افتتاحية العدد: هذا أو .. أندلس رابعة
1995/08/31م
المقالات, كلمات الأعداد
2,175 زيارة
أغار الكفار الصربيون على البوسنة والهرسك يوم أغار الكفار الإسبان على الأندلس، ويوم أغار الكفار اليهود على فلسطين، فضاعت فلسطين يوم ضاعت الأندلس ، وضاعت البوسنة يوم ضاعت الأندلس وفلسطين .. أو على حد القول السائد ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض) .
هذه حقيقة على المسلمين اليوم أن يدركوها ويعلموها ، إذا كانوا لم يدركوها من قبل ولم يعلموها لتكون الدافع لهم كي يفيقوا من غفلتهم التي طال مداها، وكي يصحوا من سباتهم العميق الذي استبد بهم حتى بات هذا السبات يملهم ويمجهم، وحتى لا يفتحوا عيونهم بعد أمد وإذا بكوهين ورابين وبيريز سدنة للحرمين الشريفين في أم القرى ويثرب مهد الإسلام وموئله.
وهناك حقائق أخرى على المسلمين أن يعلموها ويدركوها أيضا، إذا لم يكونوا قد أدركوها من قبل ولم يعلموها، منها أن الأندلس أرض إسلامية قد فرطوا بها وأضاعوها، والبلقان أرض إسلامية قد فرطوا بها وأضاعوها، وفلسطين أرض إسلامية قد فرطوا بها وأضاعوها لا لشيء إلا لتقاعسهم وتخاذلهم وتخلفهم عن الجهاد وقعودهم عن طرق أبواب العز والمجد، ناهيك عن طرق أبواب الجنة، فكل أرض حكمت بالإسلام هي أرض الإسلام والمسلمين، وحمايتها والدفاع عنها فرض عين على كل مسلم ومسلمة إذا ما داهمها الكفار أو هاجموها واحتلوها، ولا يسقط هذا الفرض عن المسلمين حتى يطرد الكفار منها وتسترد الأرض إلى حظيرة الإسلام. ( ياأيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ).
ومن هذه الحقائق التي بات على المسلمين اليوم أن يدركوها ويعلموها أن الدول كلها عدو للإسلام والمسلمين وأشدها عداء الدول الكبرى التي خططت في الماضي لهدم دولة الإسلام وخططت للحيلولة دون رجوعها ، وتخطط لوأدها في المهد إذا قامت ، لأن هذه الدول تدرك مدى خطورة الإسلام إذا كانت هناك دولة تحمله إلى العالم وتطبقه في الأرض.
وكان من مخططات الدول الكبرى لهدم الخلافة الإسلامية سلخ البلقان عنها فعملت هذه الدول الكبرى وعلى رأسها رأس الكفر بريطانيا على بعث الحركات القومية في شعوب البلقان أثناء القرن الماضي واستطاعت عن طريق هذه الحركات أن تهيض الجناح الغربي لدولة الخلافة في استانبول، ثم تقيأت هذه الدول القومية على المسلمين في عقر دارهم لتمزيق وحدتهم بالعودة إلى دعوى الجاهلية والمناداة بالقومية كالعربية القحطانية والتركية الطورانية، وما هي إلا جولة قصيرة حتى وقعت الحرب العالمية الأولى التي أقحمت فيها دولة الخلافة إقحاما للقضاء عليها وهي لا ناقة لها فيها ولا جملا. فانهزمت الدولة العثمانية في هذه الحرب نتيجة لتعاون أبنائها من الترك والعرب مع الكفار لهدمها بالثورة العربية الكبرى التي قادها الكافر الإنجليزي لورنس، وبحركة الكماليين من جماعة الاتحاد والترقي التي قادها عميل بريطانيا الكافر مصطفى كمال الذي عمل في الداخل إثر انتصاراته المصطنعة التي دبرها له أسياده الإنجليز على اليونان، على هدم الخلافة وإلغائها من حياة المسلمين عام 1924، فتمزقت أوصال البلاد نهبا وتقطيعا بين الدول الكبرى الكافرة ولا سيما بريطانيا وفرنسا وقامت في بلاد العرب دويلات هزيلة مرتبطة بالغرب الكافر ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، أطلقوا عليها الدول العربية كما قامت في بلاد الأناضول دولة أطلقوا عليها الجمهورية التركية حيث فصل الدين عن الحياة وطبقت أنظمة الكفر وقوانينه، وحصل التشرذم والضياع اللذان ما زال المسلمون يعانون منهما، فضلا عن التخلف والتبعية في كل أطارهم دونما أي استثناء، فأضحوا كالغنم التي فقدت راعيها تتناوشهم الذئاب من كل مكان، وأضحى حالهم كما قال أمير الشعراء شوقي رحمه الله في رثاء الخلافة :
فلتشهدن بكل أرض فتنة*** فيها يباع الدين بيع سماح
ولتسمعن بكل ناد داعيا *** يدعو إلى الكذاب أو لسجاح
إن عدم إدراك المسلمين لهذه الحقيقة التاريخية في حياتهم فضلا عن عدم إدراكهم للحقائق الأخرى هو الذي جعل الدول الكبرى في الشرق وفي الغرب تتجرأ عليهم، لا بل وتستهين بهم، فتعمل على ضربهم وتشريدهم ومن ثم إبادتهم ، ولا سيما في الجناح الجنوبي الغربي لحلف الأطلسي في شبه جزيرة البلقان، حيث يشكل مسلمو البوسنة والهرسك جيبا خطيرا للإسلام في المستقبل إذا ما قامت دولة الخلافة – وهي قائمة بإذن الله – فتركت الدول الكبرى ولا سيما بريطانيا الكفار الصربيين ينفردون بمسلمي البوسنة والهرسك إثر انهيار يوغوسلافيا ومحاولة المسلمين هناك إقامة دولة لهم، فتدخلت أمريكا باسم الأمم المتحدة وفرضت حظر السلاح على المسلمين، وأنزلت قوات الأمم المتحدة في مناطق مختلفة من البوسنة أطلقوا عليها مناطق الحماية، وقامت هذه القوات بتجريدها من السلاح بأخذ الأسلحة من المسلمين بحجة الحفاظ على السلام، وركن المسلمون إلى الأمم المتحدة فمستهم النار ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) بعد أن خذلهم حكام العالم الإسلامي، واكتفوا بالدعم والتأييد القولي، وبتقديم معونات عينية ومالية لا تسمن ولا تغني من جوع، لا لشيء إلا لأنهم عبيد للغرب ونواطير له، مسلوبو الإرادة متبلدو الذهن، انخرطوا في لعبة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي تبجح به الرئيس الأمريكي بوش إثر انهزام الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج، فراحوا يتحدثون عن السلام العالمي والأمن والاستقرار والانضباط بما يسمى بالشرعية الدولية أو القانون الدولي، بتطبيق قرارات الأمم المتحدة والانصياع لها بتطبيقها على أنفسهم وعلى أبناء أمتهم مع أنهم يسمعون ويشاهدون يوميا كيف تجرأت حفنة من الصرب على تمريغ أنف هذه الهيئة الدولية بالرغام. ليس بمجرد عدم الانصياع لقراراتها بل وباحتجاز جنودها وأخذ أسلحتهم لا بل وبضربهم. وتأتي بعد ذلك ، بعد تقتيل المسلمين في البوسنة وتشريد نسائهم وأطفالهم على مسمع من الأمم المتحدة وحلف الأطلسي ومرأى منهما ، مهزلة المهازل أو ما يمكن أن نسميه بالمضحك المبكي.. إذ تناقلت الأنباء أن عاهل الأردن الشريف الهاشمي قد افتتح حملة تبرعات بالاشتراك مع أخيه رابين بسبعين ألف دولار من جيبه الخاص وبثلاثة آلاف من جيب رابين ، وأن الأردن وإسرائيل يخططان لعملية إغاثة مشتركة للبوسنة، وأن رابين أبلغ الملك حسين أثناء تنسيقهما لهذا الجهد الإسرائيلي الأردني المشترك أنه يشاركه في إدانة أي نوع من هذه الفظائع التي يرتكبها الصرب ضد مسلمين البوسنة.
وكان العاهل الأردني قد أعلن في برنامج تلفزيوني لإغاثة البوسنة أنه مستعد للانضمام إلى أبناء بلده في قوات حفظ السلام في البوسنة إذا ما تحرك العالم لوقف مجازر المسلمين هناك.
يا لسخرية الأقدار أيها الملك الهاشمي! إنك مستعد للانضمام شخصيا إلى قوات الأمم المتحدة لوقف مجازر المسلمين في البوسنة.. ويكأنك لم تقرأ في التاريخ كيف كان رد فعل المعتصم الخليفة العباسي على لطم جندي روماني لامرأة مسلمة صاحت ” وامعتصماه” .. بأن قاد الجيش بنفسه إلى بلاد الروم وأحرق عمورية ودمرها بعد أن قتل تسعين ألفا من علوج الروم ثأرا للطمة تلقتها إحدى المسلمات من علج من علوجهم.
هؤلاء هم حكامكم أيها المسلمون يتبرعون مع إخوانهم اليهود من جيوبهم الخاصة لإنقاذ المسلمين في البوسنة… هؤلاء هم حكامكم أيها المسلمون، وهنا تأتي حقيقة أخرى من الحقائق التي لم تدركوها بعد ولم تعوا عليها، وهي :
أن هؤلاء العملاء الذين مرقوا من الذين كما يمرق السهم من الرمية أبوا إلا اصطناع الغرب الكافر، والسير في ركابه إمعانا في إذلالكم وحفاظا على الأوضاع السيئة التي أوجدها الغرب الكافر في بلاد الإسلام.. أيظن هؤلاء أنهم بدجلهم هذا ومراءاتهم يخدعون المسلمين ليطول أمد بقائهم في الحكم متسلطين على دمائهم وأموالهم وأعراضهم..!
أيظن هؤلاء الحكام أنهم ببرامجهم التلفزيونية وبصحافتهم المنمقة وبمهرجانات الفسق والفجور وببطولات الكؤوس الرياضية قد بلغوا ذرى المجد ودخلوا في عداد الدول..، أيظن هؤلاء السجانون أنهم بزمر المرتزقة من المستشارين والكتاب ووعاظ السلاطين يضحكون على الناس ويسترون عوراتهم وأنهم قد بات في مقدورهم قلب الحقائق ليصبح المنهزم منتصرا والظالم عادلا والفاشل راشدا والكافر منهم مؤمنا…
إنهم مستعدون لتسيير الجيوش لقتال المسلمين في العراق وفي غير العراق، بدل أن يقودوها لقتال اليهود في فلسطين والصرب في البوسنة والروس في القفقاس… إنهم مستعدون للإغارة بطائراتهم على أطفالكم ونسائكم في جبال كردستان بدل أن يغيروا على بلغراد وزغرب.
حقيقة يجب أن يدركها المسلمون اليوم وهي أن عمر أنظمة الكفر القائمة في بلاد الإسلام قد أوشك على النهاية، وأن القائمين على هذه الأنظمة من الحكام والعملاء والجلادين قد انكشف عوارهم وبانت سوءاتهم ، وأنه قد آن الأوان للمسلمين أن يأخذوا بخناقهم، وأن ينقضوا على عروشهم وكراسيهم فيدمروها ويعيدوا الأمور إلى نصابها بعد هذا الغياب الطويل لدولتهم دولة الخلافة، إن هؤلاء الحكام المتآمرين، غربان الشعوب في العالم الإسلامي لن ينقذهم من بطشة الأمة الإسلامية الكبرى نعوتهم السخيفة للأمور والوقائع والأشياء فقد انكشف دجلهم ، إذ أضحوا يقاتلون في آخر خنادقهم، وما على المسلمين إلا أن يعوا الآن على حقيقة أخرى لا أخيرة، وهي أن قضيتهم في هذه الحياة هي قضية الإسلام الكبرى في إعادته إلى مركز القوة والحكم ليتحكم هو وحده في علاقاتهم بعد أن أبعده الكافر المستعمر وعملاؤه ردحا طويلا من الزمن عن التحكم في هذه العلاقات. وليعلم المسلمون أنهم كأمة يجب أن تكون لهم قضية، وأن يدركوا أن الأمم بدون قضية تعيش من أجلها وتموت من أجلها لا تعد بين الأمم ولا يحسب لها حساب ، وأن قضيتهم هذه هي قضية مصيرية لا يتخذ فيها إلا إجراء واحد هو إجراء الحياة أو الموت، كي يرجعوا امة كبرى ودولة كبرى لانتزاع القيادة في الموقف الدولي من الدول الكافرة، وأن قضيتهم هذه ليست قضية اقتصادية كما يحاول الكافر إيهامهم بتصويرها لهم على هذا الأساس، بل هي قضية سياسية لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولتهم، ومن ثم حمل دعوة الإسلام إلى العالم عن طريق الدولة بالجهاد وبما يقتضيه هذا الجهاد من أعمال سياسية دولية لأنه هو سياستهم الخارجية وعلى أساسه تنظم العلاقات مع الدول والأمم، عندئذ يتم إنقاذ فلسطين بالجهاد، وتحرير البوسنة والبلقان والقفقاس ، وعندئذ تسترد الأندلس وكل ما ضاع من بلاد الإسلام، فالإمام جنة يتقى به ويقاتل من ورائه، فأمير المؤمنين الذي هو نائب عن المسلمين في الحكم والسلطان هو الدرع الذي تحتمي به الأمة الإسلامية فهو الذي ينظم الجيوش ويجهزها للقتال في سبيل الله، ولاسترداد الضائع من بلاد الإسلام، وهو الذي ينوب عن الرجال في العيال حين يخرجون في جحافل الجيوش للجهاد، وهو الذي يسترد الحقوق المسلوبة والأموال المسروقة ويعيدها إلى أصحابها المسلمين بتوزيع الثروة توزيعا عادلا على أساس الإسلام، وهو الذي يحمي هذه الثرة من نهب الناهبين وطمع الطامعين من الدول الكبرى وعملاء الدول الكبرى حكام المسلمين اليوم وغربان الشعوب.
( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )
فإلى الجهاد في سبيل الله أيها المسلمون لإنقاذ أنفسكم وإنقاذ دياركم برفع رايته فوق رؤوس هذه الجحافل والجيوش التي أوجدت في العالم الإسلامي لضربكم وحماية نظم الكفر من بطشتكم، فلتكن هذه الجيوش جيوشا لله ولرسوله ، لا لهؤلاء العملاء الطواغيت ولتكن هذه الجيوش تحت إمرة أمير المؤمنين لغزو الكفار وفتح بلدانهم وأقطارهم لنشر دين الله في الأرض.. فإلى هذا أيها المسلمون، أو انتظروا أندلساً رابعة.
( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون ).
1995-08-31