بسم الله الرحمن الرحيم
المناهج بين البناء الصحيح والهدم المستمر
حمد طبيب – بيت المقدس
إن أعظم ثروة تملكها أمة من الأمم -على وجه الأرض- هو فكرها وطريقة حياتها المنبثقة من حضارتها. وإن الثروات الأخرى جميعًا لا تضاهي ولا تساوي هذه الثروة العظيمة، وإذا ما فقدت أمة من الأمم ثروتها الفكرية وطريقة حياتها؛ فإنه حتمًا يحكم عليها بالدمار والفناء. أما إذا فقدت شيئًا من باقي ثرواتها المادية: الصناعية، أو العسكرية، أو العمرانية، أو الزراعية… أو غيرها، فإنها سرعان ما تستعيدها؛ إذا بقيت متمسكة بثروتها الفكرية وطريقة حياتها. وهذا بالفعل ما حصل مع الأمم والشعوب، ومنها الأمة الإسلامية؛ فعندما كانت الأمة الإسلامية تتمسك بثقافتها وحضارتها فإنها كانت ترتقي وتسمو عاليًا، وتتقدم في جميع المجالات المدنية والعلوم، وتنتصر على الشعوب الأخرى، وتتمكن من حمل رسالتها إلى تلك الشعوب. وهذا ما حصل بالفعل في تاريخ أمة الإسلام؛ وذلك عندما وقف (رسول هذه الأمة الأكرم) صلى الله عليه وسلم على حدود الروم في تبوك، أول دولة في ذلك العصر، وقال: «نصرت بالرعب مسيرة شهر». وعندما وقف القائد العظيم (عقبة بن نافع) رحمه الله على حافة الأطلسي– بعد أن فتح كل البلاد مما يليه– وقال مخاطبًا البحر، بعد أن غاصت حوافر فرسه في مياه البحر: «أيها البحر، لو أعلم أناسًا خلفك لخضتك بسنابك خيلي؛ لأحمل إليهم (لا اله إلا الله محمد رسول الله)، ولأحكمهم بدين الله». وعندما وقف القائد العظيم (ربعي بن عامر) أمام رئيس أول دولة في الأرض -حاكم الروم- وقال بلغة العزة والمنعة: «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله» وعندما وقف (حاكم الصين) بأبهته وعظمته -إذلالًا وخضوعًا- ليقدم وعاءً فيه تراب بلاده لـ (هبيرة الكلابي)، ويرسل معه الجزية لقائده (قتيبة بن مسلم الباهلي)، ثم يدوس قتيبة التراب بقدميه بارًا بقسمه الذي أقسمه…
لقد بلغت فتوحات المسلمين الهند والسند، وفارس والروم، وبلاد الأندلس، ووسط أوروبا حتى فيينا، ومعظم فرنسا حتى جبال البرانس، وأواسط روسيا حتى موسكو، وإندونيسيا، وشمال أواسط أفريقيا، وفتحوا القسطنطينية أعظم حصن في التاريخ… وعندما كانت هذه الأمة تتخلى قليلًا عن بعض أحكام دينها، وتضعف صلتها به كانت تنتكس وتهزم -حتى في عقر ديارها- كما حصل معها إبَّان الصليبيين، وأمام الغزو المغولي. ولم تكن تعُد لها عزتها وقوتها إلا إذا عادت وتمسكت بدينها وثقافتها مرة أخرى؛ إيمانًا وتطبيقًا صحيحًا في واقع الحياة.
وهذا الأمر ليس خاصًا بأمة الإسلام، بل إنه ينسحب على جميع الشعوب والأمم في المعمورة. فالحضارات القديمة التي ضاعت حضارتها؛ انقرضت وماتت بلا رجعة؛ كالفرعونية والبابلية والكنعانية والرومانية وغيرها، وهناك دول ضعفت في فترة من الزمن ولكنها لم تتخلَّ عن حضارتها وفكرها؛ كما حصل مع الألمان في الحرب العالمية الأولى، وكما حصل كذلك مع اليابانيين، حيث استطاعت ألمانيا خلال سنوات معدودة -بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى- أن تستعيد مجدها وقوتها مرة أخرى؛ عندما بنت هذه القوة والمجد على الحضارة التي ما زالت تتمسك بها- وكذلك اليابان استطاعت أن تبني نفسها مرة أخرى، ولولا القيود التي وضعتها الدول المنتصرة على اليابان وألمانيا، لعادت مرة أخرى دولًا قويةً تتصدر الدول العالمية.
لذلك ومن هذا المنطلق، فإن الأمة الإسلامية تحرص حرصًا شديدًا على ثقافتها وأحكام شريعتها في كل مناحي الحياة، وتحرص على تعليم هذه الحضارة، وترسيخها في عقول وقلوب أبنائها، وتحرص كذلك على تطبيقها عمليًا في أي شان من شؤون حياتها.
فقد بدأ عليه الصلاة والسلام أول ما بدأ في دعوته بتثقيف المسلمين الثقافة الإسلامية الصحيحة النقية، حتى مكَّنه الله بهذا النشء الجديد من إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة. ثم بعد الدولة حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على هذه الثقافة، وعلى ترسيخها في أذهان المسلمين وعقولهم؛ لذلك كان يعلمهم كل جديد ينزل به الوحي. ثم بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، حرص الخلفاء على الثقافة الإسلامية، وأُسست المدارس على مر التاريخ في دمشق وبغداد والأندلس وغيرها. وقد بلغت الثروة العلمية والفكرية والفقهية عنان السماء؛ لدرجة أن أبناء أوروبا في العصور الوسطى، من الأشراف، كانوا يبعثون أبناءهم للتعليم في جامعات الأندلس؛ مثل قرطبة وغرناطة وأشبيلية، وهكذا ظلت الأمة الإسلامية طيلة فترة عزها ومجدها تتلقى ثقافةً صافية مرتبطة بعقيدتها -حتى ما كان منها في العلوم والمخترعات- لا يخرج عن هذه العقيدة، بل يكون في خدمتها وخدمة أبنائها، وخدمة أهدافها وغاياتها العليا في الفتح ونشر هذا الدين.
لقد أدرك الكفار، وخاصةً الغربيين منهم، هذه الحقيقة، وهي (أن المسلمين لا يهزمون ما داموا متمسكين بدينهم)، وذلك عندما بدأت هزائمهم تتوالى أمام المجاهدين المسلمين إبان الغزو الصليبي؛ في حملاته المتتابعة، وإبان الغزو الاستعماري الأول بعد هدم الخلافة؛ وذلك عندما هزموا أمام حركات التحرر الجهادية… وهذا ما عبر عنه ملك فرنسا القديس (لويس التاسع)، قائد الحملة الصليبية الثامنة التي انتهت بالفشل والهزيمة، ووقوع ملك فرنسا لويس في أسر المصريين في مدينة المنصورة، وقد بذل الملك لويس فديةً عظيمة للخلاص من الأسر، وبعد أن عاد إلى فرنسا، قال ناصحًا وموجهًا الشعوب النصرانية: «لا سبيل للنصر والتغلب على المسلمين عن طريق القوة الحربية؛ لأن تدُّينهم بالإسلام يدفعهم للمقاومة والجهاد، وبذل النفس في سبيل الله لحماية ديار الإسلام، وصون الحرمات والأعراض. والمسلمون قادرون دومًا للانطلاق من عقيدتهم إلى الجهاد ودحر الغزاة، وإنه لا بد من سبيل آخر؛ وهو تحويل التفكير الإسلامي، وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري». وفعلًا بعد هذه الحملة بدأ التخريب في بلاد المسلمين عن طريق التبشير والغزو الفكري والثقافي. وكان ما كان بعد ذلك من هدم صرح الإسلام العظيم (الخلافة) بعد أن تخلى المسلمون شيئًا فشيئًا عن ثقافتهم وشريعتهم، وصاروا يقبلون شيئًا فشيئًا بالثقافات والقوانين الغربية بدل الشريعة الإسلامية النيرة، وتفرق المسلمون بسبب هذا الغزو الثقافي الهدّام إلى عرقيات وقوميات؛ كانت سببًا من أسباب ضياع الأمة ووحدتها وضياع خلافتها، حيث صار العرب يعتزون بقوميتهم، والأتراك بقوميتهم.. فتفرقت قلوب الأمة وحصل فيها الخلل، ثم ضعفت وتحللت، وتفككت بعد ذلك إلى دول ودويلات!!..
واليوم، وقد عادت الأمة الإسلامية تحاول الوقوف على أقدامها -بعد أن جثت وتعثرت- وتريد النهوض من سباتها بعد طول نومٍ وغفلة، تنبَّه الكفار المجرمون المستعمرون إلى هذا الأمر؛ فوقفوا في طريقها يصدّونها عن سبيل الله، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة عسكرية وفكرية وسياسية، وأدوات ومؤسسات وأحلاف ودول، يحاولون منعها من المضي قدمًا في طريق عزتها ومجدها؛ لكن كل محاولاتهم الفكرية في الصد والردّ قد هزمت هزيمةً منكرة وباءت بالفشل الذريع، لدرجة أن (الإسلام السياسي) المخلص قد تتبعهم إلى عقر ديارهم، وأصبح من يعلنون إسلامهم في بلاد الغرب؛ (في أوروبا وأميركا) بالآلاف، بل عشرات الآلاف في كل عام.. وقد تزامن هذا الأمر – تمسك المسلمين بدينهم ورجوعهم إليه، وتغلغل الإسلام في بلادهم – تزامن مع انتكاسة الحضارة الغربية وتردّي أفكارها، وانكشاف عوراتها السياسية في كل مناحي العالم، وخاصة بعد حرب أفغانستان والعراق، وبعد التآمر الدولي على ليبيا والشام. وتزامن كذلك مع الأزمات الفكرية والاقتصادية في كل بلد من بلاد الغرب، وكان آخرها الأزمة الشهيرة التي لم تنتهِ بعد سنة (2008م)، وتزامن مع حركة الرفض والاحتجاج على النظام الرأسمالي برمته في بلاد الغرب لدرجة أن المظاهرات قامت في 1000 مدينة و25 دولة من مدن أوروبا وأميركا وغيرها من دول؛ وذلك سنة 2011م، وكان شعارها (احتلوا وول ستريت).
وقد برزت عدة أمور في السنوات الأخيرة جعلت الغرب يُسرع، ويسير حثيثًا في عملية الهدم والتخريب لحضارة الأمة الإسلامية وثقافتها؛ المنبثقة من هذه الحضارة السامية، وجعلته يؤسس مراكز للأبحاث والمتابعة، ومؤسسات إقليمية وعالمية لمحاربة الثقافة الإسلامية الصحيحة، واستبدالها بثقافات مقلوبة معوجة خاطئة لا تمتّ إلى الإسلام بأية صلة، مثل (مؤسسة راند الأميركية)، ومركز (المسبار للدراسات والبحوث الإماراتي)، ومركز (الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية)، ومؤسسة (آل البيت الملكية للفكر الإسلامي)، ومؤسسة (محمد السادس للعلماء الأفارقة) بالإضافة إلى الجامعات الرسمية في العالم الإسلامي مثل الأزهر وجامعة الملك فهد وغيرها التي تصدر آلاف الأبحاث في التضليل والتحريف لدين الله عز وجل. ومن الأمور التي جعلت الغرب يسارع ويسرِّع في عمليات الهدم والتخريب:
1– مسالة الحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2011م، وما فعلته أميركا بعد ذلك من حروب متواصلة على بلاد المسلمين.
2- مشاريع السلام بين الكيان اليهودي والدول القائمة في العالم الإسلامي، وتهيئة الأجواء في بلاد المسلمين لقبول هذه الفكرة.
3- الانهيار الفكري المتسارع للمبادئ العالمية؛ حيث سقطت الاشتراكية نهايات القرن الماضي، وها هو المبدأ الرأسمالي يترنح للسقوط بعد الأزمات المالية الجديدة.
4- حالة التردي والفقر والظلم في العالم الإسلامي؛ وخاصة الديون بمليارات الدولارات لبعض الدول، ومحاولة الشعوب التخلص من هذا الظلم، والمناداة بتطبيق الإسلام دين العدل.
5- الثورات التي اجتاحت معظم بلاد العالم الإسلامي ضد عملاء الاستعمار، بسبب الظلم والفقر والتسلط من قبل الحكام الظلمة، ومناداة الشعوب بتطبيق الإسلام الصحيح.
لذلك؛ فإن الغرب وقف يحارب الإسلام (عسكريًا وفكريًا وسياسيًا)، وعلى جميع الصعد ليحول، بحسب ظنه وأمنياته، دون عودة هذا الدين مرة أخرى إلى الحياة. وما هذه الحرب المسعورة المسمومة (على المناهج)؛ وخاصة المدارس إلا جزء من هذه الحرب الشرسة التي أجمع عليها جميع الكفار، بكافة أديانهم ومللهم وساندهم على شرها وكفرها حكام المسلمين في كل العالم الإسلامي، ما هذه الحرب إلا جزء من مسلسل الحرب على الإرهاب؛ أي الإسلام الصحيح. وقد جاءت عدة تصريحات مسمومة من قادة الغرب، وخاصة بعد أحداث 11 أيلول؛ تنادي بتجفيف منابع الإرهاب الفكرية، وشمل ذلك الحركات الإسلامية، والمناهج والمؤسسات التي تعنى بالثقافة والتعليم، ومن هذه التصريحات ما قاله مستشار الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي (ترامب) في حوار مع صحيفة (الحياة اللندنية): «على رأس أولوياتنا إنهاء داعش، بل واستئصاله وتجفيف منابع الإرهاب.( أما الرئيس (أوباما) فصرح في السادس من كانون الأول 2015م عقب حادثة (سان برناردينو) قائلًا: «سنعمل بالتوازي مع الدول الإسلامية، والجاليات الإسلامية في الغرب على مواجهة الأيديولوجية الإرهابية، التي يروج لها الإرهابيون عبر الشبكة العنكبوتية، وشبكات التواصل الاجتماعي). وكان (توني بلير) (رئيس وزراء بريطانيا الأسبق) قد صرح في حزيران 2015م فقال: «إن زيادة الإجراءات الأمنية لا تعالج جذور مشكلة التطرف، لا بد للعالم من أن يدعم تعليمًا جديدًا للثقافة والدين من أجل مكافحة الأيدلويوجية الإسلامية». أما مسؤولة مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية (إلينا رمانسكي) فقد صرحت في العام 2003م: «إنه لا توجد فسحة من الآن فصاعدًا للكراهية وعدم التسامح والتحريض، ونحن نحاول أن نعيش معًا، وأي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه يجب تغييره).
والحقيقة، إن الأمر لم يقف عند حد التصريحات والأقوال الحاقدة الماكرة، بل إنه تعدَّاه إلى البرامج والخطط والأساليب لصرف أبناء المسلمين عن دينهم وثقافتهم الصحيحة، وخاصة بعد الثورات العارمة التي اجتاحت بعض بلاد العالم الإسلامي، وقد بدأت حملة الغزو في التحريف والتجهيل في المناهج المدرسية منذ سنوات خلت في هذه الديار (الأرض المباركة)، وفي غيرها من بلاد العالم الإسلامي، وازدادت هذه الأيام في ظل الحملة الشرسة على الإسلام وأهله. ومن هذه التحريفات الحديثة المتقصدة والمرسومة الأهداف والغايات:
في الكويت: صرح وزير التربية ووزير التعليم العالي (الدكتور بدر العيسى) 9- 9- 2016م في مؤتمر نظمته الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، بالتعاون مع معهد (المهاتما غاندي) للتعليم من أجل السلام والتنمية المستدامة في نيودلهي فقال: «إنه لابد من معالجة مسألة تغيير المناهج التربوية في الشرق الأوسط، والمناطق الأخرى التي تشهد ازدهارًا للأفكار المتطرفة بعقلانية ووعي».
وفي لبنان: فقد طالب (المركز التربوي للبحوث والإنماء) -ضمن ورشات عمل تربوية- بـ«عدم إدراج عبارة «العداء للكيان الصهيوني الغاصب» في المناهج بحجة عدم إقحام السياسة في التربية، وأننا لا نريد أن نربي أولادنا على العداء».
وفي الأردن: قام المسؤولون عن صياغة المناهج هذا العام 2016م بحذف درس كامل حول سورة الليل، وتم استبداله بدرس آخر يتعلق بالسباحة، كما تم إلغاء حفظ معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في بعض المناهج الدراسية، كما تم حذف درس يتحدث عن ابن بطوطة، وتحديدًا الجملة التي أشارت إلى أن الرحالة المسلم ابن بطوطة قد تعلم القرآن والحديث منذ الصغر. وقد صرح المسؤولون عن المناهج أن الخطة الحكومية للمناهج التي أقرت مؤخرًا هذا العام، نصت صراحة على محاربة الفكر المتطرف، وترسيخ معاني الاعتدال والوسطية والقيم الإنسانية العليا، وتعزيز قيم التسامح. وأما وزير الصناعة والتجارة والتموين (د. جواد العناني) فقال: «إن الحكومة الأردنية ليست خجلة من تعديل المناهج، فنحن نريد مراجعة المناهج لأننا اكتشفنا أن في بعضها ما يحفز على (الإرهاب)، وشدّد على أنّ المناهج يجب أن تعلّم «الطلبة الحب والتجانس لا أن يحمل السيف ويبدأ بالقتل».
وفي الجزائر: كتبت كلمة (إسرائيل) بدل فلسطين في بعض المقررات الدراسية، كما حصل في كتاب الجغرافيا، مما أثار حفيظة الشعب الجزائري المسلم، فخرج إلى الشوارع محتجًا، وأحرق نسخ هذا الكتاب، فيما بررت الوزارة بأن ذلك كان نتيجة خطأ مطبعي وقامت بسحب الكتاب.
وفي مصر الكنانة: صرح رئيس الوزراء المصريّ (إبراهيم محلب) عقب رئاسته اجتماع لجنة تطوير المناهج الدراسيّة في 11/4/2015م فقال: «لن نسمح بوجود نصوص دراسيّة تنشر الخرافات والخزعبلات في عقول الطلاب».
في حين تمّ تشكيل لجنة لاستمرار مراجعة المناهج الدراسيّة في 4 آذار وحذف أيّ مقرّرات قد تدعو إلى العنف ولا تتواكب مع تطوّرات العصر. ونصّ قرار وزير التربية والتعليم (محبّ الرفاعي)، الصادر في في 18/3/2015م، على أنّ حذف بعض المقرّرات الدراسيّة كان وفقًا لتوصيات مركز تطوير المناهج.
وفي مقدّمة المقرّرات الدراسيّة المحذوفة من المنهاج المصري – والتي أثارت الجدل – درس «صلاح الدين الأيّوبي»، وحذف فصول من قصّة «عقبة بن نافع» في مادّة اللغة العربيّة، وحذف مقرّرات من منهج مادّة التربية الإسلاميّة من بينها سور قرآنيّة وأحكام دينيّة. ولم يقتصر حذف أجزاء من المقرّرات الدراسيّة المشتبه بتحريضها على العنف، على مناهج التعليم العام فقط، لكنه امتدَّ أيضًا إلى مناهج التعليم الأزهريّ، والتي تخصّص في الأساس أجزاء واسعة لدراسة العلوم الفقهيّة والشرعيّة الإسلاميّة؛ حيث حذفت مقرّرات دراسيّة مثل حديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله»، وإدخال مقرّرات دراسة مواجهة الإرهاب والإلحاد والخروج على الحاكم.
أما المناهج الدراسية في هذه الديار (الأرض المباركة في بيت المقدس): فقد شهدت أيضًا عدة تغييرات -في هذا العام وعبر سنوات خلت- شملت عدة كتب منها على سبيل المثال لا الحصر، في كتاب التربية الوطنية للصف الثالث، كان المقرر السابق أن (عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي فتح القدس) ، وغُيّر هذا ليصبح في الكتاب الجديد (القدس مدينة عربية بناها أجدادنا العرب منذ آلاف السنين). وفي كتاب اللغة العربية للصف الرابع (تم حذف المواضيع التي تحدثت عن سيرة صلاح الدين الأيوبي). وفي كتاب التربية الإسلامية للصف الثاني يركز المنهاج أن (الكافر هو فقط من يعبد الأصنام) والحقيقة، إن هذه التغييرات ليست الأولى ولا الأخيرة في المنهاج الفلسطيني.
وأمام هذا الواقع الخطير أيها المسلمون، هل نقف مكتوفي الأيدي والألسن، لا ننابذ ولا ندافع عن أبنائنا وعن ثقافتهم؛ والتي هي أعز ما يملكون؟ أم إن الواجب الشرعي ليملي علينا أن نقف سدًا منيعًا تجاه هذا الموج العاتي، وتجاه هذه النار الحارقة، ونحاول منعه قدر المستطاع، وتصحيح مساره المنحرف؟.
إن الله عز وجل قد أمرنا فقال: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦).. ورسوله عليه الصلاة والسلام أمرنا فقال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه الإمام مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكَنَّ الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» رواه الإمام الترمذي.
ومن هذا المنطلق الشرعي أيها الإخوة نقول: يجب على المسلمين في هذه الديار، وفي غيرها من بلاد المسلمين، أن يقفوا سدًا منيعًا أمام هذا المدّ الحاقد الخبيث، وذلك بعدة وسائل وأساليب، منها:
1- بيان هذا الشر بكل الوسائل المتاحة، العامة والخاصة، ضمن حملة مضادة تهدف إلى تعرية هذه الحرب، وكشف أهدافها وغاياتها.
2- نشر الثقافة الصحيحة بكل الوسائل المتاحة ضمن أوساط الأمة، وخاصة عند الجيل الناشئ من الطلاب.
3- رعاية شؤون الأسرة رعاية صحيحة، وتنبيه الآباء إلى الشرور، ودعوتهم باستمرار ضمن دروس ومحاضرات ونصائح لرعاية أبنائهم من تحريفات المناهج.
4- دعوة الأمة بشكل فاعل وقوي للتخلص من هذه الشرور عن طريق عملها لإزالة الأنظمة العميلة للغرب في بلاد المسلمين، والتي تعمل على تنفيذ سياسات وبرامج الدول المستعمرة.
5- التواصل المستمر مع القائمين على المناهج والمدرسين والهيئات التعليمية في بلاد المسلمين لتحميلهم أمانة التصدي لهذا الشر.
وفي الختام نقول: يقول رب العزة جل جلاله في كتابه: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢). ويقول سبحانه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦). فكما هزم الكفر في كل ميادين الحرب على الله ورسوله وأمة الإسلام، فإن هذا اللون من الحرب حتمًا سيهزمه الله عز وجل؛ لأن هذه الحرب قبل أن تكون على أمة الإسلام هي على دين الله، يقول تعالى: (قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ ٣٣ وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ٣٤). فجميع الحروب التي قادها الكفار على هذه الأمة لم تهدمها كأمة مسلمة، ولم تمحُ ثقافتها ودينها، وها هي تقف على أقدامها، وتعود إلى أصالتها في ظل تردي وانهزام أفكار الغرب وانهدامها، وانهزام دوله في ساحة المسلمين. وإن كل ألوان هذه الحرب- ومنها الحرب على المناهج- إنما هي كمن ينفخ على الشمس ليطفئها، وكمن يضع المتاريس والحواجز أمام الريح العاصف ليوقفها، فهل يستطيع هؤلاء وهؤلاء أن يطفئوا الشمس أو أن يمنعوا الهواء؟!
فان هذه الأمة عائدة لا محالة بفضل الله عز وجل أولًا، ثم بفضل المخلصين من أبنائها، وعما قريب سنشهد حدثًا عظيمًا هو عودة هذه الأمة العظيمة لمجدها ومكانتها، وسيتزامن ذلك مع انهدام هذه القوى الشريرة الظالمة بإذن الله وحده، قال تعالى: (قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ ٢٦)، ويقول عزَّ من قائل: (أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا ١٠ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَأَنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ ١١).
فدين الله عز وجل هو الحق، والدعاة إلى الله هم أولياء الله عز وجل، والله سبحانه وعد وعدًا قاطعًا بأنه سيحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون حيث قال: (وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧ لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٨). ويقول جلَّ ثناؤه: (ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨ إِنَّهُمۡ لَن يُغۡنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡٔٗاۚ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۖ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ١٩ هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٢٠). ويقول تبارك اسمه: (وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦).
وأول أعمال هذه الأمة بعد عودتها وتوحيد أقطارها هو بتر هذا السرطان الخبيث( اليهود) من جسد هذه الأمة، وتحرير كامل هذه الأرض المقدسة -وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك؛ المستهدف هذه الأيام لمنع الأذان فيه وتقسيمه كما فعلوا بالمسجد الإبراهيمي- ولتنطلق الجيوش كما كانت تنطلق سابقًا، وهذه المرة إلى روما عاصمة النصارى الثانية؛ التي بشر بها رسول هذه الأمة، فقال صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أي المدينتين تفتح أولًا: قسطنطينية أو رومية؟: «مدينة هرقل تفتح أولًا، يعني قسطنطينية» رواه الإمام أحمد.
نعم، سترفع راية الإسلام فوق صلبان روما في الفاتيكان؛ ليعمَّ بعدها هذا الدين كل الأرض، وليصدق حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ». رواه الإمام أحمد، قال تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا) صدق الله العظيم.