سؤال وجواب؟
1992/02/10م
المقالات
2,830 زيارة
السؤال:
بعد أن نالت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر 188 مقعداً في الدورة الانتخابية الأولى، كان المتوقع أن تنال في الدورة الثانية الأكثرية الساحقة. وكان المتوقع أن يكلّفها رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة. والسؤال هو:
أ- هل يجوز شرعاً، في مثل هذه الحال، تشكيل حكومة بموجب دستور علماني وبرئاسة رئيس جمهورية علماني؟ وهل يعتبر هذا مشاركة في حكم كفر؟
ب- نعلم أن الشرع يوجب التطبيق الكامل ودفعة واحدة (أي ليس بأخذ جوانب وترك أخرى، وليس بالتدريج) ولكن هذا يتطلب وقتاً قد يمتد بضعة أشهر، وقد يكون عن طريق سنّ القوانين وتمريرها على مجلس النواب فهل هذا جائز شرعاً؟
الجواب:
إن الأحكام الشرعية المتعلقة بنظام الحكم ليست مبسوطة في كتب الفقه كما هو شأن العبادات المواريث والمعاملات وما يسمى بالأحوال الشخصية. ولذلك لا نجد في كتب الأئمة الكبار أجوبة شافية. خاصة وأنه تجدّ مشكلات جديدة لم يكن لها شبيه في أيام الأئمة الكبار. والآن يوجد مجتهدون وعلماء كبار في العالم الإسلامي ولكنهم لم يهتموا بالأحكام الشرعية المتعلقة بنظام الحكم، ذلك لأن الشريعة الإسلامية ليست مطبقة في مجال الحكم، فإذا بحثوا واجتهدوا فإن أبحاثهم ستبقى في الإطار النظري، ولذلك ينصرف هؤلاء العلماء إلى أبحاث أخرى لها سوق رائجة.
وقد قام بعض العلماء الجدد وألفوا كتباً عن نظام الحكم في الإسلام. بعض هؤلاء أجاد وبعضهم كان متأثراً بالديمقراطية الغربية فحاولوا إبراز الإسلام وكأنه نظام غربي، وهؤلاء أساءوا للإسلام. وهم في الحقيقة ليسوا علماء. وأما الذين أجادوا فإن كتبهم استوعبت الأسس وبعض الفورع، ويبقى كثير من الوقائع المتجددة بحاجة إلى علماء مجتهدين يتصدون لبيان حكم هذه الوقائع كلما حصلت.
ومن الأسس الواضح حكمها من النصوص ومن أقوال العلماء أن المشاركة في الحكم الذي يطبق أنظمة غير إسلامية (أي أنظمة كفر) هي حرام.
ومن هذه الأسس الواضح حكمها من النصوص ومن أقوال العلماء أن الشريعة يجب أخذها كاملة ولا يجوز تعطيل أجزاء منها. وأن التطبيق يجب أن يكون انقلاباً (أي دفعة واحدة) ولا يجوز أن يؤخذ بالتدريج.
هذه الأمور من البديهيات في الشريعة الاسلامية، ولا يجادل فيها إلا جاهل بهذه الشرعية أو مصاب بلوثة الحضارة الغربية ومتأثر بها.
وننتقل من العموم إلى خصوصية الحالة في الجزائر التي هي موضوع السؤال. وهي وإن أبعدتْ الآن ولكنها قد تعود، وقد يحصل شبيه لها في البلاد الإسلامية التي تغلي وتتحفز في أكثر أقطارها.
إن المذكور في البند «أ» من السؤال لا يعتبر مشاركة في حكم كفر. إنه واقع جديد يحتاج إلى فهم ويحتاج إلى معرفة حكمه. أمّا أنه ليس مشاركة فلأن القادمين إلى تشكيل الحكومة ليسوا قادمين لتكون لهم حصة ويكون لغيرهم حصة، بل هم قادمون ليأخذوا السلطة كلها: ليأخذوا الوزارة ويأخذوا رئاسة الدولة ويغيروا الدستور والقوانين ويضعوا بدلاً منها دستوراً إسلامياً وقوانين إسلامية. هم قادمون ليس ليحاولوا ذلك بل لينفذوا ذلك بعد أن نجحت محاولتهم. إذاً فالواقع ليس واقع مشاركة.
وننتقل إلى مسألة التدريج الواردة في البند «ب» من السؤال. إن عبارة «التطبيق الفوري» أو «التطبيق الانقلابي» أو«التطبيق دفعة واحدة» يُخيّل للمرء أنها تحدث فوراً خلال دقائق أو ساعات أو خلال أيام على أبعد حد، ولا يتوقع أنها تحتاج إلى اسابيع. والواقع أنها قد تحتاج إلى أشهر وليس فقط إلى أيام أو اسابيع.
والضابط الذي يضبط التفريق بين «التطبيق الفوري» الواجب و«التطبيق التدريجي» الذي لا يجوز هو المباشرة الفورية بالتطبيق أو المباشرة الفورية بإزالة العوائق التي تمنع التطبيق. فالمبادرة الفورية إلى التطبيق إذا لم تكن عوائق أو إلى إزالة العوائق إن وُجدت هو المطلوب شرعاً وهو «التطبيق الانقلابي» مهما أخذ من وقت. أما «التدريج» فهو أخذ الأمر على التراخي، والعمل بموجب أنظمة الكفر فترة من الزمن ريثما تؤاتي الظروف وتزول العقبات ويصبح التطبيق أنسب وأسهل، فيجري تطبيق الحكم الشرعي والواحد على مراحل حتى يتم نقل المسألة الواحدة من نظام الكفر إلى نظام الإسلام. هذا هو «التدريج» وهو غير جائز شرعاً.
والأمر الوارد في السؤال والذي كان متوقعاً حصوله في الجزائر هو المبادرة الفورية للتطبيق في الممكن تطبيقه والمبادرة الفورية بإزالة العوائق. فمثلاً وجود الدستور العلماني (أي دستور الكفر) هو عقبة كبيرة. ووجود رئيس جمهورية علماني هو عقبة كبيرة، وكون الجيش يأخذ أوامره من رئيس الجمهورية العلماني عقبة كبيرة. فلو شكّلت جبهة الإنقاذ الحكومة فإنه لا يحل لأي وزير أن ينفذ أي قانون يتصادم مع الشرع الاسلامي، ويجب على كل وزير أن يبادر فوراً إلى القوانين المتعلقة بوزارته فما كان منها مناقضاً للإسلام أحالته الحكومة إلى مجلس النواب لإلغائه وسنّ القوانين الشرعية. وإذا تعذر على الحكومة سنّ بعض القوانين أو إلغاء بعض القوانين لأمر قاهر فإنهم معذورون شرعاً بسبب الاكراه، ولهم رخصة المركه أو رخصة عدم الاستطاعة. وكذلك تسير الحكومة في إلغاء الدستور كله، وإذا لم تتمكن من إلغائه كله فوراً تلغى منه حسب استطاعتها من أجل أن تتمكن من تطبيق الشريعة بأسرع ما يمكن.
وهنا يرد سؤال وهو: إذا لم تتمكن الحكومة من إزالة العوائق الكبيرة التي تمنع التطبيق، أي إذا لم تتمكن من تغيير القوانين أو تغيير الدستور أو أخذ رئاسة الدولة فماذا تعمل؟ والجواب هو أن عليها أن تترك الحكومة. وإذا كانت منذ البداية تعرف أنها غير واثقة من إزالة هذه العوائق فإنه لا يجوز لها أن تقبل بتشكيل حكومة لأن عملها سيكون حينئذٍ نوعاً من المشاركة في الحكم بناء على نظام كفر.
ويردُ سؤال آخر هو: أليس هذا (أي إلغاء بعض قوانين الكفر وتطبيق بعض قوانين الشريعة حسب الاستطاعة) أخذاً لبعض الإسلام دون بعض؟
والجواب: نعم هو أخذ لبعض دون بعض. والذي يجعله مشروعاً هو عدم الاستطاعة على الأخذ الكامل فوراً من التلبس الفوري بالعمل لإزالة العوائق. والترجيح قائم بأن العوائق في سبيل الزوال السريع. ولو كان الأمر في أخذ بعض الإسلام دون بعض مسألة اختيار لما جاز إلا الأخذ الكامل فوراً.
ويحضرنا الآن مثالان من فعل الرسول ﷺ يدلان على الترخيص للحاكم أن يترك تطبيق بعض الأحكام أو يخالف بعض الأحكام عند الاضطرار.
الأول: حين همَّ رسول الله ﷺ بإعطاء ثلث ثمار المدينة إلى قبيلة غطفان يوم الخندق على أن ترجع عن حصار المدينة مع أحزاب المشركين. هذا من باب الاضطرار. وهو من أدلة المعاهدات الاضطرارية في الشريعة الإسلامية.
الثاني: حين رجع عبد الله بن أُبيّ بن سَلول يوم أُحد ورجع معه ثلث جيش المسلمين، ووجه الاستدلال هنا هو أن أبيّ (المنافق) لم يكن من حقه أن يترك جيش المسلمين الذي خرج من المدينة لمواجهة الكفار. ومع ذلك فقد رجع ورجع معه ثلاث الجيش (حوالي 300 مقاتل) مع ما في ذلك من خذلان لجيش الرسول ﷺ ومن تفسيخ لهذا الجيش. ولم يفعل معه رسول الله ﷺ شيئاً لأنه كان في وضع حرج أمام الهجوم الآتي من قريش.
أما عن مسألة سنّ القوانين عن طريق الحكومة وتمريرها على مجلس النواب فإن هذه ليست هي الطريقة الشرعية في سن القانون. الطريقة الشرعية هي أن يقوم أهل العلم والاجتهاد الذين يعرفون الواقع (المناط) ويعرفون النصوص الشرعية التي تنظم هذا الواقع وتعالجه، يقوم هؤلاء بتقديم مشاريع قوانين إلى رئيس الدولة وهو يتبنّى منها ما يراه الأصح ويعلنه على الناس فيصبح قانوناً نافذاً. ويجوز لرئيس الدولة أن يعرض مشروع القانون على مجلس الشورى أو غير لإبداء رأيهم وملاحظاتهم عليه فيستفيد منها رئيس الدولة دون أن تكون ملزمة له.
وفي حالة الجزائر الواردة في السؤال فإن أهل العلم والاجتهاد يقدمون مشاريع القوانين الشرعية إلى رئيس الحكومة وهو يتبنّى منها ما يراه الأصح. ولا مانع من عرضه على مجلس النواب لابداء الرأي والملاحظات. وهذا المجلس (حسب ما كان متوقعاً في السؤال) هو موالٍ للحكومة ورئيسها فهو سيصادق على القوانين الشرعية المحالة عليه من الحكومة ما دامت هذه القوانين شرعية. وتكون مهمة مجلس النواب في الجزائر (حسب السؤال) ليست تشريع القوانين بل مجرد إعطاء شورى غير ملزمة، حتى ولو كان الدستور العلماني (الذي هو في سبيل الإلغاء) ينص على أن مهمة مجلس النواب هي التشريع. ولذلك يجوز اللجوء إلى هذه الطريقة في إلغاء القوانين وسن القوانين من باب الرخصة لعدم الاستطاعة على سلوك الطريقة الشريعة بكل جزئياتها.
وندعو الله أن يهدينا لأرشد أمرنا وأن يوفقنا لإقامة الخلافة التي تطبق الإسلام كاملاً وتحمل رسالته إلى العالم .
1992-02-10