عن الوضين بن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثمانية أبعض خليقة الله إليه يوم القيامة: السقارون وهم الكذابون، والخيّالون وهم المستكبرون، والذين يكنـزن البغضاء لإخوانهم في صدورهم فإذا لقوهم تخلّقوا لهم، والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله كانوا بِطاءً وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره كان سِراعاً، والذين يُشْرفُ لهم طمع الدنيا إلا استحلوه بإيمانهم وإن لم يكن لهم ذلك بحق، والمشاءون بالنميمة، والمفرقون بين الأحبة، والباغون البرآء الدَّحضةَ، أولئك يقذرهم الرحمن عز وجل».
أورد السيوطي هذا الحديث في (الجامع الصغير) وذكر روايته واعتبره حسناً، وهناك آيات كريمة عديدة وأحاديث شريفة كثيرة تعرضت لهذه الأصناف بشكل متفرق، وأجملّها هذا الحديث في موطن واحد.
يستعرض الحديث أصنافاً من البشر تسهل رؤيتهم في عصرنا الحالي يعيشون بيننا ويعيقون تنـزل رحمة الله علينا، وبيان ذلك ما يلي:
الصنف الأول:
من الواضح انتشار الكذابين لدينا في كافة مجالات الحياة وخاصة في أجهزة الإعلام التي لا تكاد تصدق في شيء. وإذا كان الكذب هو سلاح المحكومين الضعفاء أو المتسلقين أو الانتهازيين، فإنه لا يليق بالحكام ولذلك فالحاكم الكذاب مرتكب لجريمة فظيعة ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر» رواه مسلم والنسائي.
الصنف الثاني:
يفهم كثيرون الاستكبار نصف فهم، ولذلك فإن الرجل الذي احتج على حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه مسلم «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر» بحبه لنظافة ثوبه ونعله، أوضح له الرسول توضيحاً شافياً «إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الحق».
لاحظ أن غمط الناس أي احتقارهم والازدراء بهم هو الشق الثاني من معنى الكبر، أما الشق الأول فيعني دفع الحق وعدم القبول به. لهذا يعتبر مستكبراً كل من يرفض السير مع الفئة الظاهرة على الحق التي تعمل لإقامة الخلافة الراشدة.
الصنف الثالث:
ليس من طبع المسلم أن يكون حقوداً على إخوانه يغيب عنهم بوجه ويلقاهم بوجه آخر. ليت كل مسلم يتذكر قصة عبد الله بن عمر حين طلب أن يحل ضيفاً على رجل بسيط وصفه الرسول عليه وآله الصلاة والسلام بقوله: «يطلع عليكم رجل من أهل الجنة» فلما لم يَرَ ابن عمر مزيد صلاة أو صيام استوضح الرجل، فقال له: (لا أذكر أنني قد بت يوماً وفي قلبي حقد على أي مسلم). ماذا يقول المرء لأناس يدّعون العملَ للإسلام فلا تجد في جلساتهم سوى إثارة الأحقاد على حركة إسلامية معينة ثم يوصون أتباعهم بسياسة ذي الوجهين مع تلك الحركة بالذات.
الصنف الرابع:
حين يتعلق الأمر بدعوة شيطانية تستند إلى وطنية منحطة أو قومية ضيقة أو عصبية تافهة، تجد لدى كثير من المسلمين للأسف سرعة استجابة والتفاف في هذا الزمان. وعندما يتصل حَمَلة الدعوة بالناس، لا يرون منهم إلا الجمود والتخاذل والتبريرات الفلسفية. وهذه أشياء لا يرضى عنها الله عز وجل. والأنكى من ذلك أن الدعوة لامست أسماع أهل الحل والعقد فلم تلامس لديهم نخوة المعتصم وكأن أمر هذا الأمة المهددة لا يعنيهم.
الصنف الخامس:
كشفت الأحداث المتعاقبة أن كثيراً من أبناء المسلمين الحاليين أتباع دينار ودرهم، وحين أدرك الكفار نقطة الضعف هذه أوعزوا إلى عملائهم بالتلويح بمنفعة مادية كلما كانت هنالك حاجة لتمرير خيانات.
لقد باع الكثيرون دينهم مقابل مصلحة دنيوية تافهة كعلماء السوء الذين حللوا الباطل طمعاً في الدنيا الفانية، فهل ينجيهم هذا من سخط الله؟
الصنف السادس:
نهى الله عز وجل عن التجسس على المسلمين وعن نقل أخبارهم على سبيل النميمة والهمز واللمز والإيذاء. من الصعب تصديق من يدعي الانتماء إلى دين الإسلام وفي الوقت ذاته يعمل في جهاز مخابرات أو أمن وقائي، وعن هؤلاء بالضبط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتتات» رواه البخاري ومسلم.
لو سألت قتاتاً عاملاً في دوائر القمع بالأمة، وكان معرفة أو قريباً، لأجابك أن سبب عمله هو الحصول على لقمة العيش والتمكن من فرض الهيبة واكتساب نفوذ في الدولة القائمة. يغيب عن ذهن هذا الشخص أن من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله مثلها في جهنم وكذلك أن كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وأيضاً أن الله يعذب يوم القيامة الذين كانوا يعذبون الناس في الدنيا. ثم أي هيبة تلك وأي نفوذ في ظل حكومات ليس لها وزن أو قيمة على المستوى الدولي ولا يحسب لها أدنى حساب؟
الصنف السابع:
لقد أتراد الله أن تكون علاقات المؤمنين مبنية على التواد والتراحم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد… » والأصل في العلاقة الزوجية كذلك (… وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً). هنالك أناس لا يروق لهم رؤية ألفة بين صاحبين أو زوجين أو جماعتين. فيعملون على تخريب العلاقات متبعين سبيل الشيطان وقاطعين لما أراد الله أن يوصل. يحرص العدو الكافر على الإفساد بين المسلمين حتى يديم سيطرته على أساس (فرق تسد) وتوجد قناعات راسخة لدى وزارتي الخارجية الأميركية والبريطانية مثلاً أن بقاء نفوذهم يعتمد على استمرار النزاعات بين الآخرين. لذلك كان على المسلمين تفويت الفرصة على الأعداء المفسدين لأن فساد ذات البين هو الحالقة للدين ولقوله عز وجل: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) والمطلوب هو إبداء أعلى قدر من التسامح والصفح وسعة الصدر بين المسلمين.
الصنف الثامن:
هؤلاء قوم خبثاء يعملون لإيقاع الأبرياء في المزالق والمطبّات، ويسمى هذا في لغة العصر (أسلوب الإسقاط). يحفر هذا الصنف المصائد للأبرياء، ثم يستدرجهم إليها، وفي حالة وقوعهم يكون جاهزاً لأخذ مستمسكات الإدانة، وبعد لك يقوم بالابتزاز والتهديد بالفضيحة إلا إذا رهن الأبرياء إرادتهم. يعتمد الكافر المستعمر كثيراً على أسلوب الإسقاط، ولذلك تجد عملاءهم فافدي الإرادة مرتجفين خوفاً من الخروج عليهم. وبما أننا بناة شخصيات إسلامية ودولة الخلافة بإذن الله، فإن علينا فهم هذا الأسلوب وتحذير المسلمين من الوقوع في حبائل الكفار بالتزام التقوى والتزام صحبة الصادقين الله من المسلمين. بعد استعراض هذه الأصناف التي هي أبغض المخلوقات إلى الله سبحانه وتعالى، أضاف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبارة: «أولئك يقذرهم الرحمة عز وجل». إن استعمال إسم الرحمن هنا أمر ملفت للنظر لأن الرحمن (صيغة مبالغة لفاعل الرحمة). إذا كان صاحب الرحمة الواسعة قد استقذرهم وكرههم إلى ابعد الحدود، فلترتجف أبدانهم ولترتعد فرائصهم لأن عذاب الله الشديد ينتظرهم، وإلا فإن عليهم التوبة والخروج من هذه الأصناف على الفور وقبل فوات الأوان حين لا ينفع عند انتهاء الأجل.