كلمة الوعي: الخلاف بين أميركا وإسرائيل
2016/10/29م
المقالات, كلمات الأعداد
1,961 زيارة
بعد وصول نتن ياهو إلى السلطة برز الخلاف بين أميركا وإسرائيل. وفي الواقع هناك خلاف قديم بين أميركا وإسرائيل على مسائل عدة. فالخلاف ليس مقتصراً على نتن ياهو والليكود، بل هو من أيام حزب العمل بدءاً من العدوان الثلاثي (إنجلترا وفرنسا وإسرائيل) سنة 1956 على مصر، مروراً بحرب 5 حزيران سنة 1967 وحرب تشرين سنة 1973، وكلها في أيام حزب العمل. وكلها كان موقف أميركا إزاءها غير موقف إسرائيل.
الخلاف بين أميركا وإسرائيل الآن يبرز في الحملة التي تشنها مصر على إسرائيل، والتلويح بحصول حالة بديلة من السلام، وترديد عبارات الحرب والأسلحة الكيميائية وصواريخ سكود…
رابين كان يساير أميركا، ويظهر لها أنه موافق على الانسحاب من الجولان ولكنه لا يستطيع لأن غالبية الكنيست لا توافق، وكذلك غالبية الشعب لا توافق في حال حصول استفتاء. وجاء بعده بيريز بالحجج نفسها.
وجاء نتن ياهو يعلن، دون مجاملة، أنه لا يريد الانسحاب من الجولان. وانسحاب إسرائيل من الجولان مسألة استراتيجية وهامة جداً بالنسبة لأميركا. أميركا تريد الجولان لنفسها وليس لإعادتها إلى سوريا. حين تجلس أميركا في الجولان تستطيع أن تسيطر على سوريا والأردن وفلسطين ولبنان مباشرة، وتستطيع أن تؤثّر من هذا الموقع في تركيا والعراق وقبرص أيضاً. ولذلك فإن أميركا تحثّ سوريا على عدم التراجع قيد أنملة عن موقفها المطالب بانسحاب إسرائيل من كامل الجولان حتى حدود 4 حزيران 67 (تصريحات لعبد الحليم خدام). وهذا سبب جوهري من أسباب الخلاف بين أميركا وإسرائيل.
ويبدو أن نتن ياهو كان يكلّم كلينتون بكثير من التعالي والعجرفة أثناء زيارته الثانية لأميركا بعد استلامه الحكم، إذ نقلت بعض الوكالات أنه كان يتكلم وكأنه هو رئيس أميركا وليس كلينتون. وهذا ما جعل كلينتون يتخذ قرار الضغط على نتن ياهو لإعادته إلى حجمه الصغير. فكلّف بالمهمة الرئيسَ مبارك الذي يقوم بالدور بشكل جيد،وكلّف شبكة CNN أن تجري مقابلة مع الرئيس أسد لتبثها على الشعب الأميركي، وسلّط الأضواء على المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بعد فتح النفق تحت الأقصى، وقام شيخ الأزهر بالمطالبة بإرسال السلاح والمتطوعين لتحرير القدس، وقام خطباء المساجد في كثير من البلاد الإسلامية بإبراز قداسة مدينة القدس والأقصى، وقامت صحف مصر بالمطالبة باتخاذ موقف من إسرائيل، وتكلمت الجامعة العربية وكثير من حكام العرب بإيقاف التطبيع مع إسرائيل. حتى إن الملك حسين اضطرّ أن يتظاهر بالانزعاج من مواقف حكومة نتن ياهو. وقد صار لحسني مبارك شيء من الشعبية نتيجة مواقفه الضاغطة على إسرائيل، حتى عرفات أحس بشيء من التأييد. وهذا التأييد الذي حصل لمبارك وعرفات يدلّ على أمرين: الأول أن الناس لا تريد الصلح مع اليهود، والثاني أن الناس ما زالوا تغلب عليهم السذاجة في فهم الواقع السياسي. إنهم لا يعرفون أنهم يخوضون مجابهة بين كلينتون ونتن ياهو، هم يظنون أنهم يعملون لحماية الأقصى. ونسـأل الله أن يـكـون لـهم أجـر عنـد الله لأن نيتهم هي لله. ونسأل الله أن يزيل عنهم غشاوة الوهم ويرزقهم نعمة الفهم ليدركوا أن البلاء الأكبر هو من العملاء المتربعين على الكراسي ويتلاعبون بمشاعر الناس ويضللون الناس خدمة لأسيادهم في الدول الكبرى.
هناك من نقل أن كلينتون حرّض ليفي، وزير خارجية إسرائيل، على نتن ياهو. وهناك من فهم أن حسني مبارك دعا شارون لزيارة القاهرة لتحريضه أيضاً على نتن ياهو. وذلك لعمل انقلاب داخل ليكود على نتن ياهو.
الخلاف بين أميركا وإسرائيل ليس مقتصراً على مسألة الانسحاب من الجولان، أو مسألة التعالي والعجرفة التي تعامل بها نتن ياهو مع كلينتون. هناك مسألة مزمنة وهي أكثر أهمية: أميركا ساهمت في إيجاد إسرائيل لتجعل منها أداة لتنفيذ سياستها وتأمين مصالحها في المنطقة، ولكن حكام إسرائيل يرفضون (غالباً) أن يكونوا مجرد أدوات، ويحرصون على مصلحة اليهود أولاً. ولماّ كان هناك تنافس وصراع على الاستعمار والنفوذ في هذه المنطقة بين الدول الاستعمارية وخاصة أميركا وبريطانيا، فإن حكام إسرائيل ساروا ويسيرون حسب السياسة الإنجليزية في أكثر الخطط . وهذا يفسر لنا العلاقات الحميمة بين النظام الأردني (وهو مع الإنجليز) وبين حكام إسرائيل سواء حزب العمل أو الليكود. وهذا يفسر لنا أيضاً إصرار عُمان (وهي مع الإنجليز) على التطبيع مع إسرائيل رغم قرار الجامعة العربية بالتجميد حتى تنصاع إسرائيل في مسألة الجولان ومسألة أوسلو. وكثير من الأنظمة مثل قطر وتونس والمغرب تريد التطبيع مع إسرائيل ولكن الضغط لجمها مؤقتاً.
إسرائيل عملت اتفاقات عسكرية وأمنية مع تركيا. هذه الاتفاقات تخالف سياسة أميركا في تركيا. أميركا هي التي تدعم (من وراء الستار) حزب العمال الكردستاني في عمله المسلح في تركيا. وهي التي أوجدت سنة 91 كياناً لأكراد العراق من شأنه تحريض أكراد تركيا على العمل للاستقلال. علماً أن السلطة في تركيا هي بيد الجيش وليست بيد السياسيين، والجيش ليس بيد أميركا (لها أفراد فقط) وهي تحاول جعله يرضخ عن طريق تثوير الأكراد، وفلتان الأمن ، والضائقة الاقتصادية. دخول إسرائيل إلى الأمن التركي يؤذي أميركا من وجهين: الأول إيجاد طوق تركي – إسرائيلي على سوريا من الشمال، ما يجعل سوريا بين فكي كماشة إسرائيلية، وهذا ضد سياسة أميركا. والثاني أنها تساعد على لجم عمل حزب العمال الكردستاني.
إسرائيل دعمت اريتيريا في احتلال جزيرة حنيش اليمنية في البحر الأحمر، ما جعل مصر تهتم وتتدخل، وكذلك السعودية، وتم تكليف فرنسا بالوساطة.
وكان كلينتون يرغب في استئناف مفاوضات المسار السوري – الإسرائيلي، وكذلك تنفيذ ما تم توقيعه من اتفاق أوسلو كي يستثمر ذلك في الانتخابات الرئاسية في 5/11/96. ولكن عِناد نتن ياهو حرمه من ذلك.
ولكن لا يفهمنّ أحدٌ أن هذه الخلافات يمكن أن تؤدي إلى تخلّي أميركا عن إسرائيل، بل إن أقصى ما تؤدي إليه هو الضغط لإسقاط الحاكم المشاكس، هذا إذا استطاعت. وسبق أن حصلت حرب محدودة سنة 73.
2016-10-29