كلمة الوعي: عملية المنابذة بالسلاح لتغيير الكفر البواح
1993/08/09م
المقالات, كلمات الأعداد
1,943 زيارة
–الدين طلب من المسلمين منابذة الحاكم بالسيف إذا كفر هو، أو إذا سمح بظهور أحكام الكفر في المجتمع.
–ولكن هل عملية المنابذة هذه هي من أجل المنابذة فقط. أو هي عمل هادف له غاية محددة يراد تحقيقها؟
–وهل عملية المنابذة هذه هي عمل فوضوي دون قيود أو حدود، أو هي عمل له ضوابط وقيود وشروط شرعية؟
نكتب في هذا الموضوع في الوقت الذي يعلن فيه رئيس مصر حسني مبارك حربه على المطالبين بحكم الشريعة الإسلامية واصفاً إياهم بالمجرمين الذين باعوا بلدهم وشعبهم بحفنة من الجنيهات. وفي الوقت الذي يعلن فيه رئيس الأركان الجديد في الجزائر محمد العماري في بعض جلساته أنه مستعد لقتل مليونين من الأصوليين لاسترجاع هيبة الدولة المفقودة…
إن المدقق في الأمر، المنصف في حكمه يجد أن هؤلاء الذين يقومون بعمل مسلح ضد السلطة في مصر أو في الجزائر ليسوا مدفوعين بدافع الجريمة، ولا طمعاً بحفنة جنيهات، ولا بدافع عمالتهم لدولة أجنبية. إن دافعهم الأول والأخير هو عقيدتهم، هو قناعتهم الإسلامية بأن الله أوجب عليهم ذلك. ولن تستطيع أبواق السلطة أن تحجب هذه الحقيقة. وإنه لمن قصر النظر عند السلطة في الجزائر أن تستعد لقتل مليونين من الشعب دون أن تتراجع عن غيّها. وكذلك في مصر. وإن كانت هذه السلطات تعتقد أنها على حق وأن دعاة الإسلام جاهلون فدواء الجهل التفهيم وليس القتل والاستئصال.
ونعود لنخاطب أمتنا الإسلامية وإخواننا حَمَلَةَ دعوة الإسلام بأن يتحلّوْا بالوعي ويضبطوا أعمالهم بأحكام الشرع.
نعم قد وردت أحاديث نبوية صحيحة تأمر بالخروج المسلح على الحاكم عندما يظهر الكفر البواح. والآن الكفر البواح ظاهر. والخروج على الحاكم ومنابذته بالسيف مشروعة. ولكن عملية الخروج والمنابذة لها غاية، والغاية هي تغيير الكفر والعودة بالمجتمع إلى شريعة الإسلام. إذاً فإنّ على من يريد الخروج والمنابذة أن يدرس حالة الناس في المجتمع، وأن يدرس قوة السلطة أو الحاكم الذي يريد الخروج عليه، وأن يدرس قوّة الفئة التي ستقوم بعملية الخروج والمنابذة.
فإن وجد أن حالة الناس بعيدة عن الإسلام، أي إن وَجَدَ أن أفكار الناس ومشاعرهم ومقاييسهم ومفاهيمهم وقناعاتهم وأذواقهم وولاءاتهم ليست مع الإسلام وليست مع إقامة دولة الإسلام وتطبيق شرعية الإسلام فإنه من الخطأ أن يباشر التحضير للخروج على الحاكم ومنابذته بالسلاح، لأن المشكلة حينئذ ليست في الحاكم وحده بل هي في الأمة. وهذا يتطلب عملاً فكرياً كبيراً يتناول الأمة كلها. وهذا العمل الفكري يجب أن يؤثر في الأمة ويجب أن يعطي ثماره. وهذه الثمار هي تقبل المفاهيم والمقاييس والأحكام الإسلامية، والانفعال بالمشاعر والأذواق والأفكار الإسلامية، والاستعداد لتطبيق شرائع الإسلام. والتطلع والتشوّق والعمل لإقامة دولة الإسلام، والالتفاف حولها لحمايتها ونصرتها.
فإذا صار وضع الأمة على هذه الصورة، أو إذا كان وضع الأمة على هذه الصورة من البداية، فعند ئذ يبدأ التحضير والترتيب للخروج على الحاكم ومنابذته بالسلاح.
وبحسب نظرتنا وتقويمنا للواقع في مصر وفي الجزائر وفي غالبية البلاد الإسلامية فإن الحالة الإسلامية جيدة، والأمة قد وُجِد فيها الحد الأدنى (وأكثر من الحد الأدنى) من المقومات التي تسمح بالانتقال إلى مرحلة التحضير والترتيب لأخذ السلطة من الحاكم ولو بمنابذته بالسلاح.
وهذا يتطلب درس قوة السلطة وما مدى تماسكها وقدرتها على الصمود والرد. ويتطلب درس قوة الفئة التي تعمل لأخذ السلطة. فإن كانت نتيجة الدراسة أن أخذ السلطة ممكن وأن الاحتمالات راجحة، فإنها تتوكل على الله وتُقْدِم. وإن كانت نتيجة الدراسة أن قوة الحاكم وسلطته كبيرة، وقوة الفئة التي تعمل لأخذ السلطة غير كافية لإنجاز الغرض فإن المطلوب عدم التسرّع، لأن عملية الخروج والمنابذة ليست غاية بحد ذاتها، بل الغاية هي أخذ السلطة. وهذا يتطلب من الفئة العاملة أن تستعين بالكتمان وأن تزيد من إعدادها وقوتها بحيث ترى أنه صار بمقدورها أخذ السلطة بأقل قدر ممكن من سفك الدم أو التخريب. وهذا الإعداد للقوة والتحضير والترتيب (تحت جنح الكتمان) من أجل أخذ السلطة هو ما يسمى بعملية طلب النصرة.
لقد سبق ونصحنا إخواننا الذين يعملون لإقامة الدولة الإسلامية في مصر وفي الجزائر وغيرها، نصحناهم بأن الثورة الشعبية المسلحة لا تحقق الغاية، ومن ثَمَّ فإن السير فيها غير صحيح. وإذا كانوا يحتجون بحديث عوف بن مالك عن «المنابذة بالسيف» أو حديث عبادة بن الصامت عن «منازعة الأمر أهله» فإنا ندعوهم أن يفهموا هذه الأحاديث كما فهمها الصحابة الكرام بحدودها وشروطها. ولنأخذ مثلاً ما فعله الإمام الحسين السبط رضي الله عنه حين خرج على زيد بن معاوية ابن أبي سفيان. ففي سنة 60 هـ توفي معاوية وبويع لابنه يزيد بالخلافة. وقد كان الحسين وابن الزبير وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم يرون أن يزيد فاسق ولا تنعقد له بيعة، فخرجوا في الليل من المدينة إلى مكة وعاذوا بالبيت ولم يبايعوا. وحصلت مكاتبات بين الحسين رضي الله عنه وشعيته في الكوفة واستعدوا لنصرته، فقرر المسير إليهم. فأتاه عبد الله بن عباس فقال: يا ابن عَمِّ إنك قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبيّنْ لي ما أنت صانع، قال: إني قد أجمعت المسير إن شاء الله تعالى. فقال له ابن عباس: فإني أعيذك بالله من ذلك. أخبرني ـ رحمك الله ـ أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم؟ فإن كانوا قد فعلوا ذلك فَسِرْ إليهم. وإن كانوا إنما دَعَوْكَ إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم، وعُمّالُه تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال، ولا آمن عليك أن يغرّوك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك. فقال له الحسين: وإني أستخير الله وأنظر ما يكون. وكتب الإمام الحسين رضي الله عنه إليهم: «فهمتُ كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالةُ جُلِّكِم أنه ليس علينا إما فأقبلْ لعلّ اللهَ أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثتُ إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي (يقصد مسلم بن عقيل) وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قَدِمَتْ عليَّ به رُسُلكم وقرأتُ كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله». [تاريخ الطبري].وقد أرسل إليه مسلم بن عقيل رضي الله عنه أنه أخذ له البيعة من عشرين ألفاً أو يزيدون وحثه على القدوم إلى الكوفة.
من هذه المناقشة بين الحسين وابن عباس رضي الله عنهما نرى كيف كانوا يفهمون منازعة الأمر أهله وكيف كانوا يفهمون الخروج على الحاكم، ومنابذته بالسيف. ابن عباس كان يرى قوة الحسين غير كافية ولذلك نهاه عن الخروج. الحسين ومسلم بن عقيل رأيا أنها كافية، وبناء على ذلك خرج الحسين.
والآن نحن نرى أن قوة الذين خرجوا في مصر أو خرجوا في الجزائر غير كافية. ولذلك ننصحهم كما نصح ابنُ عباس الحسين رضي الله عنهما، بأن يعملوا في طلب النصرة (سراً) لتصبح قوتهم كافية، وعندها يتوكلون على الله ويتحركون. واللهُ خير الناصرين.
1993-08-09