كلمة الوعي: الإدارة الفلسطينية في غزة وأريحا
1993/09/09م
المقالات, كلمات الأعداد
2,236 زيارة
نشرت وكالة «فرانس برس» نص «إعلان المبادئ الخاص بترتيبات الحكومة الانتقالية الذاتية». وقد تضمن هذا الإعلان مقدمة قصيرة و17 بنداً.ونص البند الأخير على وجود بروتوكولات ملحقة بالإعلان وتفاصيل متفق عليها متعلقة به وأنها جزء لا يتجزأ من الإعلان.
نحن لن نتصدى إلى تحليل أو مناقضة هذا الإعلان في كلمتنا هذه، وإنما نريد أن نلقي ضوءاً على بعض جوانبه فقط. وقبل إلقاء هذا الضوء نود أن نعرض رأينا في الموضوع بشكل مختصر:
هذا الاتفاق يخالف الشرع الإسلامي لأنه تنازلٌ عن بلاد إسلامية لليهود؛ أعدى أعداء المسلمين. وهذه الزمرة التي تتنازل عن فلسطين هي حفنة من الخونة لم يَجْرِ توكيلهم بذلك. وحين زعموا أنهم يتكلمون باسم أهل فلسطين كانوا قد قطعوا على أنفسهم عهوداً بأن لا يتنازلوا عن أي شبر من أرض فلسطين. وها هم ينقضون العهود ويلغون الميثاق، وبدلاً من تحريرها من النهر حتى البحر يكتفون برئاسة بلدية غزة وأريحا. حتى لو أجمع أهل فلسطين على التنازل عنها لليهود فإن إجماعهم لا قيمة له شرعاً لأنهم لا يملكون رقبة الأرض. هذه الأرض الخراجية وهي ملك لبيت مال المسلمين، ولا يملك أهلها اكثر من الانتفاع بها.
هناك جهات كثيرة تهاجم هذه الزمرة الخائنة ولكن ليس بسبب التنازل والخيانة بل لأنها سبقتهم في هذا المضمار. بالأمس هاجموا أنور السادات ليس لأنه اعترف بالدولة اليهودية الغاصبة وصالحها بل لأنه سبقهم إلى ذلك. هذه الجهات حين لعنت السادات بالأمس وحين تلعن عرفات وزمرته اليوم هي تلعن نفسها في الوقت نفسه.
ونعود لنلقي ضوءاً على بعض جوانب هذا الاتفاق. ولنفرض أن المفاوضات على المرحلة النهائية لم تؤدِ إلى اتفاق، وانتهت السنوات الخمس المحددة للفترة الانتقالية فما هو المخرج؟ الإعلان لم يتطرق إلى إيجاد مخرج. الإعلان حدد مخرجاً في البند الخامس عشر في حال حصول منازعات متعلقة بالفترة الانتقالية عن طريق التحكيم. وحتى لا يستطيع أحد أن يتذرع بهذا البند ويطالب بالتحكيم بشأن المفاوضات على المرحلة النهائية وضعوا فقرة (4) في البند الخامس تنص على: «يتفق الطرفان على أن نتيجة مفاوضات الوضع النهائي لن تكون محكومة أو متأثرة باتفاقات تمّ التوصل إليها للمرحلة الانتقالية».
ونحن نجزم من الآن (وليس هذا علم غيب ولا تكهناً) أنه لن يتم اتفاق على المسائل المؤجلة إلى المرحلة النهائية إلا إذا تنازلت زمرة الخيانة في المفاوضات النهائية كما تنازلت من قبل. وقد حددت الفقرة (3) في البند الخامس المسائل المؤجلة كما يلي: «من المفهوم أن هذه المفاوضات ستغطي قضايا متبقية تشمل: القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين وقضايا أخرى ذات أهمية مشتركة». فإذا دقق المرء في هذه القضايا يجد أن إسرائيل تعلن من الآن أنها لن تعطي شيئاً. فهذه القدس رفضت إسرائيل بإصرار أن تبحث فيها الآن، وغداً بعد ثلاث سنوات ستصر على موقفها. ومسألة المستوطنات رفضت أن تبحث فيها. وهنا نسأل زمرة الخيانة: زعمتم أنكم وافقتم على مدريد من أجل وضع حد لمصادرة الأرض وزرع المستوطنات اليهودية في الضفة، ولم تتوقف. وها أنتم وافقتم على إدارة ذاتية ممسوخة في غزة وأريحا ولم تشترطوا وقف تهويد القدس والضفة ووقف الاستيطان، بل وافقتم على إطلاق يد اليهود لمدة ست سنوات (كحد أدنى) يكون اليهود خلالها نفذوا ما يريدون. ونحن نجزم، كما قلنا، بأن اليهود لن يتنازلوا ولن يتراجعوا. وكلنا يتذكر عبارة شامير بأنه كان ينوي جعل المفاوضات تمتد عشرين سنة. وقد وضع اليهود هذه الفقرة (المذكورة أعلاه) خصيصاً ليمنعوا الفلسطينيين من أي اعتراض أو كلام بشأن القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع الجيران وقضايا أخرى. وما هو المقصود بقضايا أخرى؟ ونحن نجد مثل هذه الصيغة المبهمة في كثير من بنود الإعلان. فهل هي محددة في ملحق سري، أو هي متروكة هكذا على غموضها؟ والأمر الغامض يستفيد منه الطرف الأقوى لأنه يستطيع أن يدس فيه ما يناسبه.
وحين ورد ذكر القرارين 242 و338 جاء ذلك في صياغة خبيثة، ففي المرة الأولى جاء النص: «وتؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراراي مجلس الأمن 242 و338» ولو كان هناك حسن نية لقالوا: «تسوية نهائية طِبَقَ القرارين». وفي المرة الثانية جاء النص: «المفاوضات على الوضع النهائي تحديد المدة متى ستؤدي إلى تطبيق القرارين، خلال خمس سنوات أو خمسين سنة؟ والأخرى قولهم: المفاوضات ستؤدي، ولو كانت النية حسنة لقالوا: المفاوضات يجب أن تؤدي خلال مدة أقصاها سنتان. وإذا دققنا في صياغة البند الأول الذي يتحدث عن هدف المفاوضات نجد النص «إن هدف المفاوضات… هو، إلى جانب أمور أخرى، تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية، المجلس المنتخب للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات» النص يتحدث عن تشكيل سلطة وعن انتخاب مجلس، والمرحلة الانتقالية التي لا تتعدى خمس سنوات هي عمر المجلس المنتخب وليس عمر السلطة الذاتية. فإذا انتهت فترة السنوات الخمس فلا يحق للمجلس المنتخب أن يستمر، بينما السلطة ستستمر لتستمر المفاوضات.وقد وضع الأمران معاً من قبيل الخبث في الصياغة.
في البند الرابع الذي يتحدث عن الولاية قالوا: «ستشمل ولاية المجلس منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء قضايا سيتم التفاوض عليها في مفاوضات للوضع النهائي. ينظر الطرفان إلى الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية واحدة سيحافظ على وحدتها خلال الفترة الانتقالية».
والخبث في هذه الصياغة يتجلى في إبقائها وحدة جغرافية واحدة، أي ستبقى ولاية إسرائيل عليها جميعها بما فيها غزة وأريحا لتستعمل من هذه الولاية ما يناسبها.
لوحظ أن مصر متحمسة لهذا الاتفاق، ولوحظ أن الأردن كان معارضاً ثم سكت، ولوحظ أن أميركا تتبنى الاتفاق وأن الإنجليز صامتون. ولوحظ أن المنظمات الفلسطينية وبعض الحركات الإسلامية تعارض. ومن ذلك نفهم أن أميركا هي راعية الاتفاق وأن الإنجليز سيعملون على إفشال الاتفاق في مراحله اللاحقة. وأما المنظمات الفلسطينية وبعض الحركات الإسلامية فإنها وجدت من يدفعها إلى المعارضة، وهذه المعارضة ليست لإحباط الاتفاق بل للنيل من عرفات وزمرته.
إذاً من المتوقع أن يلاقي الاتفاق معارضة حقيقية، ومن المتوقع أن تحصل في المستقبل صدامات بين الشرطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وستعمل هذه الشركة بكل قوتها لتثبيت كفاءتها عند اليهود وإخلاصها في حمايتهم، وإلاّ فإن اليهود سيقولون: أنتم ما زلتم غير جديرين بأن تحكموا أنفسكم.
إن هذا الاتفاق بلاء على أهل فلسطين وعلى المسلمين ما بعد بلاء. فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
1993-09-09