التشبّه بالكفار
1992/12/08م
المقالات
2,190 زيارة
العاقل يتشبّه بمن هو أفضل منه، ويتبع من هو أعرف منه، ويقلّد من هو أعلم منه. ومن هنا قال ابن خلدون في مقدمته: (المغلوب مولع في تقليد الغالب). وهو يعني المهزوم فكرياً ونفسياً وليس مادياً فقط.
الشرع الإسلامي أباح للمسلمين أن يقلّدوا الكفار ويتعلموا منهم الأمور التي لا تتعلق بالعقيدة والدين ووجهة النظر في الحياة إذا وجدوا فيها فائدة لهم. فقد حفر المسلمون الخندق لحماية المدينة عملاً برأي سلمان الفارسي الذي كان اقتبس ذلك عن غير المسلمين. وأقرّ الرسول صلى الله عليه وسلم التعامل النقود الفارسية والرومية. وأقرّ أن يتعلم المسلمون الكتابة من أسرى بدر. وأدخل سيدنا عمر الدواوين إلى إدارة الدولة نقلاً عن الفرس على مرأى ومسمع من الصحابة رضوان الله عليهم.
وبناء على ذلك يجوز للمسلمين الآن أن يتعلموا من الكفار العلوم التجريبية والرياضيات والصناعات والطب والزراعة وما شاكلها، ويجوز أن يأخذوا عنهم بعض الترتيبات أو الأنظمة الإدارية مثل تنظيم شؤون السير أو حفظ السجلات أو الاتصالات أو شبكات الماء والكهرباء والمواصلات… ما دام الكفار أمهر من المسلمين فيها.
أما في شؤون الدين من العقائد والعبادات والأخلاق والخير والشر والحلال والحرام فإن الشرع الإسلامي حرّم على المسلمين أن يقلدوا الكفار أو يتبعوهم أو يتشبهوا بهم. ولماذا يقلدونهم أو يتشبهون بهم في هذه الأمور الدينية؟ هل هناك دين أفضل أو أصح من الدين الإسلامي: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ). وما دام الله سبحانه يقول في الأمة الإسلامية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) فهل يستقيم الأمر بعد ذلك أن تتشبه هذه الأمة بغيرها من الأمم وتتبعهم بدل أن تحمل لهم مشعل النور والهداية لقيادتهم؟ وإذا قلّد المسلمون غيرهم من ملل الكفر وتشبهوا بها فماذا يعملون بقوله تعالى الذي أكرمهم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا)؟
نقول هذه للمسلمين ونحن على عتبة أعياد النصارى: ميلاد المسيح عليه السلام في 25 كانون الأول، ورأس السنة الميلادية في 1 كانون الثاني، وهما يومان لمناسبة واحدة، وهي مناسبة دينية من طقوس النصارى، فإذا كان النصارى يحيون هذه الشعيرة من شعائر دينهم فإنه يحرم على المسلمين إحياءَها معهم لأن ذلك يكون ممارسة لطقس غير إسلامي. ولا مكان هنا للقول بأن هذا يساعد على ترسيخ الوحدة الوطنية، فهذه وثنية وليست وطنية.
جرت العادة عند بعض المسلمين أن يحضروا إلى بيوتهم شجرة الميلاد، أو أن يشتروا لأولادهم ألعاباً وملابس أو يتهادوا بهذه المناسبة، وهذا كله من التشبه بالكفار في شأن ديني. وجرت العادة عند بعض تجار المسلمين أن يزيّنوا متاجرهم وشوارعهم بهذه المناسبة وهذا حرام لأنه تشبه بالكفار. وجرت عادة بعض المسلمين أن يطلقوا النار احتفالاً بهذه المناسبة وهذا من التشبه بالكفار.
ومما هو أسوأ من ذلك أن بعض النصارى يمضون ليالي هذه المناسبات بالسكر والحفلات الماجنة ويطفئون الأنوار ويختلط الحابل بالنابل ذكوراً وإناثاً، فصار بعض المسلمين يقلدونهم ويتشبّهون بهم. ويستبيحون لعب القمار في هذه المناسبة ليتنبأوا بحظوظهم في السنة القادمة، فتشبّه بعض المسلمين بهم أيضاً!
وقد حذَّرَنا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك بقوله: «لَتتبعُنَّ سَنَنَ مَنْ قبلَكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبّ تبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهودَ والنصارى؟ قال: فمن؟» انتبهوا إلى عبارة: «لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس منا من تشبه بغيرنا» وقال: «من تشبه بقوم فهو منهم».
(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
1992-12-08