ليكن حجنا هذا العام حجاً على منهاج النبوة، وليكن شعاره: «هذا آخر حج بدون إمام»
2012/10/29م
المقالات
2,546 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
ليكن حجنا هذا العام حجاً على منهاج النبوة،
وليكن شعاره: «هذا آخر حج بدون إمام»
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) }
[يذهب المسلمون كل عام إلى الحج ليلتقوا كلهم على صعيد واحد تتجلى فيه وحدة المسلمين في الشعائر والمشاعر والحال والهدف، في مشهد مهيب يخشاه أكثر ما يخشاه أعداء المسلمين من دول الكفر وأذنابهم من حكام المسلمين حيث لا إقليمية ولا عنصرية ولا عصبية للون أو جنس أو طبقة ولا حدود؛ فالرب واحد، والدين واحد، والقبلة واحدة، والأمة واحدة، والهدف واحد. إن فريضة الحج تذكر المسلم بعظيم قدرة الله، وتذكره بالقيام بأمر الله في الدنيا والعمل لإعزاز دينه، والتضحية في سبيله، والسعي في رضاه، والتوكل عليه وحده، والثقة بجميل وعده، وتذكره بالآخرة. فالحج يربط الدنيا بالآخرة برباط الطاعة لله وحده.
من هذه المعاني ينطلق موسم الحج في كل عام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا العام يأتي موسم الحج وللمرة الثانية في ظل ثورات متوالية تريد خلع هذه الأنظمة الجبرية التي سلطت عليها عقوداً من الزمان. وتنادي بالتغيير وتنتظر موعودها من الله تعالى: خلافة راشدة على منهاج النبوة، وهي تضحي من أجل ذلك بالغالي والنفيس بالرغم من الهجمة الفكرية والعسكرية والإعلامية الغربية التي تريد حرفها وصرفها عن أهدافها الحقيقية.
يحل موسم الحج هذا العام، والمسلمون قد بدؤوا يتلمسون طريق العزة التي تشرف على ماضيهم العريق زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته عبر المضي قدماً في حل مشاكلهم وإنهاء نكباتهم عن طريق تطبيق أحكام الإسلام عليهم… يذهب المسلمون إلى الحج هذا العام آملين أكثر من أي عام مضى أن ينتهي إجرام الحكام وإجرام أميركا ودول أوروبا بحق المسلمين في أفغانستان والعراق، ويهود في فلسطين، والروس في الشيشان، والهندوس بحق مسلمي كشمير، وما اقترفه الأسد المجرم بحق المسلمين في سوريا… يذهبون إلى الأماكن الطاهرة وقلوبهم تتطلع إلى وحدة المسلمين جميعاً تحت إمرة خليفة يجمعهم تحت راية رسول الله، ويسطر لهم آيات النصر والعز في ساحات الجهاد… يذهبون ونفوسهم تتشوَّف أن يكون هذا الخليفة أمير حجِّهم يخطب فيهم وينصح لهم وينقل إليهم أخبار الفتوحات وخطته للعام المقبل، وهم يشكون له همومهم ليقتص لهم …
يجب أن يذهب المسلمون الى الحج وهم ساعون لتحقيق معاني الخيرية والشهادة على الناس، ويرفعوا شعار: الأمة تريد خلافة إسلامية، ويطالبوا بـ: رأس واحد لجسد واحد، ويحملوا رسائل عدة إلى كل المعنيين بأمة الإسلام مفادها أن يكون موسم الحج هذا العام آخر حج بدون خليفة واحد للمسلمين، ويأخذوا الميثاق على أنفسهم للإطاحة بكل حكام الجور، والعهد على الاستمرار بالثورة حتى إقامة دولة الإسلام، والقسم بعدم السماح بالعودة إلى حالة الوهن التي أصابت الأمة… نعم، على كل مسلم أن يعاهد الله على جبل عرفات وأمام الكعبة أن يعمل مع العاملين المخلصين لإقامة دولة الإسلام.
إن فريضة الحج يجب أن تأخذ فاعليتها ودورها في حياة المسلمين كما كانت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده. ويجب على المسلمين وهم يؤدونها:
أن يتطلعوا إلى تغيير شامل على أساس الإسلام، وأن يوجهوا الذين هم من البلاد التي قامت فيها الثورات إلى إقامة شرع الله في بلاهم بإقامة الخلافة، وحث المسلمين الذين هم من بلاد لم تحدث فيها ثورات إلى الالتحاق بعملية التغيير الإسلامي الصحيح… والدعاء إلى الله أن يوفقهم في مسعاهم ويغيِّر لهم التغيير الصحيح.
أن يوجهوا الدعوة إلى علماء الأمة أن يأخذوا دورهم في عملية التغيير من غير أي تقصير، وأن يؤدوا الميثاق الذي أخذه الله عليهم ليبينُنَّ الحق ولا يكتمونه، وأن يكونوا في مقدمة الصفوف، وأن يستغنوا عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين… والدعاء إلى الله سبحانه أن يصلح علماء الأمة، وأن يقيِّض لهم منهم علماء ربانيين يقولون بالحق ويقومون به لايخافون في الله لومة لائم.
أن يدعوا المسلمين أن يقفوا في وجه حكامهم الذين هم عملاء للغرب ويتصرفون كأعداء للأمة: أفقروها وأذلوها وأفسدوها وضيَّقوا عليها وجعلوا لأعدائها سلطاناً عليها، وأقصوا الإسلام عن الحكم وعن حياة المسلمين إلا من بعض أحكامه، وفرضوا عليهم دساتير الكفر ليحكموا بها… ودعوتهم إلى الأخذ على أيديهم والعمل على تغييرهم بالطريقة الشرعية التي توجد الإسلام مطبقاً في واقع الحياة.
أن يوجهوا رسالة إلى جيوش المسلمين، فهي القادرة على حسم الأمور لصالح الثورات، وهي القادرة على النصرة، والواجب الشرعي عليهم أن يقفوا في وجه الظالمين، وأن يكونوا أصحاب القوة والمنعة لهذا الدين، ولهم كلمة الفصل في إزالة الأنظمة العميلة من جذورها، ثم مبايعة خليفة للمسلمين. فماذا ينتظرون؟! أليسوا إخوتنا وأبناءنا؟! أما يحبون أن يكونوا أنصار الخلافة الراشدة الثانية؟!
أن يحذروا المسلمين من الغرب وأفكاره الكافرة وأحكامه الفاجرة من أن تتحكم بالمسلمين في عملية التغيير التي تجري حالياً في بلاد المسلمين، وذلك من مثل الدعوة إلى الدولة المدنية، والديمقراطية… والدعاء إلى الله أن يمكن لهم ليعيشوا في رحاب الإسلام.
أن يحدثوا غيرهم من المسلمين عن الإسلام وأحكامه العظيمة وفشل الحضارة الغربية بأفكارها وطريقة عيشها، وأن العالم بأسره، وليس المسلمون وحدهم، بحاجة إلى الإسلام كحضارة وأنظمة حياة تصلح للبشرية جمعاء.ٍ
أن يدعوا المسلمين إلى توحيد ديارهم في دار الإسلام الواحدة، يدعوهم إلى التوحد على الإسلام ليكونوا أمة واحدة كما أمرها الله سبحانه، ويكونوا إخوة متوادين متراحمين متعاطفين كالجسد الواحد كما ذكَّر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن يدعوا المسلمين أن يعملوا لأن يكون هذا الحج هو آخر حج بلا أمير، حجاً يؤمه الخليفة أو من ينيبه، فيتحدث إليهم كما تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عن الأمة، ويذكرهم بجوامع كلم الإسلام، ويقدم لهم كشفاً عن الفتوحات، ويستمع إلى عماله في سياستهم للرعية، ويمدحهم على حسن رعايتهم إن هم أحسنوا، ويقتص منهم إن هم أساؤوا كما كان يفعل عمر رضي الله عنه.
هذه دعوة لإعادة الحج إلى مكانته ودوره كما كان زمن رسول الله وصحابته الكرام، إنها دعوةلأن تمارس شعائر الحج على منهاج النبوة ليكون كما يحبه الله ورسوله.ٍ
إن شعيرة الحج التي يجتمع فيها سنوياً الملايين، ويحرم منها عشرات الملايين، هي مظهر من مظاهر وحدة المسلمين وقوتهم. ودول الكفر ترهب هذه الشعيرة وترتعد لها فرائص الحكام العملاء، إذ هي مؤتمر سنوي يجمع المسلمين من جميع أصقاع العالم على صعيد واحد من التوجه إلى الله في العبادة وطلب الفرج والنصر، ولا يحتاج إلا إلى أمير يؤمه. إن استلهام حج الرسول والخلفاء الراشدين يجعلنا نعيد لهذه الشعيرة مضاءها. ولنسترجع معاً خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع؛ لنقتبس منها المعاني الكبيرة لننسج حجنا على منوالها؛ فيكون حجاً على منهاج النبوة بإذن الله:
خطبة حجة الوداع:
في اليوم التاسع من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبوية، وقف نبي الهدى في بطن الوادي وهو على ناقته القصواء، وحوله أربعون ألفاً من الصحابة ما بين راكب وواقف حتى بلغوا مدَّ البصر، وفيهم ربيعة بن أمية بن خلف الذي كان يصرخ في الناس بقول رسول الله. فكانت هذه الخطبة البليغة التي افتتحها بقرب أجله:
«أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بـهذا الموقف أبداً. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنَّ ضرباً غير مبرح، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس اللهم اشهد .. اللهم اشهد .. اللهم اشهد. وبعد أن فرغ النبي من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً ) وعندما سمعها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.»
بهذه الخطبة البليغة قرر رسول الله قواعد الإسلام، وهدم قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها، وهي الدماء والأموال والأعراض، ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه، وأوصاهم بالنساء خيراً، وبشَّر الأمة بأنها لن تضل أبداً ما دامت معتصمة بكتاب الله. ثم أخبرهم بأنه مسؤول عنهم عند ربهم، بل واستنطقهم فقالوا بلسان واحد: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
وخطب النبي يوم النحر -عاشر ذي الحجة- حين ارتفع الضحى، وهو على بغلة شهباء، والناس بين قائم وقاعد. وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، ثم زاد عليها: «أيها الناس ( {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.»
واستمر الرسول في خطبته هذه قائلاً: «أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست البلدة؟ قلنا: بلى. فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا في شهركم هذا. وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع.»
لقد اكتمل الدين وأتم الله الشريعة الخالدة. حتى الآداب التي تعلمها الصحابة من نبيهم قد بلغت قمتها، فقد كانوا قبل ذلك يقدمون بين يدي الله ورسوله حتى أنزل الله فيهم قرآناً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } فهاهم اليوم، يوم اكتمال الدين عندما سألهم نبيهم أي شهر هذا؟ لم يجب أحدٌ منهم وهم يعلمون أنه الشهر الحرام. بل أجابوا جميعاً إجابة التأدب مع نبيهم: الله ورسوله أعلم. ثم كرر عليهم السؤال للمرة الثانية والثالثة، ورغم معرفتهم بالإجابة إلا أنهم أجابوا جميعاً: الله ورسوله أعلم. حتى قال: أليس ذا الحجة؟ .. أليست البلدة؟ .. أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى .. بلى .. بلى.
هذه رسالة لإعادة الحج إلى مكانته كما كان زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء في الماضي لاستلهامه، والعودة إلى السيرة النبوية التي يعيش الحاج على أرضها، ويتأمل حركتها، وهجرتها، وبيعتها… العودة الى الحقبة التاريخية التي تحتل موقع القدوة. ففيها الدروس والعبر التي تعالج واقعنا، والتي اكتملت على عين بصيرة من الوحي المرسل من الله سبحانه وتعالى… العودة إلى الخلافة على منهاج النبوة، هذا المنهاج الذي يصلح لكل عصر من العصور لحل كل مشاكل الحياة المتجددة دون التنازل عن الثوابت الإسلامية، وما يميز الإسلام عن غيره هي ثوابته التي لا تتغير مهما تغيرت الظروف، فلا حاجة معه للتنازل، ولا لمسايرة للواقع، ولا لاستعارة الدولة المدنية أو الديمقراطية الكافرة الفاجرة.
من هذا الوجه يجب بحث موضوع الحج، من وجهة نظر الإسلام، وأن ينظر إليه بعين إسلامية لا مصلحية مادية ولا شعائر فردية فحسب، بل يجب أن يكون الحج على منهاج النبوة لتحقيق معناه الذي أراده، الله لا الذي أراده الحكام والأوقاف، بل يجب أن يكون حجاً يتم بعده تسيير الجيوش للتحرير والفتح.
إن الحج عبادة تتفرد عن سائر العبادات أنه يرتكز عليها بناء الإسلام، ويجتمع المسلمون فيه من كل حدب وصوب، يجتمعون لتحديد مسار حالهم في العام المقبل، وحال دعوة الإسلام واتخاذ القرارات. فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يبلغ قرارات الرسول صلى الله عليه وسلم (رئيس الدولة) روى عن زيد بن يثيع قال:سألنا علياً: بأي شئ بعثت في الحجة؟ قال: بعثتُ بأربع: أن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فإلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأن لا يحج بعد العام مشرك.
إن الحج رحلة للوقوف أمام مسؤلياتنا كأفراد وجماعات لنحدد أين نقف من دولة الإسلام التي كانت الأساس في ميلاد المجتمع المسلم، وقيام الحضارة التي فاقت كل الحضارات، كيف قاد أوائلنا العالم ونشروا الدعوة، وكيف كان الجهاد والهجرة والبيعة ومحاسبة الحكام وإبرام المعاهدات، ومعاملة الكفار وأهل الذمة وتحقيق الانتصارات، وتحمل المسؤولية في تبليغ العالم، وحفظ الدولة، وحفظ الدين. وتجمع المسلمين في الحج يقتضي أن تتجلى فيه وحدة المسلمين بكل معانيها بإحياء الحج كمنطلق للتخطيط العالمي للدعوة الإسلامية. وينبغي أن يكون الحج مكاناً لعرض أحوال ومشاكل المسلمين من مختلف البلاد، وأحوال نشرالدعوة الإسلامية في هذه المناسبة العالمية، فينبغي أن يطلع الناس على أحوال إخوتهم المسلمين في كل مكان، ويجب على أمير الحج أن يركز على مسؤولية المسلمين تجاه تطبيق دين الله كاملاً.
إن ما جاء في خطبة رسول الله في يوم الحج الأكبر كانت شاملة لأحكام الإسلام بدءاً بإقامة حكم الله في الأرض وقد أقرت أن أمة الإسلام أمة واحدة لها رب واحد ودين واحد ونبي واحد وأمير واحد. وحدد فيها أن المرجع الذي يكفل لأمة الإسلام أن تبقى خير أمة وشاهدة على الناس هو الاعتصام بكتاب الله. وحذر المسلمين بقوله: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. فقد حرمت الدماء والأعراض والخصومات بين المسلمين. إنها خطبة دعا فيها صلى الله عليه وسلم للحفاظ على دولة الإسلام وحماية أرواح المسلمين وإقامة عقوبات القصاص وتحريم الربا. إنها خطبة جمعت أمهات الأحكام وأعلاها، والتي بها يكون قيام الدين وحفظ دولته.
2012-10-29