أ.د. المغيرة البيروتي – جامعة الكويت
أين السعادة؟
سؤال أتعب الجميع وشغل الجميع،
فهو هدف الجميع على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم واتجاهاتهم، ولو أعملنا التفكير المستنير في كل حركاتهم وسكناتهم ومنطلقاتهم لوجدنا أن ذلك كله في النهاية بحث عن السعادة
السعادة إكسير الحياة،
السعادة تبر الحياة،
يحرص البعض على المال ليصل إلى رفاهية العيش فيرى في ذلك السعادة،
ويحرص البعض على الجاه والسلطة وبذلك يجد السعادة،
ويحرص البعض على الدين، فيربط دنياه بآخرته بقلب سليم فيشعر بسعادة دائمة،
ولو دققنا في همجية ووحشية الكائنات الحية لرأينا أنها تنتهي إلى جنون العظمة، وإرضاء غرور النفس بحثاً عن سعادة ما،
ولو فسرنا تطاحن الناس بين حاكم ومحكوم، أمير ومأمور، سيّد ومسود، لانتهينا إلى بحث كل منهم عن السعادة بالصورة التي يراها ويفهمها وتمليها عليه طريقة تفكيره ونوعيّتها.
كل هذه التيارات تسير ولكن تيار الفطرة ثابت لا يتغيّر، وتتغيّر من حوله كل التيارات.
فالسعادة الحقة أن يتبع المرء عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام للحياة يرعى شؤونه ضمن مبدأ في الحياة يهدف ويسعى إلى تحقيقه ويجد فيه ذاته ويعرف سر وجوده ومعناه.
فالإنسان، هذا الكائن الناقص والعاجز والمحتاج، حُمِّل أمانة كانت قد عُرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها أشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً جهولاً.
السعادة كل السعادة أن يعرف بأنه استُخْلِفَ في الأرض وبالتحديد أنه مستخلف على هذه الأمانة من خلال جميع مجالات الحياة… وكلها تنقلب إلى عبادة يؤجر عليها، فيحس بالسعادة، إذا ما حَمَلَ تلك الأمانة بقوة واستشعر عِظمَ حقها عليه. فالدليل واضح (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
ومن هنا تنشأ القيم الصحيحة والفهم السليم… فتوجد القناعة ويمتلئ القلب طمأنينة. ويشعر السعيد بأنه يملك الدنيا في يده فتأتيه وهي راغمة – حسب نواميس الحياة – وكل سعادة لم تقم على هذا الفهم فهي منقوصة، لا تلبث أن تتبدد فيشعر صاحبها أنه لا يزال يفقد شيئاً وأنه مهما لهث وراء السعادة فإنه لن يصلها وسيبقى يبحث عنها.
إذاً، لا بد للإنسان وبالتحديد دماغ الباحث عن السعادة، بل عن إكسيرها، بل عن تبرها، أن يحس بواقعه في هذا الكون فيربط نتيجة ذلك بمعلومات سابقة عن وجوده وعلاقة هذا الوجود بدورة الحياة، وعند ئذ يرتقي بتفكيره ويسمو به، فيصل بواسطة هذا التفكير المستنير إلى الصراط المستقيم، الصراط الموصل إلى السعادة الدائمة الأبدية، ولا سعادة دائمة وأبدية إلا بالهجرة: هجرة من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي، لينعم المرء بحكم الإسلام، وبهذا لا يصل الإنسان إلى ذروة السعادة وحده بل المجتمع – بأفراده وعلاقاتهم الدائمة – يصل إلى ذروة، إلى قمة إلى سنام السعادة الدائمة الأبدية.
هذا سبيلي أدعو إليها بالحكمة والموعظة الحسنة £