كلمة الوعي: أين وصلت الأمة في رحلة العودة إلى الخلافة؟
1993/07/09م
المقالات, كلمات الأعداد
3,182 زيارة
في أوائل الخمسينات لم يكن عامة المسلمين يصدقون أن بإمكانهم العودة إلى الخلافة الإسلامية أو إعادة إقامتها، حتى أن غالبيتهم كانت تقول (مثل الغربيين) بفصل الدين عن الدولة وعن السياسة، ولم يكونوا يفهمون من عبارة (العودة إلى الإسلام) إلا العودة إلى العبادات والأخلاق.
وبفضل الله وتوفيقه وبفضل العاملين بوضوح وتصميم وُجدت في الأمة فكرة إقامة الدولة الإسلامية، ثم بشكل محدد أكثر (دولة الخلافة الإسلامية). وتقلبت الظروف وتحولت فكرة إعادة الخلافة إلى قناعة فأمل فعمل فحركة جارفة. فحين قالت إيران سنة 1979 بدولة إسلامية صفّقت الشعوب الإسلامية على اختلاف مذاهبها. وحين رفعت الجزائر شعار الدولة الإسلامية في انتخابات سنة 1991 التفّ الشعب الجزائري (الذي كانت فرنسا ظنت أنها حولته إلى ثقافتها حين حكمته 130 سنة) عن بكرة أبيه حول هذا الشعار. وصارت فرائص الكفار في الغرب ترتعد فَرَقاً من عودة الإسلام إلى حلبة الصراع الدولي، وصاروا يحاربون دُعاةَ الإسلام بأنهم متطرفون وإرهابيون وأصوليون.
في السابق كان أبناء المسلمين الذين يذهبون إلى بلاد الغرب يُفتَنون بحضارة الغرب وأنظمة الغرب، أما اليوم فإنهم صاروا يلمِسون خداع الغرب وفساد حضارته وعداوته للإسلام، وهذا جعلهم يتمسكون بإسلامهم وينشطون في العمل من أجل عودة الخلافة الإسلامية.
لقد قطعت الأمة الإسلامية المراحل الأولى في رحلة العود إلى الخلافة بشكل جيّد. فالأمة الآن بمختلف أحزابها وحركاتها الإسلامية، وبمختلف مذاهبها، وعلى مدى الساحة في البلاد الإسلامية وحيثُ وجدوا في بلاد العالم بأسره، كلهم في غاية التحرّق لرؤية راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ترفرف فوق ربوع العالم الإسلامية بل فوق ربوع العالم. وقد وصل الحال في بعض هذه الحركات أنها قررت إقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله ولو باستعمال السلاح ضد الحكام الذين يرفضون ذلك.
إذاً المشكلة الآن ليست غرس فكرة الخلافة في الأمة فالفكرة قد غُرست ونَبتتْ واستغلظتْ. وليست المشكلة إنشاء حزب أو أحزاب إسلامية أو تقوية هذه الأحزاب، فالغرضُ الأساسي من هذه الأحزاب قد تحقق. المشكلة الآن هي: إذا أقامت الأمةُ الإسلامية الخلافة الإسلامية، هل تسمح لها دول الغرب، وعلى رأسها أميركا، بالاستمرار؟ وهل تملك دولة الخلافة الناشئة القدرة على حماية نفسها من كيد دول الكفر الاستعمارية؟ هذه هي المرحلة التي وصلتها الأمة الآن ـ الأمة وليس حزباً واحداً أو حركة واحدة من الأمة.
وللإجابة عن السؤال الأول نقول: الدول الاستعمارية في العالم وعلى رأسها أميركا لا تسمح بقيام الخلافة الإسلامية، وإن قامت فستعمل جهدها لهدمها من جديد. هذه حقيقة لا يماري فيها إلا مغفّل.
وللإجابة عن السؤال الثاني نقول بالفم بالملآن وبكامل الثقة: نعم إن الأمة الإسلامية مع دولتها الناشئة تملك القدرة وتستطيع رد كيد الكفار الطامعين إلى نحورهم بعون الله وتوفيقه.
نطرح الآن خطوطاً عريضة لتبيان كيفية العمل، علماً أن عقول المشرفين على الخلافة (الخليفة وأعوانه) أكبر من عقل من يكتب هذه الأسطر، والواقع الدولي في حينه يكون أوضح من توقعاتنا له الآن، هذه الخطوط العريضة تتلخص فيما يلي:
1- هناك حقيقة تقول: (إن الشعوب لا تتحرك إلا إذا حُرّكتْ)، وانطلاقاً من ذلك فإن القيّمين على الدولة الناشئة أن يتولوْا تحريك الأمة بأقوى وأسرع ما يمكن. قبل قيام الخلافة لا تكون وسائل الإعلام والتحريك بأيدي دعاة الخلافة ولذلك يكون تأثيرهم في هذا المجال محدوداً. أما حين تقوم الخلافة وتصبح هذه الوسائل بأيدي القيّمين عليها فإن الواجب يحتّم عليهم أن يستثمروا هذه الوسائل وكل الوسائل لتعبئة الأمة وشحن نفوسها. إذ لا نوم ولا راحة بعد اليوم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. الأمة الإسلامية مع دولتها الناشئة في سباق مع الزمن. حين احتل صدام الكويت وقررت أميركا ضرب العراق واحتلال الخليج بقيت مع حلفائها ستة أشهر تُعِدّ العدة من أجل خوض الحرب. وحين تقوم الخلافة ستحتاج أميركا مع حلفائها بضعة أشهر أو بضعة أسابيع للتدخل العسكري. هذه الأشهر أو هذه الأسابيع يجب أن يستغلها الخليفة وأعوانه في تعبئة الأمة وشحنها إلى أقصى حد. يجب أن يعملوا ليلاً ونهاراً لإيجاد التصميم الرائع والعزم الأكيد عند الأمة على مواجهة الكفار المعتدين ولو بذلوا الأموال والأولاد والأرواح وكل غالٍ ورخيص. وهنا تطيب التضحيات ويطيب الموت (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ) فإنما هي إحدى الحسنيين: شهادة في سبيل الله أو نصر على الأعداء.
2- حين تتدخل أميركا مع حلفائها وعملائها عسكرياً لهدم الخلافة لا يكون التصدي لها عن طريق الجيش النظامي وحده، بل لا بد أن تشترك الأمة مع الجيش النظامي في صد العدوان. الجيش النظامي قد يُغلب. قد يستطيع الكفار احتلال عاصمة الخلافة، قد يستطيعون أسر الخليفة أو قتله. ولكنهم لا يستطيعون هدم الخلافة رغم كل ذلك. فإذا أسِر الخليفة أو تقل يبايع المسلمون خليفة آخر وتستمر الخلافة. وإذا استطاعوا احتلال العاصمة والمدن فإن الخليفة يقود الحرب ضدهم من القرى والجبال. وإذا سيطروا على معدات الجيش النظامي فإن الأمة تحاربهم بالحرب الشعبية وحرب العصابات.
وهذا التصوّر يوجب على القيّمين على دولة الخلافة أن يبادروا من اللحظة التي تقوم فيها الخلافة إلى:
أ- استدعاء جميع القادرين على حمل السلاح في الأمة لتدربهم على أساليب الحرب الشعبية وعلى أساليب حرب العصابات، أن تخضعهم إلى دورات مكثّفة وسريعة تشحنهم خلالها بالإيمان وأفكار الصبر والتضحية والاستشهاد وعدم الفرار، كما تدربهم على مختلف الأساليب والأسلحة اللازمة للحرب الشعبية.
ب- توزيع الأسلحة على جميع من تم تدريبهم وأن تربط كل مجموعة بقائد منها من القادة الشعبيين.
ج- إخضاع الجيش النظامي كله إلى دورات فكرية ـ إيمانية ـ استشهادية قوية وسريعة بحيث تصبح نفسيته واستعداده على المستوى المطلوب من المجاهدين المؤمنين.
د- دعوة أبناء الأمة الذين ليسوا تحت حكم الخلافة لأن يتطوعوا ويأتوا إليها لتقوم بتدريبهم وتأهيلهم للقيام بأعمال لنصرة الخلافة سواء داخل الخلافة أو في أماكن أخرى من العالم.
هـ- تدريب مجموعات ذات أهلية مناسبة لتنشر فوراً في أنحاء العالم الإسلامي وفي أنحاء العالم للقيام بأعمال الضغط المناسبة لدعم الخلافة.
وفي هذا كله تكون الدولة في سباق حثيث مع الزمن قبل وقوع التدخل العسكري من الأعداء.
3- في هذه الأجواء تكون أنظار العالم مسلّطة على الخلافة وموقف العالم منها. وتكون مشاعر المسلمين في العالم مع خلافتهم وهم مستعدون للتضحية من أجل دعمها وهذا يوجب على دولة الخلافة أن تحسن استغلال هذه الموجة المشاعرية الإسلامية العارمة.
4- لا يتصور وجود أشخاص أو حركات أو جماعات داخل الدولة الإسلامية تستطيع أن تكون حيادية في هذه المعركة الفاصلة بين الإسلام والكفر. حتى خارج الدولة الإسلامية يصعب تصوّر وجود علماء مسلمين يجهرون بتبعيتهم لأميركا أو عملاء أميركا والغرب كما حصل حين حرب الخليج.
5- حين ترى أميركا وحلفاؤها وقوف الأمة الإسلامية وقفة رجل واحد ومستعدة للموت دفاعاً عن دينها ودولتها فإن أميركا قد تعدل عن التدخل إلى الحصار الاقتصادي وما شاكله. وبذلك تكون الأمة قد حققت نصراً قبل خوض المعركة العسكرية. وإذا ركبت أميركا رأسها، فإن الخلافة لا تَسْقط حتى لو سقطت العاصمة أو سقط الخليفة. وصمود الأمة سيغْلِب الدولَ المعتدية ويَغْلِبُ عملاءهم الذين يحاولون تنصيبهم. ولن تتعاون الأمة مع أي عميل ينصبه الكفّار حاكماً للمسلمين. حتى أن حرسه سيقدم على تصفيته. وإذا أرادت أميركا أن تضع له حرساً من جنودها فإن الأمة ستصطاد العميل وحرسه كما تصطاد العصافير. وسيخرج الكفّار في النهاية مدحورين.
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
1993-07-09