حقوق الإنسان في ميزان الإسلام
1993/09/09م
المقالات
3,804 زيارة
بقلم: محمد حسين عبد الله
نشأة فكرة حقوق الإنسان:
نشأت فكرة حقوق الإنسان في أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي، نتيجة الصراع الذي احتدم بين الكنيسة ورجالها من جهة، وبين المفكرين والفلاسفة من جهة أخرى، فقد نادى الفيلسوف «لوك» بالحقوق الطبيعية للأفراد، المستمدة من فكرة «القانون الطبيعي» وهو القانون الذي يُستنبط من طبيعة الناس والأشياء، حيث يتوصل الإنسان بعقله إلى وضع التشريعات الكفيلة بصيانة حقه الفردي.
وبعد صراع مرير بين الفريقين، انتصر رجال الفكر على رجال الكنيسة، فقرروا فصل الدين عن الحياة، ونشأ جراء ذلك المذهب الحرّ، أو المبدأ الرأسمالي.
وبالنظر في هذا المبدأ، نجد أن للحقوق الطبيعية أسساً ثلاثة هي:
أولاً: إنّ الحقوق الطبيعية للأفراد سابقة للوجود السياسي، أي سابقة لقيام الدولة، ولذلك تقع على الدولة مسؤولية احترام الحقوق والحريات الفردية، والامتناع عن المساس بها.
ثانياً: إنّ علاج التناقض القائم بين سلطة الدولة وحرية الفرد، يُحسم لصالح الحرية الفردية، وذلك لأن الغاية من قيام الدولة هي حماية الحريات الفردية.
ثالثاً: إنّ جعل الحرية الفردية أساساً للوجود السياسي للدولة يقتضي تقييد سلطة الدولة، ومنعها من التعسف في تقييد حرية الأفراد.
وبناءاً على هذه الأسس عمد مفكروا الرأسمالية إلى استبعاد القوانين الإلهية التي تقيد الحريات، وتحدد حقوق الإنسان، وإلى الاستعاضة عنها بالقانون الطبيعي المستند إلى العقل والواقع. فبرزت حقوق الفرد مقابل الدولة، والتي أصبحت تعرف فيما بعد بحقوق الإنسان أثناء الثورة الأميركية عام 1776م وفي الثورة الفرنسية عام 1789م. ثم اكتسب الفكرة بُعداً دولياً بعد الحرب العالمية الثانية في هيئة الأمم المتحدة، تلك الهيئة التي أقامتها الدول الكبرى لحفظ مصالحها.
وبعد ذلك توالت المؤتمرات والمواثيق الدولية الداعية لحفظ حقوق الإنسان، التي جعلت الفرد محور اهتمامها، وركزت على حماية حرياته الأربع: حرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية التملك، والحرية الشخصية.
وفي عام 1948م صدر عن الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي عام 1966م صدر العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، وفي هذا العام (عام 1993م) صدر البيان الختامي للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، الذي تضمن تعديلات لميثاق عام 1948م.
تهافت مفهوم حقوق الإنسان:
إن مفهوم حقوق الإنسان المبني على الحقوق الطبيعية في الفكر السياسي الغربي متهافت تنظيراً وواقعاً.
فمن حيث التنظير نجد أن بعض المدارس الفكرية كالدارونية، نسبة إلى دارون، قد نادت بقاعدة «البقاء للأصلح» وهذا ينكر حق بعض الأفراد بالحياة.
وبعض النظريات تدّعي أنّ بعض البشر عدوانيون بطبعهم، والبعض الآخر أليفون بطبعهم، وبذلك لا توجد مساواة طبيعية بين الناس تعطي كل إنسان الحق نفسه. ويترتب على ذلك فقدان بعض الناس لحقهم.
وكذلك لا يوجد اتفاق بين المفكرين على وجود حقوق طبيعية أصلية بمعزل عن الوجود الاجتماعي، فالعديد منهم يرى أن التشريع المتضمن حماية حقوق الإنسان وليد التطور الاجتماعي، أو الاجتماعي والمادي معاً.
أمّا من حيث الواقع، فإن الدساتير والمواثيق الوضعية تناولت حقوق الإنسان بأسلوب عاطفي أدبي، مما يعطي المرونة للسلطة الحاكمة في إقرار بعض الحقوق، وفي التنكّر لبعض الحقوق الأخرى.
كذلك لم تنص المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على آلية تنفيذ تلك الحقوق، فلم تُشر إلى الطرق أو الوسائل الكفيلة بضمان تلك الحقوق، ولم تنص على عقوبات محددة لخرقها، واكتفت بالنص على ضرورة صيانتها.
الحقوق الشرعية للإنسان في الإسلام:
خلق الله الإنسان من مادة الطين، ونفخ فيه الروح، وهي سر الحياة، وأودع فيه خاصيات، وهي الغرائز والحاجات العضوية والتفكير، وبين الغاية التي خلقه من أجلها بقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) فالأصل في الإنسان أن يكون عبداً لله، يطيع أوامره، ويجتنب نواهيه. وقد جاء الإسلام بنظام شامل كامل ينظم جميع أعمال الإنسان، اللازمة لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية إشباعاً صحيحاً يتفق وفطرته كفرد، ويتلاءم مع ما يجب أن يكون عليه المجتمع الإسلامي، فنظّم علاقته بربه كالعبادات والعقائد، وعلاقته بنفسه كالمطعومات والملبوسات، وعلاقته مع غيره كالمعاملات، وهي تشمل علاقة الحاكم بالمحكومين، وعلاقة الدولة بغيرها من الدول، فالله هو الذي شرع الحقوق، وهي الحقوق الشرعية التي بيّنها للناس عن طريق الوحي، وعلى لسان الرسل، والتي على أساسها سوف تجري محاسبته لهم يوم القيامة.
وباستقراء الأدلة الشرعية، وما نتج وما ينتج عنها من أحكام، وجد الفقهاء المسلمون أن الحقوق الشرعية للإنسان قد جاءت لتحقق للإنسان ثلاثة أنواع من المصالح، وهي: الضروريات، والحاجيات، والتحسينات.
أما الضروريات: فيقصد بها تلك المصالح التي تتوقف عليها حياة الناس الكريمة، وقيام المجتمع الصالح واستقراره، بحيث إذا لم تتحقق اختل نظام الحياة، وساد الناس الفوضى والفساد، ولحقهم الشقاء والتعاسة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، وهذه الضروريات ثمانية، وهي حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ الكرامة، وحفظ الأمن، وحفظ الدولة. وقد شرع الإسلام أحكاماً للمحافظة على كل منها.
أولاً- حفظ الدين:
الإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ…) وهذا لا يعني حرية العقيدة المستمدة من الحق الطبيعي الذي نادت به الرأسمالية، لأنّ المسلم الذي يرتد عن الإسلام بعد أن آمن به، يُناقش، ويُستتاب، فإن أصرّ على ارتداده كانت عقوبته القتل، قال صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه»، وذلك لأنّ العقيدة الإسلامية التي اعتنقها المسلم، تلائم فطرته، ومبنية على العقل، فارتداده عنها مخالف لفطرة الإنسان ولعقله، وأصبح بارتداد ظاهرة مرضية يجب اجتثاثها لئلا تنتقل العدوى إلى سائر المجتمع، وذلك حفظاً لدين الله الذي ارتضاه للإنسان وكرّمه به، وقد شرع الإسلام أحكاماً لحفظ الدين كحمل الدعوة إليه، ورد الاعتداء عنه، ووجوب الجهاد ضد الكيانات الكافرة به. قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ…).
ثانياً – حفظ النفس:
وقد شرع الإسلام ما فيه بقاءٌ لها، وما فيه تكريم لها، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، وقد حرّم قتلها، والاعتداء عليها، وسنّ القصاص لحياتها قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يُعذّب الذين يعذبون الناس في الدنيا». وقد حرّم كل ما يؤدي إلى إيذاء النفس الإنسانية.
ثالثاً – حفظ العقل:
لقد أنزل الإسلام العقل منزلته المرموقة التي يستحقها، فجعله مناط التكليف، وحثّ على استعمالهن فطلب من التدبّر والتفكّر والاجتهاد، ورفع من منزلة العلماء، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) وحرّم كل ما من شأنه أن يؤثر على عمل العقل كشرب الخمر، وتناول المخدر، وامتهان السحر، وشرع عقوبات على من يتعاطى ذلك.
رابعاً – حفظ النسل:
ندب الإسلام إلى تكثير النسل، فحثّ على تزوج الدود الولود، وحافظ على النسب، فحرّم الزنى وشرع حد الرجم على الزاني المحصن والجلد مائة على الزاني غير المحصن وأوجب النفقة على المولود له، وحث على تربية الأبناء التربية الصالحة، ولا سيما البنات. قال عليه السلام: «من كانت له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها وأحسن تعليمها، كانت له ستراً من النار يوم القيامة».
خامساً – حفظ المال:
أباح الإسلام للإنسان حيازة المال، وشرع له أسباباً للتملك، وحثَّ على تنمية المال، وفي الوقت نفسه جعل حقاً للفقراء في أموال الأغنياء. وحرّم أخذ مال الآخرين إلا عن طيب نفس، وشرع أحكاماً لحفظ المال، ولحفظ الملكية الفردية، فحرّم السرقة وشرع حد القطع على السارق، وحرّم إتلاف المال، وشرع الحجر على السفيه والمجنون والقاصر للمحافظة على أموالهم، ووضع أحكاماً خاصة لكل من الملكية العامة وملكية الدولة والملكية الفردية.
سادساً – حفظ الكرامة:
فقد شرع الإسلام حد الجلد ثمانين جلدة للذين يقذفون المحصنات، أي القذف بالزنى. أما الطعن بكرامة الناس بغير الزنى فقد شرع الإسلام له عقوبات تعزيرية رادعة.
سابعاً – حفظ الأمن:
فقد شرع الإسلام حد الحرابة على الذين يقطعون الطرق ويعتدون على الأعراض أو الأموال أو الأنفس. قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأََرْضِ). وقد شرع عقوبات تعزيرية رادعة على الذين يُخِلّون بالأمن عن طريق الفتن والإشاعات المرعبة والنعرات القومية أو الطائفية أو غيرها.
ثامناً – حفظ الدولة:
لقد أوجب الإسلام على المسلمين أن تكون لهم دولة تحكمهم بشريعة الإسلام وتحمل دعوة الإسلام إلى العالم، أي أوجب عليهم أن يقيموا عليهم خليفة واحداً يبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله. وحرّم عليهم أن يظلوا أكثر من ثلاثة أيام دون خليفة، واعتبر الإسلام أن من يموت وليس في عنقه بيعة لخليفة المسلمين فميتته جاهلية. وجعل طاعة الخليفة واجبة ضمن حدود الشرع. وإذا قام من يريد أن يشق عصا المسلمين ويتمرد على الخليفة فهو باغٍ وقد شرع الإسلام للخليفة وللأمة مع الخليفة أن يحاربوا البغاة حرب تأديب.
وأما الحاجيات:
فهي الأمور التي يحتاجها الناس لرفع الحرج عنهم، ولتخفيف أعباء التكاليف عليهم، ففي العبادات كلفهم بما يستطيعون، وشرع لهم الرخص تخفيفاً عليهم إذا كان في تنفيذ الحكم في ظرف من الظروف، أو في حالة من الحالات مشقة، فأباح لهم الفطر في رمضان للمسافر والمريض، وأباح لهم الصلاة قاعداً لمن عجز عن القيام، وغير ذلك من الرخص.
وفي المطعومات أحلّ لهم الطيّبات، وحرّم عليهم الخبائث، ورخص للمضطر أن يأكل ما حرّم عليه حفظاً لحياته من الهلاك: (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وفي العقوبات وضع لهم قاعدة «تُدرأ الحدود بالشُبهات» وشرع الدّيَةَ على العاقلة في القتل الخطأ تخفيفاً عن القاتل، وهكذا…
وأما التحسينات:
فهي الأمور التي تحسن حال الناس، وتجعلها على وفاق ما تقتضيه الحياة الكريمة، من مروءة ومكارم أخلاق.
ففي العبادات شرع الطهارة للبدن والثوب والمكان، وندب إلى أخذ الزينة عند كل مسجد «صلاة».
وفي المعاملات حرّم الغش والتدليس والخداع، وحثّ على السماحة والأمانة. وفي الحرب حرّم قتل الرهبان والصبيان والنساء، ونهى عن المثلة والغدر وقتل الرسل، وقتل غير المحاربين كالمزارعين والأجراء.
وفي العقوبات، حرّم التعذيب لإثبات العقوبة، وأمر بإحسان القتل، وفي الأخلاق، طلب الاتصاف بالصدق والعفة والأمانة، ونهى عن الكذب والفحش والخيانة، وهذا مما يوجد الود والاحترام والثقة بين أفراد المجتمع.
الإسلام… وحقوق الإنسان
إنّ مصطلح حقوق الإنسان، مصطلح غربي رأسمالي، له مدلول نابع من وجهة نظر أيدلوجية غربية، وهي عقيدة فصل الدين عن الحياة، وهي تناقض العقيدة الإسلامية، وتخالف الأحكام الشرعية المنبثقة عنها، لذلك يجدر بالمسلمين وخصوصاً المفكرين منهم، بل يجب أن يتجنبوا استعمال هذا الاصطلاح في معرض المطالبة بمضمونه، وأن يستعيضوا عنه بالاصطلاح الشرعي، وهو الحقوق الشرعية للإنسان، لأنّ مدلول الأول ـ كما قدمنا ـ يعني أن الذي يعين حقوق الإنسان هو الإنسان نفسه، حيث يكون الإنسان عبداً لغرائزه وحاجاته العضوية، أو عبداً لغيره من بني الإنسان. بينما الاصطلاح الشرعي، يدل على أن الإنسان عبد لله الذي خلقه، وقد شرع له أحكاماً ليشبع غرائزه وحاجاته العضوية إشباعاً صحيحاً، يُؤدي إلى رقيّه ونهضته في الدنيا، وإلى سعادته بنيل رضوان الله في الآخرة.
ومن المشاهدة المحسوس، نرى أنّ الدول التي تحمل لواء حقوق الإنسان، تمارس أعمالاً بعيدة كل البعد عن كرامة الإنسان، فهي تمارس التمييز العنصري ضدّ الملونين، وتمارس سياسة استعمارية فوقية، ضد غيرها من الدول والشعوب، وتكيل بمكيالين في مواقفها من المشاكل الدولية ومشاكل حقوق الإنسان. وكذلك نرى أنّ كرامة الأفراد وحقوق الإنسان تنتهك في كل مكان، وذلك باسم القوانين التي ابتدعها الغرب، ثم سوقها لنا، مثل قانون الطوارئ، وقانون الدفاع، والأحكام العرفية، والمحاكم الاستثنائية… تلك القوانين، التي تصير في نهاية الأمر، في كثير من الدول، هي الأصل في تقرير حقوق الإنسان، وعندما يقلّ المنتفعون بهذه المواثيق، وتصبح مزاياها وقفاً على فئة القابضين على السلطة في كل دولة.
هذا بالنسبة للأفراد والشعوب، أما بالنسبة للدول، فإنّ الدولة أو الدول المسيطرة والمتحكمة في العالم، هي التي تقرر ـ كما هو حال أميركا اليوم ـ أنّ الدولة الفلانية تعدت على حقوق الإنسان، فتنزل بها الدمار، وتفرض عليها المقاطعة والحصار، بينما تبارك أعمال الدولة الفلانية الأخرى، لأنها على حدّ زعمها، تحارب الإرهاب. فهي مثلاً، تضرب العراق وتحاصره بحجة انتهاكه لحقوق الشيعة والأكراد، بينما تسكت عن الصرب والكروات، الذين ارتكبوا ويرتكبون جرائم فظيعة وبشعة بحق المسلمين البوسنيين، وهي تطارد محمد عيديد وأتباعه في الصومال، لأنه يقاوم تسلطها واحتلالها لبلاده، بينما تدعم رابين وعسكره الذين يحتلون بلاد غيرها، ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ… وهذا غيض من فيض، يرتكب على أيدي الذين يدعون المحافظة على حقوق الإنسان في العالم، ونحن لا نزال نكتب ونخطب ونحاضر عن ذلك الإعلان الخيالي لحقوق الإنسان، الذي نادى به الغرب لسببين: أولهما، تزيين صورته وصورة نظامه عند الشعوب المستعمَرة (بفتح الميم) وثانيهما، استعمال هذا الإعلان كمبرر قانوني دولي من أجل التدخل في شؤون الدول والشعوب الأخرى.
وبذلك تكون فكرة «حقوق الإنسان» فكرة رأسمالية استعمارية، لا تمتّ إلى أفكار الإسلام بصلة، بل أنّ الأساس الذي بنيت عليه مناقض للإسلام، وهو عقيدة فصل الدين عن الحياة، تلك العقيدة التي جعلت السيادة للشعب بدل أن يتكون السيادة للشرع، فأصبح الإنسان ينفذ أوامر الإنسان بدل أن ينفذ أوامر الله… وما عبارة «السيادة للشعب والشعب مصدر السلطات» إلا لفظ إنشائي خيالي، لا واقع له في معترك الحياة، حتى عند الديمقراطيين الأصليين أنفسهم، فالسلطة التشريعية عندهم، إنما تتمثل في الفقهاء والقانونيين، والسلطة القضائية إنما هي بيد الحكومة، لا بيد الشعب، وعلى ذلك تكون الديمقراطية التي هي حكم الشعب للشعب، غير موجودة فعلاً في واقع الحياة، وإنما هي مجرد فرض فقط.
أما الحريات ولا سيما الحرية الشخصية، التي انطلقت منها فكرة حقوق الإنسان، فهي أيضاً غير عملية، وغير واقعية، لأن الإنسان خُلق وخُلقت معه غرائزه وحاجاته العضوية، وهي بحاجة إلى إشباع صحيح ينظم علاقته مع غيره من بني الإنسان، وهذه العلاقة بحاجة إلى تنظيم دقيق، يأتي من قبل جهة محيطة بجميع الفروق الفردية بين الناس، ولا يتأتى ذلك إلا لخالقها عزّ وجل. أمّا إطلاقها وعدم تنظيمها، ترك الناس يشبعونها كما يشاءون، فإنه يؤدي إلى الفوضى والخطر على حياة الناس، وقد اضطر دعاة الحرية، عندما اصطدموا بهذه الحقيقة، أن يقولوا بأن الحريات مقيدة بما لا يتعارض مع حريات الآخرين، وهذا يعني أنه لا حريات…
والحريات العامة بأنواعها الأربعة غير موجودة في الإسلام، فالمسلم مقيد في جميع أفعاله بالأحكام الشرعية، وليس حراً في أي عمل، ولا توجد في الإسلام حرية، إلا حرية تحرير العبيد من الرق، فيحرم على المسلم أن يرتد عن عقيدة الإسلام، ويحرم عليه أن يدعو لغير الإسلام، إلا أن الإسلام أباح قول الرأي في حالات وأوجبه في حالات ضمن الأحكام الشرعية.
وأخيراً، لا بّد للمسلمين، إذا أرادوا النهوض والرقي أن يعودوا إلى دينهم الحق، يستنطقون مصادره ونصوصه، ي كل ما يعترضهم من مشكلات، وفي كل ما يستجد من أحداث ومصطلحات، ليجدوا العلاج الشافي لها، والقول الفصل فيها، وعليهم أن لا ينخدعوا بالشعارات الزائفة، وبالاصطلاحات الغربية البراقة، فالفكر الإسلامي، فكر سامٍ، مبني على الوحي الإلهي أو منبثق منه، بينما الفكر الغربي، فكر وضعي، بناه البشر على عقيدة كفر، وفي فصل الدين عن الحياة، وشتان ما بين الفكرتين، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
1993-09-09