الهجرة على فرنسا: بحث في العنصرية
1992/03/31م
المقالات
2,211 زيارة
يحتدم النقاش في أوروبا بعامة، وفي فرنسا بخاصة، حول هجرة الأجانب وتحديد عدد المقيمين منهم علماً أن معظم الحوارات الفرنسية تدور حول المهاجرين العرب من المغرب.
وسط هذا الصمت العربي، صدر في باريس كتاب مهم لشريف الشوباشي في عنوان «هل فرنسا عنصرية: إشكالية الهجرة العربية والإسلامية في أوروبا». وهو أول مؤلف باللغة العربية يصدر حول هذا الموضوع الساخن، وفيه قدر كبير من المعلومات والإحصاءات والأرقام الدقيقة المقترنة بعرض تاريخي لإشكالية الهجرة العربية الإسلامية إلى فرنسا. وأزمة وجود الجاليات العربية كحضور ديني وعرقي مخالف للأرضية الحضارية التي يستقر داخلها.
جاء الكتاب ليرصد الجدالات وملفات الصحف والقوانين وجلسات البرلمان الفرنسي وتصريحات السياسيين الخاصة بموضوع الهجرة العربية، طوال الأعوام القليلة الماضية، عندما برزت هذه الإشكالية على سطح الاهتمامات السياسية والاجتماعية في فرنسا بشكل حاد.
وكانت دقة الرصد ووفرة المعلومات متأتية من الموقع الوظيفي الذي يحتله مؤلف الكتاب، فشريف الشوباشي يشغل منصب رئيس مكتب جريدة “الأهرام” في باريس، ولا شك بأن هذا الموضع جعل الكاتب يعايش الحدث وتطوره من نقطة مركزية.
يبدأ الكتاب بطرح المشكلة زمنياً على مستوى ظهورها للعيان، فقد شعر الفرنسيون للمرة الأولى بكثافة الوجود العربي الإسلامي في فرنسا منذ العام 1982، خلال الإضرابات العمالية التي اجتاحت بلادهم وشملت المؤسسات الصناعية الكبرى التي تعتبر ركائز داخل البنية الاقتصادية الفرنسية.
عندها ظهر العمال العرب المسلمون، وغالبيتهم من شمال أفريقيا، بكثافة في هذه الإضرابات، وكانت النقابات العمالية الفرنسية تدفع بالعرب إلى رئاسة “لجان الإضراب” فبدوأ أمام الرأي العام الفرنسي وكأنهم جاؤوا إلى فرنسا لكي يخربوا ويدمروا الاقتصاد.
في هذا الظرف برز حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي العنصري الذي ينادي بطرد الأجانب من فرنسا ويستخدم أيديولوجية عنصرية متطرفة مقترنة بلغة وخطاب سياسيين صريحين يصلان إلى حد السوقية والابتذال، أحياناً، في طرح أهدافه المعادية للعرب والمسلمين المقيمين في فرنسا.
جاء بعد هذه الإضرابات عامل مساعد آخر دفع الرأي العام الفرنسي إلى اعتبار العرب المسلمين مركز تهديد حضاري لمجتمعهم ولأمنهم واستقرارهم. ويتخلص في ظهور الصحوة الإسلامية على أثر نجاح الثورة الإيرانية، إذ بدأ مدها يصل إلى العمال العرب المهاجرين فيتشبثون بهويتهم الدينية في حين كانت وسائل الإعلام الفرنسية تظهر أن الإسلام مرادف للإرهاب وأن عمليات الإرهاب في العالم من صنع إسلامي. وهكذا بدأ النزعة العنصرية الفرنسية تعبر عن نفسها بقوة.
ويتناول المؤلف في فصل خاص، النصوص الخاصة في القانون والدستور الفرنسيين التي تحرم العنصرية، ويورد عرضاً دقيقاً بالتواريخ وبالنصوص القانونية الخاصة بموضوع العنصرية والعقوبات الصارمة عليها، لكن هذا القانون الموجود على الورق لا يطبق في الممارسة الواقعة، فالعنصرية في ازدياد وأصبحت عبارة مثل “إذا كان لا يعجبك هذا البلد فعد من حيث جئت” عبارة عادية يلقيها الفرنسيون في وجه الأجانب. وكمراقب للأرضية الفرنسية يورد المؤلف تحديداً دقيقياً لأسباب هذا المد العنصري، من خلال وجهة النظر الفرنسية فيقول: “وأكثر التعليلات شيوعاً لهذا الجو المشحون ضد الأجانب هو الزيادة المطردة للوجود غير الفرنسي الذي يهدد بتغيير الملامح الأساسية للمجتمع والأسس الثقافية والحضارية التي تقوم عليها فرنسا منذ بضعة قرون”.
ويحدد المؤلف ثلاثة أنواع أو مستويات من الوجود العربي الإسلامي داخل فرنسا: العرب الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية، وعلى رغم كونهم فرنسيين تماماً من الناحية القانونية إلا أن شكلهم الظاهري يبقى عاملاً يمنع الفرنسيين من اعتبارهم كذلك. المستوى الثاني من العرب المهاجرين هم المتمتعون باقامات رسمية تجدد خلال مدة زمنية معينة. أما القسم الثالث فهو العرب الذين يعيشون من دون إقامة رسمية ووجودهم غير قانوني. وهؤلاء يعيشون في الخفاء وفي الظل معرضين لكافة أنواع الاستغلال من قبل رب العمل الفرنسي الذي يشغلهم بأجور منخفضة ومن دون أية ضمانات اجتماعية أو صحية
1992-03-31