الحركات الإسلامية في مواجهة تسخير الغرب لها
2009/09/21م
المقالات
2,213 زيارة
الحركات الإسلامية في مواجهة تسخير الغرب لها
أبو المعتصم – بيت المقدس
لقد واصل الغرب الكافر حملته على بلاد المسلمين بعد هدم الخلافة سنة 1342هـ، ولم يكتف، ولم يقف عند حدود هذه الجريمة الكبيرة النكراء؛ فأخذ يعمل لتحقيق أمرين في بلاد المسلمين؛ الأول: الحيلولة دون عودة الإسلام مرةً أخرى إلى واقع حياة المسلمين وذلك بالوقوف في طريق نهضة الأمة وإعادة مجد الخلافة، والثاني: استمرارية جعل بلاد المسلمين مزرعةً له، ونهباً وسوقاً لاقتصاده على جميع المستويات؛ بالاستغلال والسرقات وفتح الأسواق وغير ذلك!!..
فبعد هدم الخلافة مباشرةً غزا الغرب معظم بلاد المسلمين عسكرياً بجيوشه الجرارة وجثم على أرضها وقطّع أوصالها واحدةً عن الأخرى؛ فمزّقها أكثر من خمسين مزقة، وأخذ ينهب ثرواتها ويفتح أسواقها لسلعه ومنتجاته الصناعية، وفي الوقت نفسه أخذ يعمل على حرب الإسلام وتشويه صورته في أذهان المسلمين؛ عن طريق عملائه من السياسيين والمفكرين أو المضبوعين بالثقافات الغربية!!..
إن أسلوب الغزو العسكري من أجل تحقيق غاياته قد فشل فشلاً ذريعاً في بلاد المسلمين، والسبب هو وجود العقيدة الإسلامية حيّةً في الناس، وكراهيتهم للكفر، وكذلك الصورة السيئة للاستعمار والأعمال القذرة التي كان يقوم بها في بلاد المسلمين!!..
لذلك بدأت الحميّة تدبّ في بلاد المسلمين ضد الاستعمار العسكري، ولم تلبث الشعوب طويلاً حتى انتفضت على هذا الاستعمار المقيت وأخذت تعمل لإزاحته وإبعاده عن صدورها، وفعلاً نجحت في هذه الغاية!!..
إلا أن الاستعمار لم يُسلّم بهذه الهزيمة العسكرية وأخذ يبحث عن أساليب ووسائل يستطيع من خلالها ترسيخ أقدامه من أجل مواصلة عمله لتحقيق الأهداف التي وضعها نصب عينيه في بلاد المسلمين، ففكر في أساليب جديدةٍ أكثر نجاعةً وفاعليةً لتحقيق هذه الغايات والأهداف الشريرة.. وكان أبرزها:
1- استمالة العملاء السياسيين وخاصة الحكام لصالح مخططاته تحت أغطيةٍ مضللةٍ مثل القومية أو الوطنية ومحاربة الاستعمار!!..
2- العمل على تشويه صورة الإسلام في أذهان المسلمين، وصرفهم وإبعادهم عن أحكام الدين؛ مثل اتهام الإسلام بالتخلف والرجعية، وأنه سبب تخلف المسلمين علمياً، أو أن أحكام الإسلام تكبتُ الحريات وتقف في وجه حقوق المرأة بشكل خاص وحقوق الإنسان بشكل عام، لذلك يجبُ فصلُ الدين عن الحياة في كل الشؤون!!..
3- العمل على استمالة بعض الحركات الإسلامية في بلاد المسلمين لصالحه، أو العمل على إنشاء حركات جديدة باسم الدين تعمل ظاهراً ضدّ الغرب وباطناً في الخفاء لخدمة أهدافه ومخططاته!!..
والحقيقة أن الغرب الماكر الكافر قد نجح نجاحاً كبيراً في هذه الأساليب في كثير من المناطق، وخدع الناس ردْحاً طويلاً من الزمن وما زال يخدع بعضهم، واستطاع أن يسيطر على مناطق كثيرة -كانت عصيّةً عليه من قبل- بواسطة هذه الضلالات والأساليب الماكرة الخفية الخبيثة!
وسوف نتناول في موضوعنا هذا أحد أهم هذه الأساليب، وأخطرها في نفس الوقت على أمة الإسلام؛ ألا وهو استغلال بعض الحركات الإسلامية لخدمة أهدافه ومصالحه في بلاد المسلمين؛ وسوف نتناول هذا الموضوع من عدة زوايا:
1- لماذا لجأ الغرب إلى الحركات الإسلامية في تسخيرها لخدمة أهدافه؟!
2- هل حقق الغرب نجاحاً في هذا الأسلوب في بلاد المسلمين، وأين كان ذلك؟
3- ما هي عوامل نجاح الغرب في تحقيق أهدافه عن طريق الحركات الإسلامية؟!
4- ماذا على الحركات الإسلامية أن تفعل لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على صعيد:
أ- الحرب على الإسلام بشكل عام.
ب- منع استغلال الاستعمار لها؟؟
أمّا لماذا لجأ الغرب إلى موضوع الحركات الإسلامية لخدمة أهدافه؛ فإنه للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نستذكر التاريخ قليلاً لنعلم أن هذا الأسلوب هو قديم، وليس جديداً، ولكن الجديد هو إحياؤه في بلاد المسلمين لخدمة أغراض الغرب الكافر وغاياته الشريرة، فقد حاول كفار العرب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام تبني فكرة النبوة لمحاربة النبوة، وذلك عندما ادعاها مسيلمة الكذاب وسُجاح التميمية، وحاولوا أيضاً بناء مسجد على طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام في تجميع أصحابه من حوله ضد الكفر والكافرين، وقد أنزل الله تعالى قرآناً يُتلى حتى قيام الساعة في بيان زيف هذا المكر العظيم؛ قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة 107].
فعندما هُزمت الأفكار القومية والوطنية والديمقراطية والاشتراكية التي تشبث بها عملاؤه السياسيون وبان عوارها لكل ذي عقل، وفي نفس الوقت رأى الغرب التوجّه الصادق عند جماهير الأمة لإعادة الإسلام في واقع حياتهم؛ أراد الغرب أن يركب هذه الموجة الصاعدة حتى لا تخرج الأمور عن سيطرته، ويفقد مكانه في بلاد المسلمين نهائياً، بالتالي يتمكن المسلمون من إعادة صرح الإسلام كما كان من قبل في ظل دولة وسلطان!..
فالسبب الرئيس الذي جعل الغرب يفكر في تسخير الإسلام لخدمة أهدافه كان وجود الإسلام كقوة بارزة لها تأثيرها في توجيه حياة الناس في أغلب العالم الإسلامي، والسبب الثاني؛ هو فشل أفكار الغرب القديمة (مثل القومية والوطنية والديمقراطية) في السيطرة على بلاد المسلمين والخوف من سقوط أتباعها نهائياً تحت ضربات المسلمين المخلصين!..
وقد تنبه لهذا الأمر أكثر من مفكر غربي منهم رؤساء دول؛ ومنهم ساسة، ومنهم مراكز أبحاث، ومن ذلك ما قاله بيليترو (مساعد سكرتير الدولة لشؤون الشرق الأدنى) حيث قال: «يجب أن نتعامل مع الأصولية الإسلامية في سياقات مختلفة»، وقالت إليزابيث تشيني (كبيرة نواب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط والمنسقة العامة للمبادرة الأميركية للشراكة مع الشرق الأوسط) قالت: «إنها لا تستبعد فتح حوار مع أي فصيل سياسي إسلامي لا يتعارض مع المبادئ الأميركية الأساسية»، أما غالي سميث (المدير التنفيذي لمشروع القرن الأميركي الجديد فقال في وثيقة أصدرها: «إن مصلحة أميركا هي بالتعامل مع بعض الحركات الإسلامية في مصر على اعتبار أنها بوابة العالم العربي»، وقال أيضاً: «إن مصلحة أميركا التعامل مع هذه الحركات الآن على الرغم من معارضة الولايات المتحدة لبعضها»، وقال الرئيس نيكسون في كتابه الشهير «أميركا والفرصة السانحة»: «يجب علينا أن نؤيد العصريين في العالم الإسلامي لمصلحتهم ومصلحتنا، إنهم بحاجة إلى أن يقدموا لشعوبهم بديلاً إيجابياً للأصولية المتطرفة».. وهناك دراسة أعدتها مؤسسة راند الأميركية حول كيفية بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين، (وشارك في إعداد هذه الدراسة أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد، وإنجل رابا، ولويل شوارتز، وبيتر سكيل) وتهدف هذه العملية إلى بناء نواة من المسلمين المعتدلين -حسب زعمهم- لمواجهة المتطرفين الإسلاميين..!! وقال ريتشارد هاس (مدير التخطيط في وزارة الخارجية في إدارة بوش الأب) قال: «إن واشنطن مستعدة للقبول ببعض الأحزاب الإسلامية التي تصل عن طريق الديمقراطية في الانتخابات»… وقال: إن رئيس جمهورية تركيا (عبد الله غل) قال بعد أدائه القسم الرئاسي: «نريد أن نثبت أن الهوية الإسلامية يمكن أن تكون ديمقراطية وشفافة وتتماشى مع العالم المعاصر». وقال إدوارد جيرجيان (مساعد وزير الخارجية السابق في الإدارة الأميركية): «يجب التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة» وأصدر تقريراً بهذا الخصوص بعنوان «دور الدبلوماسية الأميركية في معركة كسب العقول».
وهناك أبحاث ودراسات كثيرة في هذا المجال صدرت في بلاد المسلمين وفي بلاد الكفار مثل معهد نيكسون للدراسات الاستراتيجية، ومركز القدس للدراسات السياسية، ومؤسسة كونراد إديناور… وغير ذلك الكثير ولا مجال لتعداد ذلك في هذا البحث!!…
وفعلاً بدأ الغرب عمله الجادّ على هذا الأساس منذ فترة السبعينات من القرن الماضي، وحقق نجاحاً كبيراً في أكثر من منطقة في العالم الإسلامي على مستوى الحركات العسكرية أو السياسية، وسوف نأخذ خمسة نماذج من هذه النجاحات:
1- الحركة الجهادية في أفغانستان إبان الاحتلال الروسي وتسخير أميركا لها لخدمة أهدافها السياسية والعسكرية ضد المعسكر الروسي في أفغانستان وأدى في النهاية إلى خروجه مهزوماً مخذولاً.
2- الثورة الإسلامية في إيران والوصول إلى الحكم وخلع الشاه حيث تم لأميركا إدخال إيران في النفوذ الأميركي والانتقال بعده للسيطرة على الخليج ونفطه وهذا ما جعل الشاه يقول مقالته المشهورة بعد خروجه من إيران: «لقد أخرجتني أميركا من إيران كما تخرج الفأر الميت من المصيدة».
3- السودان ومحاولات الحكومة تسخير الجماعات الإسلامية في حرب الجنوب ثم أدارت ظهرها لموضوع تطبيق الإسلام ثم رجعت الدولة إلى العلمانية كما كانت من قبل بل أشد.
4- تركيا واستغلال حزب الرفاه والتنمية في غايات وأهداف سياسية تتعلق بالداخل بالعمل على تحويل تركيا إلى النفوذ الأميركي بإبعاد العسكر عن التحكم بالحياة السياسية. وبالخارج بخدمة مخططات أميركا في المنطقة كالوساطة التي يقوم بها أردوغان بين سوريا و(إسرائيل).
5- باكستان واستغلال الحركات الإسلامية في أكثر من صعيد سياسي وعسكري حيث كان مشرف وشريف رئيسين لأكبر الأحزاب الإسلامية في باكستان هما حزب الرابطة الإسلامية- جناح شريف وحزب الرابطة الإسلامية- جناح مشرف. واستطاع كل منهما أن يفرض سيطرته في البلاد عن طريق تضليل الناس هناك باسم الدين والإسلام.
إن النماذج الموجودة في أرض الواقع هي كثيرةٌ ومتعددة، لكننا نكتفي بهذه النماذج الخمسة لإبراز الخطر العظيم والكيد الشديد والمكر الكبير الذي يفعله الكفار في حربهم على أمة الإسلام حتى عن طريق تسخير الجماعات الإسلامية، واستغلال المشاعر الإسلامية الصادقة عند جماهير الناس.. (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم 46].
ونصل إلى الزاوية الثالثة في هذا الموضوع وهي: ما هي عوامل نجاح الغرب في تحقيق أهدافه عن طريق الحركات الإسلامية؟!
الحقيقة أن أكبر العوامل في نجاح الغرب قديماً وحديثاً في تحقيق أهدافه في بلاد المسلمين هو «عدمُ الوعي السياسي على مخططات الكفار عند جماهير الأمة»!!..
فهناك كثير من المسلمين عندهم الحبّ الكبير للإسلام والمسلمين، والرغبة في عودة تطبيق الإسلام إلى أرض الواقع، لكن ينقصهم الوعي السياسي والدراية في مكائد الدول الكافرة وأساليبها..؛ فقد استطاعت بريطانيا على سبيل المثال أن تخدع الشعب التركي المحبّ للإسلام، عن طريق إظهار المساعدة للسلطان عبد المجيد إبان ثورة مصطفى كمال ضد السلطان؛ مع أنها تريد خلع السلطان، وذلك عندما قامت باعتقال رجال الثورة في إستانبول والمناطق الريفية، ما أثار الشعب التركي ضد السلطان وجعله يتشكك فيه، ثم استطاعت بريطانيا بدهائها السياسي أن تصنع من مصطفى كمال أسطورةً عندما مهدّت الطريق لانتصاراته المصطنعة على اليونان، وعليها أحياناً في بعض المعارك!!
وما صنعته مع مصطفى كمال صنعته مع رجالات عديدة باسم الوطنية والدين في عهد الاستعمار الأول في بدايات القرن الماضي وأواسطه، وصنعته كذلك مع قيادات في العصر الحديث؛ فعززت عن طريقهم تثبيت كيان يهود وغرسه خنجراً مسموماً في صدر الأمة!!.
فلو كان عند الأمة بمجموعها وعيٌ سياسيٌ، هل كان بإمكان الكفار أن ينفذوا إلى هذه الجرائم الكبيرة؟! الحقيقة أنهم لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً…
وما حصل في السابق يحدث الآن عند أتباع بعض الجماعات الإسلامية، فهؤلاء الأتباع يكتفون من دينهم بالعبادات البدنية فقط في أغلبهم، مع أنهم يحبّون الإسلام وخدمة الإسلام، ويُضلّلون بأن السياسة والعمل السياسي ليس من الإسلام، ولا دخل للدين بالسياسة ولا للسياسة بالدين، وأن السياسة لها رجالها، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تأثيم أو تكفير من يدخل المجال السياسي عند بعض الجماعات الإسلامية!!
لذلك فإنه من السهل على قادة بعض الحركات الإسلامية المرتبطين بالغرب أن يسوقوا أتباعهم إلى خدمة أهداف الكفار وهم لا يعلمون ولا يدركون ماذا يجري ؛ تماماً كما يجري في تركيا وفي باكستان وإيران بشكل بارز وظاهر أمام العيان..!
الأمر الثاني في تمكين الكفار من تسخير بعض المسلمين لخدمة أهدافهم هو عدم الوعي الفكري على أحكام الإسلام عند أتباع بعض الجماعات الإسلامية وهذا الجهل نحدده في أمور منها:
1- عدم الوعي على مسألة المفاصلة بين الكفر والإيمان في موضوع العقيدة. فعدم الوعي جعل أضاليل الكفار وبعض العملاء من المفكرين تأخذ طريقها بأريحيةٍ إلى عقول وقلوب المسلمين، ومن ثم البناء السياسي عليها وذلك كمسألة حوار الأديان، أو أن الإيمان بالله هو الإيمان الحقيقي عند الشعوب، وأخوة البشر لآدم عليه السلام؛ فمثل هذه الضلالات الفكرية جعلت الدول الكافرة تحارب المسلمين المخلصين من خلال القول: إن أي عمل يبرز مسألة الكفر والإيمان هو تطرّف، وإن ظاهرة التكفير والتخوين على أساس المفاصلة هو تشدد في غير محله، وإنه يجب أن يكون هناك حوار ولقاء بين الأديان الثلاثة، وإنه يجب أن يكون هناك إخاءٌ ومحبةٌ وتعاون بين الناس على أساس الإيمان بالله…
لذلك استطاع الكفار من خلال هذه الأفكار المغلوطة والمسمومة أن يؤسسوا جماعات على أساس فكرة الوسطية وحوار الأديان في داخل بلاد المسلمين وحتى في بلاد الغرب، واستطاعوا كذلك أن يُعلنوا الحرب على الجماعات المخلصة لدينها الواعية على عقيدتها تحت شعار محاربة التطرف الإسلامي أو الحرب على الإرهاب بشكل مفتوح كما تدعو له أميركا..
كذلك استطاعت من خلال المغالطة لهذا المفهوم أن ترسخ في أذهان الكثير من أبناء الجماعات الإسلامية أنه لا غضاضة في التعاون مع الكفر من أجل المصالح المشتركة لدرجة أوصل بعض الجماعات للولاء والعمالة تحت هذا الخط العريض..!!
2- عدم الوعي على مسألة شمولية الأحكام الشرعية لجميع مناحي الحياة، ومنها شؤون الحكم والسلطان والسياسة والاقتصاد. فهذا الأمر سهّل على الكفار أن ينفذوا من خلال بعض الجماعات للفصل ما بين الدين والسياسة، والاقتصار فقط على بعض النواحي التعبدية والأخلاقية، وبعض أمور العقيدة.. فأصبحت ترى وتسمع بعض الجماعات تقول: لا دخل للدين في السياسة، وتقول بأن الدين هو أمر للعبادة فقط ؛ أي لتعبيد الناس لربهم، وما دخل الاقتصاد أو الحكم أو غيره في الدين؟!
فمثل هذه الأمور استغلها الكفار في تسخير بعض الجماعات في مساندة الحاكم على اعتبار أنه ولي أمر، وأن الدين لا يتدخل في شؤونه، واستطاعوا كذلك عن طريق مثل هذه المفاهيم المغلوطة أن يحاربوا العمل المخلص في السياسة والاقتصاد والسعي لتغيير المجتمع أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخاصة للحكام… واستطاعوا في بعض المناطق أن يساندوا بعض الحكومات في الهند وباكستان في البرلمانات أو في شؤون سياسية أخرى وذلك بسبب جهل أتباع هذه الجماعات بحقيقة البرلمانات وطبيعة مساندتها للحكام العملاء للغرب!!..
وأمر آخر استطاع الكفار وعملاؤهم أن يجنوه عن طريق ترسيخ مثل هذه الأفكار عند بعض المسلمين؛ وهو السكوت على حكم الكفر وعدم العمل لخلع الحكام المتربعين على صدور الناس، بل والوقوف في وجه من يعمل لذلك، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة…
3- عدم الوعي في تحديد القضية المركزية عند المسلمين، والطريقة الشرعية للوصول إلى هذا الهدف العظيم… فإن هذه المسألة قد جعلت الكثير من أبناء المسلمين يدورون في حلقة مفرغة، ويستنفذون جهودهم في أمور يستطيع أعداء الدين أن يقتنصوها بسهولة، وأن يسخّروها في طرق شيطانية؛ مثل العمل على تسخير بعض الجماعات في دعم الحكومات الموجودة، على اعتبار أن هذه الحكومات أمرٌ شرعيٌّ ولا داعٍ لتغييرها، أو مثل تسخير بعض الجماعات عن طريق الأعمال الجهادية، واستنفاذ طاقتها ومخزونها في أعمال جهادية تصبّ في النهاية في كيانات وطنية أو قومية أو استقلالية انفصالية تخدم مشاريع الاستعمار، كما هو حال قضية فلسطين هذه الأيام!!..
فعدم تحديد القضية المركزية عند الأمة الإسلامية، وهي قضية استئناف الحياة الإسلامية، بإعادة حكم الإسلام (دولة الإسلام) جعل الكثير الكثيرَ من طاقات الأمة تذهب هباءً منثوراً، بل في خدمة مخططات الكفار في أغلب الأحيان!!..
أما عدم تحديد الطريقة الشرعية لمن فهم هذه القضية وآمن بها (قضية عودة الإسلام باستئناف الحياة الإسلامية) فإنه لا يقل خطورة عن الأول في إضاعة طاقات الأمة وتفريغ مخزونها الحيوي في أعمال لا تسمن ولا تغني من جوع..
فمن آمن بضرورة إعادة حكم الإسلام، وأقنع نفسه أن العمل لذلك هو عن طريق بعض القربات البدنية في العبادات والأخلاق وبعض العقائد؛ فهذا يخدم الاستعمار تماماً كما يخدمه من لا يؤمن بالقضية أصلاً، ويُفرغ طاقة الأمة في أمورٍ لا تفيد شيئاً في تغيير الواقع. وكذلك من آمن بهذه القضية واتبع سبيل العمل العسكري طريقاً لذلك دون وعي ولا بصيرة ولا عمل في قواعد الأمة من أجل إيصال الفكرة إليها وإيجاد الرأي العام المنبثق من الوعي العام على هذه الفكرة؛ فإن هذا العمل العسكري سرعان ما يعمل الكفار على قطف ثمرته، أو توجيهه قبل نهايته نحو طرق وعرة أو مدمرة تدمر طاقات الأمة.
وقد برزت مثل هذه الأعمال في مصر والجزائر وفي الأردن على وجه الخصوص، حيث اتبع بعضٌ من الجماعات المخلصة في مصر والجزائر العمل العسكري سبيلاً للوصول إلى حكم الإسلام، فكانت النتيجة أنهم لم يصلوا إلى شيء، واستطاع النظام الحاكم أن يستغل مثل هذه الأعمال في أشياء كثيرة، مثل تأليب الرأي العام على المسلمين من خلال قيام النظام بأعمال عسكرية وإلصاقها بالجماعات الإسلامية هناك.. مما أدى إلى تقوية النظام وكراهية المسلمين!.. أما في الأردن فإن مخالفة الجماعة لطريقة الإسلام في دخول البرلمانات وفي نفس الوقت تأييدها أو سكوتها على مشاريع الكفر تمرر عن طريق هذه البرلمانات جعلها في النهاية جزءاً من النظام وسنداً له وسائراً في أعماله الشريرة عن غير قصد ولا وعي ولا إدراك!
وفي نهاية هذا الموضوع نصل إلى المحور الرابع والأخير وهو: ماذا على الحركات الإسلامية أن تعمل لمواجهة هذه الهجمة الشرسة في حرب الإسلام على الصعيدين؛ الحرب على الإسلام بشكل عام، واستغلال بعض الحركات أو الأعمال الإسلامية بشكل خاص؟!
من أجل ذلك فإن على الحركات الإسلامية أن تعي وعياً فكرياً نيّراً ومحيطاً على الأمور التالية:
1- أن تعي وعياً كاملاً وشاملاً على الأمور الفكرية والسياسية لئلا تنخدع ولئلا تنطلي عليها الحيل والضلالات والألاعيب، فتعي وتفهم أن دين الإسلام متميّز على كل الأديان وأنه وحده هو الصحيح قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران 19] وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران 85] وتعي أن الكفر ملة واحدة تماماً كما أن الإسلام أمة واحدة من دون الناس، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة 71] وقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال 73]، وأن الكفر حرب على الإسلام يهدف للقضاء عليه قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال 36] وقال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة 120]، وأن الكفر والإيمان يسيران في خطين متباعدين لا يلتقيان أبداً؛ قال تعالى: (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون]، وأن الإسلام حرب على الكفر حتى تقوم الساعة؛ قال تعالى: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأنفال 57]، وقال: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة 36].
فمثل هذه المفاهيم يجب أن تكون راسخةً عن وعيٍ وإدراك وإحاطة لكل مسلم بشكل عام، ولكل جماعة تتصدر العمل للإسلام بشكل خاص..
2- كما يجب على المسلمين أن يعوا أن أحكام الإسلام ليست في جانب العبادات البدنية فقط، وأن مفهوم العبادة لله عز وجل هو في كل أمر؛ صغيراً كان أو كبيراً؛ قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة 21] (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء 65] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) [الأنفال 20].
وأن فكرة فصل الدين عن الحياة (الدين في المسجد والدولة لها رجالها..) هذه الفكرة يجب أن يعي عليها المسلمون وعياً دقيقاً ويجب أن يعرفوا أنه ليس لها أي علاقة بدين الإسلام، فالدين شامل لكل مناحي الحياة ومنه الدولة ورعاية الشؤون بالعمل السياسي، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة 49] وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء 65] وقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة 38] فهذه أحكام عملية رعوية في الحياة وهي آيات قرآنية ضمن الأحكام الشاملة للإسلام، وهي تحتاج إلى دولة تطبقها في أرض الواقع كما فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك عندما طبق الإسلام تطبيقاً سياسياً في كل شؤون الحياة!..
3 – وأما الوعي على تحديد القضية المركزية للأمة، فيجب أن يُرسّخ في أذهان المسلمين أن الدين أحكام ومنه الدولة، وأن الدولة هي الطريقة لتطبيق كل أحكام الإسلام العملية دون استثناء حتى العبادات منها قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج 41] أي قاموا بجميع الأمور العملية في ظل هذا التمكين ( الدولة).
وأن كل مشاكل المسلمين قد طرأت بعد هدم الدولة الإسلامية، مثل ضياع المقدسات وتفكك بلاد المسلمين، وضياع عزة الأمة وغزوها من قبل الكافر فكرياً وعسكرياً، وأن عزة الأمة في السابق وقوتها وغناها كان في ظل دولة تطبق الإسلام وترعاه، قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ» رواه مسلم وقال: «السلطان ظل الله في أرضه إليه يأوي كل ضعيف ومظلوم» وفي رواية عند أحمد عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ: «مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة»، وقال: «الإسلام والسلطان أخوان توأمان، لا يصلح أحدهما بدون الآخر، فالإسلام أس والسلطان حارس، فما لا أس له ينهدم وما لا حارس له يضيع» (رواه أبو داود). وعَنْ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري.
فالقضية المركزية والمصيرية للأمة هي إعادة هذه الدولة لأنه بها يُقام الإسلام، وتعود عزة الأمة، وأن الطريق لذلك هي من جنس هذه الفكرة، أي يجب أن تكون أحكاماً شرعية عملية كما فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس عن طريق البرلمانات أو عن طريق العمل العسكري أو عن طريق الديمقراطية. قال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف 3] وقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام 153].
هذا بالنسبة للوعي الفكري باختصار. أما الوعي السياسي فيجب أن يترسخ في أذهان المسلمين جميعاً أفراداً وحركات أموراً منها:
1- أن الدين الإسلامي هو دين يفرض الوعي السياسي في أذهان المسلمين، عن أَبي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي» البخاري.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان رجل دولة وسياسة؛ يقوم بالجهاد والمعاهدات ويخاطب رؤساء الدول، ولم يكن عابد صومعة مثل كهّان بني إسرائيل، وهو يقول: «من استن بسنتي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني» رواه البخاريّ. وكان عليه الصلاة والسلام يعي على المؤامرات والأعمال السياسية؛ حيث قام بمعاهدة الحديبية وكانت عملاً سياسياً راقياً في إخفاء الأهداف الحقيقية وإظهار أمر آخر للكفار؛ حيث كان الهدف الحقيقي قطع الصلة بين الكفار من قريش وبعض قبائل العرب وقطعها كذلك مع اليهود، وكان ذلك تمهيداً لفتح مكة في العام القادم!
2- ويجب أن يُرسّخ في أذهان المسلمين أيضاً أن فكرة «لا سياسة في الدين» هي فكرة خبيثة رسّخها الكفار في عقول المسلمين لإبقاء نفوذهم السياسي في بلاد المسلمين.
3- ويجب على المسلمين أن يعوا طبيعة الصراع في الكرة الأرضية الآن بأنه صراع على المصالح وعلى النفوذ انطلاقاً من النظام الرأسمالي، وأن الدول الكبرى فيما بينها تتطاحن وتتصارع انطلاقاً من هذا المبدأ المادي الهابط، ولا تتصارع على خدمة الشعوب لإنقاذها كما تظهر في الإعلام الكاذب.
4- وبالإضافة إلى هذا الوعي العام يجب الوعي على خصوصية الكفار في العمل السياسي؛ على أساليبه ومناوراته السياسية وألاعيبه التي يبتكرها انطلاقاً من مبدأ الميكافيلية والديمقراطية وغير ذلك من أفكار، فتعي مثلاً أن الكافر الغربي لا يتورّع عن الكذب واللفّ والدوران والخداع في أعماله السياسية، وأنه لا يتورع عن افتعال الجرائم والكوارث من أجل تمرير مخططاته السياسية وأهدافه وغاياته!
5- وبالإضافة إلى هذا الوعي على الكفار وسياساتهم وأضاليلهم -يجب على الحركات الإسلامية والمسلمين عموماً أن يعوا الفكر السياسي في الإسلام؛ على الدولة الإسلامية وأجهزتها وطريقتها في تطبيق الإسلام وفي حمله إلى الشعوب والأمم، وذلك لئلا ينخدع المسلمون بألاعيب الكفار التي تعمد أحياناً إلى تبني هذه الفكرة؛ أي إقامة دول مزيّفة وتسميتها دولاً إسلامية!.. كما فعلت في إيران وفي السودان وتحاول في تركيا وباكستان وأفغانستان هذه الأيام!…
وفي ختام هذا الموضوع نقول: لقد مكر الكفار مكراً عظيماً في هدم دولة الإسلام، وهم ما زالوا يمكرون مكراً عظيماً تكاد تزول منه الجبال للحيلولة دون عودة الإسلام وعودة دولة الإسلام مرة أخرى إلى وجه الأرض؛ بشتى أنواع المكر؛ عن طريق الحرب المادية وعن طريق التشويه والطعن، وعن طريق التضليل وتسخير البعض من أبناء الأمة الإسلامية، وعن طريق تبنيّ بعض أفكار الإسلام عملياً في الحياة.. (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم 46] فهل ينتصر الكفار إلى ما لا نهاية في هذه الحرب الشريرة، وهل يستطيعون منع نور الله عز وجل من نشر ضيائه على وجه هذه الأرض؟!، الجواب على ذلك قد قاله الله تعالى في كتابه العزيز: (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [إبراهيم 47] وقال: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8)هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف 8-9] ويقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال 36].
فقد هيأ الله تبارك وتعالى أنبياءَ ورسلاً لحمل أمانة وحي السماء وبيانها للناس قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر 24] وقال: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج 75]. وهيأ بعد الأنبياء أتقياء أنقياء ورثوا هذه الأمانة (أمانة وحي السماء) عن أَبِي الدَّرْدَاءِ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «…إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ. إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه الترمذي. عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه مسلم.
ووعد وعداً صادقاً قاطعاً بعودة هذا الدين مرة أخرى إلى واقع الحياة بانتصار هؤلاء الأخيار الأبرار قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55] وقال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر 51] (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم 47]، وهيأ لهذه الأمة هذا الحزب المخلص العظيم حزب التحرير ليحمل هذه الأمانة ويذود عن حياض الإسلام وينشر الوعي في ربوع الأمة الإسلامية، ولم تستطع كل المحاولات الكافرة أن تقضي عليه ولا أن تثنيه عن هدفه السامي الرفيع، ولا أن تخدعه وتضلله كما فعلت مع بعض الحركات الإسلامية الأخرى؛ وإنه قد آن أوان الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإن بشائرها تلوح في الأفق وأكبر هذه البشائر هي بقاء هذا الحزب في الأمة يرتقي من علٍ إلى أعلى في كل يوم، وينشر نوره على معظم دول الأرض رغم كل المحاولات للقضاء عليه وتدميره!.. ومن البشائر العظيمة أيضاً؛ بدايات انهدام المبدأ الرأسمالي في بدايات هذا القرن الواحد والعشرين بعد انهدام المبدأ الشيوعي في نهايات القرن العشرين، وإن الله تبارك وتعالى ليسرّع في نصرة أوليائه المؤمنين المخلصين، وما هذه الأزمة المالية العاتية إلا جندٌ من جنود الله عز وجل يسلطه على الغرب ليرديهم أرضاً ويحطّمهم ويحطّم مبدأهم، وما هذه الأمراض الخبيثة التي تظهر بين الفينة والأخرى كذلك في بلاد الغرب إلا جنود من جنود الله عز وجل، وكان آخرها فيروس الخنازير الذي سلطه الله عليهم بسبب عصيانهم وحربهم على الله ورسوله وقرآنه والمؤمنين، قال تعالى: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الفتح 4] وقال: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر 31].
إن وعد الله آت قريبٌ قريب إن شاء الله تعالى: (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم 4-6].
2009-09-21