حدائق ذات بهجة
2012/10/29م
المقالات
1,840 زيارة
حدائق ذات بهجة
الأسود بن يزيد وقصته في الحياء من الله
قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ: انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ : الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ ، كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ ، يَصُومُ حَتَّى يَخْضَرَّ جَسَدُهُ وَيَصْفَرَّ .وَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ لَهُ: لِمَ تُعَذِّبُ هَذَا الْجَسَدَ هَذَا الْعَذَابَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ، وَكَرَامَةَ هَذَا الْجَسَدِ أُرِيدُ، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ؟ فَقَالَ: وَمَالِي لَا أَجْزَعُ، وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي؟ وَاللَّهِ لَوْ أُتِيتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا صَنَعْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ، فَيَعْفُو، فَلَا يَزَالُ مُسْتَحْيِيًا مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ.
صفوان بن سليم:
أ- قصته مع سليمان بن عبد الملك والخوف من عطايا الأمراء: قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها. قال: فصلى بالناس الظهر ثم فتح باب المقصورة واستند إلى المحراب واستقبل الناس بوجهه، فنظر إلى صفوان بن سليم عن غير معرفة فقال: يا عمر، من هذا الرجل، ما رأيت سمتاً أحسن منه؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا صفوان بن سليم. قال: يا غلام، كيس فيه خمسمائة دينار. فأُتي بكيس فيه خمسمائة دينار، فقال لخادمه: ترى هذا الرجل القائم يصلي فوصفه للغلام حتى أثبته، فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان، فلما نظر إليه صفوان ركع وسجد ثم سلم وأقبل عليه فقال: ما حاجتك؟ قال: أمرني أمير المؤمنين، وهو ذا ينظر إليك وإليَّ، أن أدفع هذا الكيس وفيه خمسمائة دينار إليك، وهو يقول: استعنْ بهذا على زمانك وعلى عيالك. فقال صفوان للغلام: ليس أنا بالذي أُرسلتَ إليه. فقال له الغلام: ألست صفوان بن سليم؟ قال: بلى أنا صفوان بن سليم. قال: فإليك أُرسلت. قال: اذهب فاستثبت فإذا أثبتَّ فهلم. فقال الغلام: فامسك الكيس معك واذهب. قال: لا، إذا أمسكت كنت قد أخذت، ولكن اذهب فاستثبت فأنا ها هنا جالس. فولَّى الغلام، فأخذ صفوان نعليه وخرج، فلم يُرَ بها حتى خرج سليمان من المدينة.
ب- قصته مع هارون الرشيد وجرأته في المحاسبة:
حج هارون الرشيد فقال إنسان لصفوان: يا أبا عبد الرحمن، هو ذا أمير المؤمنين يسعى، وقد أخلي له المسعى، قال العمري للرجال لا جزاك الله عني خيراً، كلفتني أمراً كنت عنه غنياً ثم تعلق نعليه وقام فتبعته وأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به: يا هارون، فلما نظر إليه قال: لبيك يا عم، قال: ارقَ الصفا، فلما رقيه قال: ارم بطرفك إلى البيت.
قال: قد فعلت. قال: كم هم؟ قال: ومن يحصيهم؟! قال: فكم في الناس مثلهم؟ قال: خلق لا يحصيهم إلا الله. قال: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه، وأنت وحدك تسال عنهم كلهم، فانظر كيف تكون، قال فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلاً للدموع. قال العمري: أو أخرى أقولها؟ قال: قل يا عم. قال: والله، إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه، فكيف بمن يسرف في مال المسلمين؟ ثم مضى وهارون يبكي.
قال محمد بن خلف سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول: بلغني أن هارون الرشيد قال إني لأحب أن أحج كل سنة، ما يمنعني إلا رجل من ولد عمر، ثم يُسمعني ما أكره.
وقد روي لنا من طريق آخر أنه لقيه في المسعى، فأخذ بلجام دابته، فأهوت إليه الأجناد، فكفَّهم عنه الرشيد، فكلمه فإذا دموع الرشيد تسيل على معرفة دابته ثم انصرف، وأنه لقيه مرة فقال: يا هارون فعلت وفعلت، فجعل يسمع منه ويقول مقبول منك يا عم على الرأس والعين. فقال يا أمير المؤمنين من حال الناس كيت وكيت، فقال عن غير علمي وأمري.
ج- قصته مع أبي جعفر وجرأته في خطابه:
وعن أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي قال وقع الذباب على المنصور فذبَّه عنه فعاد، فذبَّه حتى أضجره، فدخل جعفر بن محمد فقال له المنصور: يا أبا عبد الله، لمَ خلق الله عز وجل الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة.
حج أبو جعفر فدعا ابن أبي ذئب فقال: نشدتك بالله ألست أعمل بالحق؟ أليس تراني أعدل؟ فقال ابن أبي ذئب: أما إذا نشدتني بالله فأقول: اللهم لا، ما أراك تعدل، وإنك لجائر، وإنك لتستعمل الظلمة وتدع أهل الخير.
فقال من حضر: فظننا أن أبا جعفر سيعالجه، فجعلنا نكفُ إلينا ثيابنا مخافة أن يصيبنا من دمه، فجزع أبو جعفر واغتمَّ وقال له: قم فاخرج.
2012-10-29