المؤامرة الدولية ضد سوريا:
(وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِ)
لقد بلغت الهجمة الدولية الكافرة على قهر إرادة المسلمين في سوريا حدها الأعلى مع القصف الروسي الذي انتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية؛ وهو ما أدى إلى فرض عقد مؤتمر الأستانة الذي يراد من ورائه فرض شروط الغالب على المغلوب، وفرض دستور علماني كافر، ونظام حكم فاجر، على أهل سوريا بالإكراه.
ومؤتمر الأستانة هذا الذي تقف وراءه روسيا لن يكون مؤتمرًا يصدر منه الحل، وإنما سيكون، كغيره من المؤتمرات كمؤتمر فيينا ومؤتمر الرياض… مؤتمرًا تمهيديًا لمؤتمر جنيف الذي تديره أميركا مباشرة تحت أرقام متتالية (جنيف1، 2، 3، 4…) كدلالة على إمساك أميركا بعنان الحل، أما ما قامت به روسيا من إجرام فإنما كان بهدف أميركي يتجلى في قهر إرادة المسلمين في سوريا بإجبارهم على الموافقة على السير في المفاوضات، وفرض اعتبار المعارضة السياسية والفصائل المسلحة (المدعومة من السعودية وتركيا) العميلتين لأميركا تمثلهم في هذا المؤتمر، والعمل على اعتبار من سيرفض هذه المشاركة من الفصائل المسلحة، وهي كثيرة وكثيرة جدًا، في هذا المؤتمر، وعلى الشروط الأميركية إرهابيًا، وسيحارب تحت شعار محاربة داعش والنصرة…
واللعبة التي تريد أن تلعبها أميركا من خلال هذا المؤتمر هو أن تجعل طرفي المفاوضات تابعين لها؛ بحيث تستطيع أن تفرض أي حل تريده. فهناك طرف النظام ومن ورائه إيران وتوابعها من قطعان الميليشيات الطائفية الحاقدة وروسيا، وهذا الطرف يعمل وفق الأجندة الأميركية… وهناك طرف المعارضة السياسية المنقسمة التابعة لأطراف هي بدورها تابعة للسياسة الأميركة كتركيا والسعودية ومصر التي دخلت مؤخرًا على خط المفاوضات بالعمل على فرض منصة القاهرة على وفد المعارضة، وروسيا التي ينعقد مؤتمر الأستانة تحت تهديد استعمالها للقوة إذا لم تشارك فيه المعارضة، وهي تعمل على فرض منصة موسكو على وفدها كذلك. ويضاف إلى وفد المعارضة للمفاوضات وفد الفصائل المقاتلة الذي تم اختياره من قبل الدول الداعمة التابعة لأميركا كتركيا والسعودية اللتين تلعبان أسوأ دور لهما في سوريا.. . وهذان الطرفان سيجلسان وسيتحاوران وسيختلفان، ولكن في النهاية سيتفقان، كما هو مرسوم لهما على دستور علماني، وعلى نظام تعددي طائفي؛ وعليه فإن مؤتمر الأستانة هو مؤتمر تمهيدي، ومؤتمر جنيف المتعدد الأرقام هو مؤتمر تسوية بالإكراه، ولا يوجد من يمثل عامة المسلمين فيه.
وفي المقابل، وفي الضفة الأخرى، يقف عامة المسلمين من أهل سوريا، رافضين لكل الحلول التي تعمل أميركا على فرضها، وتقف معهم الفصائل المخلصة التي تم اعتبارها إرهابية لأنها ترفض الحل الأميركي. وخطة أميركا التي تنفذها روسيا وإيران ومعهما النظام السوري البائس تقضي في المرحلة المقبلة بإيجاد حالة من الاقتتال الداخلي يتم فيها إشراك الفصائل المدعومة من كل من السعودية وتركيا، والتي توصف بأنها معتدلة، إلى جانب التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، والتحالف الذي تقوده روسيا، وقوات النظام المجرم، وقوات الميليشيات الطائفية البغيضة… ضد الفصائل الرافضة للحل الأميركي، ومقاتلتها تحت ذريعة أنها إرهابية، وأنها رافضة للحل، ومحاصرتها إعلاميًا وسياسيًا، وبالتالي إيجاد رأي عام لدى عامة السوريين يكون رافضًا لحالة الاقتتال الداخلي، ومؤيدًا لما يقومون به من عزلها وضربها. وقد يكون هناك عمليات إجرامية يقوم بها النظام أو غيره باسم تنظيم الدولة، وتتهم بها الفصائل المخلصة ويكون وقودها من الضحايا من الناس؛ ليجعلوا الناس يصلون إلى حالة القرف من هذه الأوضاع الشاذة، وبالتالي يريدون (حج خلاص) كما يقال.
فالموضوع عند أميركا ليس مجرد فرض حلها، وإنما هناك مشكلة حقيقية تواجهها أميركا ومعها دول الكفر قاطبة في سوريا، وهو أن فيها توجهًا للتغيير على أساس الإسلام بإقامة دولة الخلافة فيها، وما اللعب بورقة الخلافة عن طريق تنظيم الدولة إلا من هذا الباب؛ فهي تريد إبعاد المسلمين عن هذا التوجه، وفرض دستور علماني كافر. وبالخطة المتبعة سيحاولون أن يجعلوا المسلمين في سوريا قابلين بالحل وموافقين على ضرب كل من يرفض مشروعهم للحل، أي ضرب الحل على أساس الإسلام.
وهذا الطرف (طرف عامة المسلمين، ومعهم الفصائل المخلصة) يواجه الآن هذه الهجمة الدولية المسعورة من غير أي سند مادي ولا عسكري ولا سياسي ولا إعلامي من الأرض، وهؤلاء تجري التحضيرات السياسية والإعلامية والعسكرية للقضاء على الفصائل المخلصة الرافضة لحلولهم؛ وذلك بتجميعهم في مناطق معينة كإدلب لتسهل عملية ضربهم، وفي الوقت نفسه العمل على تحويل الرأي العام وحشده ضدهم، وبهذا الإجرام والمكر تريد أميركا أن تسلك سبيلها للحل.
وبهذا نجد أنفسنا في مشهد الثورة في سوريا، ولأول مرة بهذا الوضوح والتمايز، أمام فسطاطين:
1- فسطاط الكفر والنفاق والمكر والإجرام، تقوده أميركا وعملاؤها، ومعها روسيا والصين وكل دول الغرب الذين اجتمعوا على صعيد واحد، وهو منع إقامة دولة الخلافة في سوريا، بل وفرض نظام علماني كافر بالمكر والإكراه…
2- وفسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه، وهو فسطاط عامة المسلمين العزَّل المستضعفين، ومعهم الفصائل المخلصة التي رفضت الانخراط في العملية السياسية الأميركية. وما يمتلكه هذا الطرف من قوى مادية هو ضعيف نسبيًا لما تمتلكه دول الطرف الآخر، بل لا يكاد يكون شيئًا، أي من ناحية عسكرية يوجد اختلال كبير في القوى العسكرية، ويضاف إليه ضعف الموقف السياسي والإعلامي…
ولكن هذين الطرفين تختلف حسابات الربح والخسارة والنصر بينهما اختلافًا جذريًا:
– فحساب الطرف الأول، أي حسابات الدول الكافرة ومعها دول النفاق والشقاق، هو حساب القوة المادية البحتة، من سياسية وعسكرية وإعلامية ومالية… وفي حساب هؤلاء أن الغلبة لهم، والعملية السياسية ستتم، والعملية العسكرية ستحقق أهدافها، وسيتم القضاء على الثورة وعلى تطلع الناس لإقامة الخلافة قضاء مبرمًا… وبالمكر والإجرام يعتبرون أنهم يمكنهم أن يحققوا أهدافهم، والمسألة عندهم مسألة وقت.
– أما الطرف الآخر، فحساباتهم للنصر مختلفة كليًا. فهؤلاء يمكن القول بكل اطمئنان أن توجههم للحل هو توجه إسلامي، فهم يريدون أن يقيموا الإسلام في حياتهم، وهؤلاء يقفون ضد ما يجري عليهم من تآمر دولي، وباتوا يعرفون بواعثه وأهدافه… وهذا الطرف حتى يحقق هدفه يجب أن تكون حساباته للنصر مختلفة:
فهؤلاء مومنون بالله وبوجوب تحكيم شرعه في حياتهم، وإلا لكانوا شكلوا حاضنة شعبية للمعارضة السياسية العميلة وللفصائل المقاتلة التي انخرطت في العملية السياسية على أساس مؤتمر جنيف، ولانضوت الفصائل المقاتلة الأخرى تحت جناح الفصائل التي رضيت بالحل الأميركي بأمر من أسيادها الداعمين… وهؤلاء مستضعفون، ليس عندهم من القوة ما يواجهون به قوة أعدائهم المجتمعين على حربهم بصورة متكافئة. وهؤلاء بات يوجد وعي لديهم أن أخذ المال السياسي وأخذ السلاح من الدول الداعمة هو شر، وأن الهدن والمفاوضات هي أساليب ماكرة للتغلب عليهم، وأن الدول الداعمة أو الضامنة هي دول خائنة لله ولرسوله ولدينه، وهي تدعي تطبيق الإسلام بينما هي بعيدة عن تطبيقه كل البعد.
إن حالة الاستضعاف هذه التي وصل إليها هذا الطرف هي من مبشرات النصر وليس العكس، وهي دليل صحة توجه لدى هذا الفريق؛ فهو يعني أنهم رفضوا ويرفضون الاستنصار بأعداء الإسلام من دول الغرب الكافرة وعلى رأسهم أميركا، ودول النفاق الماكرة وعلى رأسهم السعودية وتركيا… ومعناه أنهم التزموا أمر الله في رفض أخذ المال السياسي، ورفض أخذ السلاح المشروط، ورفض الأمر بالتزام الخطوط الحمر، ويعني أنهم قرروا استمداد العون من الله وحده… ونحن لو نظرنا إلى سيرة نبينا الأكرم وإلى سيرة من سبقه من الأنبياء لوجدنا أنهم وصلوا إلى مثل هذه الحالة التي مدحها الله سبحانه في كتابه، ومنَّ عليهم بالنصر لأجلها، ولنعطِ مثلين على ذلك:
– فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألجأت حالة الاستضعاف التي وصل إليها هو ومن معه من المؤمنين وهوانهم على الكافرين إلى أن يدعو ربه بدعائه المشهور: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهَّمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علىِّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنزل بي غضبَك، أو يَحِلَّ علىَّ سخطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». ووصل التآمر عليه أن اجتمعوا على قتله ليتفرق دمه في القبائل، وأحكموا الأمر، ولكن في مثل هذا الظرف العصيب الذي وصل إلى التخطيط بالقضاء على دعوة الرسول كليًا بقتله، جاءه الفرج من الله بأمره بالهجرة إلى المدينة ليقيم فيها دولته بعد أن أصبح له أنصارًا ينصرون دعوته ويقيمون عندهم دولته. والقرآن ذكر صراحة حالة الاستضعاف التي مر بها الرسول ومن معه من المؤمنين، وأن جزاءها كان النصر والتمكين، قال تعالى: ( وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فََٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٢٦) وقال جل من قائل: ( وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥).
وعند الحديث عن سيدنا موسى عليه السلام، قال تعالى:( نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٣ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا
مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦) وقال جل ثناؤه: ( وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ ١٣٧ ).
أما الإيمان بالله فهو يقتضي العمل الصالح، والعمل لا يكون صالحًا حتى يكون بحسب أوامر الله ونواهيه، والعمل الصالح المطلوب القيام به ليتحقق النصر هو بالتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بما قام به من أعمال أدت إلى قيام دولة الإسلام الأولى في المدينة. فدولة الإسلام الثانية تقوم بأن نقوم بالأعمال نفسها التي قام بها الرسول لإقامة دولته، من إيجاد تكتل يتجسد في شبابه الإيمان ووجوب الالتزام بطريقة الرسول في إقامة دولة الخلافة، ومن إيجاد حاضنة شعبية مستعدة أن تحتضن هذه المشروع، ومن أهل قوة مؤمنين لينصروا الدين كما نصره الأنصار من قبل. وكل عناصر النصر هذه هي والحمد لله موجودة وهي لا تحتاج إلا إلى تنسيق بينها.
وهناك أمر بالغ الدلالة لا ينتبه إليه إلا المومنون الصادقون الذين يزنون الأمور بميزان الشرع، وهو أنهم يشعرون أن الله سبحانه وتعالى برحمته يهيئ لهذه الأمة أمرًا رشدًا، فالأمة تريد التغيير على أساس دينها، ولكنها تحتاج إلى من يبصِّرها السبيل، فهي لم تستطع بما قامت به من ثورات أن تحقق تطلعها بإقامة الخلافة، لأنها تفتقد إلى قيادة سياسية تبصِّرها وتقودها لإقامتها؛ لذلك استطاع الغرب بما يملك من عملاء أن يؤخر نصر الأمة، بينما كانت في سوريا أقرب إلى التعبير الصادق عما تريد، وأكثر صبرًا وتضحية؛ لذلك استمرت وتعاظم مع استمرارها التآمر عليها، وأخذت هذا الشكل المأساوي. أما الأمر الرشد فهو أن المؤمن يشعر أن الله سبحانه وتعالى لم يتخلَّ عن الناس وما قاموا به، وأنه سبحانه يدفع الأمور باتجاه تحقيق وعد إقامة الخلافة الراشدة في آخر هذا الزمان. فما يحدث في سوريا من تآمر جعل الأوضاع تصل إلى ما يشبه حدوثه مع الأنبياء في القرآن الكريم وفي سنة نبينا التي يجب علينا التأسي بها. ومع الالتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يمر أهل الإيمان بسنة الله تعالى في النصر، فالنصر لا يتحقق إلا بعد الصبر على حالة الاستضعاف التي تصيب المؤمنين من فقد الرجاء إلا من الله، وسد السبل إلا إلى الله، وقطع الصلة إلا مع الله، والتوكل عليه واستمداد العون إلا منه وحده، ودعاؤه والاستغاثة به وحده أن ينصر ويثبت ويتولى أمر المؤمنين، المتيقنين أن لا نصر إلا منه وحده…
إذًا، الأوضاع في سوريا يوصلها الله برحمته إلى حالة شبيهة بما كانت عليه الدعوات السابقة… واختصارًا للمآسي، ومن أجل وضع حد لإجرام دول الكفر في بلادنا، لا بد من اعتماد طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسها في التغيير الذي أدى، أول ما أدى، إلى إقامة دولة الإسلام الأولى، وهنا لا بد من التذكير بأن طريقة الرسول تقوم على إيجاد القيادة السياسية التي كانت متمثلة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين، ومن حاضنة شعبية تتبنى التغيير على أساس الإسلام، تجلت زمن الرسول بأهل المدينة الذين فشا الإسلام فيهم بعد إسلام سعد بن معاذ، ومن أهل قوة تستطيع أن تحمي هذه الدعوة والدولة، والتي سمَّاها القرآن بـ «الأنصار»، وينطلق كل طرف من أطراف هذه المعادلة من منطلق واحد يتمثل بقوله تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣).
والناظر في واقع المسلمين اليوم في بلادهم يرى أنهم يعيشون حالة واحدة من التذمر من أوضاعهم جميعها، الدينية والمعيشية،؛ بحيث يقوم حكامهم بإفقارهم وإضلالهم وإذلالهم وتمكين أعدائهم منهم… وهم أصلًا عندما قاموا بثوراتهم فإنما قاموا لتغييرها، وأسباب قيامهم بها ما زالت قائمة، بل زادت… وما على المسلمين الآن وبعد هذا المخاض العسير والعنيف إلا أن يراجعوا أنفسهم، ويرجعوا إلى صراط الله المستقيم على طريقة « لا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله».
والناظر في واقع المسلمين اليوم، فإن الأمور الثلاثة المطلوبة للتغيير الشرعي هي موجودة بفضل الله وحوله، ولا تحتاج إلا إلى الربط والتخطيط والقيام معًا لإقامة دولة الخلافة الراشدة الموعودة في هذا الزمان. فالقيادة السياسية موجودة بفضل الله وهي متمثلة بـ «حزب التحرير». ومن فضل الله هي موجودة في بلاد المسلمين نفسها التي تسعى شعوبها للتغيير، والرأي العام على إسلام الحكم موجود ومنتشر فيها، ولحزب التحرير إسهامه الأول في هذا الانتشار، وأهل القوة من المؤمنين في الجيوش موجودون كذلك، ولا شك أنهم متحرقون للتغيير، ولا يحتاجون إلا إلى تنظيم عمل يقلب الأوضاع رأسًا على عقب على هذه الأنظمة العميلة للغرب والخائنة لدينها ولأمتها، ولكن بتخطيط وتنسيق مع القيادة السياسية التي عليها بحسن قيادتها وواسع خبرتها أن تجتاز العقبة. والغرب يدرك وجود هذه المكونات للنصر، وأكثر ما يتخوف منه هو اجتماعها في عمل واحد ينهي سيطرته العالمية الاستعمارية في العالم.
قال تعالى: ( وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ )
فإلى عمل فيه خيري الدنيا والآخرة، ندعو المسلمين، والله من وراء القصد.