حلف شمال الأطلسي… إلى أين؟
1995/03/31م
المقالات
1,957 زيارة
بقلم: م. حمادي
مع انهيار المعسكر الشيوعي واستعادة ألمانيا لوحدتها تغيرت الخريطة السياسية لأوروبا، ولم يعد صراع الشرق والغرب هو الأساس الذي حكم العلاقات الدولية في أوروبا، ويعتبر تغير واقع القضايا الأمنية أبرز نتائج هذا التحول، ويرتبط بهذه التحول مصير المؤسسات التي اضطلعت طوال عقود مضت بعبء المحافظة على أمن دول المنطقة، وقد واجه حلف وارسوا النهاية الطبيعية التي فرضتها التغيرات داخل الاتحاد السوفياتي فتم حله، بينما عكفت دول حلف الناتو على البحث في إيجاد المبررات لاستمرار بقائه كمنظمة عسكرية، ورغم وجود تنافس شديد بين دوله على مراكز القوة وتوزيع النفوذ داخل الحلف لم تطرح أي من الدول الأعضاء فكرة إلغائه، إلا أن يكون العرض مصحوباً بكفرة إنشاء البديل وذلك مثل ما اقترحه وزير الدفاع الألماني أثناء زيارته أميركا في 3 مارس 1995 من تأسيس حلف أطلسي جديد، وذلك نظراً للمصالح المتعددة – سواء أكانت تجارية أم سياسية أم عسكرية – التي وجدت وما زال وجودها مرتبطاً ببقاء الحلف، ومنذ قمة لندن في يوليو 1990 يشهد الحلف حواراً ونشاطاً سياسياً مكثفاً على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية من أجل إقرار استراتيجية جديدة للحلف، وتحديد الغاية من استمرار وجوده وأهدافه التي لم تعد قاصرة على حفظ أمن دوله داخل نطاق المجال فحسب، بل أصبح إعلان ألكسندر هيج وزير الخارجية الأميركي في مطلق الثمانينات “العالم كله هو قضية الناتو” منطلقاً للحلف اليوم.
في إبريل 1949 تم في واشنطن الاتفاق على نصوص عقد الناتو الذي يتكون من 14 مادة، والذي دخل حيز التنفيذ بعد التصديق النهائي عليه في أغسطس من نفس العالم. وقد ورد في الديباجة الأولى لهذا العقد (أن الدول الأعضاء تؤكد إيمانها بأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، ورغبتها في التعايش في سلام مع باقي شعوب العالم والحفاظ على الحرية والميراث لحضارة شعوبها التي تقوم على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية ودولة القانون، وتطمح إلى تكاتف ورفاهية شعوب منطقة شمال الأطلسي، وهي عازمة على الدفاع المشترك والحفاظ على سلامة وأمن الدول الأعضاء، ولذا قامت بتوقيع عقد الناتو).
وقع العقد كل بلجيكا والدانمرك وفرنسا وبريطانيا وأيسلندا وإيطاليا وكندا ولوكسمبورج وهولندا والنرويج والبرتغال وأميركا، ثم انضمت إليها تركيا واليونان في فبراير 1952، ثم ألمانيا في مايو 1995، وأسبانيا في مايو 1985.
وفي الوقت الذي أكد فيه الناتو على طبيعة الدفاعية حصر أيضاً نشاطه فقط في المحيط الجغرافي للدول الأعضاء، وقد فسرت الناحية الدفاعية بالدفاع عن سلامة الأراضي وصد أي عدوان خارجي. أما رعاية شؤون الدول الأعضاء ومصالحها في خارج المجال الجغرافي فهي ليست من اختصاص الحلف. وقد جرت محاولات من كل من فرنسا وبريطانيا لجعل الحلف أداة في صراعها على المستعمرات، وبالأخص في حرب عام 1956، إلا أن أميركا وبقية الأعضاء لم تمكنها من ذلك، وأصبح مصطلح “Out of Area” – والذي يعني ممارسة الحلف نشاطات سياسية وعسكرية خارج مجاله وليس في حالة الدفاع فحسب، بل أيضاً في حالة تأمين مصالح الدول الأعضاء – موضع بحث متكرر، وقد حاولت أميركا أثناء حرب فيتنام وما بعدها جر الحلف لما لم تسمح به سابقا لفرنسا وبريطانيا، وظلت قضية (خارج المجال) من القضايا الحساسة داخل الحلف، حتى أصبحت قضية الساعة.
لقد وضعت استراتيجيات الناتو المختلفة نصب أعينها الدول الشيوعية كمصدر الخطر الرئيسي الذي تجب مواجهته، وأشهر هذه الاستراتيجيات تلك المسماة Flexible Response والتي تعني (رد الفعل المرن)، وقد حدد تقرير “هارميل” ذلك بوضوح. إذ ورد فيه: (أولاً: لا بد أن يمتلك الحلف القوة العسكرية والتضامن السياسي الكفيلان بردع أي اعتداء وحتى يمكن الدفاع عن سلامة حدود دوله في حالة وقوع اعتداء عليها. ثانياً: لا بد أن يكون من واجباته، البحث عن سبل تطوير العلاقات في أوروبا بكاملها حتى يمكن حل المشاكل السياسية المفتوحة والحفاظ على السلام والأمن، وأن الأمن العسكري لا ينبغي أن يتعارض مع سياسة الوفاق بل عليه أن يتممها).
ومع التحولات الأخيرة لم يعد هناك من دور لهذه الاستراتيجية، ولذا جاء إعلان روما مؤذناً بميلاد استراتيجية جديدة تتناسب مع الواقع السياسي الجديد، ولأول مرة يتم الإعلان عن تفاصيل هذه الاستراتيجية من ناحية سياسية لا من ناحية عسكرية، ونستعرض هنا لمحات موجزة من نصوص وثيقة روما:
[إن الخطر الرئيسي الذي كان لأربعين عاماً سابقة هاجي الناتو قد زال، وحل محله عدد كبير من المخاطر التي يصعب تقديرها. إن الخطر المحدد المعروف قد زال ونشأ مكانه نوع من عدم الثبات الذي لا يمكن تعيينه فهو كامن في كل مناطق الأزمات المحتملة (البلقان – حوض البحر الأبيض المتوسط – الشرق الأوسط). إن كل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لدول وسط وشرق أوروبا، وكذلك الصراعات العرقية والحدودية ستنشئ أزمات من شأنها أن تعرض الاستقرار في أوروبا للخطر]. إن “تحليل المخاطر” الذي ورد في وثيقة روما يتحدث أيضاً عن [صراعات مسلحة بمكن أن تجر إليها الدول الكبرى، وفي مثل هذه الحالة فإن أمن الدول الأعضاء في الحلف سيمس بشكل مباشر. هذا بالإضافة إلى ترسانة الأسلحة التقليدية والنووية لدى الاتحاد السوفياتي المنهار، إذ يكمن الخطر في انتقال هذه الأسلحة إلى دول أخرى خلاصة الأمر أن الناتو لم يعد يواجه عدواً رئيسياً موحداً بل حزمة من المخاطر المتعددة].
وقد أبرزت الوثيقة [أن الناتو عليه أن يحافظ على طبيعته الدفاعية، وأن طبيعة هذه الأزمات سابقة الذكر تقتضي أن يأخذ الحلف طابعاً سياسياً، وأنه لا بد أن تقوم العلاقة في أوروبا بكاملها وشمال الأطلنطي على قيم مشتركة من الديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام الاقتصادي الرأسمالي لذا فإضافة إلى احتفاظ الحلف بمؤسساته وقدراته العسكرية والدفاعية عليه أن يوجد عناصر سياسية مثل الحوار والتعاون مع الدول الأخرى. إنه من الطبيعي أن تستمر القوات العسكرية في امتلاك القدرة على الدفاع عن حدود الحلف، وبالتحديد على خطوط دفاعية متقدمة للغاية. وهكذا يمكن الحفاظ على سلامة أراضي الحلف. وعبارة (جبهات أو خطوط دفاعية متقدمة) لم تعد تعني الحدود السابقة الشرقية لدول الحلف مثل حدود ألمانيا الغربية سابقاً مع ألمانيا الشرقية، بل أصبحت الآن متعددة الاتجاهات، والقوات العسكرية للحلف يجب أن تكون صغيرة ومرنة. إنه سيتم تشكيلها بحيث تستخدم من أجل التدخل في مناطق الأزمات، مع قدرة على التزايد والنمو].
ومن جهة أخرى لم تتمكن كل من أميرا وبريطانيا من إنفاذ اقتراحهما في جعل إمكانيات الناتو اللوجيستية والمعلوماتية وتلك المتعلقة بالبنية التحية تحت تصرف الدول الأعضاء في أعمالها العسكرية خارج منطقة المجال، وذلك بسبب تخوف دول أوروبا أن تستغل أميركا ذلك لمصالحها، ولكن في ذات الوقت أقروا فقرة وردت في وثيقة روما تنص على [دعم الحلفاء بعضهم البعض في تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي من أجل الحفاظ على القانون الدولي وتنفيذ المهام الإنسانية]، مما يترك مجالاً لتسخير إمكانيات الناتو للعمل خارج نطاق المجال حين التقاء المصالح، مثال ذلك ما يكشف عنه النقاب الآن من الترتيبات لمواجهة نهوض الأمة الإسلامية مخفين ذلك تحت شعار ما يسمى “بخطر الأصولية الإسلامية”.
إن الأحداث السياسية التي أعقبت إعلان وثيقة روما، وحتى يومنا هذا لم تؤيد ما ورد فيها ولم تطابق واقع ما تنبأت به من أخطار محتملة بخصوص تطور الأحداث في دول المعسكر الشرقي سابقاً وبدأ يسود في الأوساط السياسية والشعبية نوع من عدم القناعة بجدوى استمرار الحلف، وكان المخرج من ذلك تركيز الأنظار على واقع المشاكل القائمة على الجناح الجنوبي للحلف،ووجدت أميركا الصراع الداخلي بين حكام منطقة الشرق الأوسط وشعوبها فرصة لتصوير هذه القضايا الداخلية البحتة باعتبارها خطراً قائماً يهدد أمن ومصالح دول الحلف. وبما أن حكام المنطقة جميعاً عملاء لهم وراعين لمصالحهم وحاملين لواء الحضارة الغربية كان لا بد من اعتبار الطرف الآخر الذي هو جماهير الأمة الإسلامية مصدر الخطر ومن الطبيعي أن لا تغامر دول الحلف بإعلانها العداء لمثل هذه الأمة العريقة ولذا عكفت على فصل الأمة الإسلامية عن الثلة الواعية المخلصة من أبنائها التي يقع على عاتقها عبء التغيير والنهوض وركزت هجومها على هذه الفئة تارة عن طريق التصفية الجسدية على يد الحكام الذين دفعوا البعض نتيجة لظلمهم وجبروتهم للأعمال المسلحة لتكون مبرراً لأعمال بطشهم ووحشيتهم وإرهابهم لطلائع النهضة، وتارة أخرى بحملات إعلامية ظالمة خبيثة زادها العداء الدفين الذي أورثته الكنيسة لشعوب الحملات الصليبية – ورغم تخلصهم من ميراث الكنيسة وأغلالها ظل هذا الميراث حياً متوقداً يغذيه السياسيون وغالبية المستشرقين – وعماده الكذب والتضليل والافتراء وحجب الحقائق وفي هذا الصدد نقلت صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون في عددها الصادر في 09/02/1995م أن حلف الناتو قرر بدء محادثات مع خمس دول هي مصر المغرب تونس موريتانيا وإسرائيل من أجل وضع استراتيجية موحدة لاحتواء التهديد الأمني من قبل “الأصولية الإسلامية”، وأشارت إلى أنه يسود الخبراء العسكريين للحلف رأي مفاده أن الخطر الرئيسي الذي يواجهه الحلف الآن آتٍ من البحر الأبيض المتوسط متمثلاً في التهديدات الناتجة عن حمامات الدم في الجزائر، وفي الصراعات في جنوب البلقان وكذلك إمكانية امتلاك إرهابيين لسلاح نووي، وأيضاً تزايد موجة الهجرة من الجنوب وقد صرح ويلي كليس سكرتير عام الحلف عقب المؤتمر الأمني الذي عقد في ألمانيا في فبراير 1995م بصورة فجة مبالغ فيها جعلته موضع نقد وسخرية بأن [خطر التطرف الإسلامي هو الخطر والوحيد الجدي الذي يهدد الحلف وأمن الغرب] وقال: [إن الوضع في الشرق الأوسط وفي جنوب الاتحاد السوفيتي سابقاً من الخطورة بدرجة تملي علينا بذل جهود مضاعفة للتعاون مع الدول المحيطة بالبحر المتوسط] وكان يلي قد صرح في نفس الشهر لصحيفة تايجد البلغارية بقوله: [إن الجناح الجنوبي للحلف هو أكبر مشكلة للناتو، وأنني لا أقول أن دورنا أو وقتنا قد مضى، ولكن علينا أن لا نفقد زمناً آخر بعد الآن] وكل من يراقب الحلف يدرك أنه أكبر تكتل عسكري تنفق عليه مئات المليارات من الدولارات ويمتلك أحدث ترسانة عسكرية عرفها التاريخ فهل من المعقول أن يهدده بضعة مجموعات تمتلك على أقصى تقدير أسلحة فردية بدائية وتبعد عن دوله مئات إن لم تكن آلاف الأميال. وأما المقيمون من المسلمين في أوروبا وأميركا فإنه لم يثبت حتى الآن قيامهم بأي عمل مسلح ولو فرضنا جدلاً وجود مثل هذا للأمر فالجميع يدركون أن قوى الأمن الداخلي كفيلة بمواجهة ذلك ولا تحتاج المسألة لتدخل أكبر حلف عسكري.
أيها المسلمون: إن واقع ما يراد من محاولات حلف الناتو إيجاد اتفاقيات مع دول المنطقة وما يقوم به من تصوير الإسلام والمسلمين كخطرة ماحق على الغرب يمكن إدراكه منن خلال الحقائق التالية:
1- إن الحكام في الدويلات القائمة في العالم الإسلامي قد أذاقوا الأمة الخزي والعار بسبب استخذائهم وتآمرهم مع أعداء الإسلام والمسلمين، واستسلامهم المخزي أمام يهود، وإهمالهم في رعاية شؤون أمتهم حتى ضاقت الدنيا بما رحبت على الناس، وأصبحت التبعية والتخلف سمة هذه الأمة رغم أنها تمتلك أرقى حضارة، وأعظم عقيدة، وأضخم الطاقات المادية والبشرية، وما لديها لا يتوفر لأمة من الأمم.
2- إنه نتيجة لإدراك الأمة للواقع المخزي الذي وصلت إليه، وبناء على الهزائم المنكرة التي منيت بها الأمة الإسلامية في العقود الأخيرة، وعلى يد الخونة والمأجورين، استيقظت فيها أحاسيس النهضة وتوهجت في أوساطها شعلة الفكر المستنير، فبدأت الطاقة الكامنة في الأمة والمنبثقة من عقيدتها تدفعها بعزم وثبات نحو التغيير الانقلابي الشامل في أرجاء العالم الإسلامي بكامله.
3- يمثل هذا التوجه والتحرك للتغيير لدى الأمة والذي تقوده الحركة الإسلامية الأمل الوحيد للوقوف في وجه السيطرة السياسية والاقتصادية والحضارية التي تمارسها أميركا والدول الكبرى على البلاد الإسلامية.
4- رغم أن الدول الكبرى لا سيما الأميركان والإنجليز والفرنسيين والروس يهرعون دائماً إلى مساعدة عملائهم من الفئات الحاكمة ومن الرجعيين والظلاميين ومن المروجين لسياستهم وقيادتهم الفكرية، من أجل وقف الحركة الإسلامية، والقضاء على سعيها للتغيير الانقلابي الشامل، إلا أنهم يدركون أن لا سبيل إلى ذلك، وأن الأنظمة التي أقاموها لا بد أن تزول بعد أن ظهر عوارها وعفنها وعجزها المهين، فالمسألة مسألة وقت ليس غير، ولذا فإنهم يعدون أنفسهم منذ الآن للعدوان العسكري على أهل المنطقة حين يأذن المولى تبارك وتعالى بالتغيير ويمن على عباده بالنصر، فتتساقط حينها أكياس الرمل التي يحتمي بها الكفار، والتي تتمثل في الحكام والمنافقين والمفكرين المضبوعين بالثقافة الأجنبية والظلاميين الذين ألفوا العيش في ظلام الأنظمة الوضعية العلمانية وارتبطت مصالحهم بالأجنبي الكافر. حينئذ ستكون المواجهة العسكرية قاسية بين الإسلام الخالص ممثلاً في الأمة الإسلامية وبين الدول الكبرى الكافرة الطامعة في دوام فرض السيطرة والهيمنة على المسلمين ومقدراتهم، والهادفة إلى عدم تمكين المسلمين من العودة كأمة واحدة في دولة واحدة بحاكم واحد وراية واحدة، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
5- في هذا الإطار وبهذا الإدراك الصحيح للواقع يجب أن ننظر إلى أي تحالفات أمنية، أو مباحثات مع أحلاف عسكرية – كالمباحثات الجارية الآن بين الناتو ودول شمال أفريقيا – ومثل ذلك التدريبات المشتركة والتسهيلات والقواعد العسكرية، والتي تعتبر عوناً لأعداء الإسلام في إعدادهم لحرب المسلمين.
6- إن ما تقوم به الأحلاف العسكرية على أرش المسلمين من تدريبات عسكرية وما تعقده من اتفاقيات أمنية وعسكرية كتأجير القواعد والمطارات والموانئ يكسبها خبرة عملية ذات أهمية بالغة تنعكس نتائجها على أرواح ودماء وحرمات المسلمين، ويجعل لدول الكفر سلطاناً على أرض الإسلام مما يؤدي إلى انتقاص سيادة الدولة على أراضيها، وذلك لا يجوز شرعاً لأنه يجعل للكافرين سبيلاً أي سلطاناً على المسلمين، وهذا ما تحرمه الآية الكريمة: ]وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[، وسيادة الدولة هي قدرتها على أن تتصرف بكامل إرادتها واختيارها استناداً إلى سلطانها الخاص وحده في كافة شؤونها الداخلية والخارجية، وكل نقص في هذه السيادة يؤثر على وجود الدولة بوصفها دولة، مما يستوجب الحرب لحفظ هذه السيادة وحمايتها، ولذا كانت السيادة بالنسبة للدولة أهم المسائل السياسية وأعلاها. وتقديراً لذلك الواقع وجدنا فقهاء المسلمين قديماً وحديثاً يشترطون أن يكون أمان دار الإسلام بأمان المسلمين، أي جعل سيادة الدولة بقوة أبنائها وحمايتهم داخلياً وخارجياً.
أيها المسلمون: إن السكوت على هذا المنكر فيه دمار البلاد وهلاك العباد وذل الأسياد. إن فيه الخزي والعار والخسران والبوار، فهل نأخذ على أيدي حكامنا لمنعنهم من تسليم رقابنا لأعدائنا، أم ننتظر حتى نراهم يذبحون أبنائنا ويستحيون نسائنا ويستبيحون أعراضها وأموالنا أمام أعيننا، فما نملك إلا أن نقول حينها تأسفاً على عدم الإنكار، هل لها من تلاف؟ أم هل لذُنَابَاها من مطلب؟!.
1995-03-31