ثلاثة أفكار في الميزان
1987/07/21م
المقالات
3,298 زيارة
بقلم: سلام حامد
ظل الصراع بين الأمة الإسلامية كأمة وبين الكفار كشعوب وأمم ثلاثة عشر قرناً متوالية حتى إذا كان القرن التاسع عشر تحدى النظام الرأسمالي ـ وهو نظام كفر ـ نظام الإسلام في أفكاره ومشاعره. وما هي إلا جولة قصيرة حتى هزم المسلمون أمامه هزيمة فكرية أعقبتها الهزيمة السياسية المدمرة. أما هذا التحدي للإسلام في أفكاره فقد كان بالهجوم على الأفكار الإسلامية يوسعونها نقداً وتزييفاً. فكان موقف المسلمين في منتهى الضعف فحاولوا المقاومة محاولات فاشلة عوجاء ثم انهزموا لا يلوون على شيء.
لقد هاجم النظام الرأسمالي تعدد الزوجات فقال هذه همجية، وهاجم الطلاق فقال أنه غدر بالمرأة وتقويض للبيت وهاجم نظام الحكم في الإسلام ـ الخلافة ـ وقال إنها ديكتاتورية وتَسَلُّطْ، وهاجم الجهاد فقال أنه عدوان على الشعوب، وسفك لدماء الناس.
تعدد الزوجات:
أما كون أفكار الإسلام هي وحدها الأفكار الحقة الصادقة والأفكار الرأسمالية هي الأفكار الباطلة الكاذبة فذلك ثابت من واقع الأفكار نفسها. فالأفكار الرأسمالية التي تعتبر تعدد الزوجات خطأ وتعتبر الصواب تقييد الرجل بزوجة واحدة هي معالجات لواقع الإنسان لا لفروض منطقية. فأي مجتمع في الدنيا لا تتعدد النساء فيه للرجل الواحد؟ إنه لا يوجد في العالم مجتمع إلا وفيه بعض الرجال لهم أكثر امرأة، إلا أن بضعهم يسمين محظيات، وبعضهم يسمين خليلات، وبعضهم يسمين زوجات، فهل الأحكام التي تجعل هذا التعدد مباحاً له أن يفعله وله أن يتركه، فيجعل الثانية والثالثة والرابعة زوجة شرعية لا محظية ولا خليلة، وهي هذه الأحكام توافق الفطرة وتعالج المشكلة أم الأحكام التي تمنع هذا التعدد. أو هل جعل العِشْرة بين الزوجين عِشْرَة صحبة اختيارية. إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أن يمسكها إن كانت العشرة مُسْعِدة للزوجين ويطلقها إن كانت سبباً لشقائها يتفق مع سعادة الزوجين وطمأنينتهما. أم جعلها مفروضة فرضاً لا تفسخ عراها ولو جلبت أشد أنواع الشقاء؟
نظام الحكم:
أما الحكم فإن واقعه في الدنيا أنه من حيث السلطان هو للأمة تعطيه لمن تشاء، ومن حيث المباشرة للسلطان فإنه لا يمكن أن تكون إلا لواحد ولن تكون لاثنين فأكثر على الحقيقة مطلقاً. إلا أن الواحد إنما يقيد بمنهج معين يعتقد صحته لا يحل له أن يتعداه، والمهمين على هذا الحاكم الواحد إلى جانب دوافع اعتقاده بالنظام الذي يقيد به أي إلى جانب تقواه أو ما يسمونه بضميره محاسبة الأمة التي يحكمها بالقول إن أساء التطبيق، وبالسيف إن خان النظام. على أن لا تعصيه فما يأمر به من فرض أو مندوب أو مباح ولا تطيعه في معصية من المعاصي المحرمة. فهذا هو واقع الخلافة فأيهما المنطبق على الواقع الصادق في التطبيق: نظام الإسلام أم النظام الديمقراطي الذي يقول أن الأمة هي التي تباشر الحكم وهذا من المستحيلات ولذلك كان كاذباً ولم يكن فيه المباشرة إلا رئيس الحكومة يعاونه الوزراء.
الجهاد:
أما الجهاد فإنه من الكذب على الإسلام أن يقال أن حرب دفاعية، وهو فوق كونه يخالف واقع ما كان عليه الجهاد في عهد الرسول ﷺ حتى آخر الدولة الإسلامية من أن المسلمين كانوا هم يبدأون الكفار بالقتال ويتخذونه طريقة لنشر الإسلام فإنه كذب على القرآن في صريح آياته قال الله تعالى في كتابه العزيز: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ)، فالجهاد هو قتال الكفار قتالاً مادياً من أجل إقامة حكم الإسلام وسببه كون الذين نقاتلهم كفاراً رفضوا الإسلام بعد عرضه عرضاً يُلفت النظر. أي أن توجد الحالة التي يعرض فيها الإسلام عرضاً يلفت النظر ثم يحصل الجهاد. وهذا ما يُمليه أي مبدأ تعتقده أية أمة، فإنها تهيئ القوة المادية وتكون لديها الروح العسكرية القوية إلى جانب القوة المادية، وبناء على هذه القوة تبدأ المعارك السياسية والمناورات الدبلوماسية فتوجد الحالة التي تبلغ بواسطتها الدعوة وترتفع شخصية الدولة السياسية. فإذا حصل الاحتكام المادي كان القتال الذي لا مفر منه. وما الحرب الباردة في العالم اليوم إلا الحالة التي يحاول كل من العسكريين إيجادها لنشر مبدئه وما القوات العسكرية الجاهزة إلا استعداداً للقتال الذي لا بد أن يأتي. وواقع الحياة أنها أفكار تتباين فتتجسد في دول وتُستعمل القوة المادية لنشرها والدفاع عنها بأساليب سياسية وثقافية وعسكرية واقتصادية. والقوة الإسلامية هي لإزالة الحواجز المادية من أمام الدعوة الإسلامية لجعل الشعوب تعتنق الإسلام وتكون مع سائر المسلمين أمة واحدة لا فضل لعربي على عجمي.
تعقيب:
تحدى النظام الرأسمالي ـ وهو نظام كفر ـ نظام الإسلام في أفكاره ومشاعره
التحدي كان للمسلمين وافكارهم ومشاعرهم
ابو الخير
1987-07-21