مقابلة صحفية
1993/07/09م
المقالات
2,126 زيارة
وجهت مجلّتا: «الإصلاح» الصادرة في دبي، و«الجمعة» الصادرة في ولاية نيوجرسي في الولايات المتحدة الأميركية مجموعة من الأسئلة إلى السيد عطا أبو الرّشتة بصفة ناطقاً رسمياً باسم «حزب التحرير» في الأردن. وقد قامت السلطات الأردنية باعتقال السيد عطا وبعض أعضاء الحزب بعد إعطائه الأجوبة. ولكن سبب اعتقاله ليس بالضرورة هو هذه الأجوبة، فالسلطة الأردنية تتذرع بأسباب وأسباب ليس أقلها عزمها على الإقدام على جريمة الصلح مع اليهود والتنازل لهم عن القدس وعن فلسطين.
وفينا يلي الأسئلة والأجوبة:
الأستاذ عطا أبو رشته المحترم:
الحوار التالي سوف ينشر في مجلة «الإصلاح» الصادرة في دبي ومجلة «الجمعة» الصادرة في ولاية نيوجرسي في الولايات المتحدة الأميركية.
س 1: ما هو موقف الحزب من الديمقراطية، وهل لدى الحزب النيّة أن يدخل ميدان العمل الحزبي العلني خاصة في ضوء التطورات في الأردن على صعيد التعددية وترخيص الأحزاب؟
جـ1: الديمقراطية من الكلمات التي سوِّقت على المسلمين بطريقة مضللة، إذ عرضت عليهم باعتبارها الطريقة المثلى لتمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه، وباعتبارها تتنافى مع الظلم والاستبداد الذي يعاني منه المسلمون في ظل أنظمة الحكم القائمة في ديارهم، ولهذا لاقت استحساناً عند الكثيرين منهم. ولم ينتبه هؤلاء إلى أن الديمقراطية منبثقة عن عقيدة تقول بفصل الدين عن الحياة وتجعل السيادة للشعب لا للشرع، والإسلام وإن كان يجعل السلطان للأمة فهي التي تنتخب حاكمها بالرضا والاختيار، إلا أنه يجعل السيادة للشرع أي لكتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه. لذلك فالديمقراطية بهذا المعنى نظام كفر لأنها تخالف صريح الكتاب والسنة بوجوب الاحتكام إلى شرع الله في كل شيء وليس إلى تشريع البشر.
أما عن عمل الحزب فهو علني وليس سرّياً، فالحزب يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية مع الأمة ومن خلالها، وهو في ذلك لا يحتاج إلى ترخيص لأن ما يقوم به فرض فرضه الله سبحانه، والمسلم فيما فرضه الله عليه لا يحتاج إلى إذن لتنفيذ ذلك الفرض.
س 2: كيف تقيّمون أداء مجلس النواب الأردني على صعيد متابعة الفساد والوضع الاقتصادي، ثم هل استطاعت الحركة الإسلامية أن تمارس برنامجها الإسلامي من خلال البرلمان؟
جـ2: مجلس النواب محكوم بقواعد دستورية وقانونية لا يستطيع تجاوزها بالإضافة إلى أن هناك خطوطاً حمراء رسمت له لا يستطيع اختراقها في متابعة أية قضية ولذلك فهو عندما أثار قضايا الفساد والوضع الاقتصادي وقف عند حد معين فلما حدثت محاولات لتجاوز هذا الحد قمعت وطويت الملفات وأعيدت إلى زوايا النسيان. وعضو مجلس النواب فرض عليه أن يحاسب الدولة بقوة لعدم تطبيقها الإسلام وفرض عليه كذلك أن يعمل لتغيير تلك القواعد لتصبح قواعد شرعية.
أما الحركة الإسلامية في البرلمان والتي هي اسم لنواب الإخوان المسلمين فقد كانت تعمل من خلال القواعد الدستورية الوضعية التي تحكمه وموافقتها على هذا النهج دون العمل على تغييره أفقدها الفاعلية في المحاسبة سواء بالقول أو بالفعل وبالتالي فهي لم تمارس هذا الأمر على وجهه طيلة المدة البرلمانية السابقة وحتى الآن.
س 3: هل تعتقدون أنه يمكن الوصول إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وقيام دولة إسلامية من خلال الوسائل البرلمانية المطروحة في العالم العربي؟
جـ3: لا يمكن الوصول إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وقيام دولة إسلامية من خلال البرلمان لأن صاحب السلطة يستطيع أن يشل حركة البرلمان إن كانت النتيجة على غير ما يريد، فإذا علمنا أن الحكام في بلاد المسلمين تهيمن عليهم الدول الكافرة المستعمرة ولا يعصون لها أمراً، فإنه والحالة هذه لا يتصوّر أن يسمح لأية حركة إسلامية مخلصة أن تصل إلى السلطة من خلال العمل البرلماني.
س 4: كيف تقيّمون تجربة جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر؟
جـ4: كشفت تجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر عدة حقائق:
أ- أظهرت أن الوسائل البرلمانية طريقة فاشلة للوصول إلى السلطة وإقامة دولة إسلامية.
ب- وأظهرت أن الإسلام يعيش في أعماق أعماق هذه الأمة ولا تستطيع أية قوة بشرية أن تمحوه، فإن الجزائر التي حُكِمت من فرنسا ثلاثة عشر عقداً بالحديد والنار والقمع للإسلام وكل ما يمت إليه بصلة، هذه الجزائر بعد كل تلك السنين، وفي أول تعبير عن خياراتها اختارت الإسلام وبزخم شديد.
جـ- كذلك أظهرت أن الدول الكافرة المستعمرة تخشى الإسلام وتحقد عليه فهي قد وقفت بكل ما أوتيت من قوة ومال بجانب طواغيت الجزائر في حربهم ضد الإسلام والمسلمين.
س 5: كيف تنظرون إلى فكرة النظام الدولي الجديد، وهل يوجد نظام جديد حقاً، أم هو هجمة جديدة على الأمة العربية والإسلامية؟
جـ5: النظام الدولي الجديد هو هيمنة أميركية وحيدة بعد زوال الحرب الباردة أي أنه تصرف سياسي وعسكري من قبل أميركا كدولة كبرى وحيدة لاستغلال العالم لخدمة مصالحها، فهو من هذه الناحية ليس نظاماً دولياً فلم تقرّه الدول أو تتفق عليه.
ومن ناحية أخرى فهو موقف دولي جديد، لأن الذي كان يتحكم في إدارة دفة السياسة الدولية سابقاً هي الدول الكبرى، ثم بعد ذلك أصبحت الدولتان أميركا والاتحاد السوفياتي، وذلك بعد لقاء خروتشوف وكندي في فيينا 1961، دون أن يكون للأمم المتحدة دور فاعل ظاهر في السياسة الدولية. أما الآن فإن أميركا وبعد أن فقد المنافس الدولي لها، أصبحت تدير دفة السياسة الدولية بغطاء من المنظمة الدولية وبذلك يكون من هذه الناحية، موقفاً دولياً جديداً.
أما كونه هجمة على الأمة الإسلامية، فإن هجمة الدول الكافرة على الأمة الإسلامية ليست جديدة.. فهم يحملون حقدهم على الإسلام والمسلمين منذ القدم ولقد صرحت إحدى صحف الغرب مؤخراً أنهم ظلوا يحملون حقدهم على صلاح الدين طيلة قرون لطرده لهم من القدس والشام، وتضيف الصحيفة أنهم انتقموا لهزيمتهم مرتين: مرة عندما عملوا على إلغاء الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى ومرة عندما عملوا على إنشاء دولة لليهود بعد الحرب العالمية الثانية.
س 6: ما هي تصوراتكم لمواجهة الهجمة الاستعمارية على الأمة؟
جـ6: الهجمة الاستعمارية على الأمة قديمة جديدة مستمرة، أما كيفية مواجهتها فتتطلب التخلص من ركائز هذه الهيمنة أولاً، وإعادة بناء حياة هذه الأمة على أساس الإسلام وإقامة دولة الخلافة لتنشر العدل في ربوع العالم وتقوده إلى الخير والطمأنينة وتقضي على استغلال الدول المستعمرة للدول المستضعفة التي جعلتها سوقاً لها تنهب منها خيراتها وتمتص دماءها.
س 7: ما هي انطباعاتكم عن الإدارة الأميركية الجديدة واستراتيجيتها المقبلة؟
جـ7: إن الولايات المتحدة الأميركية قائمة على فكرة الرأسمالية وهذه تجعل معتنقها يعمل بشكل دؤوب على تحقيق أكبر منفعة له على حساب الآخرين، وهذه الفكرة تحكم السياسة الخارجية لأميركا، فالهيمنة السياسية والعسكرية وامتصاص الثروات وجعل الدول الأخرى سوقاً اقتصادية لها كل ذلك ثابت في السياسة الخارجية الأميركية وهو يتطلب منها أن تضع العراقيل وتفتعل الأزمات لكل دولة تريد منافستها في تلك الهيمنة والثروات، حتى وإن كانت من شركائها السابقين كأوروبا واليابان.
وهذه استراتيجية ثابتة عندها بشكل عام. أما بالنسبة للمنطقة الإسلامية فهي تضيف للعموم خصوصاً آخر بالوقوف في وجه أية تحركات لإعادة دولة الخلافة من جديد وهو ما تسميه بالإسلام السياسي الأصولي، وتحاول أن تلصق بالعاملين في هذا المجال صفة الإرهاب للتنفير منهم وتسخر عملاءها في المنطقة لتولي هذا الأمر وتنفيذ ما تخططه أجهزتها. وهذه استراتيجية لم تختلف عليها الإدارتان السابقة وللاحقة.
وخلاصة القول: إن إدارة كلينتون قد تختلف عن الإدارة السابقة في السياسة الداخلية غير أنه لا يتوقع منها تغيير في السياسة الخارجية وإن كان سيظهر عليها تباطؤ في رسم الخطط والسياسات بالمقارنة مع الإدارة السابقة نظراً لاختلاف الخبرة في السياسة الدولية بالنسبة للإدارتين.
س 8: مدى إيمانكم بأهمية التعاون والتنسيق مع الجماعات والأحزاب الإسلامية الممتدة في الوطن العربي للوصول إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ولمواجهة التحديات التي تواجه الأمة؟
جـ8: الإسلام يوجب على المسلمين أن يتعاملوا فيما بينهم كأخوة وأن يتناقشوا بالحسنى وأن يتخذوا من قضايا المسلمين موقفاً واحداً نابعاً من كتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه، ونحن في حزب التحرير نتعامل مع المسلمين أفراداً كانوا أو جماعات على هذا الوجه، فنبيّن الحكم الشرعي سواء كان بالنسبة لقضية المسلمين المصيرية ـ الخلافة ـ أو قضاياهم الأخرى كفلسطين والبوسنة والهرسك وغيرها ونحرص كل الحرص أن يكون موقف الجميع منطبقاً تمام الانطباق مع الحكم الشرعي في ذلك كما نحرص كذلك أن يلتزم الجميع به وأن يعملوا بموجبه.
أما تطبيق الشريعة الإسلامية فهو لا يتأتى من قبل جماعات أو أحزاب بل يتم من قبل الدولة الإسلامية بإمارة خليفة المسلمين، والتي يجب على جميع الحركات الإسلامية أن تعمل لإيجادها وعندها تكون جميع هذه الحركات سائرة في طريق واحدة.
س 9: ما هو موقفكم من جبهة العمل الإسلامي ولماذا لم تشاركوا بها؟
جـ9: جبهة العمل الإسلامية هي حزب سياسي للإخوان المسلمين وهي جبهة ليست قائمة على أساس الإسلام وإن كان اسمها إسلامياً، فهي طبقاً لنظامها الأساسي تلتزم وتعمل ضمن الدستور الأردني والميثاق وهما وضعيان ومن أنظمة الكفر، بالإضافة إلى أن شروط عضويتها تجيز للمسلم وغير المسلم الدخول فيها، في حين أن الحزب الإسلامي هو القائم على أساس العقيدة الإسلامية ويعمل ضمن دستور المسلمين: كتاب الله وسنة رسوله.
س 10: يلاحظ المراقبون أن الحزب أصيب بحالة أشبه بالجمود على مختلف الصعد الفكرية والتنظيمية والفاعلية للوصول إلى السلطة بعد وفاة النبهاني ـ رحمه الله ـ ألا ترى أنه لا بد من إحداث ثورة في الحزب على صعيد الفكر والأساليب والرؤيا تواكب مستجدات العصر وتطوراته؟
جـ10: حزب التحرير قائم على أساس الإسلام بفكرته وطريقته استناداً إلى أدلة شرعية صحيحة والإسلام ثابت لا يتغيّر ولذلك فلا مجال للقول بإحداث ثورة في الحزب على صعيد الفكر أما الأساليب فإن كل أسلوب مشروع يدفع إلى الأمام ويؤدي إلى إحسان القيام بالأعمال فنحن نأخذ به. أما ما ذكرته في سؤالك عن جمود الحزب فإن الواقع المحسوس يثبت غير ذلك.
س 11: ألا ترى أنه لا بد من عقد مصالحة بين الفكر الإسلامي والقومي والماركسي بعد صراع طويل على حساب الصراع مع الاستعمار الغربي الصهيوني؟
جـ11: الإسلام والكفر لا يجتمعان. ولقد ساهمت الأفكار الماركسية والقوميات مع الدول الكافرة المستعمرة واليهود في الكيد للإسلام والمسلمين. ولكن، هذه الجبهات، يتفاوت تصاعد خطرها طبقاً لمصالحها وأهدافها، ونحن نتعامل مع تصاعد هذا الخطر بما يناسبه دون أن نغفل عن مصادر الخطر الأخرى.
س 12: ما هو موقفكم من استخدام العنف في التعامل مع الأنظمة أو الأشخاص الذين يشكلون حجر عثرة أمام العمل الإسلامي؟
جـ12: استخدام العنف المادي في التعامل مع الأنظمة والأشخاص من الذين يشكلون حجر عثرة أمام العمل الإسلامي ليس من طريقتنا، فنحن حزب سياسي مبدؤه الإسلام وبالتالي مقيّدون بالطريقة التي استنّها الرسول r والتي اعتمدت على العمل الفكري والسياسي حتى أقام الدولة في المدينة المنورة واتباعاً لذلك فإن الحزب وشبابه لا يستعملون العنف المادي أثناء حملهم الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية.
غير أن هذا لا يعني أننا ضد الحركات الإسلامية المخلصة التي قد تخالف هذا الطريق كما أننا لسنا ضد الأفراد الذين يرون جواز القيام بأعمال مادية من هذا النوع وإن كنا نرى أن مثل هذه الأعمال لا تحقق الهدف منها في معظم الأحيان.
س 13: ما هو موقفكم من عمل المرأة ـ عملها جهادها ـ دورها الاجتماعي؟
جـ13: المرأة في الإسلام أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان وهذا هو الأصل وقد فرض عليها الشرع، إذا خرجت في الحياة العامة، أن تلبس لباساً شرعياً فصلته الأحكام الشرعية، ولكن الإسلام أجاز لها مع المحافظة على هذا الأصل أعمالاً من الحياة العامة كثيرة مثل البيع والشراء وتنمية أموالها بالطرق الشرعية والتعليم والتطبيب وأن تكون عضواً في مجلس الشورى لإبداء الرأي في محاسبة الحاكم. ولكنه منعها من أن تكون حاكماً أو تعمل في أي عمل تستغل فيه أنوثتها كمضيفة في طائرة أو الانتقال في المتاجر لجلب الزبائن.. والخلاصة أن الإسلام خاطب الرجل والمرأة بخطاب شرعي واحدا إلا ما اختصها أو اختصه منه بأحكام شريعة فصّلها الشرع وبيّنها بدون ليس أو غموض.
وأما عن دورها الاجتماعي الوارد في السؤال فإن كلمة اجتماعي لها مدلول خاص عند الحزب فهي متعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة ولعل السائل يقصد دورها في المجتمع وهذا وضاح مما بيّنا، عن نظرة الإسلام لها وعن علمها في الحياة العامة كما ذكرنا سابقاً.
س14: ما هي انطباعاتكم عن الثورة الإسلامية في إيران، ثم ألا تعتقدون أنه لا بد طرح رؤية ونظرية جديدة تتجاوز فيها الخلافات المذهبية إلى التقريب بينها والتعاون فيها بينها؟
جـ14: إيران دولة كالدول القائمة في بلاد المسلمين لا تحكّم الإسلام كاملاً في المجتمع لا في السياسة الداخلية ولا الخارجية، حكّامها لهم ارتباط بالقوى الدولية وأهلها مسلمون يتوقون لتطبيق الإسلام كأي بلد إسلامي آخر.
أما عن التقريب بين المذاهب فليس هناك فرق بين شافعي وحنفي وجعفري وزيدي فكل حكم شرعي تم استنباطه من قبل أي مجتهد حسب الأدلة الشرعية يجوز اتباعه دون أي اعتبار إلا لكتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه.
وأما ما يثار من تفريق أو تمزيق بين سني وشيعي فإن وراءه قوى حاقدة على الإسلام والمسلمين، يقف الحزب ضدها ويحاربها بكل ما يستطيع.
س15: يُلاحظ عدة آراء مختلفة بالنسبة للموقف من النظام الأردني منتشرة بين شباب حزب التحرير.. فئة ترى أن النظام كافر ويجب اجتثاثه عن طريق طلب النصرة وفئة ترى أن النظام مسلم ولا يجوز مقاتلته إلاّ أن يرى كفراً بواحاً «أو ما أقام فيكم الصلاة» وفئة ترى أن الأردن لا تصلح لقيام الدولة الإسلامية خاصة بعد عدة تجارب انقلابية فاشلة، وأنها لا تملك المقومات الأساسية للدولة فتم التركيز على غيرها من الأقطار العربية التي تملك مقومات، هل لك أن توضح لنا هذه الآراء المتفاوتة؟
جـ15: ليس صحيحاً أن هناك آراء مختلفة بشأن النظام الأردني وليس بين الشباب من يقول بأن هذا النظام إسلامي، وأما العمل لإقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، فإن ما يتبناه الحزب هو أن يكون هذا العمل عن طريق الأمة فهي التي تسلّم الحزب السلطة. أما نقطة الارتكاز ـ أي البلد الذي تقام فيه الدولة الإسلامية ابتداء ـ فهي تقع في دائرة القضاء التي لا يعلم مكانها إلا الله سبحانه، لا الحزب ولا غيره، ولا ك أن لنقطة الارتكاز شروطاً تؤخذ في الاعتبار عند العمل لإيجادها.
س16: من الملاحظ أن جميع التيارات الإسلامية تقف عند مقولة أن «الإسلام هو الحل» مع اختلاف المنظور العام للإسلام لكل منها وتكاد تخلو الساحة العربية والإسلامية من تيار واحد استطاع أن يبلور حالة اجتهادية متكاملة تتعامل مع الوضع الاجتماعي السياسي الاقتصادي بكل إشكالاته بما فيها حزب التحرير ـ ألا ترى أنه لا بد من بلورة نظرة اجتهادية تتعامل مع الواقع وتطوراته؟
جـ16: حزب التحرير لديه تصوّر واضح لفكرته وطريقته. وكل ما لديه من فكرة وطريقة منبثق عن العقيدة الإسلامية أو مبني عليها، ومثلما تَبنّى الحزب طريقة واضحة للسير نحو تحقيق غايته فإنه تبنّى من الإسلام كل ما يلزم لتحقيق هذه الغاية، فلديه نظام اقتصادي ونظام اجتماعي ونظام عقوبات وأحكام بينات وسياسة خارجية وسياسة تعليمية ونظام حكم… وكلها أحكام شرعية مستمدة من الكتاب والسنة، ولا تكاد توجد مسألة في الحياة المعاصرة، ذات شأن، إلا وتبنى الحزب فيها حكماً شرعياً قابلاً للتطبيق فور استئناف الحياة الإسلامية، وغني عن البيان أن لدى الحزب دستوراً لدولة الخلافة ينظم سائر شؤون الدولة والمجتمع والأمة بقوانين تفصيلية، كلها أحكام شرعية مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه.
س 17: تعيش أمتنا حالة انهيار واستلاب للغرب… هل لدى الحزب تشخيص واضح لحالة الأمة وما وصلت إليه، ثم هل لديه مشروع متكامل لنهضة الأمة من جديد؟
جـ17: منذ أن استطاع الكافر المستعمر القضاء على دولة الخلافة، أوائل هذا القرن، والأمة تُحكَم من قبل عملاء للغرب يعملون للحيلولة دون عودة الخلافة، لذلك وجد التناقض بين واقع المسلمين وبين إسلامهم، فالناس مسلمون والحكم المطبق عليهم بعيد عن إسلامهم ففقدوا سبب قوتهم، وأصبحوا دويلات والإسلام لا يقر إلا دولة واحدة، وجاوز عدد حكامهم الخمسين، والإسلام لا يقر إلا خليفة واحد لهم، وجعل الحكام الولاء للدول الكافرة المستعمرة ويهود في الوقت الذي يحرّم الإسلام أن يكون هناك ولاء إلا لله ولرسوله والمؤمنين، وجميع الحكام لهم هزائم سياسية جرّأت يهود وبقية الكفار عليهم، أوجدت عندهم شيئاً من الإحباط والضعف. ولذلك فإن ضعف الأمة آت من فصل أحكام دينها عن واقع حياتها وهيمنة الكفار عليها. وعلاج ذلك يكون باستئناف الحياة الإسلامية أي بإعادة دولة الخلافة الراشدة للوجود واستئناف مسيرتها في الدعوة والفتح والجهاد عبر الحدود وبالتالي تحريرها من نفوذ الكفار المستعمرين فتنهض الأمة من جديد وتعود خير أمة أخرجت للناس.
وأما عما جاء في آخر السؤال فنقول نعم إن لدى حزب التحرير مشروعاً متكاملاً لإنهاض الأمة والحزب يقوم بتنفيذ هذا المشروع متقيداً ـ في كل شيء فيه ـ بالإسلام وهو مطمئن بنصر الله له وبتوفيقه.
س 18: من الأمور المسلمة أن البرنامج المعادي للأمة هو المسيطر على الساحة العربية والإسلامية وتجلّى ذلك بما عرف أخيراً بالمفاوضات ونحن نعرف أن حزبكم من المعارضين لهذه السياسات، فكيف يحدد حزبكم مواجهته لأخطار الاستسلام وكيف تقيمون أدائكم في المرحلة السابقة التي تميّز بالانعزال عن مجمل الأحداث فيما يخص الصراع العربي الصهيوني؟
جـ18: المفاوضات مع اليهود من المصائب الكبرى التي جلبها الحكام لهذه الأمة، فمعلوم من الدين بالضرورة أنه إذا اعتدى الكفار على بلاد المسلمين أو احتلوا شبراً منها فإن الجهاد يصبح فرض عين، وحالة الحرب الفعلية هي التي يجب أن تسود، وما حدث ويحدث من مفاوضات هو إلغاء لحالة الحرب الفعلية مع يهود وإقرارهم على معظم فلسطين إن لم يكن كلها، واستجداؤهم في جزء منها،وهذا خيانة لله ورسوله والمؤمنين. ونحن في حزب التحرير ضد هذا النهج ونقاومه وسنقاومه بكل ما نستطيع كحزب سياسي وكأمة كذلك.
أما قولك بأن الحزب منعزل عن مجمل الأحداث فهذا مخالف للواقع إلا إذا كانت تقصد بالانعزال عدم مشاركتنا في جريمة التفاوض أو عدم قيامنا بمسرحيات من الموافقة والرفض كما يصنع الآخرون.
إن الحكم الشرعي واضح وهو مقاتلة اليهود وإبقاء حالة الحرب الفعلية مستمرة معهم دون السماح بنشوء حالة سلمية أو تعايش أو تطبيق علاقات حتى يتم القضاء عليهم وإعادة فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام.
غير أن الحكام قد عطلوا الجهاد ونحن كحزب سياسي لا نملك إلا الصراع الفكري والسياسي من خلال الأمة للقضاء على هذا النهج الذي ترعاه الدول الكافرة المستعمرة بزعامة رأس الكفر أميركا.
س 19: ما هو تقييمكم للصحوة الإسلامية في العالم العربي الإسلامي؟
جـ19: هي دلالة على توجه الأمة نحو إسلامها السياسي أي نحو إقامة خلافتها، وهي كذلك دلالة على أن الأمة لم تعد تخدعها تلك الأفكار الزائفة التي كان يطرحها الكفار من خلال عملائهم من الحكام والمنافقين، فقد لفظتها الأمة وعلمت أنه لا ينهضها ولا يعيدها عزيزة إلا الإسلام. وعلى الرغم من أن هذا التوجه إلى الإسلام يفتقر بعضه للوعي الدقيق على أحكام الإسلام، إلا أنه مؤشر على أن الخلافة قادمة مهما قامت الدول الكافرة المستعمرة، بزعامة أميركا من دفع عملائها للبطش بالمسلمين والتنكيل بهم.
س 20: ما هو موقفكم من الثورة الإسلامية في السودان وفكر حسن الترابي؟
جـ20: إن نظام الحكم في السودان ليس إسلامياً بالمعنى الشرعي المعروف. وفكر حسن الترابي ـ إن جاز التعبير ـ مجرد ستار ولا قيمة عملية له، فالرجل انشق عن الإخوان المسلمين وكل ما سمّاها الجبهة القومية الإسلامية فكيف تكون جبهة قومية وإسلامية في نفس الوقت؟ وهو يلعب دوراً خطيراً في إيهام الشعب أن الحكم القائم يطبق الإسلام مع أنه ليس كذلك بناء على الواقع العمل هناك، بل أن تصريحات حسن الترابي نفسه كتبت ذلك فهو يقول بالخصوصية الوطنية والقومية وبالتدرّج في تطبيق الإسلام وكلها مخالفة صريحة لأحكام الشرع.
س 21: ما هو تقييمكم لأزمة الخليج والعدوان على العراق؟
جـ21: «التقييم» كلمة صحفية شائعة غير أنها ليست صحيحة، والصحيح كلمة (تقويم) التي تعني الحساب والتقدير مثلما تعني التصحيح.
أما أزمة الخليج فمن الواضح أنها كانت مؤامرة دولية حيكت بطريقة شيطانية وأدت إلى نتائج مأساوية وكان من نتائجها أن استكملت أميركا سيطرتها على نفط الخليج كله واستغلّت الأزمة في ترتيب مقدمات تصفية قضية فلسطين حيث هُجّر الفلسطينيون من الكويت بوجه خاص ومن بعض دول الخليج بطريقة عنيفة لجعل ذلك ذريعة للقبول بأي حل لقضية فلسطين كما أن القوة العسكرية العراقية التي برزت في أواخر الثمانينات باعتبارها مبعث أمل لحل عسكري لقضية فلسطين دمّرت ولو إعلامياً على الأقل بحيث كان عدم وجود خيار عسكري من أهم حجج الذين نادوا بالتوجه إلى مدريد.
وفوق ذلك كله فإن تولّي الولايات المتحدة لقيادة العملية كلها وجعلها سائر الدول الأخرى من كبرى وصغرى تسير وراءها وتحت تصرفها واستخدام هيئة الأمم المتحدة وخاصة مجلسي الأمن أداة في تنفيذ المخططات الأميركية وبموافقة ما يسمى المجتمع الدولي واستناداً لما يسمى بالشرعية الدولية، كل ذلك كان علامة ضخمة حية للموقف الدولي الجديد المتمثل في انفراد أميركا بالهيمنة على العالم واتخاذها الأمم المتحدة وما تسمى بالشرعية الدولة أداة لتحقيق هذه الهيمنة.
1993-07-09