بقلم: إبراهيم ياسين آل إبراهيم
مما لا شك فيه أن سقوط الاتحاد السوفيتي وضع ضغوطاً وقيوداً على دور الولايات المتحدة العالمي، بينما حرر دولاً أخرى من ضغوط وقيود كانت بعيد الحرب العالمية الثانية تتصدر مركز القوة في العالم، ولم يكن لها في البداية منافس خاصة وأن بريطانيا وفرنسا كانتا منهكتين بسبب الحرب والاتحاد السوفيتي لم يكن أحسن حالاً، وعمل الاتحاد السوفيتي سنوات طويلة حتى أخذ ينافس الولايات المتحدة – هذا إذا كان نافسها حقاً.
لذلك لم يكن الموقف الدولي كما يتوهم الكثير يتجسد في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فلما سقط هذا الأخير انفردت الولايات المتحدة في الموقف، بل المدقق يرى أنه إذا أخذت قوة الولايات المتحدة اليوم بالنسبة لقوتها 1945، في إذا نسبت قوتها إلى قوة غيرها من الدول الكبرى في الحالتين، نجد أن الولايات المتحدة اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه 1945، إذ أن السنوات التي عقبت الحرب العالمية الثانية هي التي بلغت فيها قمة التفوق والقوة لذلك يمكن القول إن أميركا حالياً – مهما قامت به من أعمال سياسية – لا يمكن لها الانفراد في الشؤون الدولية.
والأدلة على تدحرج أميركا من مكانتها كثيرة أهمها الاتجاهات السياسية الجديدة التي تتمثل في الانعزالية وحماية التجارة، وعدم القيام بأعمال سياسية إلا بأخذ موافقة الهيئات الدولية وإشراك الهيئات الأخرى. فالمسألة لم تعد تتعلق بأفكار يحملها أفراد في أميركا، بل الجو العام لهذه الأفكار داخل المجتمع والنقاش المثار بصددها والقيام بأعمال سياسية من قبل الإدارة الأميركية مطابقة لهذه الأفكار، فالوسط السياسي يشير إلى أن هناك خلافات سياسية في وجهات النظر التي إن دلت على شيء إنما تدل على أن مركز أميركا، بل الوهن الذي أصاب أميركا أوجد نقاشاً سياسياً ليس لدى المفكرين فحسب بل عند ا لسياسيين.
ولقد لفت انتباهي مقالة نشرتها المجلة الأميركية “السياسة الخارجية” Foreign Policy في عددها لربيع سنة 1995 تحت عنوان (تشكيل مستقبل أميركا) والكاتب هو بوب دول، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب. وأهمية هذه المقالة تكمن في كونها لسياسي تتوقع الأوساط السياسية أن يكون هو المرشح النهائي للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية سنة 1996 من جهة، وفي كونها تحمل في طياتها اعترافاً ضميناً لانحدار السياسة الأميركية عن مستواها من جهة أخرى. كما تمكن هذه المقالة من الاطلاع على الفكر السياسي لهذا الرجل وكيف يرى دور أميركا في المستقبل.
يستهل دول مقالته بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة نجحت في قيادة العالم بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة مؤسسات دولية مثل هيئة الأمم وصندوق النقد ا لدولي والبنك الدولي ومشروع مارشال ومبدأ ترومن والحلف الأطلسي، مما مكن أميركا من الوقوف في وجه التوسع السوفيتي وتشييد علاقات قوية مع دول أوروبا الغربية وبفضل هذه المكانة تمكنت أميركا – بمساعدة حلفائها – من القضاء على الشيوعية والانتصار في الحرب الباردة ويؤكد الكاتب على أن هذا الانتصار الساحق وإن كان يؤهل الولايات المتحدة في التركيز على سياسة الانتقاء والأولويات في مصالحها وتواجدها على المسرح الدولي إلا أن ذلك لا يعني أن على أميركا أن تنسحب من العالم.
ويعترف دول بأن أميركا قد أصابها الإرهاق الذي هو في نظره طبيعي بعد مدة طويلة من الجهود والتصدي للأخطار خاصة الخطر الشيوعي، إلا أنه يرى أن هذا الإرهاق يجب ألا يكون داعياً لإعلان إفلاس السياسة الأميركية والتخلي عن المكاسب التي حققت خلال 40 سنة.
وبعد هذه المقدمة ينتقل دول إلى مهاجمة المدارس الفكرية “الانهزامية” التي تمخضت عن انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي:
1- مدرسة الرفض التي ترى أنه على أميركا الانسحاب من العالم لأن المقومات والمصادر غير كافية لقيام أميركا بقيادة العالم.
2- مدرسة التعددية التي ترى أنه على الولايات المتحدة العمل من خلال المنظمات الدولية إذ أن أميركا في رأي أتباع هذه المدرسة لا تملك السلطتين القانونية والأخلاقية للقيام بدورها إلا بعد أخذ موافقة من المنظمات والهيئات الدولية التي أنشئت من أجل ذلك.
3- المدرسة الوقائية (الحماية التجارية) وأنصارها يرون أنه على أميركا التركيز على التغلغل في الأسواق العالمية وقطع الطريق أمام الدول الأخرى للتسلل إلى الأسواق الأميركية.
4- المدرسة الانعزالية التي تطالب عدم التدخل في شؤون العالم بتاتاً، وتضم يساريين ويمينيين، أما اليساريون فيرون أن تواجد أميركا في العالم يخرب الدول، ويرى اليمينيون أن احتكاك أميركا بالعالم يخرب تراث الولايات المتحدة. مما زاد من حماس هؤلاء هو سقوط الشيوعية حيث أصبح العالم في مأمن من خطر داهم وأصبحت مصالح أميركا غير مهددة.
ويرى دول في عرضه لهذه المدارس كون البعض منها أصبح يؤثر في قرار الإدارة الأميركية خاصة مدرسة الرفض ومدرسة التعددية، ويشير بأصبع الاتهام إلى سياسيين داخل الإدارة الأميركية. ففي أيار 1993 ظهر ما أطلق عليه “مبدأ تارنوف” TARNOFF وذلك عندما قام ا لنائب الثاني المكلف بالشؤون السياسية في وزارة الخارجية بيتر تارنوف بالدفاع عن سياسة الرفض والتقلص حيث قال بأن الولايات المتحدة تنقصها الإمكانيات وعدم الرغبة في القيادة. وبعده جاء مبدأ “هالبرين” في صيف 1993 حيث قام عضو في مجلس الأمن القومي وهو مورتن هالبرين بوضع تقرير يطالب فيه أميركا أن ترجع في كل أعمالها السياسية والعسكرية إلى الهيئات الدولية لأخذ الموافقة منها قبل الإقدام عليها.
ويرد دول على كل أتباع هذه المدارس بقوله إن هؤلاء جميعهم يجهلون أو يتجاهلون القوة الحقيقية للولايات المتحدة، لأن أميركا وإن كان عليها أن تقوي طاقاتها داخلياً حتى تكون قوة خارجياً، لكن لأميركا القدرة على تحقيق الأمرين في آن واحد شرط استخدام الطاقات بكفاءة واتخاذ قرارات صحيحة.
وأما الوقاية والحماية الاقتصادية فيرها فكرة خاطئة لأن التجارة الأميركية – في تصوره – لا تحتاج إلى حماية وإنما إلى منافسة، خاصة وأن التاريخ برهن على أن التجارة الحرة هي التي جعلت الاقتصاد الأميركي يزدهر وفيها يتعلق بالعزلة والانعزاليين فيرى في دعوتهم وفكرتهم خطراً كبيراً على أمن ومستقبل الولايات المتحدة، فاعتزال الولايات المتحدة للعالم سوف يجعل الأخطار تستفحل في المستقبل، فبقاء أميركا على الحلبة الدولية وبقوة هو وحده الكفيل بحماية المصالح الحيوية وليس الاعتماد على المنظمات الدولية أو الدول الأخرى.
وبعد ذلك ينتقل دول في حديثه إلى التعرض للمحاولات التي قام بها الرئيسان بوش وكلينتون لإعادة بناء سياسة خارجية بعد انتهاء الحرب الباردة، وتتخلص فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد وسياسة الوقاية المشتركة والتوسيع، ويصف الفكرتين بأنهما “فشل في التصور”، حيث أن النظام العالمي الجديد سرعان ما تحول إلى فوضى عالمية جديدة، والتي عوض أن يعمل بدلها على تقوية التعاون المشترك بين الأمم ودفع المنظمات الدولية قدماً، مهدت الطريق للعنف الطائفي والديني والعرقي بالإضافة إلى الحروب الأهلية وانتشار الأسلحة المدمرة.
ويرى أن بوش أخطأ في تصوره نتيجة سير الحلفاء معه في حرب الخليج ضد العراق والتزام الاتحاد السوفيتي الحياد، إلا أن الوضع الدولي تغير بعد ظهور روسيا كقوة إقليمية. وبالرغم من هذا كله فإن إدارتي بوش وريغان رسمتا سياسية خارجية قوية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الولايات المتحدة:
1- تحرير الملايين في أوروبا الوسطى والشرقية.
2- إنهاء الحرب الباردة بعد 40 سنة.
3- إيجاد 15 دولة بعد الاتحاد ا لسوفيتي.
4- تحجيم خطر روسيا.
5- هزيمة العراق في ا لخليج.
6- محادثات السلام في الشرق الأوسط.
7- تشجيع الحكومات الديمقراطية.
8- اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك.
9- التحضيرات لمفاوضات الغات.
10- منظمة أبك التجارية لأميركا وآسيا ودول ا لمحيط الهادي.
أما سياسة كلينتون فيرى أ،ها غيرت الكثير وأصبحت معالمها تتصف:
1- بعدم الاتزان.
2- بعدم التناسق.
3- بغياب الهدف.
4- بالتردد في القيادة.
ومما زاد الطين بلة أن تقوم الإدارة بالمخاطرة بأرواح الأميركيين في أماكن لا تمثل المصالح الحيوية للولايات المتحدة ولا بأي وجه من الوجوه، فسياسة إشراك المنظمات الدولية ليست فاشلة في تنفيذها فحسب بل وفي هيكلها، خاصة وأنه بإتباع هذه السياسة أساء كلينتون إعطاء المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية حقها بل وأهمل الكثير منها. وأهم هذه المبادئ:
1- الحيلولة دون تفرد دولة واحدة بالسيطرة على أوروبا.
2- الحفاظ على توازن القوى في روسيا.
3- مساندة الاستقرار والأمن في الغرب.
4- المحافظة على مدخل للموارد الطبيعية خاصة الطاقة في الخليج.
5- تقوية التجارة الحرة وإيجاد إمكانيات واسعة لدخول أميركا للأسواق العالمية.
6- حماية الأميركيين والممتلكات الأميركية في الخارج والمحافظة على هذه المبادئ لا يتأتى إلا بإبقاء الولايات المتحدة في الحلبة الدولية خاصة وأن العديد من الدول والتنظيمات المعادية لمصالح أميركا تنتظر بشغف انسحاب أميركا.
وبالإضافة إلى المبادئ المذكورة يرى دول أن لأميركا أهدافاً سامية حافظت عليها وساندتها خلال تاريخها وهي: 1-الحرية والديمقراطية. 2- هيمنة القانون. 3- احترام حقوق الإنسان. 4- الرد والقضاء على كل أنواع الاعتداءات.
وخلاصة الأمر أن قوة السياسة الأميركية تكمن في مزجها بين حماية المصالح الأميركية ونشر المثل العليا لها.
لأمريكا وحدها حق القيادة:
يقول دول في مقالته أن لأميركا وحدها حق قيادة العالم لأننا القوة العالمية الوحيدة. فمهما بلغت الصين أو روسيا أو اليابان من قوة بل وخطر بعضها على أميركا، إلا أنها لا تتعدى صيرورتها قوى إقليمية. فأميركا وأميركا فقط تملك قدرة قيادة العالم سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً. وهذه القيادة في نظره لا تتمثل في طرح الولايات المتحدة لمسائل حتى تصبح موضوع حديث ونقاش في الوسط الدولي، بل تعني طرحها لاقتراحات وتوصلها إلى حلول وتنفيذ هذه الحلول، كما فعل بوش أثناء غزو العراق للكويت، وليس كما يتصرف كلينتون تجاه البوسنة. فالقيادة في تعريفه أن تقول أميركا ما تريد وتعني ما تقول وتبقى وفيه لذلك حتى لو أدى الأمر إلى استخدام القوة العسكرية عند الضرورة.
وينظر دول إلى المنظمات الدولية نظرة ازدرائية حيث يقول إن المنظمات الدولية على مختلف أثوابها السياسية منها والاقتصادية لن تحمي المصالح الأميركية ولا تؤدي إلا إلى اتخاذ أدنى القرارات السياسية لإرضاء الجميع. وهذا عكس المبادئ الأميركية، فوقوف هذه الهيئات إلى جانب الولايات المتحدة يتطلب من أميركا أن تتنازل عن أشياء لن تكون في صالحها على المدى البعيد فأميركا أمام خيارين: إما أن تلتزم وترضخ لقرارات هذه المنظمات الدولية أو تقوم بتسخيرها في أعمال للمحافظة على المصالح الحيوية الأميركية كما فعل في حرب الخليج الثانية. فتقلص فعالية السياسة الخارجية الأميركية بجعلها رهن قرارات المنظمات يجعل السيادة الأميركية تحت تصرف الغير من جهة، ويشجع الانعزاليين داخلياً والخصوم في الخارج من جهة أخرى.
لذلك نجده يقول أن على الولايات المتحدة أن تنظر إلى نفسها قبل الالتفات لمنظمة الأمم المتحدة، بل ويجب العمل على المحافظة على حلفاء ما قبل نهاية الحرب الباردة والحلفاء الجدد.
أما إدارة كلينتون – في نظره – فلم تعطي هذه الأولويات حقها، وراحت تهتم بأمور جانبية وهامشية مثل مسائل البيئة وتزايد عدد السكان في أفريقيا وآسيا كما تتدخل في مشاكل على هامش المصالح الحيوية مثل ما حدث في الصومال ورواندا. كذلك بالنسبة لصرف الأموال، فإن ما تقوم به إدارة كلينتون من صرف البلايين على دول هامشية مثل هايتي يضر المصالح الأميركية ويسقط من هيبتها في الخارج، فالواجب هو دفع هذه الأموال وصرفها وجعلها أداة في يد السياسة… الأساسية لترسيخ الأمن الأميركي. وخلاصة الأمر أن إدارة كلينتون في نطره عاجزة عن استيعاب العلاقة الأساسية بين الديبلوماسية والقوة، إذ أن الديبلوماسية تكون فارغة إذا ما لزمتها القوة، والقوة دون ديبلوماسية تؤازرها تكون ضرباً من اللا مبالاة واللا مسؤولية.
فالذي حدث في الصومال وفي هاتتي هو قوة دون ديبلوماسية، أما مسألة البوسنة فهي ديبلوماسية دون قولة، وهذا الاضطرابات في التوجه السياسي يجعل الدولة ترضخ تدريجياً لضغوط المعتدي، وكلينتون بعمله هذا يكون قد خان مبدأ منرو لسنة 1823 الذي استبدله بمبدأ هاليركين 1993 إذ أصبحت لذلك الإدارة الأميركية لا تجعل الثقة المطلقة في قوتها العسكرية بل تعتمد بالدرجة الأولى على موافقات الهيئات مثل الأمم المتحدة.
كما يدو دول في مقالته إلى إعادة بناء القوة العسكرية مع اعترافه أن حجم القوة الأميركية الذي كان سنة 1985 لم يعد ضرورياً سنة 1995 بسبب اختفاء الأخطار الأساسية، غير أنه يعارض سياسة كلينتون لما تقوم به من خصم في الميزانية العسكرية التي ربما زادت عن 200 بليوناً حتى سنة 1998، ويشير إلى الوضع الاجتماعي المتردي لأفراد القوات ا لمسلحة حيث يضطر الكثير إلى ممارسة وظيفة ثانية بجانب جنديته، أو يتقاضى من الدولة أوراق المؤونة لتسديد حاجاته وحاجات عائلته. لذلك يطالب بمراجعة الاستعدادات العسكرية على المدى القريب والبعيد، ومدى قدرة الجيش الأميركي على تحقيق انتصار في أي حرب يدخلها حالياً أو في المستقبل. فأخطار المستقبل – كما يقول – ستكون في أماكن وتحت ظروف لا يمكن التنبؤ بها، مما يفرض على أميركا أن توفر لنفسها قوة رد سريعة لا تحتاج إلى نقل عتاد أو إيجاد قوات دائمة في أماكن مختلفة من العالم، فالذي يجب على أميركا هو الوصول إلى مكان الحادث في أسرع وقت وعن طريق أنظمة تكنولوجية مكثفة وقوية تمكنها من السيطرة على الوضع في أقرب الآجال. ولتحقيق ذلك فإن الحاجة ماسة إلى إيجاد أرضية وأسس صناعية إلى جانب برامج أبحاث واختراعات قد تكلف أثماناً باهظة. وهذه الأسلحة المتطورة ووسائل الدفاع المكثفة هي التي تضمن لأميركا وقواتها حماية لا تعادلها أي حماية سابقة. أما في حالة عدم توفر هذه الأموال من أجل تطوير هذه الصناعات وتحقيق هذه السياسة الحربية فإن أميركا ستستمر في الاعتماد على ورثتها العسكرية من الحرب الباردة. وهذه القوة ليست هي قوة المستقبل على كل حال. فأميركا يجب عليها الاعتماد على إمكانياتها وقدراتها الذاتية وليس على أحلاف ومنظمات تتكفل بالحفاظ على الأمن القومي، وعلى الولايات المتحدة الابتعاد على وجه الخصوص عن إشعال وزج نفسها في المشاكل الهامشية وإرسال جيوشها إلى المناطق التي لا أهمية لها على سلم المصالح الأميركية، فالتضحية بأبناء الولايات المتحدة يجب أن تكون لخدمة المصالح الحيوية الأميركية لا غير.
ثم بعد ذلك ينتقل دول إلى تقييم الوضع الدولي بعد نهاية الحرب الباردة فيرى أن التغيرات التي طرأت تلزم أميركا بمراجعة النظرات التقليدية في سياستها الخارجية حتى تغربلها فتحتفظ ببعضها وتتخلص من البعض الآخر، فيرى مثلاً أن المساعدات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة لدول حليفة أو صديقة يجب أن تبقى بنفس الحجم وفي إطار نفس البرامج، لأنها تثبت للعالم نية وتصميم الولايات المتحدة في البقاء على الحلبة من جهة وتخدم المصالح الأميركية.
كما يرى أن عالم سنة 1995 عالم محدق بالأخطار، وهناك أخطار أخرى على الطريق مع بداية القرن الحادي والعشرين، والتي يلخصها فيما يلي:
1- ظهور روسيا كقوة إقليمية تريد أن تملأ الفراغ في أوروبا الوسطى والدول المجاورة.
2- تهديدات من العراق لآبار البترول في السعودية والخليج.
3- رغبة إيران في السيطرة على كل الخليج.
4- انتشار السلاح النووي في كوريا وإيران وليبيا والذي ربما هدد جيران هذه الدول.
5- الأصولية الإسلامية التي اكتسحت شمالي أفريقيا وربما أثرت على مساعي السلاح في الشرق الأوسط.
6- خطر حرب رابعة بين الباكستان والهند ربما استخدمت فيها الأسلحة النووية.
7- التنافس الاقتصادي بين الصين واليابان.
8- الإرهاب والتطرف الديني وشبكات المخدرات والإجرام في مناطق النفوذ الأميركي.
9- خطر حدوث زعزعة في الاستقرار السياسي داخل مصر واندونيسيا والباكستان والمكسيك.
ويرى إمكانية سيطرة أميركا على هذه التحديات عن طريق ترسيخ سلام عادل ودائم بعد الحرب الباردة.
وفي الأخير يختتم دول مقالته بالتأكيد على أن سياسة الولايات المتحدة وهي داخلة في القرن الواحد والعشرين يجب أن يصحبها مبدآن أساسيان:
1- حماية المصالح الأميركية.
2- العمل على قيادة الولايات المتحدة للعالم.
فنهاية الحرب الباردة أعطت حسب رأيه فرصة تاريخية لا تعوض للولايات المتحدة لقيادة العالم، ويجب ألا تقع هذه الفرصة فريسة سياسية خالية ترتكز على إشراك الغير في صنع القرار أو على الأفكار الانعزالية، لأن في هذه وتلك خطر على المصالح الأميركية ومكانتها وتأثيرها بل وعلى مستقبلها.