«لا اجتهاد عند ورود النص»
2016/10/29م
المقالات
6,974 زيارة
«لا اجتهاد عند ورود النص»
هذه القاعدة الفقهية ترد بعدة صيغ منها «لا اجتهاد في مورد النص» و«الاجتهاد عند عدم النص» و«لا مساغ للاجتهاد في مورد النص».
والاجتهاد معروف وهو استخراج (وبالمصطلح الأصولي = استنباط) الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية وعرفه البيضاوي بأنه استفراغ الجهد في درك (أي إدراك) الأحكام الشرعية.
والنص هو اللفظ الدال على معنى وحيد ويرادفه قولنا «قطعي الدلالة». قال ابن رشد في مقدمة كتابه بداية المجتهد «والأعيان التي يتعلق بها الحكم إما أن يدل عليها بلفظ يدل على معنى واحد فقط وهو الذي يعرف في صناعة أصول الفقه بالنص ولا خلاف في وجوب العمل به وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد..» وعرفه الإمام في المحصول بأنه اللفظ الذي لا يتطرق إليه احتمال ونسب الشيخ محمد الخضري بك هذا الاصطلاح للشافعية بقوله «قسم الشافعية الحكم إلى ظاهر ونص فالظاهر عندهم الذي له دلالة ظنية راجحة.. فإن صرف عن هذا المعنى الظاهر فأريد به المعنى المرجوح لقرينة فهو المؤول. والنص ما دل على معنى بدون أن يحتمل معنى آخر..».
وعليه يكون معنى القاعدة أن ألفاظ القرآن الكريم أو السنة النبوية إن لم تحتمل إلا معنى واحداً وكانت دلالتها قطعية فلا اجتهاد فيها، مثالها الآية القرآنية ]وأحل الله البيع وحرم الربا[ الصريحة في تحريم كل ربا ولا اجتهاد بعدها في حكم الربا. ومثله قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».
ولا يقال إن النص هو آيات القرآن والأحاديث النبوية فإن لم نجد فيهما الحكم الشرعي نجتهد.. لا يقال هذا لأن الموضوع موضوع اصطلاح واللفظ يفهم حسب اصطلاح أهل كل علم، ألا ترى أن كلمة «جرار» في اللغة تعني غير الذي تعنيه عند المشتغلين بالزراعة. وكلمة العبادة في كتب الفقه التي تشمل الصلاة والزكاة والحج والجهاد وغيره تعني غير ما تعنيه عندما ترد في الكتاب والسنة حيث معناها لغوي وهو الخضوع والاتباع والتذلل.. وكذلك ففي اصطلاح الفقهاء النص هو الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أما في اصطلاح علماء أصول الفقه فالنص هو ما ذكرنا. وقد أشار ابن رشد إلى هذا في كلامه السابق بقوله «..وهو الذي يعرف في صناعة أصول الفقه بالنص»، أما النص في اللغة فهو الرفع، نصَّ الشيءَ رفعه ومنه مِنصة العروس لارتفاعها، والكتاب والسنة سميا نصوصاً لأنهما أعلى الكلام. أما قطعي الدلالة فسمي نصاً لظهوره على بقية الألفاظ.
والفهم المغلوط للقاعدة أدى إلى مقولات خاطئة كقوله: الاجتهاد يكون في غير نصوص الكتاب والسنة أو مقولة إن مصادر التشريع في الإسلام ثلاثة: القرآن والسنة والاجتهاد الذي يحصل عندما لا نجد في الكتاب والسنة الحكم الذي نبحث عنه، واستندوا بالإضافة إلى ذلك إلى حديث معاذ حين سأله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسوله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو جهداً.. الحديث حسن وهو بهذا الفهم يعارض الآيات الدالة على أن الشريعة كاملة وكل فعل للعباد مشمول بالشرع كقوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)شس ومعنى الحديث هو أن يبحث المجتهد في الكتاب والسنة عند فقدان النص الواضح البيّن في المسألة، يفسره حديث معاذ وأبي موسى حين أرسلهما الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن فسألهما بم تقضيان؟ قالا: إذا لم نجد الحكم في الكتاب ولا السنة قسنا الأمر بالأمر فما كان أقرب إلى الحق عملنا به.. إشارة منهما إلى قول الله عز وجل: ]وقل الحق من ربكم[.. والحمد لله رب العالمين.
محمد
2016-10-29