الجيش.
-
الإعلام.
-
العلاقات الخارجية.
ولقد كان رائدنا ودليلنا في ما كتب من نصيحة تتعلق بهذه القضايا والاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون الكتاب والسنة المرجع لكل أمر فيها، حيث أن كل نصيحة أو إرشاد يتعلق بهذه القضايا وكل اختلاف أو تنازع بين الناس بشأن هذه القضايا أو غيرها يجب أن يُرد إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وقال عزّ وجلّ: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) والواجب على المسلم ـ حاكماً أو محكوماً ـ إذا تبيّن له حكم الله ورسوله الاتباع والانقياد له فلا يجوز له أن يتجاوزه أو يتعداه، قال عزّ وجلّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).
ولقد اجتهدنا لكل موضوع بهذه النصيحة، في وضع مقدمة تأصيلية شرعية له يستهدى بها، ثم رصد واقعه وتحديد المناط وتشخيص الحال بعدل وإنصاف قدر الوسع، ثم بيان النصائح للتوصل إلى سبل الإصلاح المنشود.
وإننا نحتسب إلى الله تعالى أن تجد مذكرة هذه النصيحة الإصلاحية صداها الطيب والقبول والترحيب من ولاة أمر المسلمين، ومن كل الغيورين لدين الله المخلصين، الراغبين بصدق في إصلاح أحوال أمتهم وبلادهم، الذين يسعون لأن يكون شرع الله تعالى مهيمناً وأن تكون هذه الأمة كما وصفها الله عزّ وجلّ خير أمة أخرجت للناس.
نسأل الله تعالى العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعز دينه ويعلي كلمته وينصر أولياءه ويذل أعداءه وأن يجمع شمل المسلمين على الحق، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يختم بالصالحات أعمالنا وأن يرينا وإخواننا من المسلمين والمسلمات الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يجنبنا جميعاً الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
دور العلماء والدعاة
مقدمة:
لقد أوجب الشرع على آحاد الأمة وجماعاتها وعلى الدولة المسلمة القيام بالدعوة إلى الإسلام وإبلاغه إلى الناس البلاغ المبين، وذلك بإظهار محاسن الإسلام وسمو أحكامه وتشريعاتهن قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) وقال عزّ وجلّ: (هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ) وقال عزّ وجلّ: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) وقال عزّ وجلّ: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) وقال صلى الله عليه وسلم: «نضرّ الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلّغ أوعى من سامع».
كما جعل عزّ وجلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة للخير من أعظم الواجبات الشرعية على الدولة والأفراد والجماعات قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ). وقال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأََرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ) وقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهَوُنّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم». وقال صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ولما كان حمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب نشر العلم الشرعي والفقه بالدين، حث الشاعر على طلب العلم الشرعي بالأدلة المستفيضة وأوجب قيام ما يكفي من أفراد الأمة بذلك قال تعالى: (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وقال عزّ وجلّ: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ). كما أمر تعالى بأن يرد كل أمر معضل إلى العلماء بشرعه وأمره قال عزّ وجلّ: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) وقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) إلى غير من آيات. وقد سن صلى الله عليه وسلم بسنته العملية من هجرة وجهاد وتطبيق أحكام الشرع قيام الحاكم وولاة الأمر بهذه الواجبات العظيمة من إبلاغ ودعوة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ونشر للعلم، كما سار على ذلك المنهج خلفاءه الراشدون وصحابته رضي الله عنهم جميعاً من بعده.
ولقد نصّ النظام الأساسي ـ بناءاً على ذلك ـ في فقرته الثالثة والعشرين على واجب الدولة في حمل الدعوة بأن قرر أن: «الدولة تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله».
وأن ما سبق ذكره يستلزم أن يكون للعلماء والدعاة في الدولة المسلمة مكانة لا تعدلها مكانه، وأن يكونوا في مقدمة أهل الحل والعقد والأمر والنهي، وإليهم ترجع الأمة حكاماً ومحكومين لبيان الحكم الشرعي لسائر أمور دينهم ودنياهم، كما أن ذلك يقتضي أن يكون ما يقوم به الدعاة والعلماء من نشر للعلم الشرعي وإرشاد للخلق ودعوة للحق، واجباً يتحتم التسهيل له، وتوفير كل مساندة له، وتقديمه على سائر أنشطة الدولة، حيث أن الدعوة للإسلام هي العمل الأصلي للدولة.
واقع دَوْر الدعاة والعلماء حالياً:
إن المتأمل للواقع يجد أحوالاً يلزم تغييرها حتى يمكن للدعاة والعلماء القيام بدورهم المنوط بهم على الوجه المطلوب شرعاً، ونعرض هذه الأحوال للبيان والنصح ولكي يسهل إصلاحها في ما يلي:
1- ضعف دور العلماء في الحياة العامة، وهامشية هذا الدور في قطاعات بالغة الأهمية في حياة الأمة مثل سن الأنظمة، والإعلام وأنشطة المرافق الثقافية والاقتصادية. حيث لا يطلب رأي العلماء الشرعي في كثير من الأعمال التي تقوم بها قطاعات وأجهزة الدولة، ويندر أن يستشاروا في قرارات داخلية أو خارجية هامة تحتاج إلى أحكام الشرعية وقواعد الإسلام التفصيلية حتى تكون صحيحة مشروعة، وقد لا يستجاب لفتاويهم إذا تعارضت مع توجهات قائمة لهذه القطاعات والأجهزة بل قد لا يسمح بنشرها. وكل ذلك ينبئ وقد يؤدي إلى فصل الدين عن واقع حياة الناس وعزله عن التأثير في أمر معاشهم وما قد يترتب على ذلك من أثر خطير يهدم الأصل الذي قامت الدولة له من الدعوة للإسلام وتطبيق أحكامه.
2- عدم استقلالية العلماء عند قيامهم بواجبهم الشرعي وارتباطهم بمؤسسات ودوائر حكومية متعددة، مما أدى إلى تقييد العلماء في فتاويهم، وابتعادهم عن واقع الحياة اليومي واعتبارهم جهة تابعة لا متبوعة مقودة لا قائدة.
3- الحساسية المفرطة تجاه النصح والتوجيه والنقد الهادف البناء المقدم من العلماء والدعاة وأهل الرأي الشرعي للمسؤولين في هذه الدولة وأجهزتها المختلفة، مما أدى إلى التضييق على الدعوة والدعاة وظهور أساليب لم تكن معروفة في سلف هذه الدولة من فصل الدعاة أو عزلهم أو منعهم من القيام بواجبهم في كثير من الأحيان.
4- قصر وسائل الإعلام للموضوعات التي تذاع أو تكتب أو تبث من العلماء والدعاة على المواعظ العامة والقضايا الجزئية، وأحكام الرقابة على كل ما يذاع أو ينشر بهذا الصدد.
5- حصر رسالة المسجد ومواضيع خطب الجمع على الوعظ العام ومنعها من التعرض للقضايا العامة في واقع المسلمين وبيان الرأي الشرعي. وكذلك تحجيم الندوات والمحاضرات العامة التي تعالج قضايا الساعة ومراقبة كل ما يقال أو ينشر فيها.
6- ضعف الدور الدعوي ونشر العلم الشرعي لكثير من مرافق الدولة كأجهزة الإعلام، والسفارات، والوزارات التعليمية والجامعات، والتي يفترض أن تجعل بناء الشخصية المسلمة ونشر العلم الشرعي أهم أعمالها.
سبيل الإصلاح:
وبعد عرض هذه الأحوال القائمة فإننا سعياً لإصلاحها ننصح بما يلي:
أولاً: لتعزيز دور العلماء والدعاة وتمكينهم من القيام بواجبهم الشرعي نقترح:
1- رفع كافة القيود والتعليمات التي تحد من نشاط الدعاة والعلماء، والسماح لهم بالتأليف والنشر والفتاوى والخطابة والمحاضرات وتسجيل الأشرطة وعقد الندوات والحلقات العلمية، دون حاجة إلى ترخيص أو إذن رسمي من وزارة الإعلام أو الأوقاف أو غيرها من أجهزة الدولة، وأن يجعل القضاء الشرعي هو الجهة الوحيدة التي يناط بها النظر في أي مخالفة تنسب إلى الدعاة أو العلماء أو غيرهم وهو الجهة الوحيدة التي تقرر فيما إذا كانت المخالفة تستوجب العقوبة، وأن يقتصر دور الجهات الرسمية في رفع الدعوى أمام القضاء في ذلك.
2- التشجيع وفتح المجال لإنشاء هيئات وجمعيات مستقلة للعلماء والدعاة لا ترتبط بأجهزة الدولة، ووضع لائحة إجرائية تسهل ذلك في الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء، وأن يكون الإشراف عليها وتوجيهها وقيادتها من علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والصلاح، وتخول هذه الهيئات صلاحية تبني النشاطات الدعوية في البلاد ونشر العلم في المرافق الدعوية، وأن تعمل الدولة على إفساح المجال لها لتقديم كل ما تستطيعه من خير لهذه الأمة.
3- تعزيز دور «هيئة كبار العلماء» بتعيين العلماء ذوي الفضل والمشهورين بالقدرة والاجتهاد الذين جعل لهم القبول من أفراد الأمة فيها، وذلك بناء على ترشيح جهات شرعية، كقضاء المحاكم، وأعضاء لجنة الإفتاء والإرشاد ومجلس القضاء الأعلى وأساتذة الشريعة. وأن تكون المفاضلة بينهم على أساس قبول الأمة لهم وتجربتهم الشرعية. وأن تكون عضويتهم بهذه الهيئة غير قابلة للعزل إلا بسبب شرعي موجب.
4- لتحقيق دور العلماء في إرساء قواعد الشرع وأحكامه يجب أن تعرض جميع الأنظمة والمعاهدات المراد سنها قبل إقرارها على «هيئة كبار العلماء» للتأكد من مطابقتها لقواعد الشريعة وأحكامها.
5- تعزيز دور الأوقاف الإسلامية واستقلاليتها للقيام بواجبها الشرعي من توفير النفقات في أوجه الخير والأعمال الصالحة من دعوة أو نشر للعلم الشرعي، وذلك بأن يفصل ما يستحصل من مبالغ ناجمة عن كافة الأوقاف المخصصة لنشر العلم الشرعي أو الدعوة أو الإنفاق على المرافق الدعوية كالمساجد عن ميزانية الدولة، وأن ترتبط بجمعية خيرية للأوقاف مستقلة يديرها مجلس شرعي من القضاة أو العلماء ويتولى المتابعة والإشراف على القيام النظار الشرعيين للوقف أو القاضي الشرعي بجمع نفقات هذه الأوقاف وحفظ ميزانيتها، والإنفاق منها بحسب شروط الواقفين في وجوه الخير.
6- إصدار التعليمات لكافة قطاعات الدولة ووسائل الإعلام والتعليم والنشر بتمكين العلماء والدعاة من أداء واجبهم الشرعي، والأخذ بنصائحهم. كما يجب أن يشجع الدعاة لبيان الحق والدعوة إليه في كافة المجالات وفي التجمعات الرياضية وفي المناسبات التي تمر بالأمة وفي الصحف والمجلات.
7- فتح المجال أمام الدعاة والعلماء من خارج المملكة لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات الدينية والمؤتمرات والحلقات العلمية والمنتديات، وتسهيل إجراءات قدومهم بما يحقق التفاعل والتعاون بين علماء البلاد وإخوانهم من العالم الإسلامي.
ثانياً: لتحقيق قيام الدولة بالواجب الشرعي في الدعوة بالداخل والخارج وتعزيزه نقترح ما يلي:
1- أن تعتبر السفارات والقنصليات بالخارج دوراً للدعوة للإسلام وإبلاغه للأمم ورعايا الدول الأخرى ورعاية شؤون المسلمين، وهذا يستوجب تدعيم السفارات بالدعاة المؤهلين والعلماء المتفرغين وحسن اختيار السفراء والقناصل للقيام بحسن عرض الإسلام والدعوة إليه.
2- إنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية خاصة للدعوة إلى الإسلام وتعليم أحكامه باللغات العالمية، وتخصيص أوقات مناسبة من البث الحالي للإذاعة والتلفزيون الرسميين لذلك. وأن يجعل الإشراف على برامج الدعوة وإبلاغ الإسلام وتعليمه للهيئات الدعوية والشرعية والمتخصصين في ذلك، وأن يحرص على زيادة البث زمانياً ومكانياً والاستفادة من التقنية الحديثة في ذلك لكي تبلغ الدعوة كافة أقطار المعمورة.
3- الاهتمام بتعليم أبناء الاقليات الإسلامية وتمكينهم من القيام بدور قيادي لنشر الإسلام والدعوة إليه في بلادهم عن طريق زيادة المنح الدراسية لهم في كافة جوانب المعرفة، وفي العلوم الشرعية خاصة، وكذلك عن طريق فتح المعاهد والمدارس والكليات الشرعية في بلاد المسلمين المختلفة وتخصيص موارد ثابتة دائمة للإنفاق عليها.
لضمان قيام مرافق الدولة المختلفة بأعمالها على هدى الشرع والإرشاد لمنسوبيها فيما يتعلق بعملهم من أحكام شرعية يجب أن يجعل في كل جهاز حكومي في الداخل والخارج إدارة متخصصة في الشؤون الشرعية تتولى تقديم الاستشارات الشرعية والتأكد من مطابقة قرارات هذه الأجهزة والمرافق لأحكام الشرع والقيام بالنصح والتوجيه لمنسوبيها في ذلك. وأن ترتبط هذه الأجهزة بجهات شرعية كالرئاسة العامة للبحوث والإفتاء والإرشاد أو هيئة الأمر بالمعروف أو وزارة العدل.
5- أن تدعم مؤسسات الدعوة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مالياً ومعنوياً ووظيفياً وأن يعاد النظر في أنظمة وكادر هذه الهيئات بحيث يمكن توظيف حملة الشهادات الشرعية المتقدمة فيها واستقطاب الكفاءات الدعوية والقضائية المتميزة لها، وأن تخول لها الصلاحيات المناسبة وتوفر لها الإمكانات والتجهيزات اللازمة من وسائل نقل أو تقنية حديثة لتمكينها من القيام بدورها لبيان الحق والدعوة إليه.
6- أن يهتم بالمناطق النائية والقرى والأرياف بدعوة أهلها وتعليمهم أمور دينهم وإرشادهم وأن يبعث إليهم بالوفود واللجان وأن تخصص لذلك ميزانيات خاصة في الهيئات الدعوية والمرافق التعليمية حتى يتحقق البلاغ ونشر العلم بكافة المناطق.
الأنظمة واللوائح
مقدمة:
إنه مما علم من دين الإسلام بالضرورة وجوب الاحتكام إلى شرع الله وتحكيمه في جميع شؤون الفرد والأسرة والدولة،وعلاقة الأمة بالدولة، وعلاقة الدولة والأمة بغيرها من الدول والأمم. كذلك من المعلوم وجوب أن يكون شرع الله وحده هو المهيمن على ما سواه وأن تتحقق سيادة الشرع التامة على أعمال الدولة وأنظمتها وتصرفاتها ولوائحها وكافة جوانب الحياة فيها.
ولعل مما يبشر بالخير أن يصرح العديد من ولاة الأمر في مناسبات شتى بأنه استناداً إلى ذلك سيجري مراجعة أنظمة ولوائح البلاد وتنقيتها وإلغاء كافة ما يخالف الشرع منها، وأن ينص النظام الأساسي على أن الشريعة الإسلامية هي الحاكمة في كل أنظمة الدولة. ولذا رأينا قياماً بواجب النصح أن نقدم هذه المذكرة نبين فيها قضايا كلية تتعلق بواقع الأنظمة وسبل إصلاحها وكيفية إسنادها إلى الشرع، مع ضرب الشواهد والأمثلة على بعض المخالفات الموجودة حالياً في العديد من الأنظمة القائمة بهدف العمل على تعديلها أو إلغائها واستبدالها بالأنظمة الشرعية.
أولاً: أنواع الأنظمة:
إن المراجعة والنظر في الأنظمة واللوائح والأوامر يظهر جلياً أنها تحتوي على نوعين من الأحكام أو المواد. النوع الأول منها: المواد أو الأحكام التشريعية وهي المواد التي تنص على أحكام تكليفية سواء بالإلزام (الوجوب) أو المنع (التحريم) أو الإذن والتجويز (الإباحة) أو تنص على بيان أسباب وشروط واستثناءات وموانع وصحة وفساد أو بطلان هذه الأحكام التكليفية. فهذا النوع من مواد الأنظمة يتعلق بأفعال المكلفين الأصلية والحكم عليها. وقد أطلق علماء الأصول في الشريعة على هذا النوع اسم خطاب التكليف وخطاب الوضع. إلا أن الملاحظ أنه لا يوجد بالأنظمة القائمة حكم بالاستحباب أو الكراهية حيث أنها متعلقة بالثواب والعقاب الأخروي وهو ما لا تجعله الأنظمة موضع نظر عند سن أحكامها.
النوع الثاني: المواد أو الأحكام الإجرائية وهذه هي المواد التي تنص على أحكام تتعلق بوسائل مادية وأساليب تنفذ بها الأحكام التشريعية. وهو ما أطلق عليه علماء أصول الشريعة أحياناً اسم المصلحة المرسلة.
فعلى سبيل المثال: إن جمع الزكاة على أموال مخصوصة، وتحديد من تجب عليه، وتوزيعها على أصناف مخصوصة من الناس كل ذلك يعد أحكاماً تشريعية حيث أن الحكم بوجوب جمع الزكاة من قبل الدولة، وعدم جواز دفعها لغير ألها، وشروط الزكاة من حول ونصاب وسببها، وما يمنع إخراجها من دين ونحو ذلك، كل هذا يعد أحكاماً تشريعية لأفعال المكلفين بالتكليف أو الوضع.
أما الوسائل المستخدمة للقيام بهذا الحكم التشريعي من وسائل النقل، والسجلات الخطية أو المغناطيسية، وكيفية اتصال الجباة بالناس إما بالذهاب إليهم أو دعوة الناس إلى تسديد زكاتهم بدائرة الزكاة بالكتابة إليهم بالبريد المسجل، والفترة التي يجري بها ذلك من أول الحول أو وسطه أو آخره فإن كل هذه الأمور تعد أحكاماً إجرائية تتعلق بأسلوب ووسيلة تنفيذ هذا الحكم التشريعي.
وكمثال آخر إن اشتراك الناس في الطريق والمنافع العامة وإباحة حق الانتفاع لهم بالسير فيها، ومنع اختصاص أحد دون أحد في ذلك، يعد أحكاماً تشريعية. أما تنظيم تنفيذ هذه الأحكام بوسائل وأساليب متنوعة كالأرصفة، وعلامات المرور ولوحاته، والخطوات الإجرائية اللازمة للتثبت من أهلية قادة المركبات عليها كل ذلك يعد أحكاماً إجرائية.
وكمثال ثالث ينص نظام الشركات في مادة (2) على أن أحكام النظام تسري على الشركات المحددة به والتي تشمل شركة التضامن، وشركة التوصية البسيطة والمحاصة، والمساهمة… إلخ ثم ينص النظام على بطلان كل شركة لا تتخذ الأشكال المذكورة مع عدم المساس بالشركات المعروفة بالفقه الإسلامي. فهذه المادة تعد حكماً تشريعياً لأنها حكمت على فعل المكلفين في شراكة بالصحة إذا وافق الهيئة أو الشكل الذي حددته لأنواع الشركات، وحكمت بالبطلان على ما يخالف ذلك كما ألزمت بأنواع معينة من أفعال المكلف إذا أراد عقد شركة وهي أشكال الشركة المحددة بالنظام.
وفي مادة 12 نص النظام على أن جميع العقود والمخالصات والإعلانات وغيرها من أوراق الشركة يجب أن تحمل اسمها وبيان عن نوعها ومركزها الرئيسي. ونص النظام في مادة 123 على أن مجلس الشركة المساهمة يُعِدُّ في نهاية كل سنة مالية جرداً لأصول الشركة ويعد ميزانية الشركة وحساب الأرباح والخسائر وحددت مادة 124 طرق تبويب الميزانية وحساب الأرباح والخسائر، فهذه المواد رقم 12، 123، 124 والتي تتضمن تعريف وسائل مادية وإجراءات تنفذ بها الشركة أعمالها تعد أحكاماً إجرائية… وهكذا.
ثانياً: الأحكام التشريعية يجب استنباطها من أدلة الشرع ويحرم أخذها من غيره:
إن سيادة الشرع الإسلامي تقتضي أن تكون جميع الأحكام التشريعية مستنبطة باجتهاد صحيح من أدلة الشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع وما دلت عليه من قواعد شرعية وطرق استنباط الأحكام بالقياس وغيره كما هو مفصل بكتب الأصول. فقد أوجب تعالى الرجوع إلى كتابه وسنة رسوله في كل أمر وجعل ذلك شرط الإيمان قال تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأََمْرُ) وقال: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) وقال: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) وقال: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) وقال: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأََمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) إلى غير ذلك من آيات. وقال عليه السلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وجعل تعالى الرجوع والتحكيم لغير شرعه ضلالاً مبيناً، وسمى كل شرع غير شرعه طاغوتاً قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا). وأجمع سلف الأمة على وجوب تحكيم شرع الله والانقياد له، وأنه لا يسع أحداً الخروج عليه، ولهذا قاتل سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم من ارتد عنه بمنع الزكاة، ولذا فإن الحكم التشريعي يجب أن يقتصر مصدره وأدلته على أدلة دين الإسلام الشرعية، وقبول أي مصدر غير الإسلام للأحكام التشريعية يعد تحاكماً إلى الطاغوت ويحرم فعله سواء وافق الطاغوتُ الشرعَ أم خالفه لأن الواجب على المسلم الكفرُ بالطاغوت على كل حال، ولذا فإن الرجوع إلى القانون الجنائي الفرنسي لأحكام العقوبات، أو القانون المدني المصري لأحكام الشركات مثلاً والحكم بها بين الناس لا يجوز مطلقاً سواءاً وافقت الشرع أم خالفته لأن الرجوع إليها تحكيم للطاغوت وإيمان به ويحصل به الضلال البعيد، والكفرُ أو الفسق أو الظلم عياذاً بالله من فعل ذلك.
ثالثاً: الأحكام الإجرائية يجب ألا تخالف الشرع وتؤخذ بحسب تحقيقها للمقاصد المشروعة:
دل الكتاب على أن الوسائل المادية في الكون مباح الانتفاع بها لتسخيرها من الله تعالى لخلفه وامتنانه عليهم بها قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) كما دلت السنة وفعل الخلفاء الراشدين على أن الأحكام الإجرائية والأحكام الدنيوية المحضة جائزة على وجه العموم إذا لم يرد دليل خاص بتحريم فرد منها وذلك نحو ما ثبت في حديث تأبير النخل في قوله عليه السلام: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم» ونحو (حفر الخندق اقتباساً من الفرس) كسياسة دفاعية (وتعليم بعض الصحابة صناعة الدبابات واستخدام المنجنيق)، (واستخدام عمر رضي الله عنه الديوان اقتباساً من غير المسلمين) لتنظيم أمور العطاء إجرائياً إلى غير ذلك من أمثلة. ولهذا متى تبث كون الحكم إجرائياً فإن أي وسيلة وأسلوب ينفذ به الحكم التشريعي المستنبط من أدلة الشرع يجوز اقتباسها بحسب تحقيقها للمقاصد على احسن وجه، مع الحرص على تبسيط هذه الإجراءات وتيسيرها والرفق بالناس عند سنها إذا تعلقت بالدولة. وهذه الوسائل والإجراءات هي ما أطلق عليه علماء أصول الشريعة أحياناً اسم المصلحة المرسلة باعتبار أنه لم يرد دليل خاص لها وإنما تندرج تحت الحكم التشريعي العام والذي تعد وسيلة وأسلوباً لتنفيذه.
رابعاً: تقييد المباح أو الإلزام به:
شاع بين الناس أنه يجوز للدولة المنع والإلزام بمباح لما يسمى بالمصلحة العامة استناداً إلى كون الشرع قد خير المكلف في المباح بين الفعل والترك. ولقد نجم عن هذا الظن الفاسد تحريم ما أحل الله ورسوله وإيجاب ما لم يوجبه تعالى وإلزام الرعية بذلك وعقابهم على مخالفته دون قيد شرعي منضبط أو إذن من الشارع الإسلامي بذلك. ولقد أنكر تعالى على من حرم ما أحل عزّ وجلّ أعظم الإنكار وسمى من فعل ذلك على وجه التشريع مشركاً قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) وقال عزّ وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ). وقال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ) إلى غير ذلك من آيات. وقد نهت الشريعة أن يلزم الإنسان نفسه بأن يمتنع عن فعل مباح، حتى لو كان بقصد التعبد(1) نحو إنكار الرسول عليه السلام على من ألزموا أنفسهم بترك أكل اللحم أو نكاح النساء، وعلى من نذر أن لا يجلس ولا يستظل. فإذا كان هذا في حق المكلف الذي قصده التعبد(1) بترك المباح، فكيف يحل للدولة أن تحرم بعض المباح عموماً أو أن تعلق فعله على إذنها وترخيصها. وإنما دلت الأدلة الشرعية التفصيلية أنه يجوز للدولة التدخل بالإلزام أو المنع من فرد من أفراد المباح مؤقتاً في أحوال مخصوصة مقيدة بقواعد شرعية منضبطة نعرضها في ما يلي لكي يزول الالتباس في هذا الباب.
الحالة الأولى: أن يكون المباح مؤدياً إلى ضرر أو إلى حرام فللدولة أو الإمام التدخل في هذه الحالة لمنع حصول الضرر والمحرم وذلك نحو منع من كان مريضاً بالإيدز أو الجذام المعدي، عياذاً بالله، من الزواج لمنع نقل العدوى ونحو منع من كف أو ضعف بصره من قيادة المركبات في الطرق للضرر الحاصل وهذه القاعدة ثابتة بأحاديث منع الضرر والإضرار وقاعدة منع ما يوصل إلى حرام نحو المنع من سب آلهة المشركين إذا ظن أنهم يسبون الله عدوا بغير علم. ونحو منع الرسول عليه السلام في أول الإسلام المسلمين من ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث لضرر المجاعة، ونحو فعل عثمان رضي الله عنه بالإلزام بقراءة المصحف بلهجة قريش عند خشية المحرم من فرقة المسلمين وفتنتهم في أمصار إذا لم يفعل ذلك. وموضوع الضرر أو المحرم أمر يمكن إدراكه والتحقق من واقعه وليس أمراً مبهماً كالمصلحة العامة، ولهذا إذا تدخل الدولة لمنع ضرر أو محرم يجب منعه شرعاً فإنه يتحتم عليها إثبات الدليل على وجود الضرر أو الحرام حتى يكون عملها وفق الشرع في ذلك.
الحالة الثانية: أن يكون أمر المباح متعلقاً بشؤون الدولة الخاصة بها كشؤون جيشها وموظفيها ونحوه فلها حينئذ الإلزام والمنع لمن يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها لتحقيق مقصد شرعي وذلك نحو إلزام موظفي الدولة بدوام مخصص أو إلزام جنودها بلبس معين ونحوه، ولقد ثبت هذا بالسنة وأعمال الخلفاء الراشدين حيث منع الرسول صلى الله عليه وسلم العمال من قبول الهدايا، وكان عمر رضي الله عنه يقاسم عماله أموالهم ويشترط عليهم ذلك، ومنع عماله من وضع أبواب أو حجب مغلقة دون رعيتهم.
الحالة الثالثة: تنظيم المرافق والأموال العامة التي يشترك فيها المسلمون. حيث ثبت بالسنة أن ما كان من مرافق المسلمين يشتركون فيه نحو الماء والكلأ والنار والطرق العامة، وما كان من الأموال العامة كالفيء والغنائم فإن تنظيمه متروك للدولة لتحقيق المقصد الشرعي بعدم اختصاص أحد دون أحد فيه وتحقيق صلاح المسلمين بتوزيعه، ولها عند ئذ الإلزام أو المنع من بعض أفراد المباح على هذا الوجه الشرعي. حيث أن النبي عليه السلام حمى النقيع، واسترجع إقطاع أبيض بن حمال لمنجم الملح لحاجة الناس إليه، ووزع أموال حنين على المهاجرين لفقرهم وعلى المؤلفة قلوبهم دون الأنصار رضي الله عنهم جميعاً، وأمر بجعل الطريق سبعة أذرع لتنظيم السير فيه، وقضى بحكمه في السيل بأن يرسل الأعلى على الأسفل وحمى عمر رضي الله عنه الشرف والربذة إلى غير ذلك من أمثلة تدل على أن للإمام أو الدولة التدخل لتنظيم المرافق والأموال العامة التي يشترك فيها المسلمون لتحقيق مقصد شرعي.
الحالة الرابعة: تنفيذ فروض الكفاية المنوطة بالدولة. حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروض الكفاية منوطاً بالدولة كجمع الزكاة والجهاد ونحو ذلك. فللدولة حينئذ وضع تنظيم بالمنع والإلزام لمن يتعلق بهم ذلك فقد شرع الرسول عليه السلام الاكتتاب للجهاد والزم من اكتتب بالحضور وعدم التغيب إلا أن يؤذن له، وكان عثمان يحدد شهراً معيناً لجمع الزكاة كما ورد بالموطأ. ولهذا ما كان من فروض الكفاية المنوط إقامته بالدولة فلها تنظيمه بالإلزام أو المنع لتحقيق إقامته وفق الشرع. أما إذا كان فرض الكفاية لا يتعلق بالدولة نحو الاجتهاد في استنباط الأحكام فليس للدولة عند ذلك التدخل أو منع المجتهدين أو إلزامهم.
ومن هذا العرض للقواعد الشرعية المبيّنة للأحوال المخصوصة التي أذن الشارع الإسلام للدولة بالتدخل فيها بالمنع أو الإلزام من بعض أفراد المباح بهدف تحقيق مقصود شرعي يظهر جلياً أنه في غير هذه الأحوال فإن الأصل أن المباح ليس للدولة تحريمه والمنع منه أو إيجابه، أو قصر فعله على من حصل على ترخيص منها، لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم تعالى، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل فليس لمخلوق المنع أو الإلزام به على وجه الإطلاق، وليس للدولة ذلك إلا وفق الأحوال المبيّنة للشرع والمفصلة في ما سبق. ولهذا لا يجوز للدولة منع الطلاق أو النكاح إلا بإذنها، أو منع المسلم من فعل تجارة أو شركة مشروعة أو الإلزام بشيء من ذلك حيث أن ذلك في الحقيقة تغيير للشرع وتعطيل له.
واقع الأنظمة من خلال بعض الأمثلة والشواهد:
بتطبيق القضايا الكلية السابقة على الأنظمة المطبقة حالياً يظهر مخالفة العديد منه للشرع المطهر ونضرب هنا شواهد على سبيل المثال لا الحصر لبيان ذلك:
1- أن معظم الأنظمة تتضمن أحكاماً تشريعية منقولة عن مصادر قانونية عربية أو غربية في بلاد أخرى لا تحكّم الشرع في شرائعها فنظام الأوراق التجارية منقول عن نظام جنيف للأوراق التجارية، ونظام الشركات نصت مذكرته التفسيرية على أنه مستمد من «الصالح من أحكام أنظمة الدول الأخرى» ونظام العمل والعمال منقول عن الاتفاقيات والأنظمة الدولية العمالية، ونظام مكافحة التزوير يتشابه في كثير من مواده وتعابيره من القوانين الأوروبية وعلى الأخص الألمانية والفرنسية… وهكذا ولذا فإن الأنظمة الحالية مستمدة في أغلبها من مصادر لا تحكّم الشرع الإسلامي أصلاً، وهذه المصادر لا يجوز الرجوع إليها بحال لمن آمن بالله تعالى رباً له الحكم والأمر وبالإسلام ديناً ومحمد نبياً ورسولاً مشرّعاً، ولذا فإن كل ما نقل منها يعد تحكيماً لغير الشرع ومخالفة صريحة له نظراً لعدم استناده إلى الأدلة الشرعية، وعدم استنباطه وإرجاعه إلى ما شرع الله تعالى بالاجتهاد الشرعي الصحيح.
2- نصت معظم الأنظمة القائمة على تشكيل لجان لها صلاحيات القضاء وملزمة بالحكم وفق أحكام ومراد النظام، حيث يوجد ذلك على سبيل المثال في نظام العمل والعمال، ونظام الأوراق التجارية، ونظام المحكمة التجارية ونظام الشركات، ونظام المحكمة التجارية، ونظام الشركات، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام العقوبات العسكري، ونظام محاكمة الوزراء، ونظام مكافحة الرشوة إلى غير ذلك من أنظمة، وكل هذا مخالف للشرع نظراً لأنه جعل القضاء وفق أحكام النظام والتي قد توافق أو تخالف الشرع، كما أنه أدى إلى عزل القضاء الشرعي عن النظر في هذه الجوانب من حياة الناس وهو ما يخالف ما جاء بالكتاب من وجوب الرد إلى الله ورسوله في كل ما شجر وتنازع فيه الناس، فضلاً عن تشتت أحكام القضاء وتضاربها أحياناً بين الأنظمة.
3- أجازت بعض الأنظمة مخالفات وأموراً محرمة لمن يتعلق بهم ذلك، نحو إباحة إصدار سندات قرض للشركات المساهمة وعقود التسهيلات الائتمانية وحسابات الفوائد بالبنوك، وهي في حقيقة أمرها وثائق ربوية بحسب العرف السائد عالمياً، ونحو التمييز والتفرقة بين المسلمين وتسمية المسلم أجنبياً في مواد أنظمة لا تحصى باعتبار الموطن الإقليمي، وعلى أساس المولد، مخالفة بذلك أحكام دار الإسلام المعلومة من الدين، ونحو إسقاط الحقوق وعدم سماع الدعاوى بالتقادم، كما في نظام العمل والعمال ونظام الأوراق التجارية بعد مضي مدد معينة بالنظام. ونحو الإذن بالتجسس وتفتيش البيوت، المحرم شرعاً، في اللائحة التنظيمية للتحقيق والادعاء للمتهمين وغير المتهمين بهدف إثبات الجرم، مع أن الأصل براءة الذمة أنه لا يجوز التجسس أو انتهاك حرمة البيوت بالآيات القرآنية القطعية، ولم يستثن في ذلك إلا الاستنقاذ حرمة محقق هلاكها ويفوت استدراكها كقتل نفس أو انتهاك عرض كما فصّل الفقهاء.
4- منعت بعض الأنظمة ما أباح الله تعالى ورسوله إلا بإذن الدولة أو ألزمت وأوجبت بما لم يلزم به شرع الله، على غير الأحوال المأذون بها شرعاً، وذلك نحو الإلزام بأنواع شركات معينة وإبطال الشركات التي لا تتفق مع أشكال الشركات المحددة بالنظام، ونحو نظام التستر الذي يحرم كافة أعمال الشراكة والعقود المجمع على إباحتها شرعاً بين المواطنين وغيرهم من المسلمين إذا تمت بخلاف تعليمات الدولة ويعاقب على ذلك، وكان له الأثر السيئ على الاقتصاد المحلي حيث أدى إلى تسرب مدخرات غير المواطنين إلى الخارج وعدم الاستفادة منها محلياً، ونحو نظام استثمار المال الأجنبي الذي يمنع المسلمين من الشراكة والتجارة المباحة مع بعضهم البعض إلا بترخيص وزارة الزراعة وفق تنظيم استيراد وبيع الآلات الزراعية، ونحو إلزام رب العمل والعمال كالإلزام بعلاج العامل ومعاشة التقاعدي وتأمينه اجتماعياً، ونحو منع البنوك من مزاولة الأعمال التجارية المباحة مما يؤدي إلى قصر عملها على التعامل الربوي إلى غير ذلك من أمثلة.
5- أقرت بعض الأنظمة الاحتكارات والامتيازات غير المشروعة نحو قصر استغلال المرافق العامة على الطرق الطويلة إلا على شركة بعينها أو المنع من الطيران التجاري لغير الخطوط السعودية، ونحو منع غير البنوك من مزاولة الأعمال المصرفية وقبول الودائع إلى غير ذلك من شواهد.
6- فرضت كثير من الأنظمة رسوماً ومكوساً دون تقديم عوض مادي لها من الدولة ودون استدلال شرعي يوجب ذلك، وأمثلة هذه كثيرة نحو رسوم الجمارك الزائدة عن مقدار زكاة التجارة، ونحو رسوم المرور والبلديات ورسوم الجوازات والرخص وغير ذلك وكل هذا مخالف للشارع الذي لم يجز أخذ المال من أهله إلا بالوجه المأذون به شرعاً.
7- قررت كثير من الأنظمة عقوبات على من خالف أحكامها، وقد غلب على هذه التعليمات ما تقرر بالقوانين الوضعية التي استمدت منها من قصر العقوبات على السجن والغرامة المالية، ولم يؤخذ بهذه الأنظمة عقوبات التعزير التي جاء بها الشرع. ولقد ترتب على هذه المخالفة فساد كبير، فعقوبة السجن أدت إلى ازدحام السجون وزيادة الكلفة على الدولة في أمر المساجين، وضياع من يعولهم السجين بحبسه عن الكسب، وتعليم السوء من بعض المساجين لبعض، كما أن عقوبة الغرامة المالية يحصل بها إجحاف للفقير ولا يرتدع بها الغني وقد تؤدي إلى أكل المال بالباطل.
سبيل الإصلاح:
بتأصيل ما ذكر يظهر أن الواجب الشرعي المتعين على ولاة الأمر بهذه البلاد المبادرة إلى مراجعة الأنظمة القائمة مراجعة شاملة لتنقيحها وإلغاء كل مخالفة للشرع بها وكذلك العمل على وضع أنظمة شعرية بدلاً من ما يتعسر تنقيحه منها، وننصح بهذا الصدد بما يلي:
1- مراجعة الأنظمة القائمة بالنظر في كل مادة بها على حدة واعتبار هذه المواد مستمدة ابتداءا من غير المصادر الشرعية وبالتالي إبطال كل مادة تشريعية منها لا يشهد لها دليل شرعي باستنباط واجتهاد صحيح.
2- مراجعة الأنظمة لإلغاء كل إيجاب أو منع من ما أباح الشرع في غير الأحوال المخصوصة التي بيّنها الشارع باعتبار أن المنع أو الإلزام بالمباح كتحليل المحرم لا يحل لأحد تغيير حكم الله فيه.
3- إلغاء كافة اللجان ذات الصلاحيات القضائية في الأنظمة وإحالة كافة القضايا واختصاصات هذه اللجان إلى المحاكم الشرعية.
4- إنشاء محكمة شرعية عليا للنظر في الدعاوى التي ترفع بشأن مخالفة الأنظمة واللوائح للشرع وما نص عليه النظام الأساسي من أن الشريعة حاكمة عليها، ولإبطال وإلغاء ما يثبت مخالفته منها.
5- تغيير العقوبات المنصوص عليها بالأنظمة بعقوبات التعزير الشرعية أو ترك ذلك لقضاة الشرع والذين هم حرس على حسن تطبيقه ومنع الخروج عنه.
6- تحويل الأقسام الأكاديمية والتعليمية للأنظمة بالجامعات ومعهد الإدارة إلى أقسام تعني بالدراسة المتخصصة للفقه الشرعي وأصول استنباط أحكامه ودراسة الفقه المقارن للمذاهب الإسلامية وأن لا يقبل بها إلا الطلبة الموهوبون لتخريج فقهاء متميزين وللاستفادة من الثروة التشريعية الفقهية الهائلة لدى المسلمين في وضع الأنظمة. وأن يمنع دراسة القوانين الغربية إلا في الدراسات العليا للمتضلعين بالفقه الشرعي بأن تدرس كما تدرس عقائد الكفر لدحضها وبهدف نقضها وبيان فسادها وما يخالف الشرع منها.
كما ننصح عند سن أو وضع أنظمة جديدة بما يلي:
7- أن يوضع لكل نظام أو لائحة مذكرة فقهية شرعية تبيّن الأدلة الشرعية التي استنبطت منها مواد النظام إن كانت أحكاماً تشريعية، أو تبيّن كون المواد أحكاماً إجرائية لا تخالف الشرع تندرج تحت حكم تشريعي مشروع وتعد وسائل لتنفيذه ويتحقق بها المقصد المطلوب.
8- عدم الرجوع عند وضع الأنظمة إلى أنظمة الدول الأخرى أو أحكامها للاقتباس منها لكونها أنظمة لا تحكم الشرع أصلاً ولأنها في مجملة مشاقة لأحكام الله ورسوله.
9- يجب أن تكون اللجان التي يعهد إليها باقتراح الأنظمة التشريعية لجاناً شرعية تقتصر عضويتها على من استكملوا أهلية الفقه والاجتهاد لاستنباط الأحكام سواء كانوا من أهل البلاد أو من غيرهم من علماء الشرع في بلاد المسلمين، فإن تعذر ذلك فلا بد أن تقتصر عضوية اللجان على ذوي القدرة على الفتوى والرجوع إلى كتب الفقه المعتبرة واستخراج الأحكام منها. ويمكن لهذه اللجان أن تستعين بأهل الخبرة بالواقع من فنيين وإداريين وغيرهم لبيان الواقع وتفصيلة ـ عند الحاجة ـ ولكن دون أن يجعل لهؤلاء الخبراء غير الشرعيين دور في وضع الأحكام التشريعية وبيانها.
أسماء الموقعين
1- من كبار المشايخ ومشاهير الدعاة:
-
فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله العقلاء ـ علامة مدينة بريده وأستاذ لثلاثة من أعضاء هيئة كبار العلماء.
-
فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المسعري ـ رئيس ديوان المظالم سابقاً وقرين الشيخ ابن باز والشيخ ابن حمد رحمه الله.
-
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الجبرين ـ عضو إفتاء في الرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد وقد زكىّ المذكرة.
-
د. عبد الله الزابد ـ رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً.
-
فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العوده ـ غني عن التعريف وزكىّ المذكرة.
-
فضيلة الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي ـ غني عن التعريف وقد زكىّ المذكرة.
-
فضيلة الشيخ عبد الله بن حمد الجلالي ـ غني عن التعريف وقد زكىّ المذكرة.
-
فضيلة الشيخ عبد الله بن حمود التويجري ـ رئيس قسم السنة في جامعة الإمام «الرياض».
-
فضيلة الدكتور سعيد آل زعبر ـ أستاذ الإعلام بكلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام «الرياض».
-
فضيلة الشيخ عبد الوهاب الطريري ـ محاضر بقسم السنة وخطيب جامع الملك عبد العزيز بالرياض.
-
فضيلة الشيخ عائض القرني ـ غني عن التعريف.
-
فضيلة الشيخ عوض القرني ـ محاضر بفرع جامعة الإمام بأبها وداعية معروف.
-
فضيلة الشيخ سعيد بن ناصر الغامدي ـ محاضر بفرع جامعة الإمام بأبها وداعية معروف.
-
فضيلة الشيخ الدكتور حمد بن إبراهيم الصليليح ـ عني عن التعريف.
2- من مشاهير الخطباء والدعاة:
-
الشيخ عادل بن سالم الكلباني ـ إمام وخطيب «سابق» وداعية معروف.
-
الشيخ محمد بن سليما المحيسني ـ إمام وخطيب وداعية معروف «القصيم».
-
الشيخ عبد الله بن إبراهيم الريس ـ إمام وخطيب «الرياض».
-
الشيخ سعد بن عبد الله السعدان ـ إمام وخطيب «الرياض».
-
الشيخ مازمن بن عبد الكريم التريح ـ إمام وخطيب «الرياض».
-
الشيخ صالح بن سليمان الهمدان ـ إمام وخطيب «الرياض».
-
الشيخ صالح بن سليمان السديري ـ إمام وخطيب «القصيم».
-
الشيخ سعد بن ناصر الغنام ـ إمام وخطيب «الرياض».
-
الشيخ عبدا لواحد بن عبد الله المهيدب ـ داعية معروف «الرياض».
-
الشيخ محمد بن علي المسعري ـ إمام وخطيب الجامع الكبير «بريدة».
-
الشيخ حمود بن غزاي الحربي ـ مدير عام الهيئات «الرس».
-
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الجهني : داعية معروف «الخرج».
-
الشيخ صالح الرشودي ـ عضو الهيئة وداعية معروف «الرياض والقصيم».
-
الشيخ محمد بن عبد العزيز الماجد ـ إمام وخطيب «سابق» وعوض الهيئات «الرياض».
3- من الأعيان ورجال الأعمال ومدراء المدارس:
-
المحامي سليمان بن إبراهيم الرشودي.
-
الأستاذ إبراهيم بن محمد السهرقي.
-
الأستاذ عبد الله بن سليمان الخربوش.
-
الأستاذ محمد بن زامل اللعبون.
-
الأستاذ عبد الرحمن بن ناصر العضب.
-
الأستاذ عصام بن عبد الله السناني.
-
الأستاذ محمد بن عبد الله الفالح.
-
الأستاذ علي بن خضير الخضير.
-
الأستاذ نصار بن جار الله الجميل.
-
الأستاذ عبد الله بن محمد السويلمي.
-
الأستاذ عبد العزيز بن محمد المهرز.
-
الأستاذ محمد بن عبد الرحمن الدبيخي.
-
المهندس عبد الله بن محمد المهرز.
-
الأستاذ عبد الرحمن بن صالح الغليلي.
-
الأستاذ عبد الرحمن بن محمد المهرز.
-
الأستاذ أحمد بن عبد الله إبراهيم.
-
الأستاذ أحمد بن صالح الصنعاني.
-
الأستاذ علي بن محمد العبود.
-
الأستاذ عبد الرحمن بن علي العبد الله.
-
الأستاذ محمد بن ناصر المنبحن.
-
الأستاذ صعب بن حمد الجاعود
-
الأستاذ عبد العزيز بن سعد الزبر.
-
الأستاذ فهد بن سليمان القاضي.
-
الأستاذ عبد الله سليمان العميريني.
-
الأستاذ حمد بن صالح الجاسر.
-
الأستاذ محمد بن إبراهيم السدحان.
4- من أساتذة الجامعات:
(جامعة الإمام «القصيم»)
د. صالح الوئبان. د. محمد المديفر.
د. يحيى الهجمي. د. عبد الله الجاسر.
د. صالح السلطان.
(جامعة الإمام «الرياض»)
د. محماس الجلعود. د. بشر البشر.
د. خالد العجيمي. أ. حسن بن صالح الحميد.
د. عبد الرحمن العشماوي. د. عبد الرحمن السحبياني.
د. عبد الله وكيل الشيخ. أ. محمد المفدى.
د. إبراهيم الغصن. أ. سعد الطويل.
(جامعة الملك سعود)
أ.د. ناصر بن سعد الرشيد. د. صالح الرهيمي.
أ.د. عبد النافع. د. صالح العمير.
أ.د. سعد حليله الغامدي. د. حسين مشهور الحازمي.
أ.د. محمد المسعري. د. فهد السدحان.
أ.د عبد العزيز السليمان. د. حامد السويدان.
د. عبد الرحمن الطريري. د. خالد الحميضي.
د. شبل آل دخيل الله. د. عبد الله المعهول.
د. صالح الدباسي. د. عبد الوهاب رجب.
د. حمدان الحمدان. د. سعد الفقيه.
د. محمد الشمراني. د. صالح العمير.
د. إبراهيم العهود. د. إبراهيم الشهوان.
(جامعة الملك سعود)
د. محسن العواجي. د. سعد القاضي.
د. يوسف الدريهم. د. سامي الوكيل.
د. محمد جابر اليماني. د. سعد عطية الغامدي.
د. عبد الله الرحيلي. د. محمد أحمد ماشي.
د. صالح الحسرن. أ. عبد العزيز الوهيمي.
د. عبد الرحمن العوله. أ. نايف أبا الخيل.
د. عبد الحميد المزروع.
(مدينة الملك عبد العزيز)
د. سلميان الرشودي. د. عبد الله العريني.
أ. سعود الديحان.
(1) التعبّد يكون بحسب النصوص فقط، أي هو توقيفي. وكل تعبّد غير مأخوذ من نص شرعي هو بدعة. ولذلك فإن قياس غير التعبد على التعبد هو قياس مع الفارق فهو في غير محله. وكذلك لا ينطبق هنا (باب أولى). [هذا التعليق من «الوعي»].
1993-01-08